شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مشاهد عالقة في رأسي منذ سقوط الأسد

مشاهد عالقة في رأسي منذ سقوط الأسد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحقوق الأساسية

السبت 25 يناير 202512:28 م

 هذه هي المرة الأولى التي أقوم بتشغيل حاسوبي الشخصي منذ تاريخ 6 كانون الأول/ديسمبر لعام 2024. يعصف دماغي بعدد لا ينتهي من الأفكار والأسئلة، وكأن هنالك فيروساً ما قد ضرب كل ما أملك من كلمات. لا أملك القدرة للحديث أو لمناقشة أي موقف مما يحصل في البلاد. أحاديث كثيرة وتوقعات لسيناريوهات كثيرة لم يكن هنالك خيار لطرحها حتى في الأحلام، حتى أنني كتبت مادة عن المستقبل منذ أربعة أشهر، متخيلة لشكل سوريا وحياتي فيها بعد عشر سنوات، ولكنني أجدها تبدأ بالتحقّق اليوم بشكل متسارع.

لقد مرّ شهر على سقوط الأسد، مرّ في رأسي الكثير من المشاهد، ولكنني لم أستطع أن أطرح بشكل دقيق سوى ثلاثة منها.

 المشهد الأول: "علم مختلف"

منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، وبعد سقوط أنظمة عدد لا بأس به من الدول، كنت دائماً ما أستغرب فكرة تبديل العلم وربطه بنظام ما، حيث العودة إلى أحد أعلام الدولة القديمة. أحببت علم بلادي الأخير. أعتقد أنّ من حقي أن أحب علماً عشت وهو أمام ناظري لمدة 30 سنة.

أحاول أحياناً أن أعتاد على العلم الجديد/القديم لسوريا. أرى نفسي دوماً ممن لم يعتادوا حتى هذه اللحظة. من أصعب الأشياء أن تحاول تغيير هوية بصرية رافقت عينيك لفترة طويلة. أحاول يومياً أن أتأقلم مع الشكل الجديد. من المثير للاهتمام لو أن هنالك مسابقة لتصميم علم جديد كليّاً للبلاد يتماشى مع شكلها الجديد، وألوانها الزاهية وضحكات أبنائها. يملكني الحماس لرؤية الهوية البصرية الجديدة، بعيداً عن رمادية وألوان المباني الحكومية التي تشبه السجون مهما اختلف تصميمها.

كنت أدعى من قبل أصدقائي بأنني "حارس دمشق"، أنا الفرد الذي سيغلق الباب خلفه عندما يغادر لكوني المغادر الأخير من هذه البلاد

المشهد الثاني: " أعيش في تطبيق إنستغرام"

كنت أدعى من قبل أصدقائي بأنني "حارس دمشق"، أنا الفرد الذي سيغلق الباب خلفه عندما يغادر لكوني المغادر الأخير من هذه البلاد. كنت أمضي كل وقتي على تطبيق إنستغرام، أرى نشاطات السوريين في الخارج، إنجازات الأصدقاء، ضحكاتهم. لقد رحل كل أصدقائي في فترات مختلفة من الحرب، وتكوّن مجتمع آخر لهم في بلاد الغربة. كنت قد مللت من شكل مكالمات الفيديو والبكسلات المتزايدة التي تحملها الشاشات وتجعل قلوبنا مثقلة بالحنين أكثر وأكثر.

منذ سقوط الأسد وأنا أرى الصفحة الرئيسية لإنستغرام في شوارع سوريا، حتى تلك الوجوه التي عرفتها افتراضياً أراها اليوم تدخل ضمن طيّات الشكل الحقيقي لسوريا وكأنها لم تخرج منها يوماً. منذ فترة أسبوع كنت أشاها حفلاً لكورال "غاردينيا" في أحد بيوت "حارة اليهود" في دمشق القديمة. تلك الضحكات التي كنت أراها في إنستغرام تليق بها تفاصيل هذه البلاد بشكل لا يعرف المقارنة. وجوه كلها مألوفة، يتشاركون جميعهم أملاً بأن كل ما يعيشونه اليوم هو أحد الأحلام التي اعتقدوا أن تحقيقها صعب. بكيت في الحفل الكثير، كنت كل ما أحلم به أن أتشارك مثل تلك اللحظة معهم، وقد باءت أحلامي بالفشل لمدة 13 سنة، لأعيش اليوم معهم في إنستغرام الذي صنعناه اليوم لنا، نحن السوريين فقط، في أبهى أشكال البلاد.

المشهد الثالث:" خدمة إلزامية بعد الآن"

عندما يبلغ الفرد السوري عامه الـ 18، يبدأ بالبحث عن طريق النجاة من شبح الخدمة الإلزامية، ومنذ بداية 2011 وحالة التعبئة وعدم تحديد سنوات الخدمة، أصبح هنالك مرحلة تسمى" الهروب هو الحل الوحيد". بلغت عامي الثلاثين قبل عدة أشهر من سقوط الأسد، ووصلت بي كل النتائج لحلين لا ثالث لهما: الأول أن أنهي كل محاولات هروبي التي بدأت قبل 12 سنة بتسليم نفسي لأداء تلك الخدمة، أو أن أنهي ذلك الشبح الذي يشغل أكثر من نصف تفكيري كل الوقت، وأدفع البدل النقدي.

هكذا هي الأحلام، فترات ليست بالقصيرة مع احتمالية أن تحرز جزءاً لا بأس منها هو ما تريده عبر كل هذه الأوقات، واليوم في 2025 لنا في دمشق كل شيء ونملك في دمشق الكثير من الحرية

هل لك أن تتخيل أن كل ما تتمناه ألّا تكون وقوداً لحرب لم تختر منها أي شيء؟ أن تحارب وتقتل من أجل سلطة لا تعنيك؟ أن تفقد شبابك من أجل قناعة لم تؤمن بأنها حل في أي وقت من الأوقات؟ كنت قد دخلت سوريا في المرة الأخيرة بطريقة غير شرعية، وعشت حينها حياة الخارج عن القانون. عدت إلى مملكة الخوف التي لم أعتدها في أي يوم، محدودة الشوارع التي أسلكها وقليلة الخيارات التي أملكها. كان أي حاجز غير متوقع كفيل بأن أدخل في دوامة لا يمكن الخروج منها بالمدى القريب.

كنت أقول دائماً لنفسي بأنني سأنجو. كنت على بعد فترة قصيرة على دفع البدل النقدي، والذي بإمكاني أن أبدأ حياتي به في أي بلد أخرى، ولكنه ثمن لحريتك فقط في بلادك. كنت على بعد حاجز واحد من تلك النهاية المأساوية، أعتقد أن كل محاولات النجاة التي قمت بها في حياتي، جعلتني أنجو اليوم. لم أدفع البدل ولم أعد خائفاً من هذا الشبح، حيث لا خدمة إلزامية بعد اليوم في سوريا.  

تلك المشاهد هي بداية الزحلة وليست نهايتها

أبحث عن المعنى. أعتقد أنني فقدت المعنى منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة. تمتلكك الأحداث وكأن كل ما كنت تنتظره بحياتك بإمكانه أن يتحقق فجأة، تعود لتبحث عن معنى الانتظار في كل شيء، ما هو الهدف وراء انتظارك كل هذه الفوضى؟ ما المعنى الحقيقي وراء كل هذا الزمن؟ هل هو الإيمان بأن كل ما تتمناه قد أصبح على وشك التحقق؟

هكذا هي الأحلام، فترات ليست بالقصيرة مع احتمالية أن تحرز جزءاً لا بأس منها هو ما تريده عبر كل هذه الأوقات، واليوم في 2025 لنا في دمشق كل شيء ونملك في دمشق الكثير من الحرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image