شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حملة

حملة "بدنا كرامة" تنطلق من غزة… باسم "النازحين الغرقى في الطوفان"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد عام ونيّف من حرب الإبادة، وجد سعيد (28 عاماً، اسم مستعار)، النازح في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، فرصةً للتعبير عن غضبه تجاه الأوضاع الكارثية التي يعيشها رفقة أسرته داخل الخيمة، منذ نحو 15 شهراً، شأنه شأن مئات آلاف من الغزيين.

تلقى سعيد دعوة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، للمشاركة في أنشطة مرتقبة لحراك شعبي يحمل شعار "بدنا كرامة". لكن مشاركته في الحراك جاءت "حذرة جداً"، كما يصفها في حديثه لرصيف22. فتعمّد في الأيام الأخيرة، أن يكثف نشاطه على الأرض بسرية، خوفاً من إقدام أجهزة الأمن في قطاع غزة على استدعائه أو اعتقاله.

هذا الحذر، وفق كلام سعيد، يأتي استناداً إلى تجارب سابقة له؛ حيث تعرض عدة مرات للاعتقال والتعذيب داخل السجون التابعة لأجهزة الأمن، على خلفية مشاركته في فعاليات تطالب بالتغيير السياسي، وتدعو حركة حماس، بصفتها طرفاً حاكماً، لتوفير فرصة أفضل للشباب داخل القطاع.

ومنذ أيام، انطلقت مجموعة من الشباب والناشطين بالنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم "#بدنا_كرامة"، لمطالبة حركة حماس وجميع الأطراف المعنية بالعمل الجاد على وقف حرب الإبادة ضد قطاع غزة، ولتأمين حياة أفضل للمواطنين والنازحين.

ويهدف الحراك، وفق القائمين عليه، إلى الضغط على حركتي حماس وفتح من أجل تقديم تنازلات لإنهاء الانقسام الفلسطيني المتواصل منذ 18 عاماً، والذي تسبب، إلى جانب إسرائيل وسياسة المحو والإبادة التي تنتهجها، في معاناة لا توصف للإنسان الفلسطيني. 

إذ قتل الجيش الإسرائيلي ما يزيد عن 46 ألف فلسطيني، وشرّد أكثر من 90% من سكان القطاع، وتسبب في جرح أكثر من 100 ألف.

علماً بأن دراسة حديثة نشرتها مجلة "ذا لانسيت"، إن عدد الوفيات في القطاع يزيد بنحو 40% من الرقم المعلن من قبل وزارة الصحة، مشيرةً إلى أن العدد المعلن الآن؛ وهو 46 ألف، هو ما يعادل العدد الحقيقي في شهر حزيران/ يونيو 2024.

استقلالية الحراك

وبحسب غسان (اسم مستعار)، وهو أحد القائمين على الحراك، فإن "الحراك لا يتبع لأي فصيل سياسي، ولا يهدف لنصرة طرف على حساب آخر. التحرك موجه فقط من أجل لفت الأنظار إلى معاناة المواطنين ولإيجاد مساحة لهم للتعبير عن غضبهم وسخطهم على الواقع الذي يعيشونه".

الحراك لا يتبع لأي فصيل سياسي، ولا يهدف لنصرة طرف على حساب آخر. التحرك موجه فقط من أجل لفت الأنظار إلى معاناة المواطنين

ويردف غسان في حديث لرصيف22: "يتزامن الحراك مع جولات المفاوضات المنعقدة في الدوحة والقاهرة، وذلك من أجل الضغط على المفاوضين الفلسطينيين وإيصال رسائل لهم تقول: لا تعودوا بلا اتفاق هذه المرة. فالكيل طفح عند الناس، ولم يعد لديهم طاقة تحمل من هول ما عاشوه".

من جانبه، يقول سعيد: "بتنا نشعر أن حياتنا لا تشكل اهتماماً لدى أي طرف من الأطراف، سيما حركة حماس التي يفترض بها أن تقدر تضحيات المواطنين، وتعمل بكل جهد على التخفيف عنهم، وتعزيز الجبهة الداخلية التي انهكت بفعل الأزمات والمجاعة".

ويتابع: "اخترت، ككل المنخرطين في الحراك، الخروج عن الصمت وإعلاء الصوت، والضغط على حركة حماس، التي تغض الطرف عن كثير من التجاوزات من قبل عناصرها بين الناس، وتساهم في توزيع غير عادل للمساعدات الإنسانية".

"لا أحد يمثل الشعب"

وكانت صفحات في منصات التواصل الاجتماعي، قد بدأت منذ أيام بالترويج للحراك الشعبي وأنشطته الافتراضية والميدانية، وبدعوة المواطنين للخروج عن صمتهم إزاء معاناتهم التي تسببت بها حرب الإبادة والانقسام الفلسطيني المتواصل منذ نحو 18 عاماً.

وقال الحراك، في بيانه الأول الذي نُشر عبر صفحته، وتداولته عدة صفحات إخبارية: "لأن الوقت من دم، وفي ظل حالة التكلس والجمود، وبيع الوهم المتكرر فيما يسمى 'مفاوضات التهدئة'، والتي لا أحد فيها يمثل الشعب أو يعبر عن صوته ومعاناته، فقد كان لزاماً أن يكون للشعب المسحوق كلمة".

وتابع البيان: "نعلن انطلاق حراك 'بدنا كرامة' من قلب خيام النازحين الغرقى في طوفان بلا سفينة".

وأكد القائمون على الحراك على أن "رفضهم الرئيس هو للاحتلال الإسرائيلي الغاشم، مدرسة الوحشية الأولى في هذا العالم، وبزعامة الفاشي نتنياهو، الذي يرتكب جريمة تطهير وإبادة جماعية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث".

وجاء في البيان أيضاً: "ننحاز بوضوح لشعبنا الواقع تحت نير الإباٰدة الإسرائيلية في موقف الضحية بين جلادين؛ بحيث ما تزال عناصر حكومة حماس تمارس أشكال القمع والترهيب المتمثل بإطلاق النيران على أقدام الكثير من الشباب والأطفال في انتهاك صارخ للحقوق الإنسانية وللقانون الفلسطيني رغم الحرب".

وأضاف القائمون على الحراك أنهم يرفضون كافة مشاريع التصفية فصل غزة عن فلسطين المتمثل بمشروع "دولة غزة" ومشروع روابط القرى بثوبه الحديث ((الذي أنشأته إسرائيل أواخر السبعينيات لإدارة الضفة مدنياً). ونؤكد على وحدانية الأرض والتمثيل الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ننتمي لها رغم عتبنا عليها".

وقد برز الحديث عن هذه المشاريع في الآونة الأخيرة مع فرض الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع، والسيطرة على الطرق الرئيسية والمحاور والمعابر. وكذلك، مع اشتداد حصار شمال القطاع ونسف بلداته ومخيماته. 

هجوم على الحراك

بمجرد أن انتشر وسم "#بدنا_كرامة" على منصات التواصل، سارع نشطاء محسوبون على حركة حماس، ومناصريها، باتهام أصحاب المنشورات بالخيانة والخروج عن الصف الوطني.

ومن بين الذين تعرضوا للهجوم، كان الصحافي والمؤثر معتز عزايزة، بعد أن كتب قائلاً: "مساكين شباب غزة، كل يومين واحد طالع بفكرة ومبادرة ومجموعة، بمحاولة منه إنه ينقذ أي شيء، أو يوقف أي موت، أو يحمي أي شيء، ولا حد سامعنا ولا حد معبرنا. ضاع مستقبل أجيال، وناس انحرقت أعمارهم باللا شيء".

وفي منشور آخر كتب عزايزة: "عندي سؤال بخضم كل الهبل يلي بصير، هو حماس وفتح بدهمش يستحيوا وينهوا المهزلة يلي مستمرة من 18 سنة وأدت فينا للهلاك وكرامتنا تنداس بنعال جندي إسرائيلي".

الهجوم على الحراك كان متوقعاً، نظراً لتجاربنا السابقة مع حركة حماس، التي قمعت الأصوات المعارضة لها بتهمة العمالة لصالح الاحتلال أو السلطة في رام الله

ومن بين الصفحات التي هاجمت عزايزة، هناك صفحة حملت اسم "نحو الحرية"، حيث قالت في أحد منشوراتها: "معتز عزايزة وأتباع سلطة محمود عباس يغردون في وسم #بدنا_كرامة ويطالبون بحراك شعبي في غزة ضد المقاومة".

يقول كرم (اسم مستعار)، أحد القائمين على الحراك، لرصيف22 إن "الهجوم على الحراك كان متوقعاً، نظراً لتجاربنا السابقة مع حركة حماس، التي قمعت الأصوات المعارضة لها بتهمة العمالة لصالح الاحتلال أو السلطة في رام الله".

ويتابع: "عناصر حركة حماس ينظرون إلى كل من ينتقد أفعالهم، مهما كانت سيئة، على أنه عدو. ودائماً ما يربطون بين الحركات المعارضة لهم وبين التخابر مع إسرائيل أو السلطة".

ودعا كرم "حركة حماس ومناصريها لأن يكونوا منصفين، ولو لمرة واحدة، فينظرون لمعاناة الناس وكرامتهم التي أهينت لآخر حد، في الخيام وعلى طوابير الطعام والمراحيض والمخابز".

انتشار الوسم

وشهد الوسم انتشاراً لافتاً ومشاركة كثير من الناشطين والمؤثرين والمواطنين خلال الأيام الماضية.

يرى كرم أن اختيار الوسم، الذي لاقى انتشاراً لافتاً في الأيام الماضية، "جاء بكلمات مختصرة وواضحة تعبر عن حاجة المواطنين، لأن الإنسان، إذا ما عاش بكرامة، سيعني ذلك أن لا شيء ينقصه من أساسيات الحياة".

ويؤكد قائلاً: "الوسم لا يُهاجم حركة حماس بأي شكل من الأشكال، ولا المقاومة التي ندعمها بكل أشكالها، إنما هو فرصة للمواطنين للمطالبة باحتياجاتهم والتعبير عن غضبهم".

وكتب الرياضي مؤمن البيطار عبر صفحته في "فيسبوك" أن "الحراك على الأرض هو الحل الوحيد لا غير. ولن تتحرك المفاوضات من دون الضغط الشعبي".

الجميع يعلم أن مشكلتنا الحقيقية هي مع الاحتلال؛ هو المسؤول الأول عن القتل والدمار. لكنّ ثمة لوماً موجهاً لحركة حماس والسلطة الفلسطينية وجميع الأحزاب التي وقفت موقف المتفرج من الإبادة، ورفضت تقديم تنازلات لإنهاء الانقسام

أما الأكاديمية سامية الغصين، فكتبت عبر صفحتها: "بدنا كرامة وبدنا طحين، وبدنا سكر، وبدنا لحمة، وبدنا غاز، وبدنا كهربا، وبدنا علاج، وبدنا تعليم، وبدنا نسافر، وبدنا مية حلوة نشربها، وبدنا بيوت، وبدنا خيم"، مضيفةً: "بدنا شباشب نقطعها ع روس اللي استهانوا بحياتنا، بدنا نعيش".

تزامن الحراك مع المفاوضات

يتزامن انطلاق الحراك الشعبي في غزة مع إحراز تقدم ملحوظ في المفاوضات التي قد تؤدي اليوم، أو في الأيام المقبلة، إلى إعلان عن وقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من هذا التقدم، الذي أبدت فيه الأطراف جدية لافتة حتى الآن، إلا أن غزيين كُثراً ينظرون إلى احتمال توقيع الصفقة بتفاؤل حذر.

تقول سماهر الخور، نازحة من مدينة غزة إلى جنوبي القطاع، لرصيف22: "سئمنا الحديث عن المفاوضات التي تفشل في كل مرة. وهذه المرة، من غير مقبول أبداً أن نسمع بالفشل أو نرضى به، لأننا يئسنا من كل التجارب السابقة".

وتنوي سماهر المشاركة بأنشطة الحراك الميدانية في الأيام القادمة، إذا لم تصل المفاوضات إلى نتيجة، رغم التفاؤل الذي تحاول معظم الأطراف الترويج له.

وتردف مضيفةً: "الحراك هو فرصة لإعلاء صوتنا، وصرخة في وجه كل الأطراف أن أوقفوا هذه المعاناة وشلال الدم الذي حصد أرواح الناس بثمن رخيص".

وتشير إلى أن "الجميع يعلم أن مشكلتنا الحقيقية هي مع الاحتلال؛ هو المسؤول الأول عن القتل والدمار. لكنّ ثمة لوماً موجهاً لحركة حماس والسلطة الفلسطينية وجميع الأحزاب التي وقفت موقف المتفرج من الإبادة، ورفضت تقديم تنازلات لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي المتواصل منذ 18 عاماً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image