شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هل تصبح ولاية الجزيرة مسرحاً جديداً لانتهاكات الدعم السريع؟

هل تصبح ولاية الجزيرة مسرحاً جديداً لانتهاكات الدعم السريع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والمشرّدون

الأحد 14 أبريل 202405:40 م

مع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم نزح غالبية السكان إلى ولاية الجزيرة، هرباً من نيران الحرب، لكن أبت المعاناة إلا اللحاق بهم، حين استولت قوات الدعم على مدينة ود مدني حاضرة الولاية، وتوغلت لاحقاً في محلياتها وقراها تمارس نفس الانتهاكات التي مارستها بحق سكان العاصمة. ليعاني النازحون للمرة الثانية من آلام الحرب، وليشاركهم أهل الجزيرة تلك المعاناة للمرة الأولى. ولتتعرض قرى في الولاية لعمليات تهجير قسري على يد قوات الدعم، ويجبر الآلاف على الفرار من قرية إلى أخرى.

فما هي أهداف الدعم من إجبار السكان على ترك قراهم؟ وهل وراء ذلك أهداف عسكرية؟ هذا ما يبحثه تقرير رصيف22 المدعوم بشهادات من مواطنين في قرى اقتحمتها قوات الدعم السريع.

الدعم يقتحم القرى

تشهد قرى ولاية الجزيرة انتهاكات واسعة منذ سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، شملت اقتحامات واعتقالات وانتهاكات جسدية بحق المواطنين، ووثقت العديد من مقاطع الفيديو والتقارير الصحفية وتقارير منظمات عاملة في المجال الإنساني ذلك.

من جانبها، تستمر قوات الدعم السريع في تكرار النفي المعتاد لأي انتهاكات منسوبة إليها، مع اتّهام مندسين يرتدون زيها بالمسؤولية، إلى جانب وعودها بالتحقيق والمحاسبة، وهو الأمر الذي لم يتحقق في ظل استمرار الأعمال العدائية ضد المواطنين/ات. 

مع استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني وقراها، عانى من نزحوا إليها من الخرطوم للمرة الثانية، وليشاركهم أهل الجزيرة هذه المعاناة للمرة الأولى. فتعرضت قرى الولاية لعمليات تهجير قسري على يد القوات، وأجبر الآلاف على الفرار من قرية إلى أخرى

أحدث تلك الاعتداءات ما شهدته وتشهده قرية "أم عضام" التابعة لمحلية الحصاحيصا وتبعد 120 كم عن الخرطوم، وتهاجمها قوات الدعم منذ السادس من نيسان/أبريل الجاري. وقد اتهم بيان اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان قوات الدعم بارتكاب ما وصفه بـ"المجزرة" التي راح ضحيتها 28 قتيلاً وأكثر من 240 مصاباً في القرية.

وأكدت لجان مقاومة الحصاحيصا عبر صفحتها على "فيسبوك" تجدد هجوم قوات الدعم على قرى ود الأمين بالحلوين والفقراء مطلع الشهر الجاري، كما أُجبر السكان على مغادرة مساكنهم.

رصيف22 حصل على العديد من الشهادات من مواطنين في قرى ولاية الجزيرة، ممن تعرضوا لانتهاكات على يد قوات الدعم، وفق حديثهم. وبحسب تقديرات أولية اقتحمت قوات الدعم السريع عشرات القرى منذ مطلع شباط/فبراير الماضي، مستغلة تعطل خدمات الاتصالات، وكانت البداية بقرى محلية الحصاحيصا، ومنها أم سيالة والقيزان وصراصر وود بهاي وطابت. ويقدر ناشطون تجاوز عدد النازحين جراء ذلك 100 ألف مواطن. 

شاهد عيان: "قوات الدعم يهاجمون القرية الواحدة عدة مرات في اليوم وينشرون الرعب لإجبار السكان على النزوح، كي يتمكنوا من نهب كافة المنازل والمحاصيل الزراعية". 

يقول المهندس سامي دكين لرصيف22: "في صباح العشرين من شباط/ فبراير الماضي، داهمت قوات الدعم السريع منطقتنا وهي قرية مريود مسببة حالة من الهلع والذعر وسط الجميع وخصوصاً الأطفال والنساء، نتيجة إطلاق النار العشوائي الذي أوقع قتيلًا ومصابين".

ويتابع أنّه مع وصول أخبار عن مداهمة قوات الدعم للقرى المجاورة وتعرضها للنهب، قام شباب القرية بفتح قنوات الري كإجراء احترازي لحماية القرية، لكن الأخيرة أجبرت العديد من شبان القرى التي دخلتها على ردم القنوات لفتح ممرات دخلت من خلالها لقريتنا وقرى أخرى.  

ويقول المهندس دكين أنّ الدعم اقتحم قرى (ود بليل وفطيس وفرج الله وأبو طليح) في منتصف شباط/فبراير الماضي، وبعدها بأيام قرى (تنوب وقوز النور وشادلي ود حسين). 

وبعد اقتحام "مريود" اضطر نحو ألفي من سكانها إلى النزوح في مجموعات سيراً على الأقدام لمسافة تبلغ نحو 10 كم نحو قرية "قوز أحمد نور"، والتي تعرضت للمداهمة هي الأخرى. نزح سكان مريود ثلاث مرات بسبب اقتحام قوات الدعم للقرى في المنطقة، وخلال ذلك فقدوا خمسة من كبار السن والأطفال، وتشتت بعض العائلات.

معاناة المرأة

تكررت الانتهاكات نفسها في قرية "تندب" المجاورة، التي هاجمها الدعم السريع مجبرين سكانها على الفرار تحت تهديد إطلاق الأعيرة النارية. يحكي المواطن أحمد علي، بأنّ قوات الدعم يهاجمون القرية الواحدة عدة مرات في اليوم وينشرون الرعب لإجبار السكان على النزوح، كي يتمكنوا من نهب كافة المنازل والمحاصيل الزراعية. ويقدر لرصيف22 عدد القرى التي تعرضت للاقتحام بنحو 137 قرية حتى تاريخ الشهر الماضي. 

وتزيد معاناة النزوح على الفئات الأضعف من كبار السن والأطفال والنساء الحوامل. تقول مواطنة نازحة من الخرطوم، طلبت حجب اسمها، أنّها استقرت في إحدى القرى لعدم قدرة أسرتها على تحمل المعيشة في مدينة ود مدني. وتضيف أنّ قوات الدعم اقتحمت قريتها للمرة الأولى مطلع شباط الماضي محدثين حالة من الرعب دفعت بالسكان للنزوح.

وتحكي لرصيف22 أنّ النازحين ساروا لأكثر من ساعة دون توقف خوفاً من ملاحقة الدعم السريع، وفي منتصف الطريق أُصيبت بالإغماء، وداخل مستشفى الحداد التي نُقلت إليها شاهدت ثلاث نساء يتلقين العلاج بعد إصابتهن بمضاعفات أدت لإجهاض أجنتهن. 

شاهد عيان من قرية مريود: "مع وصول أخبار مداهمة قوات الدعم للقرى المجاورة، قام شباب القرية بفتح قنوات الري كإجراء احترازي لحماية القرية، لكن الأخيرة أجبرت العديد من شبان القرى التي دخلتها على ردم القنوات لفتح ممرات دخلت من خلالها لقريتنا وقرى أخرى"

وتحدثت الصحافية ميسون عبد الحميد عما شاهدته في قريتها (برقو ود حوبة) التي اقتحمتها قوات الدعم مرتين. تقول إن الأولى كانت لنشر الرعب بين السكان من خلال إطلاق وابل من الرصاص، وفي الثانية نهبت تلك القوات المحاصيل والمنازل. وأكدت لرصيف22 أنّ أفراد الدعم طلبوا من القرية فتيات للزواج وهددوا الأسر ولهذا قامت القرية بإخراج الفتيات إلى مكان أمن.

كما تذكر ميسون أنّ إحدى جاراتها المسنات تعرضت لضرب مبرح على يد أفراد من الدعم، كما اعتدوا بالضرب على طفلة وتسببوا في كسر ذراعها.

وتضيف أنّ قوات الدعم تسكن قريتها ووضعت ارتكازات فيها، لافتة إلى أنّ أول القرى التي نزح سكانها كانت قرية "شرفت"، وهناك قرى حُرقت بالكامل مثل قرية "الكبرا" وسوق قرية "ود ياسين"، القريبة من موقع قتال بين الجيش والدعم، ما دفع بالأهالي للفرار للجبال. تقول الصحفية فردوس التي أُجبرت على النزوح إلى ولاية سنار "ما زالت الكوابيس وحالة الاكتئاب تلازمني".

بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر في الخامس من نيسان/أبريل الجاري، ارتفع عدد النازحين الجدد في الأسبوعين الماضيين بنحو 107,800 شخص بما في ذلك النساء والرجال والأطفال. وبلغ عدد النازحين منذ بداية الحرب داخل وخارج السودان نحو 8.2 مليون.

بدورنا في رصيف22 عرضنا مضمون تلك الشهادات على مسؤول الإعلام بقوات الدعم السريع، الخير يونس، فعقب بوصفها بـ"الافتراءات". مضيفاً أنّها "كذب وبهتان بغرض تشويه صورة المؤسسة". وبحسبه ينعم المواطنون في ولايتي الجزيرة وغرب دارفور بأمن وأمان وهم يمارسون حياتهم الطبيعية .

يفيد الخير أنّ قوات الدعم السريع اتخذت إجراءات صارمة في محاربة الظواهر السلبية والمتفلتين الذين ينتحلون صفة قوات الدعم السريع، ويقومون بأفعال ينسبونها إليه. موضحاً أنّ الدعم يقوم بحملات واسعة في قرى الجزيرة لحسم تلك الظواهر.

سياسة الترهيب

بدوره يرى المحلل السياسي فائز السليك، أنّ الهجوم على قرى الجزيرة تعبير عن "التركيبة المتوحشة لنسبة كبيرة من مقاتلي الدعم السريع". مضيفاً أنّ هذه القوات المعروفة بـ"الكسيبة" تدخل المعارك العسكرية بهدف الحصول على الغنائم.

يقول "للأسف لا تتوقف الغنائم عند حدود المعسكرات والعمليات العسكرية مع الخصم المسلح، بل تستهدف أموال وممتلكات المدنيين".

من جانبه، يرى الصحافي فتحي يوسف سيد أحمد، أنّ هناك عدة أهداف وراء التهجير القسري الذي يلازم اقتحامات الدعم السريع لقرى ولاية الجزيرة.

أولها هو استخدام مساكن المواطنين بعد هجرها كثكنات عسكرية تعتبر آمنة، لأن طيران الجيش لا يستهدف مساكن المواطنين في الغالب، وبالتالي تعتقد قوات الدعم أنه إذا ما هُجر السكان سيستخدمون البيوت كملاذات آمنة لحفظ السلاح والذخائر والمعدات وكثكنات للجنود والضباط، وفق حديثه. 

شاهدة عيان: "هناك قرى حُرقت بالكامل مثل قرية الكبرا وسوق قرية ود ياسين، القريبة من موقع قتال بين الجيش والدعم، ما دفع بالأهالي للفرار للجبال". 

ويبيّن لرصيف22 أنّه من الجانب الآخر يقوم العديد من سكان القرى بهجرة مساكنهم بمجرد سماع أخبار وصول الدعم السريع، نسبة للسمعة السيئة لتلك القوات في الخرطوم وولايات دارفور الأربع التي تسيطر عليها، وخاصة أنّ تلك القوات تنتهك أعراض المواطنات ولهذا تصبح حماية النساء أولوية. لافتاً إلى أنّ هناك قرى بقي فيها الرجال فقط بعد أنّ أخرجوا النساء لأماكن آمنة.

سبب ثان وراء عمليات التهجير يوضحه بقوله، إنّ هناك مستنفرين ومجندين في الدعم من خارج البلاد من القبائل الرعوية في غرب أفريقيا وجنوب السودان ظهروا في العديد من المقاطع المصورة يتحدثون فيها عن رغبتهم في جلب قطعانهم للرعي في مناطق الجزيرة الزراعية وفيرة المياه، منوهاً بأنّ "جزء من الدعم السريع يعتبرون أن استخدام آلة التهجير القسري تمكنهم من الاستيطان في هذه الأراضي".

والسبب الثالث هو توجيه رسالة للمواطنين لإدخال الرعب في القلوب لتشويه صورة الجيش من ناحية بإظهاره في صورة المُقصر عن حماية الشعب، ودفع السكان للانفضاض من حول الجيش بعد أنّ بات المستنفرين المعروفين بالمقاومة الشعبية جزءاً كبيراً من جبهات القتال بجانب الجيش.

في السياق ذاته، كانت قوات الدعم السريع قايضت العديد من القرى بتوفير عدد من الشباب للتجنيد مقابل توفير الحماية لتلك القرى.

وميدانياً يتحدث مراقبون عن استعدادات الجيش السوداني لاستعادة مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، من خلال الدفع بقوات من عدة ولايات ومن مناطق تمركز الجيش داخل الولاية، فيما يصفونه بأنّ الجيش يفرض حصاراً على المدينة من عدة جبهات.

واستعاد الجيش قرية "المدينة عرب" التي تقع على الطريق الرابط بين مدينة المناقل حيث تتمركز قوات الجيش وتبعد نحو 20 كم عن مدينة ود مدني حيث قوات الدعم السريع. وفي ظل التقدم الكبير للجيش في العاصمة الخرطوم من المتوقع أنّ ينصب تركيزه خلال الفترة المقبلة على ولاية الجزيرة، الهامة للإنتاج الغذائي في البلاد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image