يصرّ الخمسيني يونس الكفارنة، من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، على المشاركة في أي حراك. يخرج للمطالبة بحقوقه البسيطة المسلوبة منذ سنوات طويلة، بسبب الحصار الإسرائيلي وحالة الانقسام الداخلي التي يعيشها الفلسطينيون. يقول لرصيف22: "الأوضاع الإنسانية في غزة صعبة جداً، ولا نكاد نجد قوت يومنا، ونعاني في توفير المياه كما يغيب التيار الكهربائي عنا لأكثر من 12 ساعةً في اليوم أحياناً".
تتكون عائلة الكفارنة من 8 أفراد، بينهم 4 شبان، أكبرهم عمره 31 عاماً، ولا تملك أي مصدر دخل كما يذكر الأب، مشيراً إلى أنه يحلم كأي رجل في هذا العالم، بتزويج أبنائه ورؤية أحفاده وتكوين أسرة مثالية يتباهى بها أمام المجتمع.
ويضيف: "سمعت عن حراك 30 تموز/ يوليو الماضي، الذي دعا إليه ناشطون في غزة، وقررت المشاركة في فعالياته برفقة أبنائي، وتوجهنا إلى منطقة تجمّع التظاهرات، لكن عناصر الأمن وأنصار حركة حماس سبقونا، فلم تستمر الفعالية سوى دقائق معدودة وانفضّت".
وشهد يوم الأحد الماضي، خروج تظاهرات مطلبية في مناطق عدة في قطاع غزة، طالب خلالها المشاركون بحقوقهم الأساسية وبإنهاء الانقسام الداخلي، ورددوا هتافات مطلبيةً عبّرت عن أمنياتهم البسيطة المتمثلة في ضرورة توفير "الكهرباء والغاز" والحياة الكريمة.
وبعد نهاية فعاليات اليوم الأول للحراك المطلبي، انطلقت دعوات جديدة للخروج في تظاهرات أخرى في مناطق مختلفة في قطاع غزة، يوم الجمعة القادم الموافق 4 آب/ أغسطس 2023، بالإضافة إلى استمرار النشر على منصات التواصل الاجتماعي لتوعية المواطنين بحقوقهم وبضرورة خروجهم للمطالبة بالحياة البشرية التي يستحقونها.
يعيش الفلسطينيون انقساماً سياسياً منذ حزيران/ يونيو 2007، بعد خلافات شديدة بين حركتي حماس وفتح
"مطالب إنسانية بسيطة"
يقول الشاب إياد حسن (29 عاماً)، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لرصيف22، إنه خرج في التظاهرة التي دعا إليها "الحراك الشبابي، للتعبير عن القهر الذي يسكن داخله منذ سنوات طويلة"، موضحاً أنه تخرج من الجامعة قبل 7 سنوات، بعد أن درس طوال أربع سنوات تخصص التمريض، لكنّ ذلك لم يشفع له في الحصول على وظيفة حكومية.
ويتابع: "في حين لا أجد أنا وعشرات آلاف الشباب وظائف مناسبةً، يتنعم بعض المسؤولين والقادة وأبناؤهم بالمقدرات الحكومية، ويستغلون المناصب للحصول على وظائف وامتيازات تمكّنهم من بناء تجارة وأعمال تحقق لهم أرباحاً خياليةً، سواء أكان ذلك في غزة أو في الضفة الغربية على حدٍ سواء".
وفق اعتقاد الشاب العشريني، "تتحمل كل من حركتَي حماس وفتح المسؤولية عما وصلت إليه أوضاع الناس في غزة"، موضحاً أن الطرفين هما من تسببا في الانقسام ويرفضان المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية حتى الآن.
ويعيش الفلسطينيون انقساماً سياسياً منذ حزيران/ يونيو 2007، بعد خلافات شديدة بين حركتي حماس وفتح التي انفردت في السيطرة على السلطة في رام الله، وحكم الضفة الغربية، فيما سيطرت الأولى على قطاع غزة. ومنذ 16 عاماً، هي عمر الانقسام الداخلي، فشلت كل الوساطات الدولية والإقليمية في رأب الصدع بين الطرفين وتحقيق المصالحة الوطنية، برغم انعقاد عشرات جولات الحوار في مصر وقطر والسعودية وسوريا والجزائر وتركيا وغيرها من البلدان.
ويبلغ عدد سكان قطاع غزة مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون في ظل ظروف إنسانية قاسية. وبحسب المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان، فإن 61.6 في المئة من سكان غزة يعيشون حالة فقر وبلغت نسبة البطالة مع نهاية 2022، نحو 47 في المئة.
اعتداءات على الصحافيين والمواطنين
سُجّلت خلال التظاهرات انتهاكات عدة في حق الصحافيين منها المنع من التغطية، كان أبرزها في حق الصحافي وليد عبد الرحمن الذي يعمل في تلفزيون "فلسطين" الرسمي التابع للسلطة في رام الله. ودانت نقابة الصحافيين هذا الاعتداء، وقالت في بيان: "ندين بشدة اعتداء عناصر من جهاز الأمن الداخلي في غزة على الزميل الصحافي وليد عبد الرحمن، عضو الأمانة العامة للنقابة وذلك خلال تغطيته مسيرةً مطلبيةً في مخيم جباليا". واستنكرت النقابة "منع الصحافيين من القيام بعملهم وتغطية المسيرات السلمية في أماكن عدة من قطاع غزة".
وبحسب البيان، "أفاد عبد الرحمن أن عناصر عرّفوا أنفسهم بأنهم من جهاز الأمن الداخلي، اقتربوا منه في منطقة الترنس في مخيم جباليا، وبدأوا بتوجيه الشتائم إليه ودفعه وإجباره على وقف التغطية". وعدّت النقابة ذلك "الاعتداء انتهاكاً صارخاً لحرية العمل الصحافي، خاصةً أن الزميل وليد عبد الرحمن كان يقوم بعمله المهني".
وسُجّلت أيضاً خلال الحراك اعتداءات على المواطنين في مناطق عدة في قطاع غزة، من قبل عناصر الأمن والشرطة، ويقول الشاب محمود بربخ من محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، إنه شاهد بعينه اعتداء الشرطة على الشبان الذين خرجوا للمطالبة بأبسط حقوقهم المعيشية.
ويتساءل في حديثه إلى رصيف22: "هل صار طلب الحياة الكريمة، جرماً يستدعي استنفار الشرطة وضرب المواطنين الأبرياء الذي تحمّلوا الويلات منذ سنوات طويلة؟"، مشيراً إلى أن حركة حماس تنتهج السياسة نفسها في التعامل مع أي أصوات معارضة لحكمها من الممكن أن تطالب بحقوقها، منذ أن سيطرت على القطاع سنة 2007.
وكتب الشاب أحمد المجايدة عبر حسابه على موقع فيسبوك، تعليقاً على ما عايشه من أحداث: "بعيداً عن أني من عائلة المجايدة التي أفخر بها، ما حدث أمر مخزٍ ومعيب وعار على حماس بجميع أذرعها، المدنية والعسكرية، وللأسف حتى الشرطة نفسها تكالبت على عائلة المجايدة".
في حين لا أجد أنا وعشرات آلاف الشباب وظائف مناسبةً، يتنعم بعض المسؤولين والقادة وأبناؤهم بالمقدرات الحكومية، ويستغلون المناصب للحصول على وظائف وامتيازات تمكّنهم من بناء تجارة وأعمال تحقق لهم أرباحاً خياليةً
في حين أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" بإصابة عدد من المواطنين "إثر اعتداء عناصر من حركة حماس على متظاهرين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بحياة كريمة". ونقلت عن شهود عيان، أن "عناصر حماس اعتدوا بالهراوات على المتظاهرين في دوار بني سهيلا وسط قطاع غزة".
من جهته، يذكر الشاب مصطفى قديح، الذي كان في مكان الحراك في خان يونس لرصيف22، أن "عناصر من الشرطة كسروا هاتفه المحمول بمجرد إخراجه من جيبه، بزعم أنه يحاول تصويرهم".
مرجعية الحراك
نتيجةً للواقع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة، بدأ ناشطون على منصات التواصل والصفحات الاجتماعية التي تهتم بالقضايا الفلسطينية، بالدعوة إلى المشاركة في التظاهرات قبل أسابيع عدة لا سيما مع اشتداد أزمة التيار الكهربائي وتضاعف معاناة المواطنين منها، وتزامنت الدعوات كذلك مع وفاة المواطن شادي أبو قوطة، خلال حملة إزالة تعديات كانت تنفذها بلدية خان يونس جنوب القطاع بالتعاون مع الشرطة، يوم 27 تموز/ يوليو 2023.
وجاء في أحد بيانات "الحراك" التي نشرتها صفحة على منصة إنستغرام، تحمل اسم "الفايروس الساخر": "سنوات طويلة ونحن صامدون نسمع وعوداً كاذبةً كل فترة بالتغيير والانفراجات الوهمية، ولكن لن نصمت عن حقنا بمقومات الحياة الأساسية بعد اليوم، ولن نصمت على الكذب والاستغلال، ولن نصمت على الذبح البطيء لشعب غزة بحجة الحصار".
وفي البيان المذكور، نادى الحراك بتحقيق أربعة مطالب رئيسية، أولها حل مشكلة الكهرباء التي يعاني منها المواطنون في قطاع غزة ولو جزئياً، ثم إجبار شركة توزيع الكهرباء على وقف تركيب ما يُعرف باسم "العدادات الذكية" للمنازل، وهي التي لا تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة للناس.
كما طالب بصرف رواتب موظفي قطاع غزة بانتظام، وعدم تأخيرها عن موعدها كما حصل خلال الشهور الماضية، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة الالتزام بصرف المنحة القطرية للفقراء والبالغة قيمتها 100 دولار تُدفع شهرياً لكل أسرة، دون حسم منها.
وشرعت شركة توزيع الكهرباء في غزة خلال الأشهر الماضية بتركيب عدادات جديدة لمنازل المواطنين تعتمد آلية الدفع المسبق حسب ما يُعرف بنظام (SMART). ويقول مواطنون إن تلك العدادات لا تراعي ظروفهم الاقتصادية، كونها تحتاج شهرياً إلى مبلغ يزيد عن 50 دولاراً، وهو مبلغ يصعب على الكثير من العائلات تحصيله في ظل انعدام فرص العمل.
ويزيد من معاناة المواطنين اعتماد الشركة سياسة اقتطاع 25 في المئة من المبلغ المدفوع، لحسم جزء من المديونيات السابقة على صاحب الاشتراك، بمعنى أنه إذا شحن الشخص كهرباء بـ40 دولاراً فإنه سيضاف إليها ما قيمته 30 دولاراً فقط والباقي يذهب كحسم.
يقول المواطن إبراهيم لوز، من محافظة النصيرات وسط قطاع غزة، إن "العدادات الذكية زادت أزمة المواطنين"، ويرى أن "هدفها الأساسي زيادة أرباح شركة الكهرباء التي تذهب لصالح خزينة حركة حماس الحاكم الفعلي لقطاع غزة".
تحتاج العدادات شهرياً إلى مبلغ يزيد عن 50 دولاراً، وهو مبلغ يصعب على الكثير من العائلات تحصيله في ظل انعدام فرص العمل
ويشير لرصيف22، إلى أنه "تم تقديم عشرات الحلول لها خلال السنوات السابقة، لكن طرفي الانقسام غير معنيين بحلها لأن هناك من يستفيد من الأزمة ويستغل معاناة الناس".
مسيرات موازية لـ"حماس"
بالتزامن مع التظاهرات المطلبية التي خرجت الأحد الماضي، في غزة، نظمت حركة حماس مسيرات عدة جابت شوارع في القطاع وشارك فيها الآلاف من أنصارها ورفعوا راياتها ورددوا شعاراتها الخاصة.
وقالت حماس في دعوتها إلى المسيرات، إنها تأتي دعماً لاجتماع "الأمناء العامين الفلسطينيين" الذي كان ينعقد حينها في مدينة العلمين المصرية، بمشاركة الرئيس محمود عباس وقادة الفصائل، وللمطالبة بتحقيق الوحدة الوطنية في أسرع وقت.
فيما رأى ناشطون أن دعوة حماس إلى المسيرات بالتوازي مع فعاليات الحراك، جاء "لخلط الحراك ولمحاولة خلق حالة صدام مع المواطنين لإعطاء فرصة للشرطة وعناصر الحركة للتدخل والاعتداء على الناس الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم المعيشية البسيطة".
يقول أبو يحيى زقوت، أحد سكان مخيم جباليا للّاجئين، لرصيف22: "حماس تتعمد تخريب أي حراك مطلبي يخرج في غزة وتحاول ربطه بالأجندة السياسية للاعتداء على المواطنين"، لافتاً إلى أنه شهد مرتين "على تلك السياسة؛ الأولى كانت في حراك 'بدنا نعيش' الذي خرج في آذار/ مارس 2018، والثانية في حراك تموز/ يوليو 2023".
ويضيف خلال حديثه: "إذا كانت حماس فعلاً كما تقول بريئةً من التسبب في معاناة المواطنين في غزة، لماذا تمنعهم من الخروج للمطالبة بحقوقهم واحتياجاتهم؟ ولماذا تستنفر كل قواها الأمنية لقمعهم ومنع إعلاء صوتهم؟".
وشهدت السنوات الماضية خروج عدد من الحراكات المطلبية في غزة والضفة، للمطالبة بإنهاء الانقسام، كان أبرزها في سنوات 2007 و2011 و2018 وغيرها.
هل يتوسع "سياسياً"؟
على منصات التواصل تفاعل المواطنون مع أحداث الحراك بشكل لافت، معبّرين عن غضبهم من الحالة السياسية والاقتصادية الصعبة التي باتوا يعيشونها، وعبّروا عن أمانيهم بأن تلتفت الجهات المسؤولة إليهم وتتولى حل جميع مشكلاتهم في أسرع وقت.
وقال شادي محمد عبر صفحته على فيسبوك: "حراك 'بدنا نعيش' في غزة حق مشروع لكل إنسان له حرية اختيار حكومته، ويكفي حكومة الظلم حماس، وكل الاحترام لكل شخص شارك لإنهاء حكم الظالم والمرتزقة في غزة".
وكتبت دعاء حمال عبر صفحتها: "ستبقى سفالة حكومة غزة حاضرةً في كل حراك شعبي"، مضيفةً: "القمع والترهيب والتخوين مسلكيات حكمهم للبلاد، وهذا الحكم لن يدوم، ونعم لمطالب الشباب في غزة بحياة كريمة".
"الحراك الفلسطيني يجب أن يرتقي للمطالبة بالتغيير السياسي لأن الأزمات المعيشية تتولد من الحالة السياسية"، فهل تتوسع الاحتجاجات بهذا الاتجاه؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن "الباب مفتوح مستقبلاً أمام الفلسطينيين خاصة أهالي قطاع غزة، لتنظيم فعاليات واحتجاجات ضد الجهات الحاكمة طالما استمرت الأوضاع الإنسانية بالتدهور وارتفعت نسب البطالة والفقر"، مضيفاً أن "الحراك الفلسطيني يجب أن يرتقي للمطالبة بالتغيير السياسي لأن الأزمات المعيشية تتولد من الحالة السياسية".
ويقول إبراهيم لرصيف22 إن "العقلية التي يدير بها أطراف الانقسام الحالة الفلسطينية تقوم على نظرية المؤامرة لذلك لا يتفهمون أي حراك مطلبي أو تحركات للمواطنين للمطالبة بحقوقهم الأساسية، التي كفلها القانون وكل المواثيق الدولية".
ويلفت إلى أن "المطلوب لإنجاح أي حراك مطلبي مستقبلاً، توحد الجهات المنظمة للفعاليات واتفاقها على هدف واحد"، موضحاً أنه "في المقابل، على الجهات الحاكمة أن تتفهم مطالب الناس والسماح لهم بالخروج للتعبير عن آرائهم بحرية، وللمطالبة بأبسط متطلبات حياتهم لأن ذلك شكل من أشكال المشاركة السياسية التي نص عليها القانون".
وبيين إبراهيم أن "الحراك الفلسطيني يجب أن يرتقي مستقبلاً للمطالبة بالتغيير السياسي ويواصل المطالبة بإنهاء الانقسام الداخلي المستمر منذ 16 عاماً كونه أساس كل المشكلات والأزمات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...