قلق وترقب ونبضات قلوب تتسارع داخل بيوت عائلات الأسرى الفلسطينيين المحكومين مدى الحياة، في انتظار أن يكون أبناؤهم من بين الأسرى الذين سيُطلق سراحهم خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وصفقة التبادل بين حماس وإسرائيل.
وكانت الدفعة الأولى من صفقة التبادل، قد تمّت أول أمس الأحد 19 كانون الثاني/ يناير 2025، حيث أفرج عن 90 أسيراً طفلاً وأسيرةً فلسطينية، مقابل ثلاث أسيرات إسرائيليّات لدى حماس.
عن هؤلاء الفلسطينيين، أفرج تحت حراسة مشدّدة، وفي الظلام، بعد أن منعت السلطات الإسرائيلية أي مظاهر للاحتفال لدى استقبال عائلاتهم لهم. فقامت بمداهمة بيوتهم في الضفة والقدس، لتتأكد من انعدام هذه المظاهر.
لا زلت أحتفظ بملابس باسم في خزانته، تماماً كما تركها قبل 21 عاماً
تصف أماني، شقيقة الأسير باسم خندقجي، المحكوم بمؤبدات ثلاثة، الوقتَ بالجمر، "والفرح ممزوج بالدّم. هذه لحظة فرح انتظارنا لباسم الذي دام 21 عاماً. لكن ليس من حقّنا أن نفرح بعد كلّ ما مرّ على أهلنا في غزة خلال حرب الإبادة"، تقول لرصيف22.
وقال مكتب إعلام الأسرى في قطاع غزة أن عدد الأسرى المتوقع الإفراج عنهم، يبلغ 1737 أسيراً، منهم 296 محكومون بالسجن المؤبد. علماً أن عدد أصحاب المؤبدات في السجون الإسرائيلية يبلغ 561 أسيراً، بحسب مؤسسة الضمير.
وكانت إسرائيل أعلنت أنها لن تقبل بعودة هؤلاء الأسرى إلى بيوتهم بالضفّة الغربيّة، وأنها تصرّ على إبعادهم إلى غزة أو قطر أو تركيا، أو دول أخرى.
"باسم مروّح على حضني"
وفاء، والدة باسم خندقجي، الذي أطلقت إسرائيل العام الماضي حملةً تحريضيّة ضدّه بهدف حرمانه من جائزة البوكر التي حصدتها روايته "قناع بلون السماء"، تقول لرصيف22: "لا زلت أحتفظ بملابس باسم في خزانته، تماماً كما تركها قبل 21 عاماً. تناولت بيجامته وقلتُ لنفسي: باسم مروّح على حضني. كما احتفظت بطبخة 'العكّوب' لأعدّها له؛ أكلته المفضّلة التي حرم منها منذ اعتقاله".
تشعر أماني بالخوف على والدتها التي لم تضع في حسبانها احتمال ألا يدرج اسم باسم بين أسماء الأسرى المفرج عنهم خلال صفقة التبادل، فتقول: "عندما أبرمت صفقة شاليط، قيل لنا إن اسم باسم مدرج فيها، لنتفاجأ عندما نشرت قوائم الأسرى أن اسمه غير موجود. صحيح أن الأمل أكبر هذه المرة، لكن الخوف من خيبة الأمل موجود أيضاً".
باسم هو الثاني بين إخوته. وهو عمّ وخال لثلاثة عشر حفيداً لم يلتقِ أياً منهم. أما شقيقته الصغرى آمنة، فكانت في الصف الرابع الابتدائي عندما اعتقل، وهي الآن في الثلاثين من عمرها.
تقول آمنه إنها حققت حلم شقيقها الذي لم يكتمل نتيجة اعتقاله، بأن أصبحت صحافية، وتضيف: "في حال صدر قرار بإبعاد بعض الأسرى المحررين من أصحاب الأحكام العالية إلى قطر أو تركيا، ووصل باسم فعلاً إلى تركيا، سأكون أوّل المستقبلين له".
واعتقل باسم خندقجي بتاريخ 2 تشرني الثاني/نوفمبر 2004. حينها، كان طالباً في جامعة "النجاح" الوطنية، يدرس الصحافة والإعلام. وخلال أعوام اعتقاله، فقد والده بشكل مفاجئ عام 2016.
من جهتها نشرت وزارة القضاء الإسرائيلية يوم السبت الفائت 18 كانون الثاني/ يناير 2025، قائمة تضم أسماء 735 أسيراً فلسطينياً من المقرر الإفراج عنهم في المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى، تشمل أصحاب المحكوميات العالية.
ومن المتوقّع أن يتم التبادل في الدفعة الثانية بين حماس وإسرائيل يوم السبت القريب 25 كانون الثاني/يناير 2025. وبعد الإفراج عن الأطفال والنساء، تنتظر هذه العائلات خبر الإفراج عن أبنائها المحكومين بالمؤبدات.
"عمار حلم طال انتظاره"
"هذه الصفقة هي الرابعة الذي ننتظر فيها أن يدرج اسمه. لحظة إعلان توقيع اتفاق وقف إطلاق النار كانت لحظة انهيار بالنسبة لنا، لأنها تحمل مشاعر لا يمكن وصفها، وتجمع بين الأمل والخوف والقلق، والحسرة على الدماء التي سالت في غزة. منذ توقيعه، ونحن نتلقى التهاني من الأقارب والجيران. والحي الذي نسكنه أصبح مزاراً"، يقول محمود، شقيق الأسير عمّار ياسر قزموز، لرصيف22.
وعمار هو الابن البكر في عائلته، وكان بمثابة الأب في حياة إخوته بعد استشهاد والدهم في الانتفاضة الأولى على يد قوة من المستعربين. لكنه اعتقل عام 2003، أي خلال الانتفاضة الثانية.
"لقد مرّ شهر رمضان وعيدا الفطر والأضحى 22 مرة، دون عمار. فعمار حلم طال انتظاره، ونتمنى أن يتحقق"، يقول محمود مضيفاً.
أما آمنة الزهيري، أم عمار، فدائماً ما كانت تقول إنها ستعدّ وليمة لكافة أهالي الحي عندما يتحرر ابنها، وستجدد أثاث المنزل استعداداً لاستقباله. لكنّ إسرائيل حرمتها من هذه التفاصيل بعد تدمير منزل العائلة، نتيجة الاقتحامات المتكررة لمخيم نور شمس. فقد أعلنت لجنة السلامة العامة للدفاع المدني، أن المنزل أصبح غير صالح للسكن ومعرضاً للهدم في أية لحظة، ما أضطرّ العائلة للعيش مؤقتاً في بيت أحد الأقارب.
يذكر أن عائلة عمار لم تتمكن من زيارته منذ أربعة أعوام. "ومنذ بدء الحرب على غزة، فقدنا الاتصال به كلياً. كما أن سلطة السجون الإسرائيلية تمنع المحامين من زيارته"، يؤكد شقيقه.
يعتبر عمار أحد أعمدة الأسرى في السجون وأحد قيادات الحركة الأسيرة، الذين أمضوا أكثر من 20 عاماً متواصلاً خلف الزنازين.
اللحظة الأشد ألماً علينا، كانت عند بث قناة الجزيرة للقطات من القمع، وشاهدنا عمار ورفاقه يتعرضون للضرب
يردف محمود قائلاً: "واحدة من أصعب اللحظات التي مرت على العائلة، كانت عام 2019 عند قمع قوات الاحتلال للأسرى في سجن النقب. حيث أصيب عمار بالرصاص في قدميه وصدره وتعرض لإصابات بالغة في عينه، وكسور في القفص الصدري. ولم نعلم عن إصابته إلا بعد شهر".
ويتابع: "أما اللحظة الأشد ألماً علينا، كانت عند بث قناة الجزيرة للقطات من القمع، وشاهدنا عمار ورفاقه يتعرضون للضرب والاعتداء على الشاشات. كان شعوراً لا يوصف من الوجع والعجز".
"أصدرت جواز سفر كي أستقبل أخي إن تم إبعاده"
أيهم، الأخ الأصغر للأسير حمدي قرعان، المحكوم بالسجن المؤبد ومئة عام، يقول لرصيف22: "ننتظر أخبار صفقة التبادل وقلوبنا طافحة بالقلق والتوتر. دموعنا لا تكف عن الانهمار لدى سماعنا أي خبر يخص الإفراج عن الأسرى أصحاب المحكوميات العالية".
وكان حمدي قد اعتقل بتهمة اغتيال رحبعام زئيفي، وزير السياحة الإسرائيلي، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2001، برفقة أربعة فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ويردف أيهم قائلاً: "وصلتنا أخبار تفيد بأن الأسرى المحكومين بالمؤبد، سيتم إبعادهم إلى خارج فلسطين. ومن المتوقع ترحيلهم إلى قطر أو تركيا. لذلك، قمت قبل يومين بإصدار جواز سفر، لأكون مستعداً للقائه".
وكان أيهم ممنوعاً من السفر خارج فلسطين، كونه أسيراً سابقاً قضى ستة أعوام في السجون الإسرائيلية: "نحن نأمل أن يكون اسم حمدي مدرجاً ضمن هذه الصفقة. لكن يتملكنا الخوف بذات القدر. نخاف ألا يدرج اسمه، أو ألا تلتزم إسرائيل بالبنود، أو تعرقل التنفيذ. نخاف أن يتحرر حمدي ثم يتعرض للاغتيال مرّة أخرى".
لكن على الرغم من كلّ هذا الخوف، إلا أن عائلة قرعان تعتقد بأن حرية حمدي باتت أقرب من أي وقت مضى.
ويقبع حمدي في سجن مجدو. تواصلت معه عائلته، للمرة الأخيرة، في الأسبوع الأول للحرب على القطاع، لتنقطع أخباره بشكل نهائي منذ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وخلال هذه الفترة، فقد حمدي والده دون أن يعلم، ودون أن تعلم العائلة كيف ستخبره بالأمر. كذلك، فقد والده خلال سنوات سجنه ولم يتمكن من وداعها.
وحسب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، الأربعاء الماضي، فإن المرحلة الأولى ستمتدّ حتى 42 يوماً، وتتضمن الإفراج عن 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل الأسرى الفلسطينيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
mahmoud fahmy -
منذ 5 ساعاتكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم
KHALIL FADEL -
منذ يومراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومينعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 6 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...