أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، وصول مليار دولار، لخزانة البنك المركزي المصري، في الجمعة الأخيرة من كانون الأول/ديسمبر 2024. والمبلغ يمثل الشريحة الأولى من تمويل الاتحاد الأوروبي لمصر، في حزمة تمويل بإجمالي 8.06 مليار دولار، مقسمة على عدة شرائح.
ويأتي وصول هذه الشريحة، بعد اتفاق الشراكة الاستراتيجية، لضمان الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز ملفات الاستثمارات والتجارة، والهجرة والتنقل، والأمن والسكان، ورأس المال البشري، والذي وقعته مصر مع الاتحاد الأوروبي في 29 حزيران/يونيو 2024، لتغطية حاجات القطاعات التي تشمل الطاقة النظيفة، والتصنيع، والأمن الغذائي، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة، وتوقيف الهجرة غير الشرعية وفتح طرق للهجرة الشرعية إلى أوروبا، وذلك من خلال 200 مليون يورو، لإدارة مسألة الهجرة، مما يفيد في تنفيذ أجندات الحكومة في الإصلاحات الداخلية.
تميل ترجيحات، بأن تمويل الاتحاد الأوروبي لمصر، والمقسم على عدد من الشرائح، ليس للشراكة الاستراتيجية، ولتحقيق إصلاح داخلي في مصر وحسب؛ كتقرير هيومن رايتس ووتش، حيث أفادت بأن التمويل استكمالاً لخطة الاتحاد الأوروبي التي نفذت في موريتانيا وتونس، لوقف الهجرات إلى أوروبا من قبل اللاجئين.
وهو أمر يتبين أكثر، من خلال تصريح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بأن مصر خط الدفاع الأول عن أوروبا، لمنع الهجرة غير الشرعية، وأن مصر تستضيف أكثر من 9 ملايين أجنبي، نتيجة الأزمات التي تشهدها المنطقة، فضلاً عن ترديد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بأن تكلفة استضافة الأجانب في مصر، تبلغ 10 مليارات دولار سنوياً؛ مما يعطي مؤشرات بأن التمويل قد يكون تنفيذاً لاتفاق جرى بين مصر والاتحاد الأوروبي، بأن تقوم مصر بإقرار قانون اللجوء، حتى تقل فرص هجرة اللاجئين لأوروبا، وذلك خلال توفير امتيازات خاصة لهم، بعد تنظيم وجودهم في البلاد بشكل قانوني.
ما يزيد من احتمالية هذه الترجيحات، هو طلب وزير الخارجية بدر عبد العاطي في اتصال هاتفي مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دبرافكا سويسا، تسريعَ تنفيذ حزمة التمويل الأوروبي الذي يبلغ قيمة 7.4 مليار يورو، والمقترنة بمسار تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في حال تم الربط بين وصول الشريحة الأولى من التمويل الأوروبي، لخزانة البنك المركزي، بعد عرض قانون اللجوء على مجلس النواب في مصر، والموافقة عليه، ومن ثم إقراره رسمياً، وليس قبل إقرار قانون اللجوء في 15 كانون الأول/ديسمبر 2024.
هل التمويل من حق اللاجئين؟
هذه السياسة اتبعها الاتحاد الأوروبي، من قبل، مع تونس وموريتانيا، حيث تم التعهد بتقديم منح وحوافز أخرى مقابل تحسين مراقبة حدود البلدين، وكأن الدول أمست حراساً لشواطئ المتوسط.
في هذا السياق، يفيد الناشط السياسي مصطفى شوقي، بوجود مفاوضات طويلة سابقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، تدور حول ملف اللاجئين ، وهو ملف صرحت الحكومة عنه، وينص بأن بداخل مصر 9 مليون لاجئ يُنفق عليهم نحو 10 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يتزايد مع الأزمات في المنطقة، وبالتزامن مع حرص مصر في عدم سد بابها أمام اللاجئين.
بعد وصول المليار الأول من الـ8 مليارات دولار التي وافق الاتحاد الأوروبي على تقديمها كتمويل لمصر، بدأت التكهنات والمؤشرات بالظهور حول مدى ارتباط هذا التمويل بملف الهجرة غير النظامية، وقدرة مصر على أن تكون دولة مضيفة للاجئين، وحارساً على البحر الأبيض المتوسط
ويشير مصطفى، في تصريحاته لرصيف22، إلى مصلحة الاتحاد الأوروبي في تقليل معدلات الهجرة غير الشرعية، والتي أمست أكثر من المعتاد، بالنسبة لأوساط اللاجئين. ومن هنا أتى التنسيق بين الاتحاد الأوروبي ومصر، ليكون استيعاب اللاجئين ممكناً، ولعدم انفجار أزمة الهجرة غير النظامية. وهما أمران في غاية الأهمية، مع تقليل ضغط اللاجئين على الاقتصاد المصري، في ظل اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على الإصلاح الهيكلي، وحل أزمة عجز الموازنة العامة.
ويرى شوقي أن المهم من كل ذلك، هو استخدام هذا التمويل كوسيلة لتحسين أوضاع اللاجئين في مصر، من حيث الخدمات التي تقدم لهم، والمعاملة التي يتعرضون لها، وكذلك تطبيق وتنظيم القانون الذي جرى إقراره، موضحاً: "يجب أن يكون هناك إحكام للسيطرة على ملف اللاجئين، من خلال حوار مجتمعي نابع من جلسات مع اللاجئين أنفسهم، وأن تستعد له الحكومة، لاستيعاب الدفعات القادمة من التمويل".
وأشار إلى أهمية التوسع في النقاش حول قانون اللجوء والمساعدات والتمويلات الموجهة له، سواءً في الجهات المعنية بهذا المجال أو المهتمين بشأن اللاجئين والفئات المستهدفة، والمفترض أن يدير ذلك مجلس النواب، للحصول على نتائج تلبي المطالب الواسعة لمجموعات اللاجئين، منوهاً إلى أهمية العمل بشكل للتعبير عن مطالب اللاجئين.
إجراءات لوقف الهجرة غير النظامية
أكد السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن مصر اتخذت منذ عام 2016، إجراءاتٍ قانونية وأمنية مشددة لمنع الهجرات غير النظامية، سواءً من مصر أو القادمين من دول الجوار ممن يعتبرون مصر معبراً إلى أوروبا. ومنذ اتخاذ تلك الإجراءات انخفضت معدلات الهجرة إلى أدنى حد، ولكن ما يحدث الآن أن كثيراً من المصريين يدخلون ليبيا بأشكال مختلفة، ومن هناك يتجهون لدول أوروبا بطرق غير شرعية، موضحاً في حديثه لرصيف22: "نحن لا نملك سيطرة على تلك العملية".
ترفض مصر استقبال اللاجئين على طريقة تركيا، بوضعهم في خيام منفصلة، وفي نفس الوقت تتبنى مبدأ عدم طرد أي لاجئ على أراضيها، إلا أن كلفة 9 مليون لاجئ تشكل عبئاً اقتصادياً.
ويقول إن مصر اتفقت مع الاتحاد الأوروبي على عدم طرد اللاجئين الموجودين داخل البلاد، من خلال تنظيم وجودهم، حتى يكون من الممكن لهم الحصول على مساعدات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن المساعدات الأوروبية، هي بمثابة تضامن في إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، لوقف الهجرات التي قد تتجه إلى أوروبا.
وعن وجود هجرات غير نظامية، رغم تمويلات الاتحاد الأوروبي لتشديد السيطرة على ساحل المتوسط ومساعدة مصر في مصروفات اللاجئين، يوضح رخا بأن عمليات التسلل تكون في أضيق الحدود، من خلال عدد من الحيل، ولا تعد عمليات كبرى، كالتي كانت تجري في ليبيا وتونس، وهذا يبين مدى التزام مصر بالشراكة الاستراتيجية، وهو ما يجعل الاتحاد الأوروبي يقدم لمصر تمويلات، كتقدير لدورها في وقف الهجرة واحتواء اللاجئين داخل أرضها.
وينوه بأن مصر لا تعتمد نظام مخيمات اللاجئين وتوفير "المصروف" لهم، كالذي تعتمده تركيا مقابل مساعدة الاتحاد الأوروبي لها. يقول: "هنا الوضع يختلف عن تركيا، فالاتحاد الأوروبي راعى مساعدة مصر في تلك المشكلة، لأنها تلتزم من 2016 بتوقيف هجرة اللاجئين لأوروبا، بالرغم من أن فكرة الهجرة هي غريزة إنسانية للانتقال من المكان العادي للمتقدم".
ثمن الانزعاج الأوروبي
مؤخراً، وبالتحديد في أيار/مايو 2024، دعت أكثر من 15 دولة عضو الاتحاد الأوروبي، إلى البحث عن حلول للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، من خلال تشديد الرقابة على الحدود لمنع تسلل اللاجئين، وعمل اتفاقيات ثنائية مع دول خارج الاتحاد.
تعقيباً على ذلك، يشير اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، في تصريحات خاصة لرصيف22، أن الانزعاج الأوروبي، بالخصوص من الدول الساحلية التي تطل على البحار، هو دافع لتمويل المشروعات التي تستوعب الشباب في الدول الساحلية.
ويضيف: "الاتحاد الأوروبي هو من يُقدر المعونة، وإذا تأكد أن المبالغ التي تنفق في هذا المجال غير كافية، فلا شيء يمنعهم من الدفع مرة أخرى، في سبيل احتفاظ الدول برعاياها، وهي الطريقة نفسها التي لعبت بها تركيا لابتزاز أوروبا".
في أيار/مايو 2024، دعت 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إلى البحث عن حلول جديدة للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، من خلال تشديد الرقابة على الحدود لمنع تسلل اللاجئين، وعمل اتفاقيات ثنائية مع دول خارج الاتحاد
ويكمل: "كل الشباب يسعى إلى حياة أفضل، وبذلك فإن الهجرة إلى أوروبا بالنسبة لهم مهما كانت صعبة، ستحقق فرص حياة أفضل، لذا فعمليات الهجرة غير النظامية ما زالت قائمة، وليبيا تلعب دوراً رئيسياً في هذا الملف، فمن شواطئها أقصر الطرق البحرية إلى إيطاليا". وحول استعجال مصر لبقية التمويل الأوروبي، يقول الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور إلهامي الميرغني لرصيف22، إن الاتحاد الأوروبي يعاني من تصاعد الهجرات من شمال إفريقيا، لافتاً إلى أن مصر كانت إحدى دول العبور، ولكن تم تطوير التشريعات وتشديد العقوبات حتى انتقلت إلى ليبيا. وما سهل الأمر هو الصراعات السياسية هناك.
يضيف: "يعول الاتحاد الأوروبي على مصر، لتكون صمام الأمان الذي يمنع المزيد من الهجرات العربية والإفريقية لأوروبا، وقانون اللجوء الذي أصدرته مصر هو مجرد محطة لاستيعاب جزء من اللاجئين في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية".
وبحسب تصريحات رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني، فإن مثل هذه التمويلات هي "أفضل طريقة للتصدي لتدفق المهاجرين من اللاجئين". لكن حتى اللحظة لا نعرف هل تمت مناقشة وتحديد أوجه إنفاق التمويل بشرائحه المختلفة، أو حتى تعهدات مصر للاتحاد الأوروبي. وأشار الخبير والباحث الاقتصادي، بأنه يأمل بأن يتم توجيه شرائح التمويل، للقطاعات الإنتاجية السلعية في الزراعة والصناعة، و"لكن أولويات الحكومة مختلفة، وغير معلنة، والقرض لم يناقش بالشكل المطلوب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 19 ساعةوحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...
mahmoud fahmy -
منذ 5 أيامكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم
KHALIL FADEL -
منذ أسبوعراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ أسبوععمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ أسبوعاسمهم عابرون و عابرات مش متحولون