منذ بداية العدوان على قطاع غزة وحتى الآن، حوصرت العلاقات المصرية الإسرائيلية بحرب كلامية، تبادلت فيها القاهرة وتل أبيب اتهامات بخرق اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين منذ 26 آذار/مارس 1979.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه مصر تموضع قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا بادرة استباقية لاختراق الاتفاقية، ارتأت تل أبيب أن انتشار الجيش المصري على امتداد المحور الفاصل بين مصر وقطاع غزة (14 كيلومتراً) هو الخرق الفعلي للاتفاقية.
على خلفية هذا التناحر، لوَّحت القاهرة غير مرة بإلغاء المعاهدة مع تل أبيب، لا سيما بعد مؤتمر صحافي عقده بنيامين نتنياهو في 3 أيلول/سبتمبر 2024، واستعرض فيه خريطة لمحور فيلادلفيا، معتبراً إياه "منطقة عسكرية"، خلافاً لبنود وملاحق اتفاقية كامب ديفيد.
سفير إسرائيل الأسبق لدى القاهرة، ديفيد جوفرين، (والسفير لدى المغرب منذ 2021)، كان أكثر جرأة من غيره من الدبلوماسيين الإسرائيليين حين أشار إلى أن "مصر تستثمر مبالغاً ضخمة في تعزيزاتها العسكرية"، ودعا إلى "توخي الحذر من تعاظم قدرات الجيش المصري، وعدم التعويل على نوايا ومصالح المصريين المعلنة، التي يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها في حال تغير النظام، وربما يفضي ذلك حينها إلى تكرار سيناريو 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023".
بعد تنصيب الرئيس دونالد ترامب، تفاقمت لهجة الضغط الإسرائيلي ضد القاهرة، وانفرد الكاتب الإسرائيلي أرئيل كهانا بترويج معلومات حول اعتزام الكونغرس الأمريكي، في سابقة هى الأولى من نوعها، مناقشةَ ما وصفه بـ"انتهاكات اتفاقية كامب ديفيد من جانب مصر، خاصة بعد تنامي تدفق قوات الجيش المصري إلى سيناء".
تسريب معلومات من "خُلوة" مجلس النواب
وعلى الرغم من استثناء الرئيس ترامب مصر وإسرائيل من قرار تجميد جميع المساعدات الدولية الأمريكية لمدة 85 يوماً، أصر كهانا على تسويق بضاعته المعلوماتية، مشيراً إلى أن أحد أهم بنود المقترح المزمع مناقشته في جلسة مغلقة بمجلس النواب يُطلق عليها "الخُلوة"، هو الدعوة إلى "إعادة النظر في المساعدات التي تتلقاها مصر سنوياً من الولايات المتحدة".
في الوقت الذي اعتبرت فيه القاهرة تموضع قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا بادرة استباقية لاختراق الاتفاقية، ارتأت تل أبيب أن انتشار الجيش المصري على امتداد المحور الفاصل بين مصر وقطاع غزة (14 كيلومتراً) هو الخرق الفعلي للاتفاقية. وعلى خلفية هذا التناحر، لوّحت القاهرة غير مرة بإلغاء المعاهدة مع تل أبيب
وفيما اعتبره تفنيداً لأحادية معلومات الكاتب الإسرائيلي، يرى الدكتور خالد عكاشة، مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن معلومات أرئيل كهانا، الذي تصفه صحيفة "يسرائيل هايوم" بأنه "المصدر الوحيد والأول لتسويق للخبر"، بالمحلل، وأبرز مراسلي الصحيفة العبرية لدى البيت الأبيض، لا تنطوي على أي أساس من الصحة.
وفي حديثه لرصيف22، أضاف عكاشة: "إلى جانب قرار الرئيس ترامب استثناءَ مصر وإسرائيل من تجميد المساعدات الأمريكية، لدينا مصادرنا الموثوقة في الولايات المتحدة، ولم يرد على لسانها أي معلومات تتعلق بالمشروع أو الاقتراح الذي يقتصر الحديث عنه على إسرائيل فقط".
"أي اتفاقية مصرية مع إسرائيل هى بالأساس اتفاقية مؤقتة"؛ هذا ما يراه المفكر الاستراتيجي، الدكتور أحمد عز الدين، مشيراً في حديث لرصيف22 إلى أن إسرائيل لا ترغب في إلغاء اتفاقية السلام مع مصر، وإنما تحاول تعديلها بما يتسق وحسابات ميزان القوى الإقليمي. وفي محاولة لتعميق أثر اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية على المنطقة.
يستكمل: "لا يقتصر بقاء أو إلغاء اتفاقية كامب ديفيد على العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، وإنما يرتبط مصيرها بحسابات إقليمية على أكثر من ساحة وفقاً لتحولات ميزان القوى، لا سيما بعد سقوط سوريا".
مستقبل كامب ديفيد
ويضيف عز الدين: "الحالة المصرية وعلاقتها بإسرائيل جزء من موضوع أكبر، لا يمكن فصله عن سيناريو إضعاف وإعادة تشكيل المنطقة العربية، ولا يجوز رؤية نتائجه المستقبلية بشكل مستقل. لكن إسرائيل لن تتنازل وسط هذا العراك والارتباك الجيوسياسي عن ممارسة ضغوطات على مصر، وهو ما يطرح سؤالاً حول قبول الجيش المصري بالتراجع والعودة إلى مواقعه السابقة قبل انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا".
الثابت، بحسب عز الدين، هو مخالفة إسرائيل الاستباقية لاتفاقية كامب ديفيد عبر وجود قواتها في محور فيلادلفيا، وإصرار نتنياهو نفسه على بقاء قواته هناك حتى الآن، وتأكيده، أمام ائتلافه المتطرف، العودةَ للحرب بعد مرحلة تحرير رهائن إسرائيل من قبضة حماس، ما يعني أننا أمام مجرد تهدئة وليس اتفاقاً لوقف إطلاق نار.
يرى بعض الخبراء بأن إسرائيل لا ترغب في إلغاء اتفاقية السلام مع مصر، وإنما تحاول تعديلها بما يتسق وحسابات ميزان القوى الإقليمي. وفي محاولة لتعميق أثر اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية على المنطقة.
ولا يرى المفكر الاستراتيجي أن الجيش المصري يمكنه القبول بتراجع قواته قبل انسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا. ويضيف: "إذا كانت إسرائيل ترغب في العودة إلى نص كامب ديفيد القديم والاتفاقات الملحقة به، ينبغي أولاً الانسحاب من فيلادلفيا. يمكن حينها التفكير في تخفيض القوات المصرية على مراحل مثلاً، أو طرح بدائل أخرى لحلحلة القضية. لكن مصر لن تفعل ذلك من جانب واحد".
أما الإجابة على سؤال: هل تنسحب إسرائيل من المحور؟ فذلك يتوقف على كيفية تصرفها لاحقاً مع غزة وفي الضفة الغربية.
على الصعيد ذاته ألمح عز الدين إلى أن إسرائيل، خاصة حكومة نتنياهو بتركيبتها الحالية، لا ترغب فعلياً في السلام ولا حتى الاستقرار، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتصريحات المبعوث الأمريكي ستيفن ويكوف، حين قال إن "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أصعب من التوصل إليه"، ما يؤكد أن القائمين على الاتفاق لا يملكون ضمانة سريان مراحله الثلاثة على الأرض.
ثلاثية العقلية الصهيونية
تعقيباً على الممارسات الإسرائيلية ذات الصلة باتفاقية كامب ديفيد، يقول الدكتور حاتم الجوهري، أستاذ الدراسات العربية–الصهيونية إن إسرائيل تستغل وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض لتسويق فكرة تعديل اتفاقية السلام مع مصر عبر إيصال رسالة استباقية مفادها: مصر تخترق الاتفاقية التي أشرفت الولايات المتحدة على صياغتها وتوقيعها.
في حديثه لرصيف22، يرى الجوهري أن "مبادرة إسرائيل بهذه الخطوة عبر جماعات الضغط الأمريكية تعكس مدى المزايدة التي يتبناها نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية، لا سيما إذا كانت هناك ملفات أخرى عالقة بين الجانبين المصري والإسرائيلي".
وفي استشرافه لعوائد ممارسات إسرائيل، يشير الجوهري إلى أن العقلية الصهيونية تقوم على ثلاثية الطمع، والاستباق، والسيناريوهات المستقبلية. وليس ثمة شك في أن إسرائيل صاغت تكتيكات، ورسمت بالفعل سيناريوهات مستقبلية، وأعدت بنوك أهداف ناعمة وخشنة للتعامل مع مصر، تماماً مثلما تتعامل مع بقية أطراف المنطقة.
خلال ولاية ترامب الحالية، لا يمكن أبداً استبعاد المناوشات الإسرائيلية على أكثر من محور، لا سيما وأن منطقة الشرق الأوسط تعيد تشكيل نفسها في الوقت الراهن. القرن الأفريقي، على سبيل المثال، ينطوي على نقاط تماس وتمددات ومصالح مركبة بين مصر وتركيا وإسرائيل، فضلاً عن حضور المستوى الدولي بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وبريطانيا.
في ظل هذا الحراك لا يمكن استثناء فرضية ضغوط إسرائيل في منطقة وهى تستهدف منطقة أخرى، ومن ذلك إمكانية تعزيز الضغط على القاهرة من أجل السماح لإثيوبيا على سبيل المثال بالتواجد العسكري أو اللوجستي في منطقة معينة، وهو ما يشي بتداخل أو انصهار الأهداف الإسرائيلية في بنك واحد لتحقيق مكاسب إقليمية هنا أو هناك، بحسب الجوهري.
وفي ما يخص ملف تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، وعلاقته بثبات اتفاقية السلام، يقلل الدكتور سامح عباس، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة قناة السويس، من اعتماد مصر مستقبلاً على الغاز الإسرائيلي، خاصة في ظل انفتاحها خلال الآونة الأخيرة على بدائل أخرى.
لا يمكن استثناء فرضية ضغوط إسرائيل في منطقة وهى تستهدف منطقة أخرى، ومن ذلك إمكانية تعزيز الضغط على القاهرة من أجل السماح لإثيوبيا على سبيل المثال بالتواجد العسكري أو اللوجستي في منطقة معينة، وهو ما يشي بتداخل أو انصهار الأهداف الإسرائيلية في بنك واحد لتحقيق مكاسب إقليمية هنا أو هناك
يقول لرصيف22: "إلى جانب استيراد الغاز من إسرائيل، انفتحت مصر على استيراد الغاز من جهات أخرى لتغطية العجز المحلي، فضلاً عن توسعها في عمليات استكشاف حقول جديدة عبر شركات دولية. يضاف إلى ذلك الاتفاقات الأخيرة المبرمة بين مصر من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى لتصدير الغاز بعد إسالته في مصر إلى أوروبا".
رجل جماعات الضغط على البيت الأبيض
في المقابل تحذر دوائر معنية بمستقبل ملف الطاقة في إسرائيل من مواصلة تصدير الغاز إلى مصر، وترى بحسب الدكتور عباس، أنه رغم ارتفاع احتياطيات الغاز الإسرائيلي خلال العقد الأخير بنسبة 40%، إلا أنها معرَّضة للنضوب في المستقبل المنظور إذا لم يتم اكتشاف حقول جديدة.
ويكشف الدكتور عباس عن أن إسرائيل لا تولي اهتماماً بورقة الضغط على مصر بالغاز، لا سيما وأن تقديرات الخارجية الإسرائيلية ارتأت أن تصدير الغاز إلى أوروبا بعد إسالته في مصر هو الخيار الأفضل لتوفير بناء محطات إسالة أو تدشين بنى تحتية لنقله إلى دول القارة العجوز.
ما يخشاه المراقبون هو جماعات الضغط الأمريكية وتأثيرها على دوائر صنع القرار في البيت الأبيض، ولا يمكن في هذا الخصوص استثناء رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، إذ يُعرف عن الرجل تقديمه دعماً وتأييداً غير محدود لإسرائيل.
في عام 2020 زار جونسون إسرائيل مع وفد من البرلمانيين الأمريكيين، وخلال الزيارة أصر على التجول في القدس، وزيارة حائط المبكى، والحرم الإبراهيمي. وفي سياق خطاب تنصيبه رئيساً لمجلس النواب، أعلن اعتزامه تمرير قرار عبر الكونغرس لتأييد حرب إسرائيل في قطاع غزة، وكان أول قرارته دعم ما وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي آب/أغسطس 2024، كتب جونسون: "أي هجوم إيراني ضد إسرائيل أو المصالح الأمريكية لن ينطوي على عدالة وسنواجهه بقوة حاسمة. يجب على الرئيس بايدن أن يفرج فوراً عن جميع الأسلحة المحتجزة والمحظور توريدها في السابق لإسرائيل".
وفي تجمع حاشد لدعم إسرائيل عقد في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بالقرب من مبنى الكابيتول في واشنطن، أعرب جونسون عن معارضته لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقال إن "الدعوات الرامية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة فضيحة كبرى". وفي كانون الثاني/يناير 2025، بادر وأقر مشروع قانون في مجلس النواب يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرات اعتقال صادرة عن المحكمة بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وصرح جونسون: "الكونغرس لن يتسامح مع الجهات الملتوية التي تهاجم إسرائيل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
حوّا -
منذ يومشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ يوميناي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...
mahmoud fahmy -
منذ أسبوعكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم