يعدّ "يالله باركور"، الفيلم الوحيد الذي اختاره مهرجان برنامج برلين السينمائي في نسخته الـ75، ليمثل مدينة غزّة المنكوبة بالإبادة منذ ما يزيد عن خمسة عشر شهراً.
ويرصد الفيلم، وهو من إخراج عُريب زعيتر، في 89 دقيقة علاقة صداقة تطوّرت بين عالمين عبر الإنترنت؛ بين عالم ذكريات المخرجة عن غزّة التي تحاول جمعها عبر شاشة كمبيوتر من منزلها في الولايات المتّحدة، وعالم "الباركور"، الذي يجسده المراهق الغزّي أحمد مطر، والذي يؤدي رفقة أصدقائه رقصات على أنقاض المباني المدّمرة وسط دوي القصف والزنانة.
وفي إطار الإعلان عن النسخة الـ 75 للمهرجان، شدد مايكل ستوتز ، رئيس قسم البانوراما والمدير المشارك لبرمجة الأفلام الخاصة، أنه ليس هناك تركيز معين على "الحرب في الشرق الأوسط"، مستدركاً أن: "هذا لا يعني أنه ليس هنالك أفلام من هناك تناقش قضايا مختلفة، حتى أن هنالك فيلماً عربياً من ضمن المنافسة على جائزة الدُّب الذهبي".
في رده على سؤال لرصيف22 حول سبب تجاهل المهرجان لما يدور في غزّة، مقارنة باهتمامه بقضايا أخرى، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية والثورة النسوية في إيران، التي خصص لها المهرجان في دورات سابقة ميزانيات لدعم صناعة الأفلام، أوضحت اللجنة أن ذلك يعود إلى الصعوبات المالية التي واجهها المهرجان، والتي تُعدّ انعكاساً للوضع الاقتصادي العام الذي تعيشه القارة الأوروبية نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية. هذه الصعوبات أثرت سلباً على تمويل صناعة الأفلام المستقلة حول العالم.
وكشفت اللجنة أن الحكومة الفيدرالية الألمانية رفعت ميزانية المهرجان بنحو 1.9 مليون يورو، وذلك قبل يوم واحد فقط من انعقاد المؤتمر الخاص بـ"البرليناله"، مما زاد الدعم المخصص لميزانية المهرجان السينمائي من 10.9 مليون يورو إلى 12.8 مليون يورو.
أفلام ودببة
تترأس تريشيا توتل الدورة الخامسة والسبعين للمهرجان، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المهرجان، حيث كانت رئاسة المنظمين تقتصر في السابق على شخصين من عالم صناعة السينما. كما يشهد المهرجان هذا العام سابقة أخرى، حيث سيُعرض فيلم الافتتاح في سبع مدن ألمانية، بدلاً من اقتصاره على العرض الأول في العاصمة برلين وحدها.
أرجع مهرجان برلين السينمائي تراجع الدعم المقدم لصنّاع السينما المستقلة إلى التدهور الاقتصادي الذي تشهده أوروبا نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية
يُفتتح المهرجان في دورته الـ75، و الذي يعرض أكثر من 200 فيلماً، بالعرض العالمي الأول لأحدث أعمال المخرج توم تيكوير، وهو فيلم "الضوء"، من إنتاج ألماني-فرنسي.
ويتنافس في قسم المسابقة الرسمية للمهرجان 19 فيلماً على جوائز الدبّ الذهبي والفضي، من بينها فيلم "يونان" للمخرج السوري-الأوكراني أمير فخر الدين، والذي يحكي قصة منير، الذي يبحث عن العزلة في جزيرة نائية متأملاً هواجسه، التي يغيّر إيقاعها حضورٌ غير متوّقع متمثلاً بـفاليسكا، التي تجسد دورها الممثلة هانا شيجولا.
وحول تنوّع المهرجان، قالت مديرة المهرجان تريشيا تاتل: "نحن فخورون بشدة بالأفلام المشاركة في مسابقة هذا العام؛ فهي تعرض اتساع السينما وتقدم لمحات رائعة عن حياة وأماكن مختلفة. فهناك دراما حميمة تطلب منا أن نفهم نقاط ضعفنا وقوتنا البشرية، وهناك كوميديا لطيفة، ولكن أيضاً سخرية حادة وسوداوية، وهناك أفلام تكرم عظماء السينما وأخرى تستخدم كامل لوحة هذا الشكل الفني".
وأضافت: "كلّ من هذه الأعمال الفريدة تُظهر صناع الأفلام في قمة حرفيتهم. ومن بين هذه الأفلام المستحقة، نتطلع إلى اكتشاف ما اختارته لجنة تحكيم تود هاينز، للفوز بجوائز الدب الذهبي والفضي في المهرجان".
خلطة عربية
وفي إطار بانوراما الأفلام، يشارك فيلم الوثائقي السوداني "الخرطوم"، وهو إنتاج مشترك بين السودان وألمانيا والمملكة المتحدة وقطر، والذي يرصد الحرب الأهلية في السودان عبر حكايات خمسة مواطنين فرّوا من بلادهم بحثاً عن الأمان، هُم موظف حكومي، و بائعة شاي، ومتطوعة في لجنة المقاومة، واثنان من صبية الشوارع.
عربياً أيضاً، يعرض المهرجان الفيلم المصري "المستعمرة" والذي تدور أحداثه حول حسام، الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، الذي يُجبر على العمل في المصنع نفسه الذي شهد وفاة والده في حادث مأساوي. يعمل حسام جنباً إلى جنب مع الشخص المسؤول عن وفاة والده، وهو ما يثير في نفسه شكوكاً وتساؤلات حول الظروف الغامضة التي أحاطت بالحادث، فيفتح أبواب الماضي الموصدة.
في فئة الأفلام القصيرة يشارك الفيلم "سيرة أهل ضي"، من إخراج المصري كريم الشناوي، وهو من إنتاج مصري سعودي، وتدور أحداثه حول المراهق "ضي" الذي يسعى لتحقيق حلمه في المشاركة في مسابقة متخصصة بالغناء، الفيلم يرصد خلال 48 ساعة مليئة بالتحديات واجهت ضي الذي اصطحب معه أفراداً من أسرته المتفككة ومدرس الموسيقى، للوصول إلى القاهرة البعيدة عن محافظته النائية والفقيرة.
أما الفيلم العراقي "تحت أي أنهار تتدفق" ، فهو يصوّر منطقة الأهوار جنوبي العراق، راوياً قصة إبراهيم الذي تربطه صداقة بجاموسة، لكن هذه الصداقة تجد نفسها على المحك عندما يواجهان سوياً كارثة بيئية خطيرة.
يشهد مهرجان برلين السينمائي حضوراً عربياً بارزاً، حيث تنوّعت المشاركات بين الأفلام الوثائقية والقصيرة، بالإضافة إلى مشاركة فيلم سوري يتنافس على جائزة الدب الذهبي
وضمن فئة المنتدى الموسع يشارك الفيلم المصري "آخر يوم" للمخرج محمد إبراهيم، الذي يحكي قصة شقيقين (زياد ومودي)، اللذين يقضيان يومهما الأخير في منزلهما المقرر هدمه، وترصد الكاميرا حركتهما وهما يخرجان الأثاث فيما تبث نشرة أخبار مشاهدَ من هدم منازل الفلسطينيين في القدس.
مهرجان موازٍ
وعلى إثر الاحتجاجات التي رافقت النسخة السابقة من المهرجان العام الماضي على وقع الإبادة في غزّة، إذ انحازت البرليناله في حينها إلى السردية الإسرائيلية، دافعت رئيسة المهرجان عن دورتها الحالية بالقول: "حرية التعبير هي جزء من التحديات التي تواجهنا، ولسنا الوحيدين/ات في ذلك، فالكثير من صانعي الأفلام من البلدان العربية تواصلوا معنا خلال الأسابيع الماضية للتأكد بأن المهرجان هو مكان للنقاش وطرح الأفكار، وهو أمر نشجعه ونريده ونحب أن يكون هناك نقاش معنا مباشرة، وقد يكون ذلك أثّر على المهرجان ولكن ليس بصورة كبيرة".
تنظم مؤسسة "ملجأ عالمي" فعالية سينمائية تسعى لدعم السردية الفلسطينية، في مواجهة سياسة الانحياز التي يتبناها مهرجان برلين السينمائي
وترى تاتل أن "كل المهرجانات عانت هذا العام من هذا الموضوع، فالعالم الذي نعيش فيه منقسم، وليس منفتحاً بشكل كامل. لذلك كان الموضوع تحدياً، ولكنه أيضاً ممتع لوضع برنامج للمهرجان".
يتزامن اليوم الأخير للمهرجان مع الانتخابات البرلمانية الألمانية، حيث سيتوجه الألمانيون/ات لصناديق الاقتراع في ذلك اليوم لاختيار ممثليهم الجدد. عن ذلك علقت رئيسة المهرجان: "ليست لدينا خطة معينة في هذا اليوم، عدا عن تشجيع الناس على ممارسة حقّهم الدستوري. لن نقول لأحد لمن يصوت، ولكن من المهم أن يكون للجميع صوتٌ في العملية الديمقراطية. لكن نقول لهم شاهدوا الأفلام".
بالتوازي مع المهرجان الدولي، تستضيف مؤسسة "ملجأ عالمي" أسبوع سينما فلسطين، وعلى مدار خمسة أيام، تبدأ في السابع من شباط/ فبراير 2025، ستعرض مجموعة من الأفلام وتُنظّم عدد من الندوات والعروض الفنية المتنوّعة، التي تسلط الضوء على تاريخ فلسطين، وتمنح مساحة أكبر للسردية الفلسطينية لتعبّر عن نفسها.
وقالت المؤسسة في بيان لها على موقعها الإلكتروني: "على الرغم من سريان هدنة وقف إطلاق النار المؤقتة، فإننا ندعو مجدداً إلى إنهاء نظام الفصل العنصري، و التأكيد على الحق الفلسطيني في العودة، والسيادة، وتقرير المصير لجميع الفلسطينيين/ات الأصليين/ات وشعوب المشرق. نحن نقف متضامنين/ات مع حركة التحرير الفلسطينية ومع جميع النضالات المناهضة للاستعمار المترابطة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
mahmoud fahmy -
منذ يومينكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم
KHALIL FADEL -
منذ 4 أيامراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ 5 أيامعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ أسبوعاسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ اسبوعينانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...