حتّى أسابيع قليلة لم يكن اسم صانع المحتوى التعليمي أحمد أبو زيد، معروفاً على نطاق واسع داخل مصر، رغم بلوغ قناته التعليمية" دروس أون لاين" على منصة يوتيوب نحو تسعة ملايين مشترك، وترشيحه لجائزة "قمة المليار متابع"، التي تُنظَّم في الإمارات وتكرم صُنّاع المحتوى الهادف.
كان الاسم بعيداً عن دائرة الاهتمام الشعبي المتمحور عادةً حول الشخصيات البارزة في مجالات السياسة والفن والرياضة، حتّى انتشر خبر اعتقاله باتهامات تتعلّق بـ"الإتجار في النقد الأجنبي"، ليتصدّر اسمه قائمة المتداول في مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد وسط تشكيك في حقيقة الأسباب التي أدّت إلى توقيفه.
أُلقي القبض على اليوتيوبر المصري يوم 31 كانون الأول/ديسمبر 2024، في منزله في مدينة طنطا (شمال مصر). وأفادت وزارة الداخلية المصرية لاحقاً بأنها صادرت بحوزته عشرات آلاف الدولارات. ورغم أن الواقعة مرّ عليها قرابة الأسبوعين، لكن نبأ القبض عليه ظل غير معروف لأيام، لعدم رغبة أسرته في تسليط الضوء على القضية ومحاولة تدارك الأمر دون ضغوط إعلامية، خصوصاً أن الشاب لا يُظهر أية انتماءات سياسية، وغير نشط على مستوى متابعة الشأن العام، ويقتصر ما يقدّمه على المحتوى التعليمي.
"القبض على مبرمج مصري بسبب حيازته أموالاً أجنبية في منزله، قضية تضرّ بالاقتصاد المصري ورسالة سلبية للشباب"... لماذا تلاحق السلطات المصرية اليوتيوبر أحمد أبو زيد؟ ولماذا أُثيرت الشائعات حول "حقيقة" سبب القبض عليه؟
وفي الأسبوع الأول من هذا الشهر، تأكدت الأنباء عن توقيف أبو زيد بعد مطالبة رواد قناته و"تلاميذه" بالكشف عن مصيره، خصوصاً أنه كان أحد المرشحين البارزين لجائزة "المليار متابع" الإماراتية، وهو ما دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان تؤكد ضبطه وفق "إجراءات مقنّنة لتعامله غير المشروع فى الإتجار بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية"، حيث ضُبط بحوزته "أكثر من 163 ألف دولار وهاتف محمول يتضمن رسائل تؤكد نشاطه الآثم".
وعُقدت السبت 18 كانون الثاني/يناير 2025، أولى جلسات محاكمة أبو زيد في تهمة الإتجار بالنقد الأجنبي أمام المحكمة الاقتصادية بمحافظة الغربية، التي أُحيل إليها محبوساً على ذمة القضية، لكن الجلسة تأجّلت إلى 16 شباط/فبراير المقبل، لـ"تعذّر إحضاره من محبسه بسبب الظروف الأمنية التي تزامنت مع انشغال السلطات في تأمين عيد الغطاس"، حسبما أعلنت مؤسسة "درع" القانونية التي تتولّى الدفاع عنه.
بالتزامن مع محنة سجنه، خرج أبو زيد من القائمة القصيرة لجائزة "المليار متابع"، ليخسر فرصة الفوز بمليون دولار، قيمة الجائزة، بينما لا يزال التركيز على ملابسات توقيفه في ظل موقفه القانوني الملتبس، حيث يواجه اتهامات قد تقوده إلى السجن وخسارة أمواله التي جناها من عمله في صناعة المحتوى على مدار سنوات في حالة الإدانة، وسط انتقادات للحكومة المصرية بالتضييق على صُنّاع المحتوى الذين يشكّلون مصدراً لـ"العملة الصعبة" التي يواجه الاقتصاد المصري عثرات بسبب نقصها.
من هو أحمد أبو زيد؟
أحمد أبو زيد، المولود في عام 1992 بإحدى قرى مدينة طنطا، تخرّج في كلية الهندسة عام 2014، وعمل لفترة قصيرة في مجال دراسته، لكن شغفه بعلوم الحاسب الآلي قاده إلى تعلم البرمجة وإطلاق ورشة تدريبية محدودة، ليقرّر بعدها ترك الهندسة إلى الأبد، ويتفرّغ لصناعة المحتوى وتقديم دروس لتعليم اللغة الإنكليزية مجاناً عبر قناته على يوتيوب.
خلال السنوات الماضية حقّق أبو زيد شهرة واسعة في صناعة المحتوى بفضل قناته "دروس أون لاين"، التي بدأها بأدوات بسيطة كما يقول عبر موقعه الشخصي، ليتجاوز عدد متابعيه على مختلف منصّات التواصل الاجتماعي نحو 12 مليوناً، وتحقّق مقاطعه المصوّرة عشرات ملايين المشاهدات. علماً أنه يتطرّق في بعض المقاطع إلى مساحات اجتماعية خاصة بحياته الشخصية وعلاقته بمدينته، طنطا، إلى جانب بعض الدروس عن التنمية الذاتية عبر تحديد الأهداف وتنظيم الوقت وتوجيه النصائح لليافعين.
تأثير أبو زيد على متابعيه يمكن لمسه في سيل من المنشورات الداعمة له والتي كتبها أصحابها قبل واقعة القبض عليه وأخرى في إطار إظهار العرفان له بالإشارة إلى فضله على أصحابها في إجادة اللغة الإنكليزية والبرمجة، وهو ما تعزّز بترشيحه للفوز بجائزة "المليار متابع"، الهادفة إلى تشجيع صُنّاع "المحتوى الذي يترك بصمة إيجابية، ويُغيّر المجتمعات نحو الأفضل، ويصنع أجيالاً تبني مستقبلاً أعظم، ويؤثر في صناعة العقول، ويقرّب الشعوب من بعضها البعض، ويرسّخ قيم التراحم والتعاطف بين البشر".
وعن أبو زيد، تقول الجهة المنظمة للمسابقة: "يعمل من خلال منصّته 'دروس أونلاين' على يوتيوب على تزويد المتابعين بمهارات عملية في اللغة الإنكليزية والمونتاج، ويختبر كل ما هو هادف وتعليمي ويشعل شغف التعلم في قلوب الملايين ليجعل محتواه هادفاً ومثرياً، حيث يقدم نصائح حول تنظيم الوقت وتطوير الذات ومهارات التعلم والمذاكرة، ولديه أكثر من 11 مليون مشترك على جميع المنصات".
رأساً على عقب، انقلبت حياة أبو زيد وتبخّرت أحلامه من شاب مرشح لأفضل صانع محتوى إلى متهم بالإتجار بالنقد الأجنبي. فكيف صارت الأمور مع اليوتيوبر الشهير؟
موقف قانوني ملتبس
مثل أي منشئ محتوى على يوتيوب، تحقق قناته مشاهدات كبيرة، يتقاضى أبو زيد أرباحاً نظير محتواه، تدفعها شركة "غوغل" عبر حوالات مصرفية. ويحتاج صانع المحتوى ما لا يقل عن ألف مشترك في قناته في يوتيوب، ونحو 24 مليون مشاهدة سنوياً لكسب 100 ألف دولار تقريباً، ما يعني أن أبو زيد وغيره ممن يمتلكون قنوات كبيرة يصل عدد متابعيها الـ11 مليون شخصاً حقّق أرباحاً تتخطّى هذا الرقم خلال عمله في صناعة المحتوى.
تأجيل أولى جلسات محاكمة أبو زيد، فُسِّر بأنه محاولة لإطالة أمد القضية، إلا أن مؤسسة "درع" المدافعة عنه أبلغت رصيف22 أنه "إجراء اعتيادي"، وقد تعذّر نقل عدد من المتهمين في قضايا مختلفة بمحاكم مختلفة لدواعٍ أمنية
ويقول محامي أبو زيد، محمد عمر عبد الرحمن، إن موكله شأنه شأن كثيرين يعتمدون بشكل كبير على المحتوى المنشأ على "يويتوب"، وتؤمِّن المشاهدات المرتفعة مبلغاً شهرياً لا يقل عن 8 آلاف دولار، يصل أحياناً إلى 30 ألف دولار.
أوضح عبد الرحمن، في مداخلة تلفزيونية، أن أبو زيد لا يمتلك جيباً دولارياً في حساباته البنكية، وبالتالي كان يتلقّى الأموال شهرياً من خلال شركات تحويل الأموال أو عبر بنوك أجنبية، لذا كان يصرف قيمة التحويلات شهراً بشهر ويحتفظ بها في منزله، وهو سبب العثور على مبلغ 163 ألف دولار بمنزله، مشيراً إلى أنه تم تقديم المستند الدال على أنها مسدّد عنها الضرائب.
وفق محاميه أيضاً، لا يُعد أبو زيد مداناً بأي اتهام ولا يجوز مصادرة أمواله، حيث لا يوجد نص قانوني يمنع حيازة المصريين للأموال الأجنبية في منازلهم، طالما حصلوا عليها بطرق قانونية ولا يتعاملون بها خارج القنوات المصرفية المشروعة، منبّهاً إلى أن وقائع التحقيق خلت تماماً من وجود مراسلات على هاتفه ببيع النقد الأجنبي، كما شكك في إجراءات القبض عليه، والتي تمت دون صدور إذن قضائي، على حد قوله.
ووفق قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، في مادته رقم 233: "يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة، أيهما أكبر، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رُخِص لها في ذلك، أو مارس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص".
في هذا السياق، يقول الخبير القانوني محمد قدري لرصيف22 إن الوقائع المنشورة في قضية اليوتيوبر الشاب لا تُرجِّح إدانته بالإتجار في النقد الأجنبي كونه لم يُضبط بالتعامل في العملة الصعبة، سواءً بالشراء أو البيع، فالقانون لم يجرّم الحيازة. مضيفاً: "الإتجار بالعملة يجب أن يكون متلبِّساً بها أو بتصريح من النيابة العامة. هل حصل ضابط الشرطة على تصريح من النيابة أو ضبطه بالعملة الصعبة؟ هذا هو مربط الفرس في هذه القضية وإذا لم يثبت ذلك فهو ليس مداناً".
ويوضح قدري، المستشار القانوني السابق للهيئة العامة الاستثمار، أن الإتجار بالعملة الأجنبية جريمة لا يتهاون فيها القانون المصري وعقوبته الحبس ومصادرة المبلغ الذي كان بحوزته كاملاً، وهي عقوبة تقديرية للقاضي الذي ينظر القضية، مشيراً إلى أن المحكمة الاقتصادية التي أحيل إليها أبو زيد هي محكمة متخصّصة في البت في قضايا الإتجار بالنقد الأجنبي وليست استثنائية.
كذلك، يلفت الخبير القانوني إلى أن إدانة شخص من عدمه تخضع في النهاية إلى تقدير القاضي والمباراة التي يخوضها موكل المتهم وضابط التحريات لإثبات إن كان قد سلك الطرق الشرعية للحصول على العملة الأجنبية والضبط كان وفق معلومات مؤكدة عن المتاجرة بالعملة خارج البنوك أم لا.
تأجيل أولى جلسات محاكمة أبو زيد أمام المحكمة الاقتصادية، فُسِّر بأنه محاولة لإطالة أمد القضية، إلا أن مؤسسة "درع" المدافعة عنه أبلغت رصيف22 أنه "إجراء اعتيادي"، وقد تعذّر نقل عدد من المتهمين في قضايا مختلفة بمحاكم مختلفة لدواعٍ أمنية، وليس مستهدفاً من ذلك إطالة فترة حبسه أو إعادة التحريات بعد الجدل المثار حول واقعة القبض على اليوتيوبر الشهير.
رسالة سلبية للشباب وصُنّاع المحتوى
بينما يواجه أبو زيد مصيراً مجهولاً في ظل استمرار فترة حبسه لشهرٍ إضافي على الأقل، وغموض موقفه من حيث إدانته أو تبرئته، تتّسع دائرة التضامن معه، حيث أعلن رئيس حزب العدل وعضو مجلس النواب عبد المنعم إمام تضامنه مع اليوتيوبر، مؤكداً رفضه القبض عليه من قلب منزله، بسبب حيازة دولارات يعرف القاصي والداني مصدرها، معتبراً أن هذا النهج يُضرّ بالاقتصاد، ويضرّ بالشباب، ويُزيد حالة الإحباط لديهم، ويجعلهم يتّجهون إلى دول أخرى لإنتاج محتواهم، سيكون الخاسر الوحيد فيها الاقتصاد المصري.
وأضاف إمام في بيان له: "لقد طالب رئيس الجمهورية بتشجيع المبرمجين الذين يجتهدون ويعملون، ويحصلون على عملة صعبة، ثم يأتي بعض ضباط الأموال العامة الجدد ويخالفون توجّه الدولة من أجل قضايا تبدو سهلة عبر اتهام من يتعاملوا يحوزون العملة الأجنبية المعلومة المصدر للجميع كأنها من الممنوعات دون تدقيق أو حساب عواقب هذه القضايا".
وشهد الجنيه المصري انخفاضات حادة أمام الدولار خلال 2024، وتراوح سعر الجنيه المصري حول مستوى 51 جنيهاً لكل دولار بنهاية العام مسجِّلاً أدنى مستوى له في البنوك على الإطلاق.
"لقد طالب رئيس الجمهورية بتشجيع المبرمجين الذين يجتهدون ويعملون، ويحصلون على عملة صعبة، ثم يأتي ضباط الأموال العامة الجدد ويخالفون توجّه الدولة من أجل قضايا تبدو سهلة عبر اتهام من يتعاملوا يحوزون العملة الأجنبية المعلومة المصدر للجميع كأنها من الممنوعات دون تدقيق أو حساب عواقب هذه القضايا"
ويضيف إمام لرصيف22: "القبض على مبرمج مصري بسبب حيازته أموالاً أجنبية في منزله قضية تضر بالاقتصاد المصري ورسالة سلبية لأن الأجهزة لم تلق القبض على تاجر عملة معروف بل منشئ محتوى على الإنترنت وفي نشاط تعليمي هادف يُتيح له مصدر للدخل، فأين المشكلة؟".
ويرى النائب البرلماني أن تزامن إلقاء القبض على أبو زيد مع خبر ترشُّحه لجائزة المليار متابع الإماراتية لصُنّاع المحتوى، أثارت الكثير من الجدل في أوساط الشباب، وهو ما جعل الأمر يتخذ منحىً آخر "حتّى لو الشاب نفسه سقط في خطأ غير مقصود"، مشيراً إلى أن تضامنه مع أبو زيد "نابع من إيمان بموقفه القضائي السليم وخشية من تأثير ذلك على نشاط صُنّاع المحتوى في مصر، باعتبارهم مصدراً جديداً للعملة الصعبة في ظل أزمة النقد الأجنبي التي مرت بها مصر خلال السنوات الأخيرة".
وزاد عدد صُنّاع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة بشكل لافت، إذ وصل عدد صانعي المحتوى على فيسبوك ويوتيوب في مصر في خدمة البث المباشر إلى 18.4 ألف شخص خلال 24 ساعة وفق تقرير للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عام 2022. وخلال السنوات الماضية بدأ المئات من صُنّاع المحتوى في مصر التقدّم لفتح ملف ضريبي والتسجيل لدى مأمورية الضريبة على الدخل، وكذلك التسجيل لدى مأمورية القيمة المضافة حال زادت إيراداتهم عن 500 ألف جنيهاً مصرياً (نحو 10 آلاف دولاراً وفق سعر الصرف الآن).
بموجب هذه التحرّكات، يُطلب من "البلوغر" تقديم الإقرارات الضريبية السنوية خلال الفترة من الأول من كانون الثاني/يناير إلى نهاية آذار/مارس من كل عام، كما يُطلب من الشركات تقديم الإقرارات من الأول من كانون الثاني/يناير إلى نهاية نيسان/أبريل من كل عام، أو خلال الأشهر الأربعة التالية لنهاية السنة المالية.
وفي وقت سابق، أبلغت شركة "غوغل" صانعي المحتوى في مصر بأنه اعتباراً من الأول من أيار/مايو 2025 سترسل الشركة الدفعات للمقيمين في مصر بالعملة المحلية، ضمن خطتها لدفع العائدات بالعملات المحلية في مختلف دول العالم، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة الكثيرين من صُنّاع المحتوى في مصر في ظل تذبذب سعر العملة المحلية أمام الدولار خلال العامين الماضيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed Gomaa -
منذ ساعتينعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 4 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق