تعرّض الرئيس التونسي قيس سعيّد لانتقادات لاذعة، بعدما دعا إلى إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وهو ما يمثل ردة وانتكاسة لإنجاز تاريخي حققته منظمات حقوق الإنسان منذ 30 عاماً، حينما توقفت السلطات التونسية عن تنفيذ أي أحكام من هذا القبيل.
وبحسب مقطع فيديو بثته رئاسة الجمهورية التونسية، تحدث سعيّد عن جريمة مقتل شابة خنقاً من قبل شخص له سوابق في الإجرام، قائلاً: "من قتل نفساً بغير حق جزاؤه الإعدام".
ووصفت "منظمة العفو الدولية" تصريحات الرئيس التونسي بـ"الصادمة"، فيما أكدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن "الإعدام لا يردع ولا يحد من تفشي الجريمة".
الإعدام في تونس
في اجتماع أمني، أكد الرئيس التونسي أن الجاني في جريمة قتل الشابة سبق له الإفلات من جريمة سابقة، مشيراً إلى أنه "إذا ثبت أنه ارتكب قتل نفس أو أكثر فلا أعتقد أن الحل هو كما يدعي البعض عدم تنفيذ عقوبة الإعدام".
وتابع الرئيس التونسي: "إذا كان هناك عفو فلمن يستحقه لا لمن أجرم مرتين، ويبدو أن القاتل الذي قبض عليه قتل في السابق وتمتع بعفو سابق".
وكان سعيّد قد أعلن خلال حملته الانتخابية الرئاسية عام 2019 عن رفضه إلغاء عقوبة الإعدام، وهو ما جعل أنصاره يقولون إنه ينفذ برنامجه الانتخابي الذي وعد به الشعب التونسي.
ونفذت تونس آخر عملية إعدام لها عام 1991، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، لكن لا يزال القانون التونسي يتيح إصدار أحكام بهذه العقوبة التي لم يلغها دستور الثورة الصادر عام 2014.
ينتظر في الوقت الحالي حوالي مائة شخص تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وفقاً لناشطين حقوقيين مناهضين للتعذيب، وهو ما أثار مخاوف كبيرة بأن الرئيس التونسي قد يُوقّع على تنفيذها
وصدرت أحكام إعدام عدة على مدانين في السنوات الأخيرة، لا سيما في محاكمات تتعلق بالأمن القومي، لكن تم وقف تنفيذ العقوبة واستبدالها بعقوبات أخرى.
وينتظر في الوقت الحالي حوالي مائة شخص تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وفقاً لناشطين حقوقيين مناهضين للتعذيب، وهو ما أثار مخاوف كبيرة بأن الرئيس قد يُوقّع على تنفيذها.
وكانت تونس قد أبلغت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مؤخراً أنها ستطلق نقاشاً حول إمكانية إلغاء عقوبة الإعدام، وهي العقوبة التي تم تنفيذها بحق 100 تونسي من خمسينيات القرن الماضي لأسباب سياسية.
"الباب نحو البربرية"
أثارت تصريحات الرئيس التونسي ردود أفعال واسعة، إذ عبّر كثيرون عن رفضهم عودة تونس إلى الوراء باستئناف تطبيق هذه العقوبة التي وصفوها بـ"الردة" و"البربرية"، فيما رحب آخرون بكلام سعيد ورأوا في طرحه رادعاً للمجرمين.
في أول رد فعل، قال رئيس الائتلاف التونسي لمناهضة عقوبة الإعدام شكري لطيف إن "تصريحات قيس سعيّد مقلقة للغاية وموقف شعبوي وتفتح الباب نحو البربرية".
وأعرب لطيف عن قلقه من أن الرئيس كان يعتمد على الشريعة الإسلامية، بدلاً من الدستور، الأمر الذي قد يشكل سابقة "لتبرير العديد من النكسات الأخرى في مجال حقوق الإنسان"، مذكراً بأن تونس أعدمت نحو 135 شخصاً منذ استقلالها عام 1956، غالبيتهم لأسباب سياسية.
الأسبوع الماضي، اختفت شابة تونسية لتظهر جثتها في ما بعد ملقاة في خندق... تعليقاً على الجريمة، لوّح الرئيس التونس بتفعيل الإعدام، وهو ما رفضه كثر في مجال حقوق الإنسان، مذكرين بتنفيذ أكثر من 100 حكم إعدام سابقاً، غاليتهم كانوا لأسباب سياسية
من جانبها، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن تعليقات الرئيس التونسي كانت "صادمة"، وأن استئناف تطبيق عقوبة الإعدام سيكون "صفعة في وجه كل ما حققته تونس من تقدم في مجال حقوق الإنسان".
وقالت نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة آمنة القلالي في بيان: "لا يوجد دليل موثوق يُظهر أن عقوبة الإعدام تردع الجريمة بشكل أكثر فاعلية من السجن عقب محاكمة عادلة".
وعارض الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي تطبيق عقوبة الإعدام في تونس، مؤكداً أنه لم يوقع على أي أمر بتنفيذ أي حكم من أحكام الإعدام التي عرضت عليه في الثلاث سنوات التي كان فيها رئيساً.
وأوضح المرزوقي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية، أن الجريمة لا تزداد إلا في المجتمعات التي تطبق عقوبة الإعدام وأقلها جرائم تلك التي اختفت فيها، مشيراً إلى أن هذه العقوبة قد تكون عادلة شرعية ضرورية في بعض الحالات، لكن استعمالها تاريخياً كان ولا يزال سلاح الاستبداد والظلم الطبقي والعنصرية للتنكيل بالأبرياء.
وقال أستاذ القانون الدستوري في تونس أمين محفوظ: "هل تعلم أن المقدس الوحيد الذي له مكانة دستورية في تونس هو الحق في الحياة وأن الدولة ملزمة طبق الدستور بحمايته؟".
فيسبوك يحذف فيديو سعيّد
زادت حدة الجدل في الشارع التونسي، بعدما قررت إدارة موقع فيسبوك حذف فيديو الرئاسة التونسية الذي يحتوي على تصريحات سعيّد حول عقوبة الإعدام، وبات محظوراً تداوله أو التشجيع على تنفيذ هذه العقوبة.
وقال الإعلامي التونسي سمير الوافي إن فيسبوك اعتبر أن تصريحات سعيّد مخالفة لميثاق وأخلاقيات النشر في الموقع، مشيراً إلى أن هذه من المرات النادرة جداً التي تحذف فيها كلام رئيس دولة في هذا العالم.
من جانبه، قال الباحث والأكاديمي التونسي حسان القبي إن تويتر حذف تغريدتين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلا يمكن لوم فيسبوك إن حذف فيديو لرئاسة الجمهورية.
وأضاف القبي في تدوينة له عبر فيسبوك: "وسائل التواصل الاجتماعي هي لتسهيل تمرير المعلومة و ليس لرسم سياسات الدول، امضي سيدي الرئيس في ما عزمت والشعب معك ان شاء الله". وتابع القبي قائلاً: "الإعدام لمغتصبي الأطفال و النساء... لا شيء غير الإعدام".
الجريمة
في الأسبوع الماضي، اختفت شابة تونسية تبلغ من العمر 29 عاماً لتظهر جثتها في ما بعد ملقاة في خندق، بالقرب على الطريق بين العاصمة تونس ومنطقة المرسى.
وتمكنت الشرطة التونسية من كشف هوية مرتكب الجريمة الذي اعترف أنه خنق الشابة بيديه ثم سرق هاتفها، وهو تحت تأثير الكحول.
طالب والد الضحية بإعدام قاتلها، فيما أفادت وزارة العدل أن المتهم في هذه القضية تمتع بعدم سماع الدعوى في قضية قتل وسرقة في 2013 ولم ينل العقوبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...