شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
في قصر آيت بن حدو المغربي.. مطعم كافٍ لـ

في قصر آيت بن حدو المغربي.. مطعم كافٍ لـ"ثورة" نسائية صغيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 3 نوفمبر 202312:35 م

"Hello you are welcome" بلكنة أمازيغية لا تخطئها الأذن، تستقبل ليلى مسيّرة المطعم التضامني النسائي تاواسنا مجموعة من السياح القادمين لتناول وجبة الغداء وتجربة أطباق مغربية من إبداع نساء قرية قصر آيت بن حدو، وهي قرية سياحية تبعد ثلاثين كيلومتراً عن مدينة ورززات الواقعة جنوب شرق المغرب.

تُعدّ "قصر آيت بن حدو" إحدى أهم الوجهات السياحية لزوار الجنوب الشرقي. فالقرية مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية لليونسكو سنة 1987، وصنفت في أغسطس 2023 ضمن أفضل عشرين قرية في العالم، إذ حازت على المرتبة الثانية عشرة، حسب الموقع العالمي "Timeout" المتخصص في أخبار الأسفار والسياحة.

تصنيف يجعل موقع المطعم الموجود في مدخل القصر موقعاً استراتيجياً يجذب السياح، كما تجذبهم فكرة المشروع الذي تسيّره نساء القرية دون رجالها، فهو مشروع سياحي أسّسته النساء وهنّ من يشرفن على كل جزئية تتعلق به منذ أزيد من خمس سنوات، وتعود أرباحه عليهنّ وعلى كل القرية، ليسهم بذلك في تمكين نساء القرية.

ثورة نسائية صغيرة

أول ما يستقبل السيّاح بمجرد دخولهم المطعم في ساعات الصباح الأولى هو رائحة خبز "تافرنوت" الذي يطهى فوق نيران فرن تقليدي، والموسيقى الأمازيغية التي تصدح داخل المطبخ المفتوح على المطعم، حيث تشرع نادية الطاهية الرئيسة في التحضير لإعداد الأطباق التي تتنوع بين أكلات مغربية تقليدية كالطّاجين والكسكس والرَّفِيسة، وأخرى مبتكرة كالبرغر الأمازيغي.

جاء مشروع "تاواسنا"، التي تعني بالأمازيغية المهارة، ليلبّي حاجة نساء القرية إلى فرصة عمل تتيح لهنّ الاستقلال المالي، وتساعدهنّ على الخروج من الرتابة التي يفرضها عليهن المكوث في المنزل بلا عمل.


مطبخ مطعم "تاواسنا" التقليدي

تقول ليلى التي كانت تُدرّس النساء في إطار مشروع حكومي لـ"محو الأُميّة" في حديثها لرصيف22 إنها كانت على تواصل دائم مع نساء القرية، ما مكّنها من معرفة حاجياتهن، لذلك اقترحت الاجتماع والتفكير في مشروع يمكن أن يلبّي هذه الاحتياجات.

وتضيف محدثة رصيف22 "أعتبر اليومَ الذي اجتمعت فيه النساء للحديث عن احتياجاتهنّ بمثابة ثورة نسائية، لأنه حمل تغييراً بالنسبة إلى وضعية النساء في آيت بن حدو، ولأن اجتماع النساء الذي نسميه بالأمازيغية 'أغراض' كان حكراً على الرجال، فهم من كانوا يجتمعون ليناقشوا المشاكل التي تعاني منها القرية".

جاء مشروع "تاواسنا"، التي تعني بالأمازيغية المهارة، ليلبّي حاجة نساء القرية إلى فرصة عمل تتيح لهنّ الاستقلال المالي، وتساعدهنّ على الخروج من رتابة البيت

ثورة نساء قصر آيت بن حدو لم تظهر فقط من خلال الاجتماع على طريقة الرجال، بل تجلت من خلال المشروع الذي اخترنه: مقهى سياحي يتطلب تسييره العمل خارج البيت والتعامل مع الرجال بشكل يومي، وهو أمر غير مقبول لدى الكثيرين في المنطقة.

تقول ليلى في حديثها لرصيف22 إن من أصل مئة وأربعين امرأة حضرن الاجتماع وافقت أربعون منهن على فكرة المشروع، وكانت لديهن الجرأة والتحدي ليكنَّ جزءا من التغيير في قريتهن.

انطلق المشروع سنة 2018 بدعم وإرشاد المنظمة غير الحكومية المغربية "لغتنا المواطنة". كانت البداية متواضعة بمقهى صغير وسط الحقول، نُصب في خيمتين صغيرتين وبدون مطبخ، وبأثاث جلبته النساء من منازلهن.

تقول ليلى "كنا نقدم الشاي والقهوة وبعض الحلويّات، ولاقت التجربة نجاحاً منذ البداية، كان هناك إقبال كبير من طرف السياح بفضل الموقع الاستراتيجي الذي يوجد فيه المقهى، فجميع من يمر قاصداً القصر يمر أمامه، وبعد مرور عشرة أشهر نجحنا في توفير المال اللازم لبناء المطبخ والحمام، وبدأنا نقدم أصنافاً من الأطباق المغربية التقليدية".

تمكين النساء مادياً

يُعدّ التمكين المادي أحد الحوافز الأساسية التي دفعت بالنساء إلى إطلاق مشروع تاواسنا، فهنّ اليوم مستقلات مادياً ولديهنّ مصروف جيب خاص بهن يجنِينه بأنفسهنّ.

ولتحقيق الاستفادة الماديّة للنساء الأربعين اللّواتي انخرطن منذ البداية في المشروع، يعتمد المطعم على نظام عمل خاص، إذ تعمل الواحدة منهن ثلاثَ ساعات في الأسبوع.

تقول ليلى إن هذا النظام يحترم الانشغالات الأسرية للنساء، إذ لا يمكن للمرأة العمل خارج البيت طوال اليوم، فلديها التزامات تجاه بيتها وأبنائها.


ليلى مديرة مشروع مطعم "تاواسنا"

وتضيف محدثة رصيف22 "لا يضع العمل بهذه الطريقة ضغطاً على النساء، فهو ليس عملاً روتينياً، بل بمثابة فسحة أسبوعية توفر لهن دخلاً شهرياً. يعملن بشغف كبير، لأنهنّ لا يشتغلن لدى أحد، بل في مشروعهن التضامني الخاص بهن، وهنّ يطبخن في المطعم كما يطبخن في منازلهن".

تقدير مهارات النساء

يهدف المشروع إلى تقدير مهارات النساء، وخاصة مهارة الطبخ. تشرح ليلى ذلك قائلة "حين نسأل النساء حول مهاراتهنّ، يجبن بأنهن لا يُجِدن القيام بأي شيء، في حين أنهنّ يعملن دون توقف طوال اليوم في البيت، ويقمن بمهام عدّة، إلا أنه لا أحد يُشعِرهنَّ بقيمة ما يقمن به".

تقول نادية )45 سنة( وهي الطاهية الرئيسة للمطعم، إن المشروع نجح في تحقيق هذا الهدف. لتؤكد ذلك تنطلق من تجربتها الشخصية قائلة "قبل الالتحاق بهذا المشروع لم يشعرني أحد بقيمة وأهمية مهاراتي في الطبخ، كنت أطبخ في حفلات الأعراس، في الجنائز وفي مختلف المناسبات، إلا أن الناس لم يشعروني يوماً بأهمية وقيمة موهبتي"، وتضيف " عزّز عملي هنا من تقديري لذاتي، وأضاف إلى شخصيتي الكثير، فأنا الآن على دراية تامة بقيمة موهبتي في الطبخ".

بفضل العمل في هذا المطعم تطورت شخصيتي كثيراً، ففي السابق كان الجميع يستغلني، ولم تكن لدي الجرأة على النطق بكلمة لا، الآن أنا قادرة على مواجهة الناس دون أن أخجل

عملت المنظمة غير الحكومية "لغتنا المواطنة" التي واكبت النساء في هذا المشروع، على تطوير مهاراتهن في الطبخ، عن طريق تدريبهنّ من طرف طهاة محترفين مغاربة وأجانب، كما حرصت على تطوير مهارات ترتبط بالتنمية الذاتية، لأن المجال الذي اخترنه يتطلب التعامل المباشر مع الزبائن، خاصة الأجانب منهم.

تقول نادية "في بداية تجربتي في هذا المشروع كنت خجولة جداً إلا أنني استفدت من تكوين حول تنمية المهارات الذاتية دام ستة أشهر، بعد هذا التكوين وبفضل العمل في هذا المطعم تطورت شخصيتي كثيراً، ففي السابق كان الجميع يستغلني، ولم تكن لدي الجرأة على النطق بكلمة لا، الآن أنا قادرة على مواجهة الناس دون أن أخجل".


نساء "تاواسنا" مع زبائنهن

حمل مشروع مطعم تاواسنا تغييراً مهماً إلى حياة النساء اللّواتي انخرطن فيه، ليس على المستوى المادي فقط، بل على المستوى النفسي أيضاً. تقول ليلى التي عملت لأحد عشرة سنة في مجال التعليم، إنها كانت تعيش توتراً وضغطاً متواصلين في مهنتها السابقة، فلم يكن العمل في هذا المجال اختياراً شخصيا بل كان الخيار الوحيد أمامها، وتضيف والابتسامة تعلو وجهها "حققت ذاتي في هذا المشروع سواء على المستوى المادي أو النفسي، فرغم الجهد الذي يتطلبه هذا العمل إلا أنه ليس روتينياً، وهو ما يمدني بطاقة إيجابية تساعدني على العطاء".

أما بهيجة (37 سنة (وهي من النساء اللواتي انخرطن في المشروع منذ البداية، فتقول إنها كانت تعاني من رتابة المكوث في البيت طوال اليوم، "كنا نقضي اليوم في البيت بين الأشغال المنزلية ومشاهدة التلفزيون. الآن نعمل، وهو بالنسبة إلينا ليس عملاً فقط، بل فرصة للترويح عن النفس".

نلتقي بأشخاص جدد كل يوم، ونتواصل مع السياح، ونتعلم قليلاً من اللغات أيضاً، الآن أصبحنا قادرات على التواصل بشكل نسبي بالفرنسية والقليل من الإنكليزية

تبادل ثقافي

يعمل مطعم تاواسنا على مشاركة الثقافة الأمازيغية مع السياح من خلال التقاليد الأمازيغية في الطهي، فزيارة هذا المطعم كما تفسر ليلى هي أكثر من مجرد التحلق حول كأس شاي أو طبق تقليدي مغربي، إنه فرصة لاكتشاف الثقافة الأمازيغية، "لا يأتي الزبون بغرض الأكل والشرب فقط، وإنما تشكل زيارة المطعم فرصة لنتحدث لهم عن ثقافتنا، وعن كيف تطورت وضعية المرأة في قصر آيت بن حدو" تقول ليلى.

ولا يقتصر اكتشاف ثقافة جديدة على السياح فقط، بل تنفتح النساء العاملات في المطعم بدورهن على ثقافات ولغات مختلفة من مختلف بقاع العالم، تقول بهيجة "نلتقي بأشخاص جدد كل يوم، ونتواصل مع السياح، ونتعلم قليلاً من اللغات أيضاً، الآن أصبحنا قادرات على التواصل بشكل نسبي بالفرنسية والقليل من الإنكليزية، بعد أن كنا لا نعرف شيئاً".


 تقول كورين وهي سائحة فرنسية حرصت أثناء تواجدها في قصر آيت بن حدو على زيارة مطعم تاواسنا، إنها سمعت عن هذا المشروع السياحي من خلال تقرير تلفزيوني ولم تشأ أن تفوّت فرصة زيارته، وتضيف محدثة رصيف22" النساء لطيفات للغاية، ولا تغادر الابتسامة وجوههن. كما يحمل المشروع قيمة اجتماعية واضحة، فهو يتيح لهن فرصة اكتشاف أشياء جديدة كل يوم، ومشاركة ثقافتهن عن طريق موهبتهن في الطبخ، أجد ذلك رائعاً جداً، أنا وأصدقائي سعيدون جداً باكتشاف هذا المطعم وبالتعرف على هذه التجربة الفريدة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard