شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الصفويون والتشيّع... قراءة في تحوّل إيران إلى المذهب الاثني عشري

الصفويون والتشيّع... قراءة في تحوّل إيران إلى المذهب الاثني عشري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 4 فبراير 202509:01 ص

في سنة 1501، قام الشاه إسماعيل الأول، بتأسيس الدولة الصفوية في إيران، وأعلن وقتها عن اعتماد المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري، مذهباً رسمياً للدولة. على إثر ذلك الإعلان، تم إجبار الآلاف من الإيرانيين على التخلّي عن المذهب السنّي ليعتنقوا المذهب الجديد المفروض عليهم.

فما هي أهم المحطات التي مرّ بها المذهب الشيعي في إيران قبل تأسيس الدولة الصفوية؟ وما هي الظروف والأسباب التي دفعت الصفويين للتحول إلى المذهب الشيعي الاثني عشري؟ وكيف تزامن ذلك التحول مع وقوع العديد من حملات العنف في عموم الهضبة الإيرانية ومنطقة الأناضول؟

محطات في طريق التشيّع الفارسي

تؤكد المصادر التاريخية المختلفة، أنّ أغلبية الفرس المسلمين قد اعتنقوا المذهب السنّي الشافعي منذ القرون الأولى من عمر دولة الخلافة الإسلامية. على الرغم من ذلك، تمكّن التشيع من التغلغل داخل بعض الدوائر الفارسية منذ فترة مبكرة. على سبيل المثال، تؤكد الروايات التاريخية، أنّ الصحابي سلمان الفارسي، كان أحد الشيعة الأوفياء الذين وقفوا بجوار علي بن أبي طالب، بعد وفاة الرسول، ما حدا به -أي بسلمان- ليصبح رمزاً مهماً للتشيّع الفارسي في ما بعد.

تؤكد المصادر التاريخية المختلفة، أنّ أغلبية الفرس المسلمين قد اعتنقوا المذهب السنّي الشافعي منذ القرون الأولى من عمر دولة الخلافة الإسلامية. على الرغم من ذلك، تمكّن التشيع من التغلغل داخل بعض الدوائر الفارسية منذ فترة مبكرة

بحسب الروايات التي ذكرها ابن جرير الطبري، في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، فإنّ تأسيس التجمعات الشيعية في إيران قد وقع عقب مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، سنة 40 هـ. تذكر تلك الروايات أنّ الأمويين مارسوا ضغوطاً كبيرةً تجاه شيعة العراق. في هذا السياق، أجبر والي العراق زياد بن أبيه، ما يقرب من خمسين ألفاً من شيعة الكوفة والبصرة، على الانتقال إلى منطقة خراسان.

مع وصول العباسيين إلى السلطة، أضحت إيران الملاذ الآمن الذي احتضن العديد من الشخصيات العلوية المؤثرة في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، هرب يحيى بن عبد الله الكامل، إلى جبال الديلم في شمال إيران، عقب هزيمة العلويين في موقعة فخ عام 169 هـ. كما عاش الإمام علي الرضا، الشهور الأخيرة من حياته في إيران، عقب مبايعته بولاية العهد، ودُفن عقب وفاته في سنة 203 هـ، في مدينة طوس. كذلك انتقلت السيدة فاطمة المعصومة -أخت الرضا- إلى إيران، ودُفنت في مدينة قم. وهكذا، توسعت الجماعات الشيعية شيئاً فشيئاً في إيران، وتمركزت حول مقامات وأضرحة العلويين والأئمة من آل البيت في طوس وقم وغيرهما من المدن الإيرانية.

في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، حظي الشيعة الإيرانيون بقدر وافر من الحرية، بعدما فرضت الدولة البويهية الشيعية سلطانها على مساحات واسعة من إيران والعراق. وفي القرن الخامس الهجري، احتضنت الأراضي الإيرانية عدداً كبيراً من الشيعة الإسماعيلية المدعومين من قِبل الخلافة الفاطمية. في هذا السياق، تمكّن الداعية الشهير الحسن بن الصباح الحميري، من أن يؤسس لجماعته -الإسماعيلية النزارية- مركزاً مهماً في "قلعة ألموت" الواقعة في منطقة بحر قزوين. ووسع نفوذه بعدها، ليضم عدداً من القلاع في شتى أنحاء إيران. أما في بدايات القرن الثامن الهجري، فقد توطد النفوذ الشيعي الاثني عشري في بعض أنحاء إيران، وذلك بعدما تحوّل الإيليخان المغولي محمد خدابنده إلى المذهب الشيعي.

التشيّع الصفوي كأيديولوجيا سياسية

لم يظهر الصفويون على مسرح الأحداث السياسية في منطقة الهضبة الإيرانية، إلا مع مطلع القرن السادس عشر الميلادي. بحسب ما يذكر المؤرخ عباس إقبال أشتياني، في كتابه "تاريخ إيران بعد الإسلام"، فإنّ الصفويين أخذوا اسمهم من الشيخ صفي الدين إسحق الأردبيلي، المتوفى سنة 1334 م، وهو شيخ صوفي تركماني الأصل، كان يتبعه عدد كبير من المريدين والأتباع.

بعد وفاته، دُفن صفي الدين في أردبيل، وخلفه ابنه صدر الدين موسى في زعامة الطريقة الصوفية، وفي عهد حفيده المعروف بالسلطان جنيد، تحوّلت الطريقة الصفوية إلى ثورة عسكرية، واستفاد الصفويون من حالة الفوضى التي سادت في منطقتي الهضبة الإيرانية والأناضول بعد انسحاب جيوش تيمورلنك، واقتسام الأقاليم بين ورثة القائد المغولي.

مع مطلع القرن السادس عشر، استطاع إسماعيل، حفيد السلطان جنيد، أن يحقق الانتصار على مملكة آق قيونلو، وهي مملكة تركمانية حكمت مناطق ممتدةً بين إيران وآسيا الوسطى وأذربيجان، وأن يؤسس دولةً جديدةً، جعل من تبريز عاصمةً لها، بحسب ما يذكر جعفر المهاجر في كتابه "الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي".

مع وصول العباسيين إلى السلطة، أضحت إيران الملاذ الآمن الذي احتضن العديد من الشخصيات العلوية المؤثرة في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، هرب يحيى بن عبد الله الكامل، إلى جبال الديلم في شمال إيران، عقب هزيمة العلويين في موقعة فخ عام 169 هـ

أطلق إسماعيل، على نفسه لقب الشاه، وهي كلمة فارسية تعني الملك، ومدّ رقعة ملكه ونفوذه، وحذا خلفاؤه حذوه، حتى وصلت الدولة الصفوية إلى أقصى اتساع لها، عندما امتدت من جبال تورا بورا في أفغانستان، إلى شرق الأناضول، مروراً بأذربيجان وأرمينيا والهضبة الإيرانية. بالتزامن مع تأسيس الدولة، أعلن إسماعيل عن التحول إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، واتخذ الخطوات اللازمة كافة لتحوّل رعايا الدولة إلى اعتناق هذا المذهب.

في كتابه "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي"، يوضح المفكر الإيراني علي شريعتي، الأسباب التي دعت الشاه إسماعيل للإقدام على خطوة التحول المذهبي. يذكر المفكر الإيراني، أنّ الصفويين أقاموا دعائم دولتهم على أساسين مهمين، هما: المذهب الشيعي، والقومية الإيرانية. تبدو المفارقة واضحةً إذا عرفنا أنّ جذور الصفويين تعود إلى المذهب السنّي، وأنّ أصولهم العرقية تركمانية! ما يعني أنّ الصفويين استخدموا المذهب الشيعي الاثني عشري –في المقام الأول- كأيديولوجية سياسية تميّزهم عن جارهم العثماني المتّشح بعباءة الإسلام السنّي. وفي هذا السياق، تم "توظيف المشاعر والشعائر الخاصة بالشيعة واستثمار الحالة الوطنية والأعراف القومية الإيرانية، في إخراج إيران بشكل كامل عن إطار هيمنة الدولة العثمانية"، بحسب شريعتي.

كيف نشر الصفويون التشيّع؟

لجأ الصفويون إلى العديد من الطرائق بهدف إقناع الشعب الإيراني بالتحول إلى المذهب الشيعي. بشكل عام، تعددت تلك الطرائق بين الوسائل الرمزية الوجدانية، والتلقين المباشر، فضلاً عن الإجبار والعنف.

من النوع الأول، ما قام به الصفويون من تضخيم لقصة ولادة الإمام علي زين العابدين بن الحسين، من الأميرة الفارسية الساسانية شهربانو، وذلك بهدف خلق ما وصفه شريعتي بأنه "تركيب إثني متناقض من النبوة الإسلامية والسلطنة الساسانية". من خلال تضخيم تفاصيل تلك القصة، شعر الفرس بوجود رابط روحي يربطهم بالأئمة من آل البيت، الأمر الذي سهّل من تقبّلهم للمذهب الشيعي. في السياق نفسه، شجع الصفويون رعاياهم على ممارسة الشعائر الحسينية في شهري محرم وصفر من كل عام، واستحدثوا منصباً جديداً للعناية بتلك الشعائر، هو منصب "وزير الشعائر الحسينية". كما أحاطوا مزارات آل البيت في إيران، بمظاهر العناية والتقديس والتبجيل، وشجعوا على زيارتها بكل السبل الممكنة. وشاركوا في ذلك بأنفسهم، حتى قام الشاه عباس، بالحج مشياً على الأقدام، من عاصمته أصفهان إلى مدينة طوس المقدسة لزيارة ضريح الإمام الرضا.

أما في ما يخص الطريقة الثانية، والتي تعتمد على التعليم والتلقين، فقد استقدم الصفويون العديد من علماء الشيعة العرب من شتى أنحاء لبنان والقطيف والعراق والبحرين، وأعطوهم صلاحيات واسعةً لنشر المذهب الشيعي. على سبيل المثال، كان الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العال العاملي الكركي، المعروف بلقب المحقق الثاني، أول علماء جبل عامل الذين هاجروا إلى إيران الصفوية. تؤكد المصادر التاريخية، أنّ الكركي حظي بالاحترام والتبجيل في إيران الصفوية حتى قيل إنه "كان يصل إليه كل سنة من الشاه إسماعيل سبعون ألف دينار شرعي ينفقها في تحصيل العلم"، كما أُطلقت يده في جميع الأمور الخاصة بتعليم ونشر المذهب الاثني عشري، فاتّخذ من مدينة كاشان مقرّاً له، وأرسل الدعاة والشيوخ لتعليم الناس أصول التشيّع. وبلغ من سلطته، أنّ الشاه طهماسب، كتب له فرماناً، جاء فيه أنّ "معزول الشيخ لا يُستخدم، ومنصوبه لا يُعزل". من العلماء الآخرين الذين أسهموا في نشر التشيّع في إيران، كل من كمال الدين درويش محمد بن الحسن العاملي، وحسين بن عبد الصمد الجُباعي، والشيخ البهائي، بهاء الدين محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملي، الذي تقلّد منصب شيخ الإسلام في عهد الشاه عباس الصفوي، فضلاً عن محمد باقر المجلسي، الذي دوّن كتاب "بحار الأنوار"، وهو واحد من أكبر الموسوعات الحديثية في التاريخ الإسلامي.

لم يظهر الصفويون على مسرح الأحداث السياسية في منطقة الهضبة الإيرانية، إلا مع مطلع القرن السادس عشر الميلادي. بحسب ما يذكر المؤرخ عباس إقبال أشتياني، في كتابه "تاريخ إيران بعد الإسلام"، فإنّ الصفويين أخذوا اسمهم من الشيخ صفي الدين إسحق الأردبيلي

أما الطريقة الثالثة التي لجأ إليها الصفويون لنشر التشيّع، فقد تمثلت في الإجبار والعنف. بحسب ما يذكر شريعتي، فقد أعلن الصفويون عن كرههم لجميع الرموز السنّية. وكان من الشائع أن يجوب الجند الصفويون شوارع وأزقة المدن "وهم يصيحون بصوت واحد: اللعنة على أبي بكر، اللعنة على عمر، وكان يتعيّن على المارة أن يردّدوا هذا الشعار معهم، وكل من يتردد في ذلك سيغرز الحراس حرابهم في صدره لإخراجه من حالة الشك والتردد". حالة العنف الدموي ظهرت بشكل واضح في أثناء السيطرة على المناطق المأهولة بأغلبية سنّية. على سبيل المثال، قتل الشاه إسماعيل، أعداداً كبيرةً من أهل السنّة عقب استيلائه على بغداد، وقام بنبش قبر الإمام أبي حنيفة النعمان في منطقة الأعظمية. كذلك، يذكر الباحث أمير حسين خنجي، في كتابه "إيران الصفوية"، أنّ الصفويين حافظوا على سياستهم الدموية بعدما دخلوا مدينة هراة، وذلك بعدما قتلوا الشيخ السنّي التفتازاني، بعدما أمر الشاه جنده "فقطّعوه -أي التفتازاني- قطعةً قطعةً، ثم ألقوا قطع جسده في النار، ونشروا رماده في الحارات والشوارع حتى يدوسه العوام بأقدامهم...". وبعدها، استمرّ الصفويون في قتل الناس وتخريب المساجد وهدم المدارس والأبنية التاريخية في هراة لأيام عدة. كما "نُبشت قبور العظماء -أي علماء وأعلام أهل السنّة- الذين كانوا قد دُفنوا في هراة، وأُخرجت أجسادهم من القبور وأُحرقت في النار...".

من المهم هنا أن نلاحظ أن وقوع العنف الصفوي ضد المكوّن السنّي لم يكن أمراً غريباً أو شاذّاً في تلك الفترة التاريخية. فعلى الجانب المقابل، لجأ العثمانيون إلى الطريقة نفسها في سبيل التخلص من المكوّن الشيعي في مناطق نفوذهم. على سبيل المثال، يذكر حسن روملو، في كتابه "أحسن التواريخ"، أنّ السلطان سليم الأول، وبمجرد توليه السلطة، ذبح ما يزيد على أربعين ألفاً من رعاياه الشيعة المقيمين في منطقة الأناضول، وهكذا، ميّز العنف -المبني على الاختلاف المذهبي- تلك الحقبة التاريخية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image