شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بعد نزع

بعد نزع "قدرة التعطيل"... هل تنجح الحكومة اللبنانية في تحقيق الإصلاحات وبأي ثمن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 10 فبراير 202505:43 م

تباينت ردود الفعل حول تشكيل حكومة نواف سلام -التي أعلنها في 9 شباط/ فبراير 2025-، بين التفاؤل بإمكانية تحقيق الإصلاحات، وبين التحفظ وحتى الانتقاد، بسبب مخاوف من عدم التوازن في التمثيل وتأثير ذلك على فعالية الحكومة. 

فغياب أطراف سياسية ذات ثقل عن التشكيلة لا يزال محل دهشة -إن صح التعبير-، وقد أشارت تقارير إلى أن مفاوضات مكثفة وصعبة سبقت الإعلان الرسمي، جمعت رئيس الحكومة مع الرئيس جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، لكنها رغم صعوبتها نجحت في تذليل العقبات، وهو "الإنجاز" الذي يرى مؤيدو حزب الله بأنه جاء على حساب حزبهم، متهمين الحكومة بممارسة الإقصاء المتعمد بهدف إرضاء أجندات غربية.

وفي الوقت الذي تنفس فيه لبنانيون الصعداء، وصعدت قيمة السندات الحكومية اللبنانية في انعكاس واضح للتفاؤل على الاقتصاد المحلي، لم يبخل سلاّم بمزيد من الطمأنة، إذ تعهد بأن تكون حكومته حكومة إنقاذ. وأكد أن الإصلاح هو السبيل الوحيد لانتشال لبنان من أزماته، مع التركيز على الأمن والاستقرار، واستكمال تطبيق القرار 1701. 

فهل تتمكن هذه الحكومة من تحقيق المعجزات القادمة بعد تمكنها من تحقيق ما اعتبره البعض "معجزة سياسية" بمرسوم تشكيلها، لا سيما والبلد يعاني من أزمات اقتصادية مركبة ومتراكمة، وآثار حرب شرسة، وتجاذبات عميقة؟ 

زيارة الموفدة الأمريكية

لم يظهر للوهلة الأولى أن الولايات المتحدة "الترامبية"، كانت بصدد تسهيل الأمور حتى اللحظة الأخيرة، أو فتح نافذة للتنوع الطائفي بمعناه القانوني في لبنان، فقد جاء تشكيل الحكومة في لحظة صعبة، زادتها صعوبة زيارة مورغان أورتاغوس موفدة الحكومة الأمريكية لبيروت قبل يوم واحد فقط من إعلان الحكومة، لـ"تحذّر" من تأثير حزب الله وحلفائه على تشكيل الحكومة الجديدة، وتثير كثيراً من الحساسيات والتساؤلات حول سيادة الدولة. 

فأكدت أوتاغوس في المؤتمر الصحافي أن الولايات المتحدة "لن تتسامح مع النفوذ غير المراقب لحزب الله"، مشددة على "ضرورة التزام الحكومة بالإصلاحات والقضاء على الفساد للحد من سيطرة الحزب". كما أشارت إلى أن "استمرار نفوذ حزب الله قد يعيق حصول لبنان على الدعم الدولي اللازم للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار". وهي التصريحات التي وصفها المحلل علي سبيتي في حوار على "سكاي نيوز" بأنها لم تعجب اللبنانيين، بما في ذلك الرئيس، لأنها ذات سقف مرتفع.

الزيارة بحد ذاتها قد لا تكون محورية، لكنها بالتأكيد تفتح باب التساؤلات حول الدور الأمريكي القادم في لبنان، لا سيما مع انحسار السطوة الإيرانية. 

في حين يرى البعض أن زيارة الموفدة الأمريكية "سرّعت" في إعلان التشكيلة الحكومية، لا يخفي آخرون تخوفاتهم من أن تكون هذه المساعدات الاقتصادية والسياسية على حساب القرار السيادي اللبناني.

في حوار لقراءة اللحظة السياسية على راديو مونتكارلو ، يرى الكاتب والمحلل السياسي ابراهيم ريحان، أن تأثير زيارة المبعوثة الأمريكية كان واضحاً، وأنها أثمرت في الاستعجال بتشكيل الحكومة، ويستدل على ذلك أن بيان السفارة الأمريكية صدر بعد دقائق من مرسوم تشكيل الحكومة، ما اعتبره رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية على دورها ومباركتها. 

يخالفه الرأي في نفس الحوار د. علي المرعبي، الذي يرى أن الدور العربي تفوق على الدور الأمريكي، يقول: "الحكومة كانت شبه جاهزة قبل وصول المستشارة الأمريكية، لذا أعتقد أن الدور العربي هو الذي كان أساسياً في حسم الأمر، والموقف السعودي كان واضحاً جداً في ترتيب تشكيل هذه الحكومة الجديدة، بسابقة أن بينها خمس نساء، وأنها لا تتضمن الثلث المعطل الذي درجت عليه الحكومات السابقة، وأنها لا تتضمن أي عضو مقرب من التيار الوطني الحر، أو المردة".   

ماذا عن القرار السيادي اللبناني؟ 

التصريحات الأمريكية، وامتعاض الثنائي الشيعي، أثارا التساؤلات حول قدرة لبنان مستقبلاً على التحكم بقراره، وحول استدامة القرارات المتخذة مع استثناء مكون سياسي أساسي، في هذا السياق يقول المحلل والكاتب علي مراد بأن موضوع السيادة، يجب أن ينظر إليه من زاوية مصلحة لبنان اليوم، وبعيداً عن المزايدات، وهذه المصلحة هي ببساطة في تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، والقرار 1701. 

ويضيف لرصيف22: "بالإضافة إلى ما سبق، فإن مصلحة لبنان اليوم هي في تحسين علاقاته مع الدول العربية والمجتمع الدولي، بعد أن تأثرت إلى حد القطيعة بسبب هيمنة حزب الله على القرار الاستراتيجي في البلد. وفي ملف السيادة بالذات، يجب أن يحدد لبنان علاقاته ومواقفه من الدول الأخرى، وأولوياته بما يخدم مصلحته وسيادته". 

أما النائب في البرلمان اللبناني، إبراهيم منيمنة، فيجيب حول تأثير المساعدات والمغريات الخارجية على القرار السيادي اللبناني، بالقول: "هناك درجات للسيادة، فإذا شاهدنا ما يحدث في الجنوب، وتأثير التدخلات الخارجية على كثير من القرارات، سندرك أننا الآن في أدنى درجات السيادة".

ويضيف في حديثه لرصيف22: "استعادة منسوب أعلى من السيادة يكون بتعزيز الوحدة الوطنية، وزيادة قدرتنا الاقتصادية التي ستمنحنا حرية واستقلالية قرارنا، وهذا برأيي هو جوهر السيادة، أما اليوم فنحن في أدنى حالاتها نتيجة قرارات الطبقة السياسية السابقة، التي كانت تتساهل في موضوع السيادة، أو في موضوع حصانتنا ومناعتنا الداخلية والاقتصادية، يجب أن يكون هناك جهد، ولن يكون طريق استعادة السيادة سهلاً ولا سريعاً". 

التكنوقراطية وحل عقدة الميثاقية؟ 

ويرى منيمنة أن الحكومة الحالية ليست ضمن المعنى الحصرى للتكنوقراط، يقول: "لكن يبقى أن نرى مرجعياتهم في الملفات المتعددة، بحسب ما فهمنا إجمالاً فهم مستقلون عن الأحزاب السياسية، ولكن يبدو أن الأحزاب كان لها رأي في اختيارهم، لذا بعد تحضير ومناقشة الملفات سيظهر مدى استقلالية هؤلاء الوزراء".

أما مراد فيرى بأن علينا أن نحدد معالم هذه الحكومة قبل الحديث عن الإنجاز، يقول: "نستطيع أن نقول إنها لا تشبه الحكومات السابقة منذ عقود طويلة، وبالحد الأدنى منذ اتفاق الدوحة 2002، نحن أمام رئيس وزراء مارس صلاحيته العرفية والدستورية في أنه هو من حصل على غالبية الثقة من النواب، وبأنه هو من قام باختيار كل الوزراء، بمعنى أنه لم يتسلم أسماءهم من الأحزاب كما كان يحصل مع كل الأحزاب سابقاً وليس فقط مع الثنائي الشيعي، إذ كان رئيس الوزراء يتحول إلى ما يشبه الباشكاتب الذي يتلقى من الكتل السياسية الأسماء، ولا يشكل فريقاً منسجماً، ما جرى مع نواف سلام أنه عرضت عليه الأسماء وهو من اختار من بينها". 

ينوه مراقبون إلى أن الحكومة الحالية ليست تكنوقراطية بالمعنى الكامل، فعلى الرغم من أن الوزراء مستقلون عن الأحزاب السياسية، وأصحاب خبرات في مجالاتهم، لكن كان للأحزاب رأيًا في اختيارهم، ما يجعل استقلاليتهم غير مُختبرة بعد، وستكشفها الملفات والقرارات في المرحلة المقبلة

ويضيف: "المطلوب من الوزير ليس أن يكون ملماً بعمله فقط، نحتاج إلى وزراء لديهم موقف سياسي، وخبرة في مجالهم، وحسن إدارة، لكن تبقى العبرة في التطبيق".

وبحسب الأخبار المتداولة؛ فقد تم اختيار 4 وزراء من قبل رئيس الجمهورية، و4 من قبل رئيس الوزراء، و5 من أجواء حزب القوات اللبنانية، و2 من المؤيدين لحركة أمل، و2 من المؤيدين لحزب الله، و2 من حلفاء الحزب التقدمي الاشتراكي، وزير واحد لطائفة الأرمن، ووزير آخر مؤيد لحزب الكتائب، ووزيران تم تعيينهما بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. مع غياب أي تمثيل لتيار المردة (سليمان فرنجية)، والتيار الوطني الحر (جبران باسيل).

وقد ظلت أزمة عقدة المقعد الشيعي الخامس قائمة حتى اللحظة الأخيرة، وإليها أحال كثير من المحللين والمراقبين التأخير في إعلان التشكيلة الحكومية، وفي النهاية تم حلها بإعطاء حقيبة وزارة المالية للوزير فادي مكي، الذي كان مستشاراً لرفيق الحريري في 2002، ومديراً سابقاً في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية. وعلى الرغم من أنه ينتمي للطائفة الشيعية لكنه ليس مقرباً من الثنائي الشيعي، أي أن الثنائي الشيعي لم يعد يمتلك سلاح الميثاقية داخل الحكومة. 

تجاوز عقدة الميثاقية، وغياب أي وزير حزبي يمتلك عضوية رسمية في أي فريق سياسي لبناني، رغم أن نصف الوزراء لديهم مواقف سياسية تؤيد الأحزاب، دفعا بالكثير من المراقبين للتفاؤل، من هؤلاء محمد الرز، الذي أشار في مقال نشره على موقع الدستور أن "الوزراء الـ24، هم أصحاب اختصاص حقيقي في الحقائب التي تسلموها، وقد مارسوا هذه التخصصات في مجالات عملية داخل لبنان وخارجه، وحققوا إنجازات مسجلة في مسيرتهم الوظيفية، ما يعزز من قدراتهم على إدارة الملفات الوزارية بفعالية". 

في ذات الوقت يرى منيمنة أن "إخراج أي مكون سياسي قد لا يكون مفيداً، ولكن من المهم إعطاء فرصة لحزب الله وسواه لاستيعاب أن المرحلة السابقة انتهت، وأن عليهم اليوم إعادة إنتاج أنفسهم والتكيف مع الوضع الجديد تحت سيادة الدولة والمؤسسات واحترام وتطبيق القانون".

يقول: "علينا اليوم إعطاء فرصة حذرة لاستيعاب القوى السياسية والضغط باتجاه إعادة تموضعها بالمعطيات المحلية والإقليمية الجديدة". 

الاقتصاد وأحجية الألف قطعة 

يشير منيمنة إلى إن الأولوية في لبنان اليوم هي تطبيق القرار 1701 جنوب وشمال الليطاني، ومن ثم إعادة هيكلة المصارف واستعادة التوازن المالي بعد، وينوه حول النقطة الأخيرة بالقول: "هذا موضوع أساسي، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن ثم تأتي أولوية إعادة الإعمار بطريقة شفافة وعادلة، وبالطبع استقلالية القضاء، هذه أول الأولويات. هناك ملفات كثيرة، لكن هذه على رأسها وستطغى على المشهد". 

تشير إحصائية للبنك الدولي إلى أن معدل الفقر في لبنان زاد أكثر من ثلاثة أضعاف ليشمل 44% من السكان، إلا أن هذه الأرقام، تعود لما قبل الاعتداءات الإسرائيلية، أي أنها قد ساءت كثيراً في الغالب.

لكن الحديث عن الأولويات الاقتصادية ليس بسهولة حلها، إذ طغت عناوين "من أين نبدأ؟" على الكثير من الأخبار التي تناولت الوضع الاقتصادي الذي تواجهه الحكومة اليوم، وبحسب تقرير حديث صادر عن البنك الدولي بعنوان "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024" فالحالة الراهنة في لبنان هي الفقر وعدم المساواة في البلاد. 

ويشير التقرير الذي تم بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنه خلال العقد الماضي، ارتفع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف، ليشمل 44% من سكان البلاد، مؤكداً أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين طاله الفقر في عام 2022. 

إلا أن هذه الأرقام -التي قد تخيف أي حكومة- تعود لما قبل الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في 2024، أي أنها في الغالب قد ساءت بشكل درامتيكي، لا سيما في مناطق الجنوب، والضاحية. ومع الضربات التي طالت مؤسسة "القرض الحسن" كواحدة من أكبر المؤسسات المالية غير البنكية في البلاد. 

إذ تُقدَّر خسائر البنية التحتية نتيجة الحرب الأخيرة بحوالي 570 مليون دولار، مع تقديرات لإعادة بناء المساكن المتضررة تصل إلى نحو 4.2 مليار دولار. إجمالي تكلفة إعادة الإعمار يُقدَّر بحوالي 8.5 مليار دولار. كما ارتفعت معدلات البطالة إلى نحو 32.6% حتى نهاية 2024، ومن المرجح ارتفاعها بمقدار 1.3% في 2025، و1.4% في 2026. وفي نهاية العام الماضي، تم إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" من قبل مجموعة العمل المالي (FATF) بسبب قضايا تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مما يشكل تحديًا إضافيًا أمام الحكومة.

فمنذ عام 2019، شهد لبنان انكماشًا اقتصاديًا حادًا، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 38%. وفي عام 2024، انكمش الاقتصاد بنسبة 5.7%، ومن المتوقع استمرار هذا الانكماش بنسبة 2% إضافية في عام 2025 حتى في حال البدء بالإصلاحات الاقتصادية. 

كما بلغ معدل التضخم ذروته في عام 2023 بنسبة 221.3%. في عام 2024، وانخفض إلى 67.4%، ومن المتوقع أن يستمر في الانخفاض ليصل إلى 41.3% في عام 2025. أما الدين العام فهو من الأعلى عالميًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تجاوز 150% في منتصف 2024. 

ويرى مراد بأن جزءا من هذا التدهور هو أن القيام بالإصلاحات الضرورية تأجل كثيراً في السابق، وهذا بحسبه لأن "النظام السياسي كان عصياً على الإصلاح في ظل تحالف الميليشيا مع المصارف، والذي كان عنوانه بري وميقاتي وسلامة.

يقول: "الآن بدأت معركة الإصلاح والمواجهة مع اللوبيات المختلفة التي تحاول الدفاع عن مصالحها في لبنان وفي مصارفه، وهذه لن تكون مواجهة سهلة، وهي مصلحة لبنان العليا، ليس فقط لأنها مصلحة مبدأية، ولكن أيضاً لأنه لن يكون هناك دعم مالي ما لم تتم هذه الإصلاحات، والبلد بأمس الحاجة إلى الدعم الاقتصادي حالياً، وبالدرجة الأولى لإطلاق عجلة الإعمار، ومن ثم محاسبة المسؤولين عن كل الجرائم المالية". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image