شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كاملات عقل ودين"… ذلك الكتاب الممنوع والقصص حوله

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

الرقابة على الكتب... قديمة ومتجددة

تُعدّ الرقابة على الكتب ظاهرةً قديمةً بدأت منذ العصور الرومانية، حيث ارتبطت بفكرة الحفاظ على تجانس المجتمع من خلال توحيد مصادر المعرفة، تجنّباً لتعدد الآراء التي قد تثير اضطرابات اجتماعيةً. لاحقاً، تطورت هذه الفكرة، وصدر أول نظام موحد للرقابة على الكتب، في عهد البابا ليون العاشر، حيث أصبحت سلطة التصريح ببيع الكتب أو منعها، حكراً على الكنيسة.

الرقابة في العالم العربي… صراع بين التقاليد والحداثة

في العالم العربي، اكتسبت الرقابة على الكتب أبعاداً دينيةً، سياسيةً، واجتماعيةً، حيث ساهمت الحكومات، والمؤسسات الدينية، والضغوط الشعبية، في حظر العديد من الكتب، لا سيما تلك التي تتناول موضوعات حساسةً مثل انتقاد السلطة، مناقشةً قضايا دينيةً تخالف الاتجاه السائد، أو التطرق إلى مواضيع جنسية مثيرة للجدل.

المرأة في القرآن كاملة عقل ودين، غير ناقصة لا في رجحان عقلها ولا في عقيدتها، وليست غاويةً كما في السرديات التوراتية، وليست مملوكةً للرجل كما في الثقافات الرعوية

وبرغم أنّ الدستور والقانون المصري لا يفرضان رقابةً مسبقةً على الكتب، بل تقتصر الرقابة على مرحلة ما بعد النشر، عبر شرطة المصنّفات الفنية، فإنّ الناشرين غالباً ما يتحسسون خطواتهم خشية الوقوع في أزمة قد تعرقل توزيع الكتب، خاصةً إذا كانوا يتحملون تكاليف الطباعة دون تحميلها للمؤلف.

رقابة من الداخل… حين يصبح الناشر هو الرقيب

في واقعة غير معتادة، بادر أحد الناشرين إلى سحب كتاب من الأسواق استجابةً لاعتراضات القرّاء على عنوانه ومضمونه. قبل انتهاء معرض القاهرة الدولي للكتاب بأيام، أصدر الناشر إسلام أبو الفتوح، بياناً رسمياً جاء فيه: "لم تتعمد شركة السراج للنشر والتوزيع المساس بأحاديث النبي ﷺ أو الترويج لذلك، وكتاب الأستاذة أسماء عثمان الشرقاوي، تم نشره من قبيل مناقشة الآراء والتعرف عليها، أما وأنّ الرأي الغالب يرفض هذا الطرح فإننا نعلن سحب نسخ الكتاب من التداول وإيقاف نشره منذ تاريخ هذا البيان".

بهذا القرار، فضّل الناشر منع الكتاب ذاتياً، قبل أن تتدخل أي جهة رسمية لمصادرته، في موقف يجسّد مقولة: "بيدي لا بيد عمرو".

جدل واسع بين التأييد والرفض

أثار قرار سحب الكتاب جدلاً واسعاً، حيث أيّده كثيرون من ذوي الاتجاهات السلفية والمحافظة، بل رأى بعضهم أنه لم يكن ينبغي نشره من الأساس. في المقابل، انتقد عدد من المثقفين والحقوقيين القرار، ومن بينهم الدكتور خالد منتصر، الذي علّق ساخراً في تدوينة بأنّ الكتاب لو كان يمجّد دونية المرأة لما أثار ضجةً.

كما عبّر الإعلامي إبراهيم عيسى، عن استيائه، متسائلاً عبر برنامجه "حديث القاهرة"، عن مدى التزام الدولة بمبدأ المواطنة والمساواة بين الجنسَين، وهل تعدّ المرأة مساويةً للرجل في الأهلية كما ينصّ القانون، أم أنها تُعامَل ككائن أقلّ شأناً؟ وأكد أنّ المرجعية القانونية للدولة يجب أن تكون دستوريةً لا فقهية.

رقابة أو دعاية تسويقية؟

وسط هذا الجدل، ظهرت فرضية تفيد بأنّ الأزمة ربما كانت مجرد دعاية غير مباشرة للكتاب، وهو ما نفاه بشدّة أحمد ملام، المسؤول عن تسويق الكتاب، مؤكداً عبر تدوينة نشرها، أنّ القرار اتُّخذ بعد اعتراض "الرأي الغالب" على العنوان والمحتوى.

التصعيد بإتاحة الكتاب

في خطوة تصعيدية، قررت المؤلفة إتاحة الكتاب مجاناً على الإنترنت، ما يسمح للقرّاء بالاطلاع عليه بأنفسهم، ومن بينهم الكاتب والأكاديمي حاتم حافظ، الذي علّق في تدوينة قائلاً: "الكاتبة تستحق الشكر لأنّها من أرضية إيمانية حاولت غلق أبواب الطعن في الإسلام، فالمرأة في القرآن كاملة عقل ودين، غير ناقصة لا في رجحان عقلها ولا في عقيدتها، وليست غاويةً كما في السرديات التوراتية، وليست مملوكةً للرجل كما في الثقافات الرعوية. لكن هذه المرأة الكاملة المصانة المستقلّة مالياً في القرآن مهانة في الفقه لحد أنّ نفقتها إذا مرضت غير ملزمة لزوجها وإذا ماتت لا تلزم زوجها بتكلفة تكفينها ودفنها!".

كمال المرأة ليس جديداً

اللافت أنّ الكتاب لم يطرح فكرةً جديدةً تماماً، إذ صدر في عام 2014، كتاب بعنوان "أمي كاملة عقل ودين"، للمؤلف عماد محمد بابكر حسين، وهو طبيب وداعية إسلامي بريطاني من أصل سوداني، وقد خصص كتابه لنقد الموروث الديني بمنهجية عقلانية، تفكّ الاشتباك والالتباس، وتحتكم إلى القرآن الكريم لبيان المرويات التي تتعارض معه، وخصص الباب العاشر منه لمناقشة الحديث النبوي الذي يتعارض عنوان كتابه معه، وقد سرد بالتفصيل جميع رواياته وتصنيفه في كتاب البخاري، ونقد متنه بالعديد من الحجج العقلانية.

أما كتاب "كاملات عقل ودين"، فقد صدر في نسخة سابقة مع ناشر آخر، وسبق أن نوقش فعلاً، ونال إشادةً في أكثر من موضع، لكن منع تداوله خلال المعرض أعاد تسليط الضوء عليه.

محتوى الكتاب: تفكيك للموروث أو تجاوز للخطوط الحمراء؟

يستعرض الكتاب في أبوابه الخمسة، رحلةً نقديةً معمّقةً لمتون الأحاديث، مميزاً بين منهجية جمع الحديث والقرآن، ومتتبعاً مراحل تدوين الحديث وأنواع مصنفاته. يتناول الأسباب المتعددة لاختلاق بعض الأحاديث، سواء لأغراض سياسية، مذهبية، أو شخصية، كما يسلّط الضوء على معايير نقد السند والمتن، مستشهداً بأحاديث خضعت للنقد منذ فجر الإسلام. يتوسع الكتاب في استعراض آراء العلماء الذين شككوا في بعض متون صحيح البخاري عبر العصور، ليصل إلى الباب الأهم، حيث يقدّم نقداً تفصيلياً لستة أحاديث مؤثرة في النظرة إلى المرأة، مفككاً دلالاتها وتداعياتها الفقهية، ثم يختتم بتحليل أسباب انتشار هذه الأحاديث وتأثيرها العميق في الفكر الإسلامي.

أسماء عثمان الشرقاوي… رحلة بحث أم مغامرة فكرية؟

مؤلفة الكتاب حاصلة على بكالوريوس اقتصاد وعلوم وسياسية، ودبلوم معهد الدراسات الإسلامية، ومعهد إعداد الدعاة، وعملت في مجال الدعوة لمدة نحو 25 عاماً. في تصريح لرصيف22، عن نشأة فكرة كتابها، تقول: "لطالما أحببت الدين، فقد نشأت على محبّته بفضل والدي -رحمه الله- الذي غرس فينا حبّ الله والتقرب إليه بالعبادة. لذا، كانت القراءة والبحث في أمور الدين شغفاً طبيعياً لي. وبحكم اهتمامي الدائم بقضايا المرأة المسلمة ومكانتها وما يُروى عنها، فوجئت خلال رحلتي في البحث والدعوة وطرح الدروس، بأحاديث تحمل إساءةً شديدةً إلى المرأة، وهو ما أثار دهشتي واستنكاري".

غلاف كتاب "كاملات عقل ودين"



وأضافت: "إيماني بعدل الله المطلق ورحمته الواسعة، ومعرفتي بأخلاق النبي ﷺ الذي جاء رحمة للعالمين، جعلتني على يقين بأنّ مثل هذه الأحاديث لا يمكن أن تصدر عنه. من هنا، انطلقت في رحلة البحث والتدقيق، مدفوعةً بإدراكي أنّ الدين ليس مجرد موروث، بل هو مسؤولية فردية تستوجب التفكر والتدبّر، كما أمرنا الله عزّ وجلّ. فالإيمان الحقيقي ليس تقليداً أعمى، بل هو قناعة عقلية وقلبية يصل إليها الإنسان من خلال التأمل والبحث، وهو ما سعيت إلى تحقيقه في هذا الكتاب".

تحديات التأليف وأفكار الكتاب

وعن التحديات التي واجهتها في تأليف الكتاب، تضيف لرصيف22: "إلى جانب التحديات المعتادة في البحث، كانت الصعوبة الأكبر نفسيةً بالأساس. فقد وجدت نفسي في مواجهة أحاديث وتفسيرات وشروحات بالغة البعد عن روح الدين ومكانة المرأة وكرامتها. كان أكثر من تأثرت به زوجي، الذي دعمني وساندني وساهم بأفكاره في بناء الكتاب. كما استعنت بتفسير الدكتور راتب النابلسي، للقرآن الكريم، بالإضافة إلى مراجع أخرى عدة موثّقة في الكتاب. استغرقت هذه الرحلة ما يقارب ثلاث سنوات، تنقلت خلالها بين تجميع كل ما يتّصل بالموضوع".

يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن أن تنال المرأة المسلمة حقّها الكامل في البحث والاجتهاد، أو أنّ القيود المفروضة على الفكر الديني، ستظلّ حاجزاً أمام محاولات إعادة قراءة الموروث بعين ناقدة ومنصفة؟

وعن الأفكار التي أرادت إيصالها من خلال الكتاب: "التأمل والتفكر والتدبر والتعقل، كلها أوامر إلهية لا ينبغي أن تقتصر على جيل بعينه أو على عقول محددة، بل هي تكليف لكل إنسان دون استثناء. إنّ البحث في صحة الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله ﷺ لا يعني إنكار السنّة، بل هو جزء من صونها وتمحيصها. ليس للمسلمين معيار أدقّ وأقدس من القرآن الكريم، الذي يستحيل أن يخالفه حديث صحيح. والبحث في هذا الشأن جهد فردي ينبغي لكل مسلم أن يقوم به بنفسه، دون أن يُفرَض على غيره".

ما السرّ وراء ندرة وجود نساء في مجال الدراسات الإسلامية؟

إجابة عن السؤال السابق، تختم الشرقاوي حديثها بالقول: "برغم تخريج كليات الأزهر والدراسات الإسلامية مئات الخريجات سنوياً، إلا أنّ إغلاق باب الاجتهاد، خاصةً أمام النساء، حال دون بروزهنّ في الساحة الفكرية والدينية. وإذا كان الباب موارباً للرجال، فهو يكاد يكون مغلقاً تماماً أمام المرأة. عبر التاريخ، كانت عصور التنوير تُقاس بمدى مشاركة المرأة في العلم، وشهدت فترات الازدهار الإسلامي دوراً بارزاً للعالمات. فلم تقتصر الريادة على السيدة عائشة، بل وثّق الحافظ ابن حجر العسقلاني أكثر من 170 محدِّثةً، منهن 54 شيخةً له. كما تتلمذ الإمام ابن فهد المكي على يد 130 شيخةً، وبلغ عدد الشيخات اللواتي ذكرهنّ الإمام السخاوي، نحو 85، فيما روى الحافظ السيوطي عن 44 شيخةً. هذه الأرقام تكشف عن إرث علمي غني، كان للمرأة فيه حضور قوي، قبل أن تنحسر فرصها في العصر الحديث".


ويبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن أن تنال المرأة المسلمة حقّها الكامل في البحث والاجتهاد، أو أنّ القيود المفروضة على الفكر الديني، ستظلّ حاجزاً أمام محاولات إعادة قراءة الموروث بعين ناقدة ومنصفة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image