شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
في غزة وعنها... هل فعلاً

في غزة وعنها... هل فعلاً "أكثر من القرد ما سخط الله"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 12 يناير 202501:03 م

عشرة أيام تفصلنا وتفصل العالم عن تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية؛ الرجل الذي يتجاوز الأعراف الرئاسية والدبلوماسية، ويصرّح عن نواياه، على شكل مطالب وأوامر رئاسية، في ما يخص سياساته الخارجية، قبل أن يستلم سدة الحكم. من هذه التصريحات وأكثرها لفتاً للنظر هي تهديده المتكرر، ثلاث مرات حتى الآن، لحركة حماس ولغزة وللشرق الأوسط عموماً، أن جحيماً سينزل على رؤس المذكورين جميعاً إن لم يتم إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين في غزة.

يصرّح ترامب بذلك تحت مبرّرَين؛ أحدهما هو أن ثمة رهائن يحملون الجنسية الأمريكية وهؤلاء يُعدون من مواطنيه، وهو ودولته مسؤولون عن حياتهم. أما المبرر الثاني فهو العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وما يجمعهما من مصالح وشراكات وتحالفات مشتركة وتاريخية لا تخفى على أحد. لكن ما لا يجب أن نغفله هو العلاقة الداخلية بين الحزبَين الكبيرَين في أمريكا: الديمقراطي والجمهوري، وتمايز سياستيهما في ما يخص ملفات الشرق الأوسط، وهو ما عالجناه هنا في مقالات سابقة كثيرة.

هل يملك ترامب أدوات أكثر تأثيراً وأساليب أكثر نجاعةً للضغط على حماس وعلى الفلسطينيين عموماً بخصوص صفقة الرهائن؟ وهل بقي شيء لم تفعله إسرائيل في غزة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية للديمقراطيين، ويمكنها أن تقوم به في ظل الإدارة الجمهورية القادمة؟

أحد هذه التمايزات هو ما يخص التعاطي مع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، السني والشيعي على حد سواء؛ فبينما يعتقد الديمقراطيون بضرورة احتواء إيران والتفاوض معها، وضرورة تطويع الإخوان المسلمين، بل وعدم ممانعة وصولهم إلى الحكم، كما حصل في مصر مع حكم محمد مرسي، وكما يحصل في سوريا اليوم، يرفض الجمهوريون هذه السياسة ويدعمون الأنظمة التقليدية في المنطقة كضامن للحفاظ على الأسواق وعلى أمن الطاقة وأمن إسرائيل.
إذاً، لهذه التمايزات أسباب اقتصادية ليس هذا مكان الخوض فيها، بقدر ما يعنينا انعكاسها على طريقة التعاطي مع الحرب ونتائجها في الشرق الأوسط، وبالخصوص في غزة والضفة الغربية. وبناءً على ذلك، هل يملك الرئيس القادم، دونالد ترامب، أدوات أكثر تأثيراً وأساليب أكثر نجاعةً للضغط على حماس وعلى الفلسطينيين عموماً بخصوص صفقة الرهائن؟ وهل بقي شيء لم تفعله إسرائيل في غزة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية للديمقراطيين، ويمكنها أن تقوم به في ظل الإدارة الجمهورية القادمة؟

السؤال الأخير يتم طرحه بشكل يومي على محللي قناة النفط والغاز بطريقة استخفافية لا تراعي آلام الغزيين، ولا حجم ما قدموه من دم وما وقع عليهم من معاناة، ثم تتم الإجابة عليه من المحللين باستخفاف أكثر واستسهال أكبر، ولا يكلف أصحابه خاطرهم بالتفكير بما لم يحدث، بل بالتركيز على ما حدث والتقليل منه ومن آثاره.

أقصد بأن المحلل العظيم ينطلق دوماً مما حصل للغزيين من قتل وتهجير ويعتبره نهاية المطاف، ولا يفكر لا باستمرار هذا القتل والتهجير ولا بإمكانيات التجويع، ولا بالمسح النهائي للمكان وسكّانه، ولا بانتقال ما حصل في غزة إلى الضفة الغربية، وممارسة هذا البطش على سكانها أيضاً.

والأهم من كل ذلك أنه لا يفتح آفاق دماغه ليفكر بممارسات أخرى لم تخطر في باله سابقاً. تماماً كما هي حاله طيلة سنة وشهرين من هذه الحرب؛ لقد استخف واستبعد هو وقناته وكل هذه المنظومة "الممانعة" والمحتكرة للمقاومة فكرةَ الدخول البري لدبابات الجيش الإسرائيلي إلى غزة، واستخف بفكرة التهجير وبفكرة الإبادة وبإمكانية التجويع.

لقد راهن هؤلاء المحللون، هم وقناة النفط والغاز، على حرب قصيرة تكون الغلبة فيها للدم المسفوح وقدرته على استجلاب الأنصار والحلفاء، وراهن على عزل إسرائيل عالمياً، وراهن على تدخل هذا الطرف أو ذاك من محور المقاومة، ولم يكن ليفكر أو يسمح بالتفكير باحتمالات أخرى من بينها الكارثة التي تتدرج يومياً وأوصلتنا إلى ما نحن فيه. ومع كل الفشل في هذه المراهنات، إلا أن هؤلاء يقومون بشكل لا مسؤول بتسخيف تهديدات ترامب، واستخدام "تندّر" الضحايا في غزة كدليل أن لا شيء يمكن فعله من قبل ترامب أكثر مما تم في عهد بايدن.

أقصد أن المحلل يستند إلى كلام شاب مسحوق في غزة أو امرأة فقدت أبناءها في هذه الحرب، والذين لهم كامل الحق في استخدام المثل القائل "أكثر من القرد ما سخط الله" كتعبير عما هم فيه من ألم وتشرد، ثم يستخدم هذا الكلام كأساس لبناء موقف سياسي والدفاع عنه.

صحيح أن الضحية لها كامل الحق في اختيار مصطلحاتها وطريقة التعبير عن نفسها في ظل المحرقة المتواصلة بحقها على مدار أكثر من سنة، أما أن يكون هذا الحق مُنطلقاً لقناة إعلامية هي ومنظومة محلليها ومراسليها، وأن يكون دليلاً لزعيم سياسي لأحد فصائل المقاومة، أو لمثقف فلسطيني أو أردني، فهذا ما لا يقبله لا العقل ولا المنطق السياسي السليم، وهو انحدار في منظومة القيم الوطنية والأخلاقية لأصحاب هذه العقلية، ناهيك عن الشكوك الجدية في انتماء هؤلاء لهذه الشعوب أو حتى الإحساس بمعاناتها.

أما المنطق السياسي السليم فيقول إنه لا بد من أخذ تهديدات ترامب على محمل الجد، وأن يتم السعي لقطع الطريق على هذا اليميني المأفون والحليف الأخطر لليمين العنصري الإسرائيلي، أو على الأقل محاولة التفكير بالخيارات التي تبقت في جعبة إسرائيل وجيشها للعمل في غزة. من هذه الخيارات ما ذكره مثلاً الصحفي الإسرائيلي عميت سيغل في مقاله الأخير، من منع المساعدات الإنسانية و حرمان مليونَي فلسطيني من الطعام والدواء، أو احتلال مناطق كبيرة من شمال غزة وغير ذلك.

لا أعرف، أو لستُ متأكداً أن صفقة ما ستحصل خلال الأيام القادمة، أي في عهد بايدن، ولا أعرف إن كان نتنياهو "سيجرجر" ذلك إلى حين تولي ترامب مسؤولياته. لكن كل ما أنا متأكد منه هو أن كل يوم إضافي يكلفنا خمسين شهيداً من أهلنا في غزة

ألا يمكن لترامب مثلاً أن يسمح لإسرائيل، أو على الأقل أن يغض الطرف عن تطبيقها لخطة الجنرالات وإفراغ شمال غزة كاملاً من سكانه؟ ألا يمكنه الموافقة على إطلاق يدها في الضفة الغربية والسماح لأمثال سموتريتش وبن غفير بتنفيذ تهديداتهما بالتعامل مع نابلس وجنين كما جرى مع جباليا؟

كل هذا ممكن من الناحية النظرية، بل إن التهديدات والشواهد تؤكد الذهاب إليه في مرحلة ما من مراحل هذه الحرب، وليس معنى ذلك، بكل تأكيد، أن نسلم بحتمية مصيرنا وانتظار ما يريده ترامب ونتنياهو. لكن الأكيد هو أن البديل ليس الاستخفاف بهذه التهديدات، لأن الاستخفاف بها هو حتماً استخفاف بكل ما حصل لشعبنا الفلسطيني في غزة واعتباره "خسائر تكتيكية" كما يريد البعض أن يقنعنا أو يوهمنا، وهو أيضاً استخفاف بما قد يحدث لمجمل الفلسطينيين وقضيتهم التي أصبحت على المحك.  

بقي أن أقول في نهاية هذا المقال ما لن يعجب الكثيرين من سياسيينا ونخبنا، وهو أن الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة كانوا حتى الشهر الخامس أو السادس من الحرب ورقة تفاوضية جيدة في يد حماس وفصائل المقاومة، لكنهم أصبحوا بعد ذلك ورقة تفاوضية وحربية في يد نتنياهو وحكومته، والخوف أن يتحولوا إلى ورقة تفاوضية بيد ترامب وإدارته القادمة.
لا أعرف، أو لستُ متأكداً أن صفقة ما ستحصل خلال الأيام القادمة، أي في عهد بايدن، ولا أعرف إن كان نتنياهو "سيجرجر" ذلك إلى حين تولي ترامب مسؤولياته. لكن كل ما أنا متأكد منه هو أن كل يوم إضافي يكلفنا خمسين شهيداً من أهلنا في غزة، وأن هذا لم يعد يطاق، أو هو، لمن يفكرون بشعبهم، لا يطاق منذ بداية الحرب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image