شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"منين تعرفين؟ مجربة قبل؟"... كيف تصبح المعرفة الجنسية للنساء "وصمة" في العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 27 أكتوبر 202406:54 ص

مش ع الهامش

"ظهيرة يوم جمعة، كنت جالسةً في غرفتي أتصفّح الإنترنت. لفت انتباهي مقطع فيديو لطبيب يتحدث عن غشاء البكارة الصيني وانتشاره في العراق. دخل زوجي الغرفة وسألني: "شدسوين؟ أجبته: أشاهد تيك توك فقط. سحب الهاتف من يدي وقال: غشاء بكارة صيني؟ لماذا تبحثين في الموضوع؟ هل هذا ما استخدمته ليلة زفافنا لخداعي؟"؛ هذا ما ترويه سنا (اسم مستعار، 31 عاماً)، من بغداد، لرصيف22، بعدما رفع زوجها قضية إثبات نسب ضدها فقط لأنها "تقرأ وتبحث عن معلومات تتعلق بالجنس".

توضح سنا: "كان هاجس ثقافتي الجنسية مشكلةً له، لأنه يشعر بالخطر منّي. ربما كان ذلك نتاج شعور عميق بالنقص لديه، وكان كلما أخبرته معلومةً حول الصحة الجنسية، يصفني بـ'الخبرة'، ويتهمني بأنني أقمت علاقةً جنسيةً قبل الزواج".

"تثير المعرفة الجنسية شكوك الشريك، ويشعر بخطر مستمر من معرفة شريكته معلومات جنسية".

في الثقافة العراقية، تُعدّ معرفة النساء بالجنس أمراً معيباً، وفقاً للأستاذ في جامعة المنارة في ميسان، مسار سماري، الذي يوضح لرصيف22، أن صورة المرأة الجاهلة جنسياً في مخيّلة الفرد العراقي تسمها بأنها متفوقة أخلاقياً على قريناتها، إذ إن بوادر المعرفة الجنسية تثير شكوك الرجل حول أخلاقيات شريكته، أو الأهل حول أخلاق بناتهم، اعتقاداً منهم بأن "المعرفة لا تأتي إلا من التجربة الفعلية".

"هذا الأمر يرجع بالكامل إلى موروثنا الثقافي، أي عاداتنا وتقاليدنا وشتى الممارسات، فالمرأة كائن ثانوي محدد بمهام معيّنة ومؤطر ضمن حدود، وهي كائن مغيّب غير مسموح لها بالحديث أمام الناس مثلاً في حضور الرجل، وكلما ازداد جهلها الجنسي كانت أكثر 'عفةً' للأسف في ثقافة المجتمع العراقي"، وفقاً لسماري.

يعاني العالم العربي من نقص كبير في التثقيف الجنسي، ما يؤدي إلى اضطرابات في الرغبة الجنسية والتعبير عن الذات لدى النساء والرجال معاً، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.

ضرب وإهانات وانتهاك للخصوصية

"مرّة حاولت أسوّي حركات جديدة خلال العلاقة الجنسية مع زوجي، فضربني"، تروي ميساء (اسم مستعار، 26 عاماً) من بغداد، مبرزةً أنه اتهمها بأنها "ما مترباية" أي "عديمة التربية".

توضح ميساء لرصيف22: "لم أكن سعيدةً في حياتي الجنسية معه، برغم مرور 14 عاماً على زواجنا. كنت أخشى كثيراً التحدث معه عن رغباتي الجنسية، وحين حصل ذلك ضربني وشتمني، فطلبت الطلاق".

"كنت أتصفّح الإنترنت ولفت انتباهي فيديو لطبيب يتحدث عن غشاء البكارة الصيني وانتشاره في العراق. دخل زوجي الغرفة وسألني: "شدسوين؟ وسحب الهاتف من يدي وقال: لماذا تبحثين في الموضوع؟ هل هذا ما استخدمته ليلة زفافنا لخداعي؟"؛ تقول سنا من بغداد لرصيف22، موضحةً أن زوجها رفع قضية إثبات نسب ضدها فقط لأنها "تقرأ وتبحث عن معلومات تتعلق بالجنس"

ميساء ليست المرأة الوحيدة التي أدى غياب الثقافة الجنسية عن حياتها إلى الانفصال، وهو مصير فرقان (اسم مستعار، 24 عاماً)، نفسه التي زُوّجت وهي طفلة لا يتجاوز عمرها الـ14 ربيعاً. تقول فرقان لرصيف22: "في ليلة العرس قبّلته، فضربني، وقال لي: منين تعلّمتي البوس؟ أجبته كنت أشاهد سندريلا في فيلم الكارتون وهي تقبّل حبيبها وقلّدتها، لم يصدّقني وقتها، وانتهى زواجنا بعد أشهر".

"تثير المعرفة الجنسية شكوك الشريك، ويشعر بخطر مستمر من معرفة شريكته معلومات جنسية، لأن الاطلاع والحديث عن الجنس يكشفان حاجتها الجنسية، وهذا يُعدّ نوعاً من أنواع 'الجرأة' و'قلة الأخلاق'، وبرغم أنه من الطبيعي أن يعبّر الرجل عن قدراته الجنسية بين أقرانه، تبقى المرأة مجبورةً على الصمت"، يقول المدرّب في مجال الصحة الجنسية والإنجابية عبد القهار العاني، شارحاً أسباب خوف كثير من الرجال في العراق من المعرفة الجنسية لدى النساء.

يضيف العاني: "يعتقد الرجال أن معرفة المرأة بالأمور الجنسية تعني أنها 'منحرفة'، وذلك نابع من عدم امتلاكهم ثقافةً جنسيةً صحيحةً، لأن ثقافتهم في الأساس نابعة من مشاهدة أفلام البورنو، وتالياً يعتقدون أن معرفتها الجنسية لا بد أنها جاءت عن طريق المصدر نفسه"، مردفاً: "بعض الرجال يرفضون أن تتثقف شريكاتهم جنسياً خوفاً من أن يجعلها الوعي بحاجاتها ورغباتها الجنسية، تطالب بتلك الحاجات التي يخشى الرجل ألّا يستطيع تلبيتها".

ويرى العاني أن العادات العشائرية العراقية ترى أن الثقافة الجنسية للنساء تُعدّ "عيباً وحراماً".

درّب العاني الكثير من الشباب والرجال حول الصحة الإنجابية والجنسية، وتبيّن له من خلال التدريبات، أن معظم المتدربين كانوا يعتقدون أنه سيعرض عليهم أفلاماً إباحيةً، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن التدريب يكون عبر عرض دراسات وأبحاث علمية، وتبين لهم مدى خطورة حصر الثقافة الجنسية في مجموعة أفلام، على حد قوله.

لا يقتصر تدريب العاني على الرجال فحسب، بل يشمل النساء أيضاً. يقول إن عدداً من الفتيات أخبرنه بأن أولياء أمورهنّ منعوهنّ من دراسة أحد فصول مادة الأحياء للصف السادس الإعدادي (الثانوية)، والتي تشرح الجهاز التناسلي للذكور والإناث في جسم الانسان.

 لا أحاديث جنسيةً في منزل الأهل

"منين عرفتي؟ مجرّبة قبل؟"؛ هذه الإجابة كانت تسمعها إنجي عباس (24 عاماً)، وهي محامية من محافظة صلاح الدين، من أهلها حين كانت تشاركهم معلوماتها عن الصحة الجنسية.

تقول لرصيف22: "قررت التوقّف عن مشاركة معلومات ثقافتي الجنسية مع أهلي. الآن، أنا أقرأ وأثقّف نفسي لأشارك معلوماتي مع صديقاتي فحسب، لأن الحديث مع الأهل لا حرية فيه، ودائماً ما تحمل أجوبتهم نبرة شكّ".

وفي حين اقتصر الأمر مع عباس حول الشكوك والاستهزاء أحياناً بمعرفتها، لم يتوقف عند هذا الحد مع شهد (اسم مستعار، 24 عاماً) من البصرة، إذ وصل إلى حد انتهاك خصوصيتها.

"عندما حاولت الاستمتاع بالجنس مع زوجي، استغرب من تصرفاتي، ونظر إليّ نظرة شك. ومنذ ذلك الحين وأنا أخاف التعبير عن نفسي ورغبتي".

تقول شهد، المتخصصة في مجال علم النفس، لرصيف22: "عانيت من ملاحقة والدتي لي خلال فترة مراهقتي. كانت تفتّش في أغراضي باستمرار وتنتهك خصوصيتي بأبشع الطرائق. كانت تفتح باب الحمام عليّ فجأةً للتأكد من أنني 'لا أفعل شيئاً خطأً'، وكذلك تتنصّت على محادثاتي مع أختي، وعندما تسمع كلمة 'جنس' يجنّ جنونها".

مخاوف من الإفصاح عن "الرغبة"

"20 عاماً مرت على زواجي، ولم أصل يوماً إلى 'الذروة' أو 'النشوة' في الجنس، لم أعرف بوجودها أصلاً إلا قبل ثلاث سنوات عندما قرأت عنها بالصدفة عبر الإنترنت"، تقول فرات (اسم مستعار، 38 عاماً)، من الديوانية لرصيف22، شارحةً كيف أثّر الجهل الجنسي على حياتها.

تضيف: "عندما حاولت الاستمتاع بالجنس مع زوجي، استغرب من تصرفاتي، ونظر إليّ نظرة شك. ومنذ ذلك الحين وأنا أخاف التعبير عن نفسي ورغبتي"، مشددةً على أنها ليست الوحيدة، "إذ تشاركني صديقاتي هذه المخاوف، لكن ما يفرحني اليوم أن الفتيات الأصغر مني سنّاً يمتلكن شجاعة المعرفة والقدرة على التعبير عن رغباتهنّ. في مراهقتي لم يكن هناك إنترنت، وكل شيء كان عيباً".

يُعدّ الإنترنت في نظر الكثيرين عاملاً مهماً في زيادة الوعي والثقافة الجنسية لدى النساء، ولكن يُنظر إليه في الوقت ذاته على أنه تهديد من قبل البعض. لقد ساهم الإنترنت في توسيع نطاق المعلومات المتاحة حول الجنس والعلاقات، مما ساعد النساء على اكتساب معرفة أعمق، ولكن هذه المعرفة أثارت أيضاً مخاوف لدى بعض الرجال.

في هذا السياق، يقول الطبيب رافد باقر، المختص بالصحة الجنسية والإنجابية في النجف: "معظم زيجاتنا تعتمد على التقاليد التي تفرض عدم اختلاط الفتيات بالرجال. ولكن مع وجود الإنترنت، يشعر الرجال بالخطر حتى لو لم تغادر المرأة منزلها، إذ يرون أن الفتاة التي تتفاعل مع الذكور عبر الإنترنت أو التي تمتلك معرفةً جنسيةً قد لا تكون مؤهّلةً لتكوين علاقة زوجية ناجحة".

"يُعدّ انعدام الثقافة الجنسية أحد أكثر الأسباب التي ترفع من نسب الطلاق، أو تزيد المشكلات بين الشريكين في العراق، إلا أن محاولات الحصول على تلك المعرفة تبقى محظورةً بالنسبة للمرأة، فتلجأ إلى تصنّع الجهل الجنسي أو تجنّب الاطلاع على معلومات تخص الصحة الجنسية من الأساس، حتى لا تظهر بمظهر الخبيرة جنسياً، وحتى لا توصم بـ'العهر'"

وبرغم أن مصادر المعرفة تغيّرت، إلا أن بعض النساء ما زلن مضطرات إلى التظاهر بعدم معرفة الأمور الجنسية. هذا ما تؤكده نساء عديدات رفضن ذكر أسمائهنّ وقصصهنّ، لافتات إلى أنهن يشعرن بضغط اجتماعي يجبرهنّ على إظهار الجهل الجنسي والتظاهر بالمتعة والرغبة لإرضاء شركائهنّ، وأحياناً يدّعين الحب فقط لـ"تمشية الحال".

"يُعدّ انعدام الثقافة الجنسية أحد أكثر الأسباب التي ترفع من نسب الطلاق، أو تزيد المشكلات بين الشريكين في العراق، إلا أن محاولات الحصول على تلك المعرفة تبقى محظورةً بالنسبة للمرأة، فتلجأ إلى تصنّع الجهل الجنسي أو تجنّب الاطلاع على معلومات تخص الصحة الجنسية من الأساس، حتى لا تظهر بمظهر الخبيرة جنسياً، وحتى لا توصم بـ'العهر'"، وفقاً لباقر.

هذا التناقض بين اكتساب المعرفة من الإنترنت والممارسات الاجتماعية التقليدية يسلّط الضوء على الصراع الداخلي الذي تعيشه بعض النساء، اللواتي يجدن أنفسهنّ عالقات بين الرغبة في المعرفة والتمسك بالعادات التي تفرض قيوداً على تعبيرهنّ الجنسي.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image