شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
يوصف بالـ

يوصف بالـ"مغلوب على أمره"... التمساح المصري مهدد بالصيد والانقراض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

السبت 18 يناير 202512:56 م

في بحيرة ناصر أثناء استقلالك مركب نيلي للاستمتاع بالطبيعة محاولًا الاسترخاء والاستمتاع بالمظهر الجمالي الخلاب وسط المياه، تشعر بالهدوء يُحيط بك من جميع الاتجاهات، لكن احذر ولا تقترب كثيرًا من المياه الضحلة حفاظًا على حياتك... فأنت في بحيرة التماسيح.

تتمركز التماسيح في مصر في بحيرة ناصر، وتحديدًا بمحافظة أسوان، ولكن مع التجارة غير الشرعية، وتربيتها في ظروف غير ملائمة لها، تضطر للهروب إلى مجرى نهر النيل لتظهر بين الحين والآخر في مناطق متفرقة في محافظات مصر. وعلى الرغم من كونها كائنات مفترسة، يعتبرها المهتمون بالبيئة "كائنًا مغلوبًا على أمره"، بينما يعتبرها الصياد عدو أكل عيشه. لذا، فأغلب محاولات قتل التماسيح بالسُم تكون على أيديهم، مما يُسبب خللًا في النظام البيئي. 

التمساح المصري

أماكن وجود التماسيح في مصر

عمرو عثمان، مدير وحدة إدارة التماسيح سابقًا في وزارة البيئة، يؤكد أنها تعيش وتتكاثر فقط في بحيرة ناصر خلف السد العالي، ولم يتم رصد أي تسلل للتماسيح طيلة فترة عمله من بحيرة ناصر إلى خلف السد العالي، نظرًا لصعوبة حدوث ذلك بسبب بوابات السد التي تمنع حدوث حالات تسلل أو هروب.

ولكن ظهورها في مناطق متفرقة في مجرى نهر النيل ليست حالات منفردة بسبب التجارة غير الشرعية. فسنويًا قد يظهر تمساح في مناطق مختلفة غير بحيرة ناصر، سواء في أسوان أو الأقصر أو حول القاهرة، أو حتى في سيوة. موضحًا أن من أهم أسباب هروب التماسيح إلى نهر النيل هو أساليب التربية غير الصحيحة، حيث تجد التماسيح نفسها في بيئة غير ملائمة لها، وحينما يفشل المُربي في الاعتناء بها، يقوم بالتخلص منها وإلقائها بعيدًا عن المنزل.

ويضيف، أن ما تم رصده من إعلانات تجارة وبيع للتماسيح وفيديوهات على شبكة الإنترنت، يؤكد أن التجارة غير الشرعية للتماسيح تزيد ولا تقل عن السابق. كما أن ما يُنشر من محتوى في هذه الفيديوهات عن تربية التماسيح وكيفية الاعتناء بها داخل أحواض في المنازل بواسطة "يوتيوبرز" أو "بلوجرز" هي معلومات مغلوطة بقصد حصد المشاهدات والأرباح. 

تعيش التماسيح المصرية وتتكاثر في بحيرة ناصر، ولم يتم رصد أي تسلل للتماسيح خلف السد العالي، نظرًا لصعوبة حدوث ذلك بسبب بوابات السد التي تمنع حدوث حالات تسلل أو هروب. ولكن ظهورها في مناطق متفرقة في مجرى نهر النيل ليست حالات منفردة، وهي بسبب التجارة غير الشرعية

يتابع عثمان: "لأسباب غير معروفة، ليس هناك أي دراسات حديثة أُجريت على التماسيح، بينما أُجريت الدراسات والأبحاث العلمية القديمة في السنوات الماضية نتيجة وجود عدة برامج ممولة بمشاركة العديد من الجهات وليست جهة واحدة، مما ساعد في الخروج بأفضل الأبحاث التي تضم أبرز المعلومات عن تطور التماسيح وأعدادها". 

بدء تربية التماسيح منذ عام 1996

علاقة نصر الدين عبد الستار، الشهير بعم ناصر، بدأت مع التماسيح منذ عام 1996 في منزله في قرية غرب سهيل في أسوان، حيث أتى بتمساح صغير إلى منزله ووضعه داخل حوض صغير المساحة، خاصة مع بدء توافد السياح إلى المحافظة السياحية وزيارة المنازل على ضفاف نهر النيل.

يحكي "عم ناصر" عن بدء علاقة أهل غرب سهيل بالتماسيح قديمًا، قائلًا: "كان أجدادنا يحكون لنا أن التماسيح قبل السد العالي كانت منتشرة على ضفاف نهر النيل، حتى أنها كانت تأتي بالقرب من المنازل في المياه، وتُفزع السيدات أثناء غسل الأواني أو جلب المياه من النيل، حيث تخرج عليهن فجأة وسط الزراعات والنخيل والصخور. كما كانت التماسيح الصغيرة تظهر للصيادين في شباك الصيد ويأخذونها إلى منازلهم، ويضعون التماسيح المُحنطة في البازارات السياحية، ومن هنا بدأت تربية التماسيح في المنازل". 

عم ناصر: "كان أجدادنا يحكون لنا أن التماسيح قبل السد العالي كانت منتشرة على ضفاف نهر النيل، فكانت تأتي بالقرب من المنازل، وتُفزع السيدات أثناء غسل الأواني أو جلب المياه من النيل". 

ويُوضح: "تبدأ مواعيد فقس بيض التماسيح في شهر أيار/ مايو، لذا أفضل فترة للحصول على تمساح صغير بين شهر تموز/ يوليو وشهرآب/ أغسطس، ثم يُوضع في حوض صغير الحجم. مع زيادة حجمه يتم وضعه في حوض أكبر، ينشئ على أرض مساحتها متر في مترين حسب حجم وطول التمساح، وفي حالة زيادة الحجم يتم إعادته مرة أخرى لبحيرة ناصر".

التماسيح لا تأكل في الشتاء

تعلّم عم ناصر تربية التماسيح  منذ سنوات طويلة. كان يُطعمها السمك الصغير ويزيد حجم السمك مع زيادة حجم التمساح. ومن المعروف عن التمساح تناوله الطعام فقط مرتين أو ثلاث أسبوعيًا، ولا يتناول الطعام في فصل الشتاء نهائيًا كما تُصبح حركته ضعيفة للغاية. وعند موت التمساح، يتم تحنيطه وسلخ جلده ووضعه أمام المنزل، أو بيعه بأسعار رمزية لمن يريده من أهالي غرب سهيل أو المناطق المجاورة، وسعره يتراوح من 400 أو 500 جنيهًا ولا يتعدى الألف جنيه (من 10 إلى 20 دولار).

وعن خطورة تربية التماسيح في المنازل يقول: "ليس هناك خطورة في تربية التمساح في المنزل في حالة التعامل معه بحذر شديد. ودائمًا أؤكد على أبنائي عدم التعامل مع التماسيح نهائيًا في حالة عدم وجودي في المنزل حفاظًا على سلامتهم. وعندما يأتي السياح إلى منزلي لالتقاط الصور التذكارية مع التماسيح أكون برفقتهم"، مُشيرًا إلى أن احتمالية حدوث هجوم من التمساح واردة، لكن يمنع أي سائح من الاقتراب من التمساح الكبير، خاصة الأطفال الصغار.

التمساح المصري

المنزل تحول إلى مزار سياحي

توارث يوسف محمد أحمد تربية التماسيح في غرب سهيل من والده وأجداده. منذ سنوات طويلة، فقد جلب والده تمساحًا صغيرًا إلى المنزل، تم وضعه في حوض صغير، واعتاد أهل المنزل على رؤيته، كما اعتادوا على رؤية السياح في المنزل لرؤية التمساح والتقاط الصور التذكارية معه. وعلى مدار سنوات تحول المنزل إلى مزار سياحي.

يقول: "رؤيتي للتماسيح بشكل متكرر لجعلها فكرة مألوفة بالنسبة لي، كما تعلمت طرق تربية التماسيح في المنزل ومواعيد تناولها الأسماك بأحجامها المختلفة وطرق التعامل معها والإمساك بها خلال سنوات التربية. فمع مرور الوقت يُصبح التمساح أليفًا ولا يؤذي أي شخص".

التمساح المصري

الصيادون يُسممون التماسيح

يقول هيثم فهمي، المهتم برصد وتصوير الطيور والكائنات المفترسة، إن بعض السياح يفضلون الجولات النيلية داخل بحيرة ناصر، ومنها إلى معبد أبو سمبل، مرورًا بمزارات سياحية أخرى تبدأ من السد العالي. هذه الرحلة تستغرق قرابة يومين أو ثلاثة كحد أقصى في بحيرة ناصر، التي تصل مساحتها لنحو 300 كم.

ويتهم بعض الصيادين بقتل التماسيح الصغيرة والمتوسطة أثناء التصاقها في شباك الصيد، مُسببة لهم تمزق شباك الصيد. ليكون الحل الأسهل هو الخلاص منها حفاظًا على الشباك من ناحية، وزيادة فرصة صيد الأسماك وتفريغ المنطقة من التماسيح من ناحية أخرى.

ويؤكد أن التماسيح في الغالب تتواجد في المياه الضحلة، لذا فمن يريد صيد التماسيح أو مشاهدتها يستقل "الفلوكة" بعيدًا عن أعماق بحيرة ناصر ويتجه نحو المياه الضحلة البعيدة وسط الزراعات. واصفًا التمساح بأنه كائن مغلوب على أمره، قليل الحركة، يتخفى دائمًا ويظل بعيدًا عن أعين البشر، لكن الصيادين يذهبون إليه برغبتهم.

العمر الافتراضي للتمساح

يؤكد الدكتور إكرام الأباصيري، مدير عام محميات المنطقة الجنوبية في جهاز شؤون البيئة، على وجهة نظر مدير وحدة إدارة التماسيح سابقًا، بأن وجود السد العالي يمنع نهائيًا حدوث تسلل للتماسيح خلف السد. وظهور حالات بشكل منفرد في مجرى نهر النيل هو نتيجة التجارة غير الشرعية. وعلى الرغم من ذلك، قد يتم ترويج شائعات عن وجود تمساح في منطقة معينة نظرًا لتشابه الشكل مع جذع الشجرة ويُهيأ للشخص أنه تمساح يتحرك في الماء. 

يقوم بعض الصيادين بقتل التماسيح الصغيرة والمتوسطة أثناء التصاقها في شباك الصيد وتمزيقه، ليكون الحل الأسهل هو الخلاص منها حفاظًا على الشباك من ناحية، وزيادة فرصة صيد الأسماك وتفريغ المنطقة من التماسيح من ناحية أخرى 

يوضح في حديثه لرصيف22 أن أبرز أنواع التماسيح هو التمساح النيلي الموجود في بحيرة ناصر فقط في مصر. ويُصنف من علماء الطبيعة بأنه أكثر التماسيح شراسة في العالم. ويبيض التمساح من 25 إلى 30 بيضة يقوم بدفنها في الشواطئ الرملية، ويصل منها إلى مرحلة النضوج فقط اثنان أو ثلاثة. وقد يصل طوله مع البلوغ لنحو 5 أمتار، بينما يبلغ عمره الافتراضي 80 عامًا في حالة توفر الظروف الملائمة لتربيته.

ويؤكد أن التماسيح لا تؤثر على الثروة السمكية في بحيرة ناصر مثلما يتهم البعض. فالتماسيح تأكل كل ثلاثة أيام فقط من 7 إلى 8 كيلوغرامات من الأسماك، كما تتناول الأوراق والمواد البلاستيكية من الماء، لذا يُسمى بـ"كناس الماء"، وهو كائن لا يؤثر على نسبة الثروة السمكية على الإطلاق. معبرًا: "اللي يفشل في إدارة الثروة السمكية يعلقها على شماعة التماسيح". متهمًا بعض الصيادين بسرقة أعشاش بيض التماسيح، وبالتالي التسبب بفساد البيض، فضلًا عن سرقة التماسيح الصغيرة وقتل البعض الآخر باستخدام السُم أو الصنارة، في محاولة من الصياد لتفريغ منطقة الصيد الخاصة به.

التمساح المصري

حمايتها من الانقراض

التماسيح في مصر من الأنواع المهددة بالانقراض. ولكن بعد توقيع مصر على اتفاقية سايتس، تم السماح بإقامة مزارع إنتاج وتربية التماسيح بشكل مُنظم. لكن مزارع التماسيح مُكلفة للغاية وتستغرق الكثير من الوقت لحين تنفيذها، والدخل الخاص بها ليس لحظيًا، لكنه على مدار سنوات قد يُحدث دخلًا اقتصاديًا.

يقول الأباصيري لرصيف22 إن جهاز شؤون البيئة يرصد الأعمال المخالفة ضد التماسيح ويتم تنفيذ حملات ضبط بشكل دوري للأعمال غير الشرعية. وفي حالة كان التمساح بحالة جيدة يتم إعادته للبحيرة، وفي حالة تم تحنيط التمساح يتم أخذه ووضعه في متحف المحميات، مع تحرير محاضر رسمية للمخالف يترتب عليها غرامات قد تصل إلى نصف مليون جنيه (10 آلاف دولار) وأحيانًا عقوبة الحبس. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image