شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أساطير البحار السبعة: سلطان عمان والصداقات غير المتوقعة التي بنت اتفاقية سلام

أساطير البحار السبعة: سلطان عمان والصداقات غير المتوقعة التي بنت اتفاقية سلام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 4 أغسطس 201704:46 م

  • في الحادي عشر من يوليو 1881، كان جورج أمير ويلز يبحر قبالة ساحل أستراليا برفقة شقيقه الأكبر ومعلمهم. وقيل أن رحلتهم تعطلت بسبب وهج أحمر غريب كان يطفو على سطح المياه؛ نوراً ظنوه هم أنه سفينة الهولندي الطائر، سفينة الأشباح الأسطورية التي كانت لعنتها أن تجوب المحيطات إلى الأبد.

تلك الأسطورة البحرية ليست هي الحكاية الأولى ولا الأخيرة المستلهمة من البحر؛ فقد سحرت أمواجه العلماء والكتاب والشعراء والفنانين طويلاً، تبهرهم وعود الكنوز المدفونة بباطنه، والمدن المنسية المدفونة تحت الماء، و قصص الفولكلور من أركان العالم الأربع المتحدثة عن حوريات البحر اللواتي يغرين الجنود غير المتيقظين ويجرونهم إلى موتهم. ولطالما حكت النصوص الدينية عن البحار وحذّرت منها، وأعطتها صفات تنبؤية، وواعدة وخطرة. ومع كل قصة، وأسطورة، ونص ديني، يكبر سحر البحر ويزداد غموضاً. ومع ذلك فإن المياه التي تغطي حوالي 70٪ من سطح الأرض تعتبر أيضاً مصدراً ملموساً لكسب العيش بالنسبة للصيادين ووسيلة نقل مفضلة للتجار الذين كانت طرقهم عامل رئيسي في تكوين العلاقات السياسية والدبلوماسية. 

كيف سيكون شكل التاريخ العربي إن جعلنا البحار مركز السرد بدلاً من اليابسة والمدن والعواصم؟
من اهتمامات تجارية وصداقات غير متوقعة، كيف أبرمت سطلنة عمان اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة الأمريكية
لا نعطي اهتماماً كافياً لتاريخ تجارة العرب البحرية ولمعاركهم وتوسعهم وسيطرتهم على البحار

البحر في الإسلام

الإسلام دين غالباً ما ارتبط بالأرض، نظراً لبداياته التي شهدتها مدينتان صحراويتان معروفتان: مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكان دوره حيوي في تحويل الطرق الصحراوية، ولكن دور المحاربين المسلمين والدعاة والتجار الذين أبحروا في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي كان أيضا عنصراً أساسياً في نشر الدين. يتضمن القرآن العديد من الآيات التي تشير إلى رحلات بحرية، فضلاً عن قصص الأنبياء التي تدور احداثها بين أمواج البحار مثل قصة نوح وسفينته، ويونس، نبي الله الذي هرب من مهمته إلى البحر، ليبتلعه الحوت. كان ظهور الإسلام واتساع تجارة العرب البحرية الحيوية، تهديداً للإمبراطورية البيزنطية، وبدأ صراع على السلطة بينهما توالت أحداثه في سلسلة من المعارك البحرية. خلال القرون الوسطى، تحولت عاصمة الخلافة الإسلامية إلى بغداد الغنية بمياهها، حيث ظهر اثنان من رحَالة المسلمين البارزين: السندباد الأسطوري وابن بطوطة. خلّدت قصة السندباد، وهو بحّار من البصرة، بين طيات كتاب ألف ليلة وليلة، سواء كان إضافة لاحقة إلى ذلك الكتاب ـ كما يقترح معظم المختصين ـ أم لا، وانتشرت القصة في العديد من اللغات، وسكنت طرقات البحار، في خريطة اعتمدت المحيط الهندي كمحور لها.

من رحلات سندباد

وبنفس شهرة السندباد، قصت حكايات ابن بطوطة، عالم مغامر ورحالة من طنجة، سافر أكثر من سبعين ألف ميلاً في حياته. وعلى الرغم من أنه كان يسافر على الأرض في بلاد فارس وأراضي بنو سام، نالت مغمراته في بحر العرب والمحيط الهندي قسطاً كبيراً من حكاياته. وهنا يمكن أن نسأل: كيف يمكن أن نفهم التاريخ إذا غيّرنا المحاور التقليدية، واعتبرنا التاريخ البحري، بدلاً من الأرض نفسها، محور السرد؟ كيف سيكون شكل خريطة العالم؟ هذا عماد مشروع لإعادة قراءة التاريخ يقدّمه المركز العماني في العاصمة الأمريكية واشنطن ويعتمد فيه على المحيط الهندي كمركز للتاريخ.

عمان في شرق أفريقيا

لطالما كان البحر صانعاً للعلاقات الاقتصادية والتجارية التي جمعت بين الدول، كما كان موقعاً لصراع الإمبراطوريات التي قاتلت من أجل السلطة وبسط نفوذها. في القرن السادس عشر، كان البرتغاليون حكاماً استعماريين لساحل شرق أفريقيا، بعد حملات استعمارية متلاحقة في أفريقيا انتهت بتقسيم القارة بين القوى الأوروبية. وكان النفوذ البرتغالي في تراجع بحلول 1580، تهدده بعض جماعات المقاومة السواحيلية. ولمعت جزيرة بيت، وقد كانت مركزاً للشحن العربي والهندي، كمنافس رئيسي للحكم البرتغالي. وتزامن تمردها مع البعثات الاستكشافية العمانية في مياه شرق أفريقيا، مما أدى إلى علاقة تجارية قوية بين السلطنة وعدة دول سواحلية. برزت وقتها عمان كأحد البلدان المثيرة للاهتمام على ساحل بحر العرب، ومن بداياتها كأمة قبلية تحولت إلى قوة بحرية مغيرة ومركز للثروة. تمّ إعادة تخيّل تاريخ عمان من هذه الفترة بسفينة "صحار"، التي تم بناءها كنسخة مماثلة لسفن الداو العمانية المبنية يدوياً بخشب الآني المربوط بحبال ملفوفة تتكون من قشر جوز الهند والتي أبحرت في القرن التاسع من عمان إلى الصين. وقد أبحرت "صحار" بطاقم مكون من 25 فرداً من عمان في 21 نوفمبر 1980. وبعد ثمانية أشهر وعلى بعد 6000 ميل (9600 كم) وصلت السفينة وطاقمها إلى ميناء كانتون الصيني. وعادت في وقت لاحق إلى عمان حيث تم الحفاظ عليها كمعلم عام لتراث النشاط البحري في المحيط الهندي.

وبحلول أوائل القرن الثامن عشر، أُخرج أغلب البرتغاليون من شرق أفريقيا، وبدأت دولة عمانية، متحالفة مع التجار السواحيليين، في تأسيس حكمها. وشهد ساحل شرق أفريقيا تحت حكم مسقط نوعاً من "النهضة" الاقتصادية، وأبحروا في طرق تجارية جديدة ليجلبوا العاج والعبيد من المناطق الداخلية للساحل.

عمان تبرم اتفاقية سلام مع أمريكا

يحتوي متحف في مدينة سالم، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، على رسائل تم تبادلها بين البحارة الأميركيين وسلطان عمان عام 1835، مما يدل على وجود مراسلات هامة أسست علاقات تجارية بين البلدين، ويخبرنا عن امتداد العلاقات التجارية لعمان إلى ما وراء البحر العربي والبحر الأحمر. في عام 1832، ابحرت من بوسطن سفينة بيكوك الأمريكية (الطاووس -the USS Peacock ) – وهي سفينة حربية تحولت إلى سفينة استكشافية – لتبدأ رحلتها حول العالم. وفي 370 يوماً وعلى مدى 38230 ميلاً، جابت السفينة البحار بهدف توسيع علاقات الولايات المتحدة الدبلوماسية مع مختلف البلدان التي رست في موانئها.

 سفينة بيكوك الأمريكية أبحرت إلى زانزيبار عام 1840

عيّن الرئيس أندرو جاكسون إدموند روبرتس مبعوثاً له على متن السفينة. وتمثلت مهمة روبرتس في توسيع نطاق تجارة الولايات المتحدة على أمل ابرام اتفاقيات تجارية تمنح الدولة الحرية في البيع والشراء، فضلاً عن دفع رسوم جمركية للسلطة الحاكمة تساوي ما تدفعه الدول الأخرى. وقد نجح روبرتس في إبرام معاهدة بين الولايات المتحدة وسعيد بن سلطان، سلطان مسقط وزنجبار في عام 1833.  ونصت المعاهدة على سلام دائم بين البلدين، وحرية دخول سفن الولايات المتحدة الى جميع موانىء السلطان، والتمتع المتبادل بصفة الشريك التجاري المفضل للبلد. في العام التالي، أرسل إدموند روبرتس رسالة إلى واشنطن مؤكداً أنه قد تمّ إمضاء المعاهدة ومسلطاً الضوء على العديد من ممتلكات السلطان، التي امتدت من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية.

سفينة بيكوك الأمريكية في الجليد، 1840

يعدّ جاكسون من الرؤساء المختلف عليهم في الولايات المتحدة، وقد تمّ مؤخراً إثارة نقاش حول حكمه وكيفية تقييمه عندما اختاره الرئيس الحالي ترمب كأهم رؤساء أمريكا ومثله الأعلى في الحكم. أخطر ما قام به جاكسون، وما تسبب باعتبار سياسته إشكالية هو دوره في تهجير السكان الأصليين في مأساة عرفت بـ"درب الدموع"، وكذلك تمسكه بفكرة العبودية. في هذه الاتفاقية جانب استثنائي في فهم تاريخ هذه الفترة، وهو بالتحديد أنّ العلاقات الاقتصادية، وخاصة ما حاول منها السيطرة على المياه، كان بداية لعلاقات ودية واتفاقات دبلوماسية، ما كانت لتنشأ بين البلدين  على أساس سياسي.

الطاووس يعود لموطنه

بعد أن تم توقيع المعاهدة و إنشاء العلاقات التجارية، استعد إدموند روبرتس وطاقم السفينة عام 1835 للعودة إلى بلادهم. ولكن لم تسر خطتهم كما أرادوا، حيث تعرضت السفينة إلى كارثة في أيلول / سبتمبر من نفس العام، وعلقت في الرمال بالقرب من جزيرة مصيرة قبالة ساحل عمان، وبعد محاولات فاشلة لسحب السفينة إلى الماء مجدداً، اتجه روبرتس وفريق من سبعة بحارة إلى مسقط. في رسالة إلى جون فورسيث، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، قص روبرتس رحلته المحفوفة بالمخاطر إلى مسقط، وحكى عن سفينة القراصنة التي تبعتهم ليلاً، والأمواج العاتية التي واجهوها، ورحلتهم التي استمرت قرابة الـ101 ساعة. ولدى وصوله إلى مسقط، أمر سلطان عمان سفينة سلطانة، وبرفقتها أربعة مراكب شراعية لحمايتها، بالتوجه إلى السفينة الأمريكية العالقة وإمدادها بالذخيرة والحبال والمؤن.

طوابع لسفينة سلطانة

ويسلط روبرتس في رسالته الضوء على ما فعله السلطان، واصفاً إياه بالخيِّر والمضياف، مما كون بينهما صداقة غير متوقعة كان أساسها الاقتصاد والتجارة وحادث مؤسف، والأهم من ذلك - كان بينهم البحر. لطالما كان البحر ساحراً، تملؤه الأسرار والحكايات التي لم تحكى بعد. ومع سحرها في إثارة خيال الكتاب والشعراء، لعبت المياه دوراً حيوياً في إنشاء طرق تجارة، وعلاقات سياسية، وصداقات غير متوقعة في العالم الإسلامي وما وراءه.

المصادر: عبد الشريف، عبيد وبهارات وعاج في زنجبيل (1987)، إيريك جيلبرت، الساحل الشرقي الأفريقي والمحيط الهندي، ألين فروميز، "الإسلام والبحر"، مركز السلطان قابوس الثقافي في واشنطن. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image