
"كانت هذه تجربتي الجنسية الأولى، وصدمتُ حين أصبت بفيروس HPV (فيروس الورم الحليمي البشري). لم أعرف بإصابتي إلا بعد قيامي بالفحص السنوي عند طبيبي النسائي. كان الفيروس قد أدّى إلى تسرطن بعض الخلايا في عنق الرحم"، هذا ما تقوله سامية (اسم مستعار) لرصيف22.
وتضيف: "كان من الضروري الخضوع لعملية LEEP، حيث تم استئصال الأنسجة غير الطبيعية من عنق الرحم بالجراحة الكهربائية الحلقية. طبعاً كنتُ أسكن في بيت العائلة مع أهلي، وكان من المستحيل أن أخبرهم بأني بحاجة إلى عملية بسبب نشاطي الجنسي، فآثرت الخضوع لها بالسرّ".
وتتابع بالقول: "للأسف، حصلت بعض التعقيدات بعد العملية بسبب تأثير البنج عليّ، لكني التزمت الصمت. كانت فترة عصيبة عليّ. مرّ بضع سنوات على العملية واستطعت إنجاب طفل ولا تزال عائلتي غافلة عن الموضوع. لن أخبرهم أبداً، ولكني سعيدة أني تخلّصت من الفيروس والخلايا غير الطبيعية ولو استمر عبء السرّ".
قصة سامية هذه تترّدد في لبنان بوجوه مختلفة وبنتائج مغايرة، صحيح أن هذه الشابة تغلّبت على المرض، ولكن بعض القصص لا تنتهي بنفس النتيجة.
ما هو فيروس الHPV؟
يعرّف موقع "مايو كلينيك" عدوى فيروس الورم الحليمي البشري، بأنه عدوى فيروسية، تسبّب ظهور زوائد على الجلد أو الأغشية المخاطية (ثآليل).
للفيروس أكثر من 100 نوع، بعضها يسبب الثآليل، وبعضها الآخر قد يسبب أنواعاً مختلفة من السرطان كسرطان عنق الرحم، كما ثبت وجود علاقة بين أنواع أخرى من السرطان وعدوى فيروس الورم الحليمي البشري، ومنها سرطان الشرج والقضيب والمهبل والفرج والجزء الخلفي من الحلق. هذه العدوى تنتقل عادةً من خلال الممارسة الجنسية، ولكنها قد تنتقل أيضاً من خلال ملامسة الجلد المصاب.
"كنتُ أسكن في بيت العائلة مع أهلي، وكان من المستحيل أن أخبرهم بأني بحاجة إلى عملية بسبب نشاطي الجنسي، فآثرت الخضوع لها بالسرّ"
وبحسب الموقع نفسه، ينصح الأطباء بلقاح "غارداسيل 9"، وهو لقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، في الولايات المتحدة وفي لبنان.
ويوصي مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها بإعطاء الفتيات والفتيان في عمر 11 و12 عاماً اللقاح بشكل روتيني، على الرغم من إمكانية إعطائه في سن مبكرة عند بلوغهم 9 سنوات. ومن الأفضل أن يتلقى الأشخاص اللقاح قبل بدء مرحلة الاتصال الجنسي وتعرُّضهم للإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري.
الفيروسات "كثيرة الغلبة" عند النساء
في حديثها مع رصيف 22، ترى أخصائية الجراحة النسائية وعقم وتوليد، الدكتورة دينا رومية، أن هناك الكثير من العدوى والالتهابات المنقولة جنسياً التي تصيب شبابنا في لبنان بدون تشخيص.
وكشفت رومية أنه على الرغم من صعوبة معرفة نقطة انطلاق هـذه الأمراض، إلاّ أن الوضع يبقى أصعب على النساء مقارنة بالرجال، الذين غالباً ما يحملون الفيروس بدون أي مضاعفات أو آثار: "بعد الإصابة، توثر هذه الأمراض على حياة المرأة بشكل أكبر من الرجال. فاذا أخذنا فيروس HPVمثلاً، فقد يسبّب سرطان عنق الرحم، بالإضافة إلى ثلاثة أنواع أخرى من السرطان الناتجة عن الفيروس. هذه الفيروسات المنقولة جنسياً بشكل عام لها عوارض وتأثيرات جسيمة على حياة المرأة اليومية، بالإضافة إلى مضاعفات أكثر قسوة على حياتها الجنسية وخصوبتها وإمكانية إنجابها وما إلى ذلك، أما الرجال فقد يتعرّضون لسرطان الشرج بنسب قليلة، إذ يقوم الجسم بالتخلص من الفيروس بنفسه ويُعزى ذلك إلى قوة مناعة الرجال مقابل مناعة النساء".
يمكننا القول إذن، إن نتائج تأثيرات الفيروسات المنقولة جنسياً بشكل عام تتباين في خطورتها عند النساء مقارنة بالرجال.
"هذه الفيروسات المنقولة جنسياً بشكل عام لها عوارض وتأثيرات جسيمة على حياة المرأة اليومية، بالإضافة إلى مضاعفات أكثر قسوة على حياتها الجنسية وخصوبتها وإمكانية إنجابها وما إلى ذلك"
حول أسباب انتشار مثل هذه الأمراض، تصرّح د. رومية أن السبب الرئيسي هو قلّة التثقيف الجنسي، بالإضافة إلى غياب المساواة الجندرية في كل ما يتعلق بالصحة الجنسية.
الخوف من المجتمع أكبر من الخوف من المرض
من جهتها، تشدّد كلودين الهبر، وهي مسؤولة سابقة في قسم الجراحة والطبابة في مستشفى البقاع، على ضرورة تغليب الصحة على "الوصمة الاجتماعية"، وعلى أهمية تفسير بعض المغالطات حول الفيروسات المنقولة جنسياً، وخاصةً الـ HPV: "معظم الشبان في لبنان يظنون أنهم بمنأى عن أخطار الفيروس والمرض، لكن التلقيح ضد الفيروس يحميهم ويحمي شركاءهم في الوقت نفسه".
ترى الهبر ضرورة تفسير كيفية انتقال الفيروس، كونه ينتقل باللمس حتى في غياب التواصل الجنسي المكتمل، كما تحذّر من أخطار وضع "العيب الاجتماعي" على سلّم الصحة الجنسية، فبحسب تجربتها في المستشفيات، تلاحظ أن بعض المريضات يهملن الفيروس والمرض، عوضاً عن الثقة بأطبائهنّ، خوفاً من "الفضيحة"، كما يقول البعض.
وتوضّح كلودين أن بعض الأطباء لا يقومون بالفحص النسائي إلا في حال كانت المرأة متزوجة، وحتى لو طلبت الفحص أو سألت بخصوصه، فهو غير متوفّر لها في بعض المناطق إلا إذا كانت متزوجة، أو أقرّت بأنها ناشطة جنسياً: "هناك فروقات كبيرة في الخدمات المتوفرة بين المناطق، خصوصاً في غياب أو ندرة حملات التوعية وعدم تمكّن الناس من دفع أسعار اللقاحات".
وتضيف: "لا يزال الكثير من الأفراد يرون أن اللقاحات غير مهمة، وأن الامتناع عن الجنس كاف. هناك ظلم يلحق بالنساء والدولة لا تأخذ على عاتقها الاهتمام بالصحة الجنسية والإنجابية كما يجب، ولا تؤمّن هذه المعلومات واللقاحات بصورة مجانية لشبابنا".
الخدمات متوفرة لمن يطلبها
بالنسبة للخدمات المتوفرة بعد الإصابة، تؤكد الدكتورة دينا رومية أنّ جميعها متوفر للمرأة من خلال الفحوصات الدورية وفحص مسح عنق الرحم التقليدي، بالإضافة إلى فحوصات علم الخلايا السائلة الجديد، حيث بواسطته يتم الكشف عن بعض الفيروسات بطريقة دقيقة وسريعة.
وتشير الدكتورة رومية إلى أن العديد من الأطباء يحاولون نزع وصمة العار والعيب عبر التوعية عن هذه الفيروسات، وعن طرق علاجها والوقاية منها، كاشفة أن الطريق لا تزال طويلة في غياب الحرية في مناقشة المواضيع الجنسية مع الأهل بشكل عام ومع الطبيب/ة بشكل خاص.
وتختم الدكتورة دينا بالقول: "بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الطبيب النفسي عن ترسانة العناية بأي مريض أو مريضة يؤجّج الوضع. بسبب هذا التعتيم والصمت، نرى الكثير من المريضات اللواتي عانين لفترات طويلة قبل التفكير في إيجاد حل لمشكلتهنّ والتحدث إلى مختص عن الموضوع".
غياب الدعم
يفنّد أخصائي الأمراض والجراحة النسائية، الدكتور لبنان أبو ماضي، أسباب انتشار العدوى السريع، خصوصاً بين الفئة العمرية 22 ولغاية 35 سنة، بغياب الوقاية وتعدّد الشركاء، هذا ويتحدّث عن أسباب أخرى قد يكون لها عواقب وخيمة، مثل عدم التزام بعض مراكز علاج الشعر بالتعقيم الإلزامي حين يتم استخدام ماكينات الليزر: "إن عدم تعقيمها بصورة دورية يؤدي إلى انتقال الفيروس من فتاة لأخرى، بعد استخدام تلك الآلات على الأماكن الحميمة في جسم المرأة".
وبالنسبة لغياب الوعي الاجتماعي، يرى أبو ماضي أنّ هناك العديد من الفتيات والنساء اللواتي لا يعلمن عن العدوى المنقولة جنسياً، والوقاية وطرق العلاج، بسبب غياب الوعي وعدم الاكتراث بالصحة الجسدية، خاصة في المناطق الفقيرة، كذلك التخوّف من فضح النشاط الجنسي وعدم اللجوء إلى الطبيب/ة مباشرة عند الإصابة بالمرض.
ويعتبر لبنان أن حملات التوعية محدودة، إذ يبقى قسم كبير من الشريحة المستهدفة للتوعية غير معني، بسبب الأرياف المنسية وعدم التواصل معها وحرمانها من نصيبها في التوعية والمتابعة، على حدّ قوله.
وعن توّفر اللقاح المذكور، يؤكد أبو ماضي أن اللقاح ضد الفيروس غير متوفّر مجاناً من قبل وزارة الصحة العامة اللبنانية، وغير مدرج في روزنامة اللقاحات المعتمدة لدى الوزارة، إذ لا تتوفر سوى مجموعة من الأدوية المحضّرة في بعض المراكز كحلّ طارئ للتعامل مع الإصابات الناجمة عن الاغتصاب، والتي تقي من HIV وما عداها.
"لا يزال الكثير من الأفراد يرون أن اللقاحات غير مهمة، وأن الامتناع عن الجنس كاف. هناك ظلم يلحق بالنساء والدولة لا تأخذ على عاتقها الاهتمام بالصحة الجنسية والإنجابية كما يجب، ولا تؤمّن هذه المعلومات واللقاحات بصورة مجانية لشبابنا"
وبالتالي، لا لقاحات مجانية متوفرة ل HPV، مع العلم بأن تكلفة اللقاح الواحد هي 165$، والجرعات المطلوبة للشخص الواحد تكلّف حوالي 495$.
باختصار، في شؤون النساء الطبية، لا يزال الصمت والتكتم سيّدي الموقف، حتى أنه، وعلى موقع وزارة الصحة العامة في لبنان الرسمي، يمكن قراءة معلومات عامة (لم يتم تحديثها منذ 2017) عن فيروس الHIV وتحت ملف الوقاية من الأمراض المعدية، لا معلومات بتاتاً حول فيروس الـHPV أو غيره، ما يشير إلى أهمية التوعية في كل ما يتعلق بالصحة الجنسية لتفادي الأمراض، أو على الأقل كيفية التعامل معها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 دقيقةغباء وجهل لا يوجد بشى اسمه طيخ فلسطيني .. غباء وجهل العروبة الذين بخترعون هذا الغباء قال بطيخ...
نداء حرب -
منذ يومينإثبات هلال رمضان يختلف بين الدول والمذاهب الإسلامية، وغالبًا ما يعتمد على طرق متعددة مثل الرؤية...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Frances Putter -
منذ أسبوعyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ اسبوعينأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ اسبوعينتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?