منذ عامين، تعاني علا (اسم مستعار) من هلوسات، يظهر فيها زوجها باستمرار وهو يخونها. تتوقع أن يحدث ذلك مع زميلاته في العمل، أو حتى مع أي واحدة من قريباته.
"مجرّد غلطة"
تحكي علا (33 عاماً) ما حصل لها لرصيف22: "لم يكن هذا إحساسي في بداية علاقتنا. كانت الأمور على ما يرام وكنا نعيش في سعادة، حتى أنجبت ابني، وبعد فترة أنجبت ابني الثاني. لم يعد هناك وقت لنتشارك فيه أي شيء، كل وقتي أصبح فقط للأولاد، ولم نكن نستطيع الخروج من المنزل لتناول الطعام أو للاستمتاع بأي نزهة".
"تحولت حياتي إلى جحيم مستمر. كلام زوجي جعل ثقتي في نفسي تهتزّ، بل تدمّرت. لا أشعر أنني كافية له ولم أعد أرى نفسي جميلة"
تضيف علا التي تعيش في القاهرة: "بعد أشهر من إنجاب طفلي الثاني، بدأت ألاحظ أن زوجي يستقبل مكالمات في وقت متأخر من الليل، ولم أكن أعرف مع من يتحدّث، خاصة أنني أنام مع الولدين في غرفة منفصلة حتى لا ينزعج زوجي من بكائهم ليلاً، وفي مرّة استمعت إليه دون أن يشعر وهو يتحدث مع زميلة له في العمل، وكان صوته رومانسياً جداً".
تعرّضت علا لصدمة كبيرة بعدما عرفت أن زوجها يخونها، وواجهته، فاعتبر أنها مجرّد غلطة واتهمها بإهمال نفسها والتقصير بحقه بعد إنجاب الأولاد: "تحولت حياتي إلى جحيم مستمر. كلام زوجي جعل ثقتي في نفسي تهتزّ، بل تدمّرت. لا أشعر أنني كافية له ولم أعد أرى نفسي جميلة. عندما أنظر في المرآة أشاهد امرأة بعيدة تماماً عن الجمال والإثارة".
وهنا، بدأت تشكّ في زوجها بشكل جنوني: "بدأت أبحث عن كلمة السر الخاصة بالفيسبوك وأتنصّت على كل مكالماته، لم أكف عن مراقبته. حتى وهو نائم أشعر أنه يحلم بنساء أخريات، وأتخيله مع امرأة غيري".
وتضيف: "حتى أرقام الرجال المسجلة على هاتفه سجلتها عندي لكي أتأكد أنها ليست أرقام نساء، وأفتش في كل ملابسه عن أي أثر للخيانة".
تعليقاً على هذه النقطة، تقول الدكتورة منى صلاح، معالجة زواج، أن الشخص أحياناً يكون متحفّزاً للخيانة ويشعر بقربها منه لأسباب مختلفة، إما لأن تجارب الآخرين أعطته شعوراً سيئاً بعدم الأمان أو لأنه قرأ كثيراً عن تكرار الخيانة.
وتضيف منى، لرصيف22، أن التخوف الدائم من الخيانة قد يكون ناجماً عن وسواس قهري أو فوبيا عامة، أو حتى خوف عادي يلحّ عليه، مشدّدة على أن اكتساب الثقة بعد الخيانة يتطلب الكثير من الوقت: "يجب على كل شخص أن يتكلم بحرية وانفتاح مع الآخر ويعبر عن مشاعره، حتى يستطع التغلّب على مخاوفه".
اضطراب ما بعد الصدمة
في مقال لكريستال رايبول، تكشف فيه أن انتهاك أحد الشريكين لثقة الآخر وخيانته يعرّض الطرف الثاني لصدمة كبيرة، ويجعله يفقد ثقته ويصاب بالشكّ المستمر الذي يحتاج لدعم نفسي.
وتوضح كريستال أن هذه الصدمة تجعل الشريك أكثر توقعاً لاحتمالات الخيانة: "في بعض الأحيان، يصاب الشخص بالتروما والشك المتواصل الذي يتحول إلى مرض، فيشعر الشخص بفقدان احترام الذات والغضب وفقدان السيطرة على العواطف، ويحتاج لدعم الشريك الخائن للتخلص من هذه الحالة، رغم أنه في أغلب الأحيان لا يستطيع السيطرة عليها".
"بدأت أبحث عن كلمة السر الخاصة بالفيسبوك وأتنصّت على كل مكالماته، لم أكف عن مراقبته. حتى وهو نائم أشعر أنه يحلم بنساء أخريات وأتخيله مع امرأة غيري. حتى أرقام الرجال المسجلة على هاتفه سجلتها عندي، لكي أتأكد أنها ليست أرقام نساء، وأفتش في كل ملابسه عن أي أثر للخيانة"
وفي دراسة أجراها موقع "باب ميد" على مجموعة من الرجال والنساء تعرّضوا/ن للخيانة من قبل الشريك، تبيّن أن الشريك المتعرّض للخيانة يكون أكثر عرضة للإصابة بعارض نفسي، مثل اضطرابات القلق واضطرابات ما بعد الصدمة، ويحتاج الشخص المعني لعلاج نفسي حتى يسترد ثقته بالآخر مرة ثانية.
وفي السياق نفسه، توضح دراسة أخرى لجامعة أوريغون بالولايات المتحدة، أن معدلات اضطراب ما بعد الصدمة عند التعرّض للخيانة تتراوح بين 5% إلى 6% لدى الرجال و 10% و 13% لدى النساء، كما أن مدة الاضطراب لدى النساء تكون أطول منها بين الرجال، وتشدّد الدراسة على أن اضطراب ما بعد الصدمة يحتاج لعلاج نفسي طويل حتى لا يصاب الشخص بفقدان الثقة المستمر.
هوس الخيانة
ليس بالضرورة أن يكون الشخص قد تعرّض للخيانة من قبل ليصاب بخوف مستمرّ منها.
يعاني أسامة (28 عاماً) منذ سنوات من الوسواس القهري وتعالج منه أكثر من مرة.
يقول أسامة لرصيف22: "أنا متزوج منذ عام، كنت أظن أن المرض انتهى ولكن عاد بصورة جديدة. أصبحت أرى زوجتي في وضع خيانة مع أي شخص، أتخيلها في مشاهد ليست حقيقية، حتى وصل الأمر أني تخيلتها مع عامل صيانة أجهزة كهربائية كان موجوداً بالمنزل، أستمر في الشك وانتظار الخيانة واتهامها دون أي دليل، والمشاهد تتكرّر أمام عيني باستمرار".
يضيف أسامة الذي يعيش في محافظة الإسكندرية: "زوجتي طلبت الطلاق أكثر من مرة، وفي كل مرة أعدها أنني سأتلقى العلاج، ولكن العلاج أرهقني قبل ذلك ولم أتحمله. في مرات يصل بي الأمر لأن أمنعها من الخروج من المنزل، ثم أعتذر منها وأعود لطبيعتي ولكن نفس حالة الشك تتكرّر باستمرار".
"أصبحت أرى زوجتي في وضع خيانة مع أي شخص، أتخيلها في مشاهد ليست حقيقية، حتى وصل الأمر أني تخيلتها مع عامل صيانة أجهزة كهربائية كان موجوداً بالمنزل، أستمر في الشك وانتظار الخيانة واتهامها دون أي دليل، والمشاهد تتكرّر أمام عيني باستمرار"
تعليقاً على هذه النقطة، تقول دكتور نهال زين، أخصائية الطب النفسي وعلاج الإدمان، لرصيف22: "الشك في خيانة الشريك لها احتمالات كثيرة جداً متعلقة بالمرض النفسي، فهذه المشكلة ممكن أن تكون موجودة عند من لديهم أعراض ذهانية ويعانون من ضلالات مثل ضلالة الخيانة، وهنا يكون لدى الشخص اعتقاد راسخ، دون أي دليل، على أن الزوجة خائنة أو الزوج خائن، وتصاحبها أعراض أخرى مثل اضطرابات التفكير، ويتخيل أحداثاً تدعم هذا الاعتقاد".
وتضيف نهال: "هناك أيضاً اضطراب الشخصية البارانوية إذ يبدو على هؤلاء الأشخاص من بعيد أنهم مثاليون، ولكنهم في الحقيقة لديهم خوف من الأذى والخيانة. فمثلاً لو فتحت زوجته الباب لعامل الدليفري قد يتصور أنها تخونه معه، وغالباً علاقاته لا تستمر بسبب شكه الدائم في نوايا الآخرين، أما الوسواس فهو أن تلحّ على الشخص فكرة وسواسية".
وفي بحث أجرته الجمعية البريطانية لعلم النفس على مجموعات مصابة بالوسواس القهري وأخرى مصابة بالاكتئاب، تبين أن المجموعة المصابة بالوسواس القهري هي الأكثر حساسية تجاه الخيانة، ويكون لدى الشخص المصاب تصوّر دائم بحدوث الخيانة أقل من حساسية الأشخاص المصابين بمرض الاكتئاب.
وعليه، تنصح المعالجة النفسية نهال زين أن يطلب هؤلاء الأشخاص المساعدة من طبيب/ة نفسي/ة مختص/ة: "بعد أن يتم التشخيص السليم، هناك حالات تحتاج تدخّلاً دوائياً أو جلسات علاجية مناسبة، مثل العلاج المعرفي السلوكي، أو العلاج التخطيطي لاضطراب الشخصية، ولكن الأهم أن يطلب المرء بنفسه تلقي العلاج، فللأسف أغلبية المرضى يتصورون أنهم على حق".
إذن، إن كان الشريك يعاني من الشك المستمر والخوف من الخيانة دون أي دليل، فعليه أن يسارع في طلب المساعدة النفسية حتى لا يزيد الأمر صعوبة على شريكه وحتى يتخلص من أوهامه ويعيش علاقة سوية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Toge Mahran -
منذ 15 ساعةاكتر مقال حبيته وأثر فيا جدا♥️
Tayma Shrit -
منذ 15 ساعةكوميديا سوداء تليق بمكانة ذاك المجرم، شكرا على هذا الخيال!
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ يومينالمقال بيلقى الضوء على ظاهرة موجوده فعلا فى مصر ولكن اختلط الامر عليك فى تعريف الفرق بين...
مستخدم مجهول -
منذ يوميناحمد الفخرناني من الناس المحترمة و اللي بتفهم و للاسف عرفته متاخر بسبب تضييق الدولة علي اي حد بيفهم
Europe in Arabic-Tarek Saad أوروبا بالعربي -
منذ 3 أياممقال رائع..
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامالحبة الحمراء أيديولوجية يقتنع بها بعض من النساء والرجال على حد السواء، وبرافو على هذا الشرح الجميل