شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل تعني انتصارات الجيش الأخيرة قرب انتهاء الحرب في السودان؟

هل تعني انتصارات الجيش الأخيرة قرب انتهاء الحرب في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الجمعة 17 يناير 202506:14 م

توشك الحرب في السودان على دخول عامها الثالث، بينما تتوالى الأخبار عن انتصارات متلاحقة يحقّقها الجيش السوداني في سياق المعارك على الأرض واستعادة مناطق رئيسية خاصةً خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تحوّل من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم والمبادرة.

تمكّن الجيش من استعادة السيطرة أخيراً، على مدينة "ود مدني"، عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان، من قبضة الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي". رافقت الاستعادة هذه احتفالات داخل السودان وخارجه، وسط تفاؤل باقتراب نهاية الحرب، مع آمال بعودة ملايين النازحين والمشرّدين إلى منازلهم.

تزامنت هذه التطوّرات مع فرض الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ومن قبله على حميدتي، وهو ما يفسّره محللون ومراقبون برغبة واشنطن في الضغط لأجل إنهاء الصراع وإظهار الوقوف على مسافة واحدة من طرفَي الحرب.

في هذا التقرير، نحاول الإجابة عن السؤال الملح: هل بالفعل اقتربت الحرب في السودان من نهايتها؟ وإلى أيّ مدى تخدم انتصارات الجيش الأخيرة بلوغ هذه الغاية؟

بين من يراها "إستراتيجيةً"، ومن يتخوّف من "التضخيم والحرب الإعلامية"... كيف يمكن تقييم الانتصارات الأخيرة التي حقّقها الجيش السوداني باستعادة ود مدني، ومناطق حيوية أخرى، في سياق إنهاء الصراع الذي يوشك أن يدخل عامه الثالث؟

الجيش يتقدّم والدعم السريع يعترف

حتى كتابة هذه السطور، وُصفت استعادة السيطرة على "ود مدني"، بأنّها "الانتصار الأكبر" للجيش منذ بداية الحرب منتصف نيسان/ أبريل 2023. أعلن الجيش، في بيان رسمي، في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، نجاح قواته في دخول المدينة وتمشيطها للتأكد من خلوّها من عناصر الدعم السريع.

الانتصار قُوبل بحفاوة بالغة، خاصةً أنّ مدينة ود مدني، تُمثّل أهميةً إستراتيجيةً كبيرةً، حيث تربط بين خمس ولايات سودانية، وتتمتّع بمكانة اقتصادية وفيها مشروع الجزيرة الزراعي الشهير، كما أنها عاصمة ولاية الجزيرة، وتُصنّف ثانية كبرى المدن السودانية من حيث الكثافة السكانية، وتُعدّ أقربها إلى العاصمة الخرطوم.

على الجهة الأخرى، أقرّ حميدتي، بهزيمة قواته في ود مدني، التي كانت قواته تسيطر عليها منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، قائلاً: "الحرب جولات. خسرنا جولةً، ولكن لم نخسر المعركة"، معلناً استعداده لمحاربة الجيش لمدة 21 عاماً وليس 21 شهراً، في إشارة إلى المدة التي انقضت منذ بداية الحرب.

حالياً، يسيطر الجيش السوداني على ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف والشمالية وسنار بالكامل، وعلى نحو 90% من ولاية نهر النيل. وفي الناحية الأخرى، تسيطر قوات الدعم السريع على نحو 6 ولايات، معظمها في إقليم دارفور، في الوقت الذي يتقاسم فيه الطرفان المتحاربان السيطرة على العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان.

وواصل الجيش انتصاراته بإعلانه السيطرة على مدينة تمبول، المهمة في ولاية الجزيرة، التي تضم أكبر سوق للماشية وتجارة الإبل، ضمن مساعيه للسيطرة الكاملة على الولاية، فيما أعلنت القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش، السيطرة على مدينة أم روابة في شمال كردفان، والتي تبعد نحو 300 كيلومتر عن العاصمة الخرطوم.

مجازر وانتهاكات مروّعة

وفي محور جنوب الخرطوم، أحرز الجيش السوداني تقدّماً ملموساً حيث استردّ سلاح المدرعات بعض المواقع المهمة، وأبرزها مجمع الروّاد السكني، في الوقت الذي يستعد فيه لمهاجمة بعض المدن جنوب الخرطوم، مثل جبل الأولياء والكلاكلة. بالتزامن، أعلنت "شبكة أطباء السودان"، أنّ قوات الدعم السريع، ارتكبت مجزرةً جديدةً في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث قصفت مخيم زمزم للنازحين، ما تسبب في مقتل 16 شخصاً بينهم أطفال ونساء وكبار في السنّ، مع إصابة أكثر من 40 آخرين بعضهم في حالة خطرة.

كما تحدّث ناشطون سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الأخيرة، عن "مقتل 22 من المدنيين بينهم نساء وأطفال، جرّاء هجوم قوات الدعم السريع على قرية الخيران في ولاية الجزيرة، وتهجير كامل لسكان القرية واعتداءات واسعة بما في ذلك نهب ممتلكات خاصة".

لكن اتهامات بارتكاب جرائم مروعة طالت الجيش أيضاً والقوات المتحالفة معه، وفي مقدمتها "الحركة الإسلامية" و"ميليشيا البراء بن مالك"، بما في ذلك جرائم قتل وتصفية جسدية لأشخاص مشتبه في انتمائهم إلى الدعم السريع دون محاكمة عادلة.

وفي الوقت الذي خرج فيه كثيرون تهليلاً لانتصار الجيش، شهدت منطقة دار السلام في مدينة أم درمان، "مجرزةً" مروعةً، حيث أفاد مسعفون سودانيون، في بيان، بأنّ أكثر من 120 شخصاً من المدنيين قُتلوا في قصف مكثف على المدينة التابعة لإقليم العاصمة الخرطوم الكبرى، والواقعة تحت سيطرة الجيش، دون تحديد الجهة الضالعة في القصف. وتحدثت "غرفة طوارئ أمبدة"، وهي جزء من شبكة متطوعين في مجال الإنقاذ والاستجابة الإغاثية في البلاد، عن شُحّ كبير في الإمدادات الطبية المتعلقة بأدوية الإسعافات الأولية، مع وجود عدد كبير من المصابين الذين تتفاوت درجات إصابتهم.

وفيما تحتدم المعارك حيث يسيطر الجيش على معظم أجزاء أم درمان، وتسيطر قوات الدعم السريع على الخرطوم بحري وأجزاء من منطقة الخرطوم الكبرى، يتبادل الطرفان على حد سواء الاتهامات لبعضهما باستهداف المدنيين، بما في ذلك العاملين في المجال الصحي، واستهداف المناطق السكنية بقصف عشوائي.

"انتصار إستراتيجي"

إلى ذلك، ترى أستاذة القانون الدستوري في جامعة النيلين، زُحل الأمين، أنّ انتصار الجيش في مدينة ود مدني، هو "انتصار إستراتيجي"؛ كون ولاية الجزيرة تمتد على مساحات واسعة، مأهولة بعدد كبير من السكان، كما كان قد نَزح إليها نحو 5 ملايين سوداني بعد سيطرة الدعم السريع على العاصمة الخرطوم في بداية الحرب، بالإضافة إلى أنّها تُعدّ منطقةً اقتصاديةً غنيةً بالموارد الطبيعية وبمساحات كبيرة للزراعة، والحرب أكسبتها زخماً وأهميةً كبيرةً.

وُتفسر الأمين، في حديثها إلى رصيف22، حالة البهجة والسعادة التي سيطرت على غالبية السودانيين بانتصار الجيش، قائلةً إنّ سببها يرجع إلى "الجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين"، في الولاية ومُعظم مدن البلاد التي دخلتها، من سرقة للممتلكات إلى التهجير القسري، فالاغتصاب والترويع والتجويع وغيرها.

وفيما تشير الأكاديمية السودانية إلى أنّ الجيش يحرز تقدماً ملموساً في الآونة الأخيرة، وسيطر على سلسلة جبال البكاش شمالي الخرطوم بحري، وهي أحد أضلاع العاصمة السودانية المثلثة، إلى جانب مدينة الخرطوم التي تقع في الجنوب ومدينة أم درمان التي تقع في الغرب، فإنّه يخوض قتالاً شرساً لاستعادة مصفاة الجيلي شمالي مدينة الخرطوم، والتي إن أَحكم السيطرة عليها، فسيصبح على بُعد خطوات قليلة من حسم معركة وسط السودان لصالحه، ومن ثمّ الاستعداد لدفع الحرب باتجاه غرب السودان، حيث يُسيطر الدعم السريع على غالبية المدن، ولا تزال لديه الهيمنة على مساحات واسعة.

يتفق المتحدث باسم الخارجية السودانية سابقاً، العبيد مروح، مع الأمين، في أنه على الرغم من انتصارات الجيش الأخيرة، إلا أنّ قوات الدعم السريع لا تزال تسيطر على ولايات عدة، بينها أربع من خمس ولايات في دارفور، ومناطق حيوية عدة في العاصمة الخرطوم، بما في ذلك مقرّ القصر الجمهوري ورئاسة الوزراء، مشيراً إلى أنّ "نهاية الحرب في وقت قريب تبدو لي أمراً مُستبعداً في الوقت الحالي".

تحذّر عبد السلام، من "خطر حقيقي على المدنيين، لا سيّما النازحين في بورتسودان شرقي البلاد، الذين تلقّوا دعوات للعودة من جديد إلى ولاية الجزيرة، في الوقت الذي لا يزال فيه الوضع الأمني غير مستقر، بل إنّ بعض عناصر الدعم السريع يمارسون 'عمليات انتقاميةً' بحق المدنيين"

معركة الحسم

ويعتقد مروح، وفق حديثه إلى رصيف22، أنّ معركة منطقة مصفاة الجيلي، التي تُعدّ أكبر مصفاة للنفط في البلاد، ستُشكل محطةً فارقةً في مسار الحرب الدائرة، حيث يحاول الجيش حالياً استعادتها من الدعم السريع، والذي قد يتعرض مقاتلوه لـ"هزيمة نفسية كبيرة"، حال خسارة هذه المنطقة الغنية بالنفط، ومن ثمّ قد ينشقّ كثيرون منهم عن صفّ حميدتي، خاصةً أن خسارة هذه المنطقة تعني اقتراب فقدان العاصمة التي هي "مفتاح القوة" للدعم السريع، على حد وصفه.

ومنذ بداية الحرب، كانت مصفاة الجيلي والمنطقة المحيطة بها ساحةً لسلسلة معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ تقع هذه المصفاة في منطقة الجيلي التاريخية، وتبعد نحو 70 كيلومتراً شمالي مدينة الخرطوم بحري. وقد توقّفت عن العمل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بسبب الحرب، وأعقب ذلك توقّف الإنتاج في عدد من الحقول البترولية المغذية للمصفاة على غرار حقل بليلة في ولاية غرب كردفان.

وتعود أهميتها إلى كونها مُصمّمةً بطاقة 100 ألف برميل في اليوم، من الديزل والبنزين وغاز الطهي، بالإضافة إلى أنها توفّر نحو 45% من احتياجات البلاد من المنتجات النفطية، وتخضع لشراكة بين حكومة السودان والشركة الوطنية للبترول الصينية.

حميدتي و"القبول الدولي"

وينبّه الدبلوماسي السوداني، مروح، إلى أنّ "المجتمعَين الإقليمي والدولي باتا مقتنعين بأن الدعم السريع لا مستقبل له لا عسكرياً ولا سياسياً"، مشيراً إلى أنّ العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد حميدتي، وأبرز قادة قواته، تُمثّل مؤشراً واضحاً على الرفض الدولي لأي تمثيل سياسي في الفترة المقبلة، حتّى أنّ القوى الإقليمية –لم يُسمِّها- التي دعمته منذ بداية الحرب تُجري مراجعات جديدةً لموقفها إزاء الحرب في السودان. جدير بالذكر أن العقوبات الأمريكية بحق البرهان لم تكن قد أُعلنت في أثناء تواصلنا مع مروح.

ويستبعد مروح، إمكانية تقاسم السلطة أو تقسيم البلاد بين طرفَي الحرب، مؤكداً أنّ الحرب التي يخوضها الدعم السريع مختلفة عن جميع حروب حركات التمرد السابقة في السودان، سواء حرب الجنوب أو حرب دارفور، والتي لم تستهدف المواطن المدني، أو تقتات على ممتلكاته، على عكس الدعم السريع الذي ارتكب جرائم لا حَصر لها بحق السودانيين.

ويسترسل بأنّ حميدتي قد يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، خاصةً مع تزايد تحذيرات المنظمات الإنسانية والأممية من تدهور الأوضاع الإنسانية والصحية في السودان، واستمرار نزوح الملايين من أماكنهم، بالإضافة إلى أنّ غالبية المجتمع السوداني ترفض أي تمثيل للدعم السريع في السلطة المقبلة.

و"هناك احتقان كبير إزاء حميدتي وقواته، والتي بلغ بها الأمر حد عرقلة وصول المساعدات الغذائية إلى ملايين النازحين، والاستيلاء على تلك المساعدات في الكثير من المناطق"، على حد قوله. يُشار في هذا السياق، إلى أنّ اتهامات مماثلةً وُجّهت إلى الجيش السوداني و/ أو جماعات مسلحة متحالفة معه من قبل منظمات دولية وحقوقية آخرها "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها السنوي لعام 2025.

"الجيش يُوظف السوشال ميديا والإعلام"

على النقيض مما سبق، ترى الحقوقية والناشطة السودانية، ميسون عبد السلام، أنّ الجيش يُوظف منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام لـ"تضخيم انتصاراته"، مشيرةً إلى أنّ مدينة "ود مدني"، التي أعلن الجيش استعادتها، شهدت ظهور أكثر من 200 سيارة ومركبة تابعة للدعم السريع، عادّةً أنّ حميدتي وقواته لا تزال لديهما اليد العليا، سواء في وسط السودان أو غربه، بفضل الاعتماد المتزايد على الطائرات المُسيّرة.

تواصل الحقوقية السودانية، حديثها إلى رصيف22، قائلةً إنّ "حرباً إعلاميةً" تدور حالياً بين الطرفين، حيث يحاول الجيش الاستفادة من أخطائه في بداية الحرب على مستوى الإعلام، وذلك عن طريق حشد المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي وكذلك القنوات الإعلامية، لتصوير انتصاراته على أنها مؤشر على اقتراب نهاية الحرب، "لكن الحقيقة عكس ذلك ونهاية الحرب لا تزال بعيدةً، ومناطق عدة تشهد تبادل السيطرة بين الطرفين".

وتحذّر عبد السلام، من "خطر حقيقي على المدنيين، لا سيّما النازحين في بورتسودان شرقي البلاد، الذين تلقّوا دعوات للعودة من جديد إلى ولاية الجزيرة، في الوقت الذي لا يزال فيه الوضع الأمني غير مستقر، بل إنّ بعض عناصر الدعم السريع يمارسون 'عمليات انتقامية' بحق المدنيين".

الملايين يعيشون على "التكايا"

وبعيداً عن صوت البنادق، تؤكد الحقوقية السودانية، أنّ الوضع الإنساني في السودان بلغ حداً كارثياً في غالبية المدن حيث الأمن الغذائي غائب، ويعيش ملايين النازحين على "التكايا" الخيرية، وينحصر مأكلهم في وجبة من العدس أو الفول، مشيرةً إلى أنّ الجيش والدعم السريع على السواء لا يتعاونان في إيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين.

تضيف عبد السلام: "الوضع الصحي أكثر خطورةً، وأوبئة عدة انتشرت بين النازحين، وبعض مناطق القتال تشهد جثثاً مُتراميةً على الطرقات تنهشها الكلاب الضالة"، مردفةً أنّ غالبية المنشآت الصحية في السودان إما مُعطلة وخارج الخدمة، أو لا تحتوي على الأدوية والمستلزمات الطبية، واصفةً الأمر بأنّه "أشبه بالجحيم".

يتوقع المتخصص في الشأن الإفريقي، أنّ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، المُنتظر في غزّة، قد يكون له تأثير إيجابي على المسألة السودانية.

"الحرب لا تزال سِجالاً"

ولا تختلف الصحافية المتخصصة في الشؤون السودانية، أسماء الحسيني، مع ما تقوله عبد السلام، إذ تشدّد على أنّ الوضع الإنساني في السودان بات "بائساً إلى أقصى حَد ممكن، حتى أنّ بعض المواطنين يأكلون أوراق الأشجار ويشربون المياه الملوّثة"، من شِدة الأزمة، في الوقت الذي يرفض فيه أطراف القتال وقف نزيف الدماء، والاستماع إلى صوت العقل، ويسعون لتحقيق المكاسب على حساب الشعب السوداني.

وتشير الحسيني، لرصيف22، إلى أنّ الحرب لا تزال "سِجالاً" بين الجيش والدعم السريع، والخاسر الأكبر هو الشعب السوداني، حيث يعيش 25 مليون سوداني في خطر المجاعة، مؤكدةً أنّ التجربة السابقة في كل الحروب التي شهدها السودان تُثبت أن "الحوار والتفاوض" هما الحَل الوحيد للوصول إلى تسوية، خاصةً أنّ الحروب باتت أكثر تعقيداً.

وتصف مديرة تحرير صحيفة "الأهرام"، المرحلة المقبلة بـ"الضبابية"، مردفةً: "لا تبدو ملامح واضحة لتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، مع الأزمة السودانية. وهناك بعض القوى الداخلية التي لا ترغب في انتهاء الحرب، على غرار أنصار الرئيس السابق عمر البشير، الذين يَعلمون أنّ وقف الحرب دون أن يكون لهم موطئ قدم في المرحلة المقبلة، يعني خروجهم من المشهد السوداني بلا رجعة".

"المعادلة الصفرية"

بدوره، يشير الخبير في الشؤون الإفريقية، رمضان قرني، إلى أنّ انتهاء الحرب في وقت قريب، لا يبدو منطقياً، مفسّراً ذلك باستمرار سيطرة الدعم السريع على مناطق حيوية عدة في السودان، والحضور القوي في الخرطوم ودارفور، حيث يُحاصر مدينة الفاشر المهمة، معتبراً أنّ الحديث عن انتصار الجيش السوداني في الحرب سابق لأوانه، وطالما استمر وجود حميدتي وقواته في الخرطوم، فالحرب مفتوحة على كل الاحتمالات المُمكنة.

يرى الخبير في الشأن الإفريقي، أنّ "قرار العقوبات جاء متأخراً للغاية وبعد نحو 21 شهراً على بداية الحرب، ويمكن حصرها في محاولة تجميل وجه الإدارة الأمريكية الراحلة بقيادة جو بايدن، ومن جانب آخر يمكن رؤيتها باعتبارها عقوبات رمزيةً وغير فِعلية"، مستبعداً أن تسهم في وقف الحرب في السودان

"المعادلة الصفرية لا تزال قائمةً، وكل طرف يتمسّك بتحقيق انتصار ساحق"، بهذا ينبّه قرني، خلال حديثه إلى رصيف22، إلى وجود عقبة كبيرة تقف أمام انتهاء الحرب، معتبراً أنّ "إهمال الولايات المتحدة والقوى الدولية للحرب في السودان على مدار الشهور الماضية، لحساب التركيز على الحرب على غزّة وأوكرانيا، حيث تنحاز في الأولى لإسرائيل وفي الثانية لأوكرانيا، كان له أثر بالغ في اتساع رقعة الصراع في السودان ودخول البلاد النفق المُظلم، مع أوضاع اقتصادية وإنسانية كارثية".

اتفاق غزّة والحرب السودانية

وعليه، يتوقع المتخصص في الشأن الإفريقي، أنّ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، المُنتظر في غزّة، قد يكون له تأثير إيجابي على المسألة السودانية، عبر تحويل الأنظار إلى ما يشهده السودان من وضع مأزوم، معتبراً أنّ واشنطن بيدها مفاتيح الحل، لكنها لن تنخرط في الصراع بشكل كبير، وقد تدفع في حقبة الرئيس ترامب، بعض القوى الإقليمية كمصر والسعودية والإمارات وتركيا، للعب دور أكبر في وقف الحرب في السودان.

"قرار العقوبات جاء متأخراً للغاية، وبعد نحو 21 شهراً على بداية الحرب، ويمكن حصرها في محاولة لتجميل وجه الإدارة الأمريكية الراحلة بقيادة جو بايدن، ومن جانب آخر يمُكن رؤيتها باعتبارها عقوبات رمزية وغير فِعلية"، هكذا يشير قرني إلى العقوبات الأمريكية الأخيرة على حميدتي، عادّاً أنّ واشنطن سبق لها أن وقعت عقوبات على أشقاء حميدتي، وكذلك على بعض قيادات الجيش والحكومة السودانية السابقة، ولم يكن لها أي تأثير في وقف الحرب. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه تم التواصل مع قرني أيضاً قبل إعلان العقوبات بحق البرهان.

وأعلنت الإدارة الأمريكية، هذا الشهر، عقوبات على كل من حميدتي والبرهان ومورّدي الأسلحة لكل منهما، وهو ما عدّه مراقبون تحرّكاً متأخراً يهدف إلى "حفظ ماء الوجه" لواشنطن، بعد شهور طويلة من تجاهل معاناة المدنيين السودانيين.

مع ذلك، لا يتوقع أن تكون هذه العقوبات مؤثرةً إلى حد كبير في مسار الحرب، بما في ذلك على حميدتي، حيث يقول قرني إنها لن تجعله يرفع "الراية البيضاء" حيث يحتفظ بقنوات تواصل مع واشنطن، والعقوبات "لا تبدو صارمةً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image