شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
دواء فيروس نقص المناعة البشرية ينجي من الموت... ماذا عن الوصمة والتمييز؟

دواء فيروس نقص المناعة البشرية ينجي من الموت... ماذا عن الوصمة والتمييز؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأحد 26 مارس 202310:59 ص


"عندما علمت أنه أصبح هناك دواء لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، كان قد مضى على انزوائي وعزلتي عن العالم أربع سنوات. خلال هذه الفترة، تركت الحياة الاجتماعية والعاطفية خلفي، فكيف أخبر الشريك بأنني مصابة بفيروس نقص المناعة، ومن مستعد لتقبّل المرض وسط المعلومات المغلوطة والوصمة التي أدت إلى ذبذبات سلبية حولي من أصدقاء، جزء منهم أصبح من الماضي"، هذا ما قالته لطيفة (اسم مستعار) لرصيف22.

روت لطيفة أنها أخفت المرض عن أهلها، وباتت حياتها كلها وهم: "حتى العمل في سلك الدولة الذي كنت أطمح إليه أصبح مجرّد وهم، فهذه المخاوف تأكل من أعصابي، حتى بعد حصولي على الدواء من الجمعيات، وتأمين وظيفة لي ضمن إحدى الجمعيات التي تكافح الوصم حول فيروس نقص المناعة البشرية".

مشكلة لطيفة المرتبطة بالاندماج الاجتماعي بسبب غياب التوعية حول المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية، كانت أقل حدّة مع ربيعة (اسم مستعار) التي أخبرت رصيف22 كيف أن شقيقتها الممرّضة سهّلت المسألة على والدتها: "استمرت والدتي بالبكاء فترة طويلة، معتقدة أنني سأموت، بسبب جهلها بأن الدواء يخفّف الكثير من عوارض نقص المناعة البشرية، وزادت المخاوف من أفكار العالم وكيف سيتعاملون معي، هل سيأكلون معي أو يجلسون قربي؟".

تضاعفت هذه التساؤلات عندما واجهت لطيفة حملة من "البلوكات" عبر فيسبوك، دون أي سبب، ما جعلها تعاني من شعور الوحدة والتمييز.

وما جعلها ترتبك في بداية الأمر، على حد تعبيرها، هو كيفية التعامل مع المستشفيات والأطباء، لكنها ما لبثت أن تمكنت من السيطرة على زمام الأمور، بعد أن غيّرت الطبيبة التي مارست بعض التمييز تجاهها، وأخرجت من حياتها الأصدقاء السلبيين تجاه الفيروس، وها هي اليوم تدرك أن المشكلة الوحيدة المتبقية أمامها هي سوق العمل، بخاصة في الخليج، لكونه قد يميز تجاه الأفراد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية.

تحت سطوة الصدمة

الضبابية التي قد يخوضها الشخص المتعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية تتركه تحت سطوة الصدمة، من دون أن يعرف أن هناك مجتمعاً مؤلفاً من البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في لبنان، مستعد لمد يد العون له.

يشمل هذا المجتمع جمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة وباقي أعضاء الشبكة اللبنانية للجمعيات العاملة على السيدا (لانا).

"كيف أخبر الشريك بأنني مصابة بفيروس نقص المناعة، ومن مستعد لتقبّل المرض وسط المعلومات المغلوطة والوصمة التي أدت إلى ذبذبات سلبية حولي من أصدقاء، جزء منهم أصبح من الماضي؟"

وقد عقدت هذه المجموعة لقاءً تشاورياً ضمن إطار برنامج "ندوم – من أجل التغيير" الممول من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.

يهدف برنامج "ندوم"، الذي بدأ تنفيذ المرحلة الأولى منه في العام 2019، إلى تسريع وتيرة العمل من أجل استدامة وتحسين الخدمات الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية، مقدمةً للأشخاص الأكثر عرضةً للفيروس، ويتم تنفيذه في كل من مصر، الأردن، لبنان، المغرب وتونس.

تتوقع منظمات المجتمع المدني زيادةً في معدلات الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، خاصة بالنسبة للفئات السكانية الأكثر هشاشةً، كإحدى النساء اللواتي يمارسن الجنس مقابل أجر معين، وهو حال ريما (اسم مستعار)، التي تشير إلى أنه قبل الأزمة المالية التي عصفت بلبنان، كان سعر الواقي الذكري يبلغ 5 آلاف ليرة، أما اليوم لم يعد الأمر كذلك، إذ إنه، ومع تبدل سعر الصرف، تجاوز سعر الواقي 30 ألف ليرة، وبالتالي قد يتعين عليها الموافقة على الممارسة الجنسية غير الآمنة، على الرغم من المخاطر.

العلاج هو الوقاية

"إن تأمين العلاج يظهر في سلم أولويات الخطة الوطنية الجديدة، لأنه هو الوقاية نفسها، خاصة في هذا الظرف الاقتصادي، مع العلم بأن الشخص الذي يتلقى العلاج لا ينقل المرض إلى الآخرين"، وفق ما أكّده مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في لبنان د. مصطفى النقيب، لرصيف22.

وقد وثّقت شبكة لانا 150 حالة انتهاك لحقوق الإنسان، مع الفئات السكانية الرئيسية المهمشة، عند الحصول على الخدمات الصحية أو المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية.

وفندت الباحثة لينا طاروسيان، نتائج دراسة العوائق الاجتماعية والمالية التي تحول دون وصول الفئات السكانية الرئيسية إلى خدمات فيروس نقص المناعة البشري في لبنان.

وفي حديثها مع رصيف22، أشارت لينا إلى أن نسبة المتعايشين مع نقص المناعة البشرية في لبنان قليل ولا يتخطى الـ 0.1%، كاشفة "أن الهدف من الدراسة معرفة سبب صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية، علماً أن هناك جمعيات تقدم هذه الخدمات".

"استمرت والدتي بالبكاء فترة طويلة، معتقدة أنني سأموت، بسبب جهلها بأن الدواء يخفّف الكثير من عوارض نقص المناعة البشرية، وزادت المخاوف من أفكار العالم وكيف سيتعاملون معي، هل سيأكلون معي أو يجلسون قربي؟"

واعتبرت لينا أن سبب التمييز يعود بشكل خاص إلى الدين والصور النمطية: "البعض قد يتمنى الموت للمتعايشين مع فيروس نقس المناعة البشرية، ما يعتبر اضطهاداً وسعياً إلى إلغاء وجودهم، سواء أكان من المحيط الاجتماعي أو العائلي، ما يدفعهم إلى كتمان سر المرض، وهذا يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي ويرتب آثاراً نفسية كبيرة".

واعتبرت طاروسيان أن هناك ثغرات معلوماتية، إذ لا يوجد داتا حول النساء اللواتي أصبن بالمرض، لأنه موضوع دقيق وحساس، لذا، فإن معظم النساء لا يحصلن على أية خدمة، ما يؤثر على الحياة اليومية".

شرحت المحامية نرمين السباعي العوائق القانونية التي ظهرت بعد تطوير الدراسة الحالية: "لا يوجد قوانين في كل المنظومة القانونية اللبنانية تردع التمييز. فالخصائص التي يجب أن تحمي هذه الفئات السكانية الرئيسية بالتركيز على اللون الجنس والهوية الجندرية عبر القانون غير موجودة، وهذا هو النقص الأساسي الذي على ضوئه تم تطوير القوانين للحماية من التمييز".

وتابعت بالقول: "حتى إن هناك نصوصاً في القوانين اللبنانية تميز تجاه هؤلاء الأشخاص، كالمادة 534 التي تمنع وصول الفئات السكانية الرئيسية المهمّشة إلى الخدمات الصحية والاجتماعية أو العمل".

وتساءلت: "هل يجب علينا العمل على مشروع قانون يشمل كل المهمّشين/ات، أو السعي إلى إقرار مشروع القانون الموجود في أدراج المجلس النيابي المتعلق بالمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية؟"، منوهة بأن هؤلاء الأفراد بوسعهم القيام بكل الأعمال، لكن هناك حالات طرد تعسفية.

أما بالنسبة للحماية التي تقدمها وزارة العمل، فقد أكّد ممثل الوزارة غسان الأعور، لرصيف22 بأن "القانون يحمي المصابين بالفيروس من الطرد، وبالتالي الوزارة تحمي العامل، وهي بدورها تحاول حل المسألة بعد الشكوى عبر المشاورات"، كاشفاً أنه "في أغلب الأحيان تحل المسالة بصرف مبلغ ونسبة قليلة من الحالات تذهب إلى مجلس العمل التحكيمي، لذا يجب توعية الشخص العامل على حقوقه".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image