شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من الملكة بلقيس إلى الفتى الأسير… حكايات مؤثرة من الأفارقة في شبه الجزيرة العربية

من الملكة بلقيس إلى الفتى الأسير… حكايات مؤثرة من الأفارقة في شبه الجزيرة العربية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

الرابط الذي يجمع السود أو ذوي الأصول الأفريقية بشبه الجزيرة العربية هو ارتباط قديم عمره آلاف السنين، وربما منذ بدأت الهجرات البشرية. ووجودهم كمكون اساسي في المجتمع الخليجي لم يكن دوماً مرتبطاً بالعبودية، كما يحاول أن يصوره البعض؛ مثلاً إن عدنا بالتاريخ إلى مملكة سبأ وملكتها بلقيس، المذكورة في الكتب السماوية، والتي حكمت اليمن وأجزاء أخرى من جنوب شبه الجزيرة فسنرى كثيراً من الأمور والحكايات المختلفة تماماً.

يعتقد بعض المؤرخين أن بلقيس ملكة إثيوبية كانت بلاد العرب عاصمة مملكتها، ويؤمن الإثيوبيون بذلك ولديهم العديد من القرائن والدلائل على وجود لغتهم القديمة في اليمن من خلال الكتابات الأثرية والتي يقال إن بعضها تؤكد على أن بلقيس حبشية إفريقية وليست عربية.

اللغط حول عروبتها أو إثيوبيتها لا يلغي الوجود الحبشي المؤثر في مملكتها، وهذا يعيدنا إلى الارتباط بين الجزيرة العربية وإفريقيا التي قامت بها واحدة من أقدم وأقوى الممالك في القرن الأول الميلادي، وهي مملكة أكسوم التي تمتد من الحبشة أو إثيوبيا وصولاً إلى اليمن وبعض المناطق من الجزيرة العربية، ومن المعروف أنهم تأثروا بهذا الاندماج حتى استخدموا في كتاباتهم الأولى اللغةَ العربية الجنوبية.

ولا يمكن أن نغفل الرواية الإسلامية، أبرهة، الملك الحبشي الذي حكم اليمن وأراد الدخول إلى مكة، مصطحباً معه الفيلة لتدمير الكعبة، فكان هناك تعاقب إفريقي على الجزيرة العربية كممالك وملوك وليس كعبيد.

قدّم الكثير من الغواصين العبيدَ الذين سعوا للانعتاق، شهاداتٍ للقنصليات البريطانية في الخليج، تناولوا فيها الحوادث حول اختطافهم من شرق إفريقيا صغاراً، ومن ثم بيعهم وإرسالهم للعمل بالغوص والزراعة
مع ظهور الدعوة الإسلامية، لم لا يُحتمل أن تكون هجرة المسلمين الأولين إلى الحبشة على سبيل الصدفة. بل تلك الهجرة تحمل الكثير من الدلائل والمعاني التي تشير إلى مدى ارتباط وقرب الثقافة بين الشعبَين، لتصبح هذه المملكة الإفريقية الملجأ الأول لمسلمي الجزيرة العربية.

غلاف كتاب "عبيد لسيد واحد"

في ما بعد ستتهالك الممالك الإفريقية وتأكلها الحروب والنزعات الداخلية، وستصبح شعوبها الأفقر والأضعف، وربما ذلك ما جعلهم فريسةً سهلة للخطف والبيع كعبيد في أسواق النخاسة.

مع بدايات القرن السادس عشر الميلادي ازدادت الهجرات العربية إلى شرق أفريقيا خصوصاً من العمانيين واليمنيين وتشكلت نهضة اقتصادية جديدة لتلك الدول وازدهار كان قد غاب طويلاً.

السود والعبودية في الخليج العربي

العبودية ابنة الضعف والفقر، ومن المحزن أن يتعامل البعض مع الذين لديهم أصول مستعبدة كوصمة عار ودونية رغم كونهم ضحايا! وما يزال الموضوع من الأمور الحساسة جداً في المجتمع الخليجي، ومن الكتاب الخليجيين الذين كانوا مهتمين بهذه القضية، الدكتور هشام العوضي، وهو مؤرخ وأستاذ للتاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بالكويت، وله كتاب شهير بعنوان "تاريخ العبيد في الخليج العربي".

في القرن التاسع عشر، تزامناَ مع قرار البرلمان البريطاني بإلغاء الرق الذي كان أحد أهم مصادر الثروة في الإمبراطورية، يتبنى ماثيو إس. هوبر في كتابه "عبيد لسيّد واحد"، الذي رشح للقائمة القصيرة لجائزة فريدريك دوغلاس عام 2016، ووثق من خلاله تاريخ العبودية في شبه الجزيرة العربية، ما قاله بعض المؤرخين الاقتصاديين بأن الخليج كان أفقر من أن يمثل طلباً ملحوظاً على العبيد، إلا أن الطلب المتزايد على صناعتَي التمور واللآلئ خلق طلبَ يد عاملة أكثر مما كانت متواجدة في الخليج.

في ذلك الوقت ساهمت عمان في خلق سوق عالمي للتمور، وكانت السفن الأمريكية تزور موانئ جزيرة زنجبار في شرق إفريقيا التابعة لعمان حينها، وكذلك تزور موانئ الخليج، وأصبحت التمور العربية وقتها تقليداً أمريكيا في عيد الشكر، باعتبارها إحدى حلويات العيد. ويذكر الكاتب أن انفتاح السوق الغربي ساهم بالطلب العالمي المتزايد على التمور واللآلئ القابعة في البحار العربية، بينما كان هناك شح ونقص في البحارة والمزارعين، ما كان له الأثر بنمو النخاسة بشكل كبير وسريع في المنطقة من خلال خطف الأطفال والمراهقين من بلدانهم الأم، وبيعهم كعبيد في المزارع والسفن.

ومن المفارقات أن اللآلئ التي زينت أعناق وصدور النساء بدأت من الملكة ووصلت إلى النبيلات في بريطانيا، كان يجلبها العبيد، بينما تحارب الدولة العظمى الرقّ!

شهادات خطف

حسب كتاب "عبيد لسيّد واحد"، قدّم الكثير من الغواصين العبيدَ الذين سعوا للانعتاق، شهاداتٍ للقنصليات البريطانية في الخليج، تناولوا فيها الحوادث حول اختطافهم من شرق إفريقيا صغاراً، ومن ثم بيعهم وإرسالهم للعمل بالغوص والزراعة.

يحكي، على سبيل المثال، في الكتاب، فرج، عام 1938، أنه اختطف من موطنه في سن صغيرة، ولا يعرف اسم الخاطف الذي جلبه إلى مدينة صور العمانية، وباعه إلى أحد أبنائها، وعمل لديه عشرة أعوام إلى أن باعه لأحد الأُسَر الشهيرة في دبي.

وبين الشهادات طفل إثيوبي اسمه سرور، اختُطف عام 1925، كان يقوم برعي الماشية بمدينة لامو في إثيوبيا، وجلبه خاطفوه إلى تجرة في الساحل الصومالي، لشحنه مع خمسين شخص آخرين إلى مدينة جدة، حيث بيع إلى رجل أحضره إلى قطر ليبيعه لتاجر لؤلؤ عمل معه في الصيد. وبعد خمس سنوات تمكن من ركوب سفينة متجهة إلى البصرة، وهناك قابل رجالاً صوماليين يعملون في باخرة بريطانية ساعدوه بالوصول إلى جيبوتي للعودة إلى وطنه إثيوبيا عبر مسقط.

يشير ماثيو إس. هوبر في كتابه أن دائرة شؤون المسؤولين البريطانيين صنفت العبودية بالخليج بأنها طفيفة ورقيقة وقليلة الخطر، ذلك لأنها مختلفة تماماً عن العبودية في بلادهم

كما يشار إلى أن التوتر السياسي في شبه الجزيرة العربية، الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، واتساع مملكة نجد، ما ساهم في تزايد الاختطاف المحلي. وفي ظل تلك الأوضاع، اختُطف ليمان بن يوسف، وهو نيجيري كان في رحلة حج إلى مكة مع والده عام 1919، فهاجمهما قطّاع طرق من البدو، قتلوا والده واتخذوه سجيناً، فبيع ليصبح "عبداً". وعام 1928 طلب إعتاقه وإرجاعه إلى وطنه الأم.

ليسوا السود فقط

تاريخياً لم يكن السود أو الأفارقة وحدهم من تعرضوا للاستعباد؛ فهناك العديد من الشعوب منهم الروس والشركس والأرمن والأتراك والفرس حتى العرب. وهناك عصر كامل سمي بعصر المماليك كان حكامه عبيداً للدولة الأيوبية قبل أن ينقلبوا عليها، تعود أصول غالبيتهم إلى آسيا الوسطى والقوقاز، منهم الملك سيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، وصولاً  إلى شجرة الدر التي يرجح أنها من أصل أرمني.

غلاف كتاب "تاريخ العبيد في الخليج العربي"

 وفي تلك الفترة في شبه الجزيرة العربية، لم تقتصر الحالات على الأفارقة فقط؛ فتوضح إحدى الشهادات خطفَ فتى عراقيّ كان قد رافق عمّه إلى جدة للتجارة، وتعرض للأسر في إحدى النزاعات الداخلية هناك، عام 1925. يقول إنه كان في العاشرة من عمره حين رافق عمّه في رحلته نحو جدة بغرض التجارة. وكان والده قد قضى نحبه بالفعل. ثم نشبت الحرب في جدة بُعيد قدومهم إياها. وانقطعت الصلات بعمّه جراء تلك الاضطرابات، فلم يعرف عنه شيئاً. وجُلب سجيناً من جدة حتى الرياض على يد البدو. وعمل الفتى في خدمة خاطفه إلى أن باعه.

كذلك تذكر الشهادات امرأةً من إقليم بلوشستان الإيرانية، اختُطفت من مكران، وتم بيعها إلى رجل من منطقة تابعة للشارقة، وكان ميناء جوادر الباكستاني، يوصف بأنه مركز للنخاسة ويباع فيه فتيان من البَلوش والهنود الذين كانوا قد اختُطفوا بعد أن غرّر بهم واستُدرجوا بهدف الحصول على وظائف، ما جعلهم يقعون في الأسر بعد أن تظاهر الخاطفون النخاسون بأنهم موظفون، لينتهي بهم الأمر غواصين للؤلؤ في بحار شبه الجزيرة العربية.

ويشير ماثيو إس. هوبر في كتابه أن دائرة شؤون المسؤولين البريطانيين صنفت العبودية بالخليج بأنها طفيفة ورقيقة وقليلة الخطر، ذلك لأنها مختلفة تماماً عن العبودية في بلادهم. كما أن هناك الكثير من ذوي الأصول الإفريقية ليس لديهم علم بهوياتهم الأصلية، فهم مندمجون ومتضافرون مع الهوية الخليجية التي أصبحوا جزءاً منها.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image