شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صفقة السلاح الأمريكية التونسية... للحد من النفوذ الروسي أم من الإرهاب؟

صفقة السلاح الأمريكية التونسية... للحد من النفوذ الروسي أم من الإرهاب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 23 يناير 202503:26 م

في عام 1975 همس الوزير الأول التونسي في حكومة الحبيب بورقيبة، هادي نويرة، لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في واشنطن، بأن "تونس لم تكن يوماً مولعة بالسلاح. نحن نحاول رفع مستوى المعيشة".

لعل هذه المقولة تلخص عقيدة تونس أو نظرتها للجيش في حكمَي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، فالعسكر في تونس لم يدخل على مدى تاريخه في أي سباق للتسلح، ولم يعقد أي صفقات تسليح ضخمة تذكر، وظل الإنفاق العسكري على هذه المؤسسة متواضعاً وضعيفاً.

وهو ما كشفته وثائق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، نشرتها على موقعها الإلكتروني في كانون الثاني/يناير 2017، وأظهرت أن واشنطن كانت قلقة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، بسبب ضعف القدرات العسكرية التونسية، مقابل ما يمثله "التهديد" العسكري في ليبيا في تلك الفترة.

من يتابع الشأن العام في تونس يدرك أن الجيش التونسي لم يكن لاعباً أساسياً في السياسة والاقتصاد، على عكس دول المنطقة، بل كان على الدوام داخل ثكناته، فالعسكر التزم منذ انبعاثه عام 1956 بعقيدته المتمثلة في حماية المؤسسات وليس الأشخاص.

لهذا تحظى المؤسسة العسكرية بالنسبة الأكبر من ثقة التونسيين مقارنة ببقية المؤسسات، بنسبة تناهز 90%، بحسب دراسة أعدتها شبكة "أفروبارومتر" المتخصصة في سبر الآراء في إفريقيا حول ثقة مواطني البلدان الإفريقية في مؤسسات دولهم، والتي أجريت بين نهاية عام 2021 ومنتصف عام 2023.

عهد سعيد... نقلة نوعية للجيش؟

في الفترة الأخيرة، أولت خطابات ساكن قرطاج اهتماماً متزايداً بالمؤسسة العسكرية، مع حديثه عن نية تطوير قدرات القوات المسلحة لبلاده وتعزيز جهوزيتها من بنية تحتية وتسليح، إذ تظهر العديد من المؤشرات أن الاهتمام بالجيش قد ازداد بالفعل في عهد الرئيس قيس سعيد، فالإنفاق العسكري في تونس ارتفع إلى 1208.20 مليون دولار في عام 2023 بعد أن كان 1156.20 مليون دولار في عام 2022، في حين قُدّر أعلى مستوى له على الإطلاق بـ1250.50 مليون دولار أمريكي في عام 2021، وأدنى مستوى قياسي له كان في عام 1956 بـ3.70 مليون دولار أمريكي ، وفق إحصاءات مركز ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري). 

في عام 1975 همس الوزير الأول التونسي في حكومة الحبيب بورقيبة هادي نويرة لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بواشنطن بأن "تونس لم تكن يوماً مولعة بالسلاح. نحن نحاول رفع مستوى المعيشة". وقد ظلّت هذه العقيدة سارية في حكمَي الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي. لكن ماذا عن اليوم؟ 

آخر هذه المؤشرات كانت مع موافقة واشنطن على صفقة عسكرية محتملة لتونس تتضمن صواريخ جافلين، وعناصر الدعم اللوجستي والبرامجي ذات الصلة، بتكلفة تقدر بنحو 107.7 مليون دولار.

وتتضمن الصفقة الحالية، المتمثلة في شراء تونس لـ 184 صاروخ جافلين، و30 وحدة إطلاق خفيفة الوزن من طراز جافلين، فضلاً عن قطع غيار وتكاليف فريق التدريب المرافق للأجهزة وغيرها.

بيان واشنطن اعتبر أن "صفقة جافلين" ستدعم "السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي، من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي يواصل لعب دور مهم في الأمن الإقليمي وعمليات حفظ السلام في جميع أنحاء إفريقيا".

كما "ستعزز الصفقة المقترحة قدرة تونس الدفاعية على المدى الطويل، للدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها، وتلبية متطلبات دفاعها الوطني، ولن تجد تونس صعوبةً في استيعاب هذه المعدات في قواتها المسلحة".

صواريخ جافلين... "رمح قاتل" بالحروب

تمتاز صواريخ "جافلين" بقدراتها الفائقة، ويطلق الصاروخ منها عن طريق منصة أو الكتف، ويبلغ وزنه نحو 7 كيلوغرامات، ويصل مداه إلى نحو 2500 متر.

وسُمي بـ "الرمح" لأن طريقة إطلاقه تشبه رمي الرمح الذي يسقط على الأرض بزاوية شديدة الانحدار، كما يتميز بقوة تدميرية عالية، فهو قادر على اختراق أي دبابة وفقاً لتقارير عسكرية، في حين يبلغ سعر سلاح "جافلين" الذي تصنعه مجموعتا "رايثيون" و"لوكهيد مارتن" الأميركيتان، 178 ألف دولار بحسب ميزانية البنتاغون لعام 2021. 

وافقت واشنطن مؤخراً على صفقة عسكرية لتونس تتضمن 184 صاروخ "جافلين"، وعناصر الدعم اللوجستي والبرامجي ذات الصلة، بتكلفة تقدر بنحو 107.7 مليون دولار.

وعن الاهتمام بواقع تطوير المؤسسة العسكرية في تونس، يقول مختار بن نصر، العميد المتقاعد من الجيش التونسي، لرصيف22: "الجيش التونسي بحاجة إلى تطوير قدراته الدفاعية وتطوير قدراته التكنولوجية، سواءً على مستوى المعدات العسكرية، أو تدريب الأفراد، في ظل تزايد المخاطر والتحديات التي تواجه تونس على حدودها، فمن المنطقي القيام بهذه التحديثات العسكرية".

ويضيف العميد التونسي أن "صواريخ جافلين تعتمد آلية (أطلق وانسَ)، وقد أظهرت كفاءتها بحرب أوكرانيا أو حتى قبل ذلك"، مشيراً إلى أن "غالبية المعدات العسكرية التونسية هي معدات أمريكية متطورة، وضعت في ذمة الجيش التونسي، سواءً في مجال المدفعية أو الدروع أو الطيران، واقتناء تونس لصواريخ جافلين يأتي ضمن تدعيم الترسانة الدفاعية التونسية بعمل جيش البر".

ويتابع: "تونس تقتني أسلحتها من أوروبا أو الولايات المتحدة في إطار برنامج لتطوير الجيش، إذ يجري في كل عام برمجة أسلحة محددة لاقتنائها مثل الدبابات والطائرات والأسلحة البحرية".

كما يشير إلى أن بيع البنتاغون لتونس صواريخ "الرمح القاتل" يعزز التعاون العسكري بين البلد الإفريقي والمعسكر الغربي، وأن "عملية تطوير المؤسسة العسكرية تنظر إلى جميع التهديدات المحتملة، مع تغير طبيعة الواقع الجيوسياسي بالمنطقة".

وتربط تونس والولايات المتحدة علاقة خاصة تمتد لأكثر من 200 عام، وقد دعمت الإدارات في واشنطن منذ عام 2011 تونس بأكثر من مليار دولار في مجال التعاون الأمني ​​مع تونس، منها أكثر من 160 مليون دولار عام 2023.

وقد "مكن هذا الدعم تونس من المشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية، والإسهام في البعثات الإنسانية، ومكّنها من أن تصبح بلداً مصدّراً للأمن من خلال ما تقوم به كقطب تكوين للشركاء في جميع أنحاء القارة"، وفق السفارة الأمريكية في تونس.

البوصلة غرباً!

وبخصوص الصفقة العسكرية لشراء صواريخ "جافلين"، يرى المحلل السياسي التونسي، صلاح الدين الجورشي، أن طلب تونس لصواريخ "جافلين" الأمريكية يأتي في إطار تعزيز الدفاعات التونسية ضد التنظيمات الإرهابية، التي لا تزال تمثل خطراً فعلياً على تونس، نتيجة الاضطرابات الأمنية التي تشهدها ليبيا وتطورات الوضع في الساحل الإفريقي.

وعن حاجة تونس لهذا السلاح يقول لرصيف22: "النظام السياسي يدرك أهمية المؤسسة العسكرية لحماية البلاد من الأخطار التي تتربص بها، وما تعانيه من نقص في العتاد خاصة فيما يتعلق بالأسلحة المتطورة". 

يثير الوجود الروسي في إفريقيا قلقَ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فموسكو لديها وجود في ليبيا، كما شكلت تحالفاً مع الجزائر، ونجحت في إحلال قواتها بدل القوات الأمريكية في النيجر وتشاد، فيما غادر الفرنسيون مالي وبوركينا فاسو، وما يخشاه الغرب الآن هو تأسيس وجود روسي في تونس

إلى ذلك، يؤكد الجورشي أن "التعاون العسكري المتزايد بين تونس وواشنطن، يمكن ربطه بتزايد الوجود الروسي اللافت في ليبيا، مع خشية الإدارة الأمريكية من توجه تونس إلى المعسكر الشرقي بقيادة روسيا، خاصة وأن الرئيس التونسي عمل في الفترة الأخيرة على التقرب من سيد الكرملين فلاديمير بوتين للتخفيف من الضغوط الغربية الخاصة بملف حقوق الإنسان".

وإن لم تعلن واشنطن عن خشيتها الصريحة من التقارب بين تونس وموسكو، والتي شهدت حراكاً -خاصة نهاية عام 2023- بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تونس، فإن أوروبا والتي تعتبر الشريك التقليدي لتونس قد أعربت عن قلقها إزاء التقارب المتزايد بين تونس وكل من روسيا والصين وإيران، واعتبر بمثابة "تطور مثير للقلق".

ولا يخفي الاتحاد الأوروبي قلقه البالغ من الوجود الروسي في إفريقيا، فموسكو لديها وجود بليبيا، كما شكلت تحالفاً مع الجزائر، ونجحت في إحلال قواتها بدل القوات الأمريكية في النيجر وتشاد، فيما غادر الفرنسيون مالي وبوركينا فاسو، وما تخشاه الآن هو تأسيس وجود لها في تونس.

أدوار غير مألوفة للجيش

بحسب مراقبين، فقد تزايد ظهور المؤسسة العسكرية ولعب أدواراً غير مألوفة ما بعد ثورة 2011، من ضمنها حفظ الأمن ومنع البلاد من الانهيار في تلك المرحلة المضطربة، رغم ما يعانيه الجيش من عدة نقائص لوجستية وبشرية.

وأثناء موجة الإرهاب التي ضربت البلاد خلال العشرية الماضية، كثّف الجيش التونسي جهوده الأمنية على الحدود، ودعمت واشنطن تونسَ في مكافحة الإرهاب بنحو 2.7 مليون دولار بين عامَي 2012 و2016. 

يرى خبراءُ ضرورةَ تعزيز الدفاعات التونسية ضد التنظيمات الإرهابية، التي لا تزال تمثل خطراً فعلياً على تونس، نتيجة الاضطرابات الأمنية التي تشهدها ليبيا وتطورات الوضع في الساحل الإفريقي.

وفي فترة حكم الرئيس قيس سعيد، ظهرت القوات المسلحة في مجالات خارجة عن مسؤولياتها التقليدية، سواءً في مجال البنية التحتية، أو أجهزة السلطة التنفيذية، أو التخطيط لمشاريع.

كما لعب الجيش التونسي دوراً هاماً في مجابهة "أزمة وباء كورونا"، التي تفشت بشكل كبير في تونس بين 2020 و2022، من خلال تدخله عبر المستشفيات الميدانية في عدة محافظات، وإدارة حملات تطعيم مكثفة، جنبت البلاد نتائج أكثر مأساوية.

ويتولى الجيش التونسي حماية البلاد من الأخطار الخارجية التي تهدد أمنه القومي، ويصل عدد عناصره إلى نحو 60 ألفاً، ويصنف جيشها في المرتبة 90 عالمياً، من بين 145 بلداً في ترتيب أقوى جيوش العالم لسنة 2025 الصادر سنوياً عن موقع "غلوبال فاير باور".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image