شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف سيطرت الدول الشيعية على القرن الرابع الهجري؟

كيف سيطرت الدول الشيعية على القرن الرابع الهجري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 21 يناير 202510:54 ص

افتتح المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، كتابه عن المتنبي، بقوله: "إنّ القرن الرابع الهجري، الذي يبدأ بإعلان الخلافة الفاطمية في المهدية، والذي ينتهي بانتشار دائرة المعارف التي وضعها إخوان الصفا بهدوء وفي صمت، يمكن جداً أن نطلق عليه القرن الإسماعيلي في تاريخ الإسلام...".

في الحقيقة، يمكن القول إنّ وصف ماسينيون للقرن الرابع، بالقرن الإسماعيلي، صحيح إلى حد بعيد، ويمكن أن يكون أكثر دقةً لو وصفناه بـ"القرن الشيعي". ففي هذا القرن، ظهرت العديد من الدول الشيعية في شتى جنبات العالم الإسلامي، وتمكنت العديد من تلك الدول من الصمود لقرون متتابعة. فما هي أبرز تلك الدول؟ وكيف أثّرت في توازنات القوى؟ وما هي الظروف التي تسببت في زوالها؟

فِرَق الشيعة

تسببت الأحداث الدامية التي وقعت للحسين بن علي بن أبي طالب، وأتباعه في كربلاء، في العاشر من محرم سنة 61هـ، في التأثير بشكل كبير على تشكّل الفرق الشيعية المختلفة في القرن الثاني الهجري.

على الرغم من تعدد أفكار وعقائد الفرق الشيعية الثلاث الكبرى "الزيدية والاثني عشرية والإسماعيلية"، فقد اشتركت جميعها في معاداتها للخلافة العباسية المتمذهبة بالمذهب السنّي، الأمر الذي عرّض الشيعة لخطر الاستهداف من قِبل السلطة الحاكمة طوال القرون الثلاثة الأولى للهجرة. فكيف تبدّلت الأحوال؟

في سنة 125هـ، استلهم زيد بن علي بن الحسين، التجربة التي خاضها جدّه، وأعلن الثورة على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. انقسم الشيعة وقتها إلى فريقين كبيرين؛ الفريق الأول ساند زيداً في ثورته، فعُرف باسم الزيدية، أما الفريق الثاني، فرفض الانضمام إلى الثورة، وآثر أن يبتعد عن الصدام مع السلطات الحاكمة، وعُرف هؤلاء باسم "الإمامية"، بسبب تمحور أفكارهم حول مسألة الإمامة، ولكونهم ادّعوا أن الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه من الله تعالى، وأنه لا حقّ للبشر في التدخل في مسألة اختياره أو تعيينه.

في الوقت الذي أخفقت فيه ثورة زيد، في تحقيق أهدافها، فإنّ الخط الشيعي الإمامي ظلّ محافظاً على وجوده تحت قيادة الإمام محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق. في سنة 148هـ، انقسم الشيعة الإمامية -بدورهم- إلى طائفتين كبيرتين بعد وفاة الصادق. ذهبت الطائفة الأولى إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وعُرفت باسم "الإسماعيلية" نسبةً إليه، فيما قالت الطائفة الثانية بإمامة موسى الكاظم بن جعفر، واشتهرت باسم الموسوية أو الكاظمية، وهي نفسها الفرقة التي سُمّيت في فترة لاحقة باسم الاثني عشرية.

على الرغم من تعدد أفكار وعقائد الفرق الشيعية الثلاث الكبرى "الزيدية والاثني عشرية والإسماعيلية"، فقد اشتركت جميعها في معاداتها للخلافة العباسية المتمذهبة بالمذهب السنّي، الأمر الذي عرّض الشيعة لخطر الاستهداف من قِبل السلطة الحاكمة طوال القرون الثلاثة الأولى للهجرة. غير أنّ الأوضاع ما لبثت أن تغيّرت في القرن الرابع الهجري، وذلك بعدما ظهرت العديد من الدول التي رفعت رايات التشيّع في شتى أنحاء العالم الإسلامي.

الدولة الفاطمية

بحسب ما تذكر المصادر التاريخية، ومنها على سبيل المثال ما أورده محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ، في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"، فإنّ الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر، قد تمكّن من الهروب من ملاحقة السلطات العباسية، وأخفى أمره ليدخل مع أبنائه في المرحلة التي تُعرف بدور الستر. أقام أئمة الإسماعيلية في تلك المرحلة في مدينة السلمية في سوريا، وعملوا على نشر أفكارهم في شتى البلدان والأقاليم من خلال بثّ الدعاة والعلماء. في أواخر القرن الثالث الهجري، ذهب أبو عبد الله الشيعي، وهو أحد هؤلاء الدعاة، إلى المغرب، ونجح في نشر الدعوة الإسماعيلية في قبيلة كتامة البربرية، وبعدها أرسل إلى الإمام عُبيد الله المهدي، يطلب منه القدوم عليه. وبالفعل غادر المهدي سوريا، ووصل إلى المغرب حيث أسس الدولة الفاطمية سنة 297هـ.

عقب وفاة المهدي، تعاقب الخليفتان القائم بأمر الله، والمنصور بنصر الله، على كرسي الخلافة الفاطمية في المهدية. حاول الخليفتان أن يمدّا سلطانهما إلى الديار المصرية ولكنهما فشلا في تحقيق هذا الحلم. وفي سنة 358هـ، تمكّن الفاطميون أخيراً من الاستيلاء على مصر في عهد الخليفة المعزّ لدين الله. وفي 362هـ، انتقل المعزّ إلى مصر، وأقام في مدينة القاهرة، واتخذها عاصمةً لحكمه. بذلك وقع التمايز بين طورين من أطوار الحكم الفاطمي. كان الطور الأول طوراً مغربياً حكم فيه الخلفاء من عاصمتهم في المهدية، واستمر لفترة تزيد على العقود الستة بقليل. أما الطور الثاني، فقد كان طوراً مصرياً خالصاً، حكم فيه الفاطميون إمبراطوريتهم الواسعة من القاهرة، وتعاقب أئمتهم على كرسي الخلافة لما يزيد على القرنين.

خلال تلك الفترة الطويلة، نافس الفاطميون العباسيين على لقب الخلافة، وتمكّنوا -أي الفاطميين- من تحقيق الانتصار في الكثير من الأحيان. في كتابه "تاريخ بغداد"، يحكي الخطيب البغدادي، عن أحد تلك الانتصارات التي وقعت في سنة 450هـ، عندما قام القائد التركي أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري، بفرض سيطرته على عاصمة الخلافة، وأرسل بعدها للفاطميين عارضاً عليهم التحالف، وأن يضمّ بغداد إلى دولتهم الواسعة. ولمّا تلقّى البساسيري موافقة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، على العرض، سارع إلى دخول بغداد، فسيطر عليها ونفى الخليفة القائم بالله، بعدما أجبره على توقيع كتاب يعترف فيه بأحقية الفاطميين في الخلافة. وفي يوم الجمعة 13 ذي القعدة سنة 450هـ، أقيمت الخطبة للفاطميين في بغداد للمرة الأولى، ورُفع الأذان بصيغته الشيعية التي تضيف جملة: "حيّ على خير العمل".

تُعدّ الدولة البويهية واحدةً من أهم الدول الشيعية التي عرفها التاريخ الإسلامي، ولا يزال تحديد المذهب الذي اعتنقه سلاطين بني بويه، محل نقاش بين الباحثين. يرى كثيرون أنّ البويهيين كانوا من الشيعة الزيدية، بينما ذهب البعض إلى أنّ البويهيين اعتنقوا المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري

على الرغم من قوّتهم، تراجع النفوذ الفاطمي شيئاً فشيئاً عقب الضائقة الاقتصادية الشهيرة التي وقعت في زمن الخليفة المستنصر. تسببت تلك الشدّة في إضعاف نفوذ الخلافة الفاطمية لحساب منصب الوزارة. وفي سنة 567هـ، قضى الوزير صلاح الدين يوسف بن أيوب، على الدولة الفاطمية نهائياً، وأعاد مصر إلى المذهب السنّي.

الدولة البويهية

تُعدّ الدولة البويهية واحدةً من أهم الدول الشيعية التي عرفها التاريخ الإسلامي، ولا يزال تحديد المذهب الذي اعتنقه سلاطين بني بويه، محل نقاش بين الباحثين. يرى كثيرون أنّ البويهيين كانوا من الشيعة الزيدية، بينما ذهب البعض إلى أنّ البويهيين اعتنقوا المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري.

في كتابه "الكامل في التاريخ"، تحدّث ابن الأثير الجزري، عن ظروف تأسيس الدولة البويهية، فذكر أنّ أبا شجاع بويه، كان رجلاً فارسياً متوسط الحال يسكن في بلاد الديلم الواقعة شمالي إيران، وكان عنده ثلاثة أبناء، وفي يوم من الأيام حلم بأنّ ناراً عظيمةً خرجت منه ثم انقسمت إلى ثلاث شعب، فلمّا مر عليه أحد المنجّمين بعد ذلك بفترة قصيرة، وقصّ عليه بويه حلمه، أخبره المنجم بأنّ النار ذات الشعب الثلاث هي رمز لأبنائه الذين سيصيرون ملوكاً في المستقبل القريب.

بغض النظر عن صدق الحلم من عدمه، فإنّ الأبناء الثلاثة استطاعوا أن يفرضوا سلطانهم على مساحات كبيرة من العراق وإيران في أوائل القرن الرابع الهجري، وذلك عندما أسس الابن الأكبر، عماد الدولة علي، إمارةً في بلاد فارس، وقام الابن الأوسط ركن الدولة الحسن، بتأسيس أخرى في الري وأصفهان. أما الأخ الأصغر معزّ الدولة أحمد، فقد فرض نفوذه على العراق، واستطاع في سنة 334هـ، أن يدخل بغداد، وأن يفرض سلطته على الخليفة العباسي المطيع بالله، ليستقلّ معزّ الدولة بالحكم الفعلي للبلاد، بينما بقي نفوذ الخليفة العباسي مقتصراً على سلطته الروحية، وليتعاقب بعد ذلك الأمراء البويهيون على كرسي السلطنة حتى أواسط القرن الخامس الهجري، عندما كُتبت كلمة النهاية لهم بوصول السلاجقة الأتراك إلى السلطة في بغداد، ليحتلّوا أماكنهم ويتقاسموا السلطة بدورهم مع الخليفة العباسي.

دول أخرى

شهد القرن الرابع الهجري، ظهور دول شيعية أخرى في اليمن وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام. من أهم تلك الدول، الدولة الهادوية المنسوبة إلى الإمام الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين بن القاسم، المتوفى سنة 298هـ. بدأ اتصال الهادي، بجنوب شبه الجزيرة العربية منذ سبعينيات القرن الثالث الهجري، وذلك عندما دخل اليمن لفضّ بعض النزاعات بين القبائل المختلفة، وحظي بعدها بتأييد قبائل صعدة وخولان.

في بلاد الشام والعراق، ظهرت الدولة الحمدانية، أو دولة بني حمدان التي اعتنق حكامها المذهب الشيعي الاثني عشري. يرجع نسب الحمدانيين إلى قبائل بني تغلب العربية الأصل. بدأ نفوذهم في بدايات القرن الرابع الهجري، عندما تمكّن أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء المُلقّب بـ"ناصر الدولة"، من فرض سيطرته على الموصل

بعد سنوات قليلة، بسط الهادي سيطرته على مساحات واسعة من اليمن، واتخذ من صعدة عاصمةً لدولته. عقب وفاته، تمكّنت الدولة الهادوية من الصمود لقرون متتابعة، وفرضت نفوذها في شمال اليمن لما يزيد على الألف سنة، حتى سقطت أخيراً، في سنة 1962م، في عهد آخر أئمتها، أحمد حميد الدين.

وفي بلاد الشام والعراق، ظهرت الدولة الحمدانية، أو دولة بني حمدان التي اعتنق حكامها المذهب الشيعي الاثني عشري. يرجع نسب الحمدانيين إلى قبائل بني تغلب العربية الأصل. بدأ نفوذهم في بدايات القرن الرابع الهجري، عندما تمكّن أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء المُلقّب بـ"ناصر الدولة"، من فرض سيطرته على الموصل. وبعد ما يقرب من خمسة عشر عاماً، استطاع شقيقه سيف الدولة الحمداني، أن يستولي على حلب، ليتخذ منها قاعدةً رئيسةً لقتال الجيوش البيزنطية في منطقة الأناضول. لم يتمكن الحمدانيون من الحفاظ على دولتهم لفترة طويلة، ففي أواخر القرن الرابع الهجري، فقد الحمدانيون نفوذهم لصالح الفاطميين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image