شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نتنياهو... النبي الخائب

نتنياهو... النبي الخائب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 8 يناير 202511:51 ص

تُطرح الكثير من الأسئلة حول إمكانية بقاء بنيامين نتنياهو في السلطة، بالرغم من كل الظروف التي تؤشر على أن أيامه باتت معدودةً. هذه الأسئلة منبعها الوضعية التي يعيشها في إدارته الحياة السياسية داخل دولة إسرائيل، في مقابل عملية الإطباق التي تحاصره من قبل أجهزة الدولة العميقة، التي تحمّله مسؤولية الفشل السياسي والأمني الذي حدث في السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر من العام الماضي، بالإضافة إلى قضايا الفساد التي يحاكَم عليها في ذروة الحروب التي يشنّها، ومحاولة تغيير وجه الدولة من خلال جملة ما عُرف بالإصلاح القضائي الذي يستهدف بالدرجة الأولى تغيير القواعد والأسس التي قامت عليها الدولة منذ نشأتها.

من الصعوبة في مكان قراءة هذه الظاهرة السياسية التي يمثّلها نتنياهو في الحكم، ولكن يمكن التقاط الكثير من المؤشرات والسمات العامة التي توضح إلى أيّ مدى وصلت حالة الدولة في عصره.

كل الشواهد الحيّة من ممارسات وحشية بحقّ قطاع غزّة والضفة الغربية، بشراً وحجراً، تشي بتوحش الحركة الصهيونية وأدواتها التنفيذية

من بن غوريون إلى جابوتنسكي... رحلة الأخوة الأعداء

يرى نتنياهو، أنّ هناك خللاً مركزياً في أبنية الدولة منذ التأسيس. يقوم هذا الخلل على الأخطاء الإستراتيجية التي وقع فيها المؤسس الأوّل ديفيد بن غوريون، والتي تشمل شكل الدولة وهويتها، والتنازلات الكبيرة التي قدّمها بن غوريون في سبيل الاعتراف الدولي بمشروعية قيام دولة إسرائيل، والتي أفضت وفق اعتقاد نتنياهو إلى المآزق الكبرى التي تعيشها إسرائيل اليوم.

ولهذا فإن التبرير الأيديولوجي الذي يقف خلف الخطاب والممارسة السياسية لنتنياهو، يندرج كله في سياق تصحيح الأخطاء، للحفاظ على دولة إسرائيل وبقائها واستمرارها ونقائها. وعلى الرغم من هذا التبرير الذي يقدّمه، فإن هناك الكثير من العقبات التي تواجهه في هذا المسار، وعلى رأسها التجاذبات الداخلية، وحالة الرفض من قبل الجهاز البيروقراطي للدولة والكثير من الشرائح المجتمعية التي لا ترى نفسها داخل هذه الرؤية، بل على العكس ترى أن السلوك السياسي لليمين الصهيوني نقيض لهويتها ونظام عيشها، فالذي لم يستطِع من خلاله ديفيد بن غوريون، احتواء المجاميع والتشكيلات الاجتماعية وصهرها في بوتقة واحدة، لن تمكّن نتنياهو المستند إلى مظلومية معلمه جابوتنسكي، من الظفر بها، فرحلة الأخوة الأعداء لا تزال في نزال دائم، ولم يحسمها أيّ طرف حتى الآن.

هذه الأسئلة منبعها الوضعية التي يعيشها نتنياهو في إدارته الحياة السياسية داخل الدولة، في مقابل عملية الإطباق التي تحاصره من قبل أجهزة الدولة العميقة، التي تحمّله مسؤولية الفشل السياسي والأمني الذي حدث في السابع من أكتوبر 

اليمين واليسار وضبابية المفاهيم

على الرغم من دخول الدولة عقدها الثامن، فإن النظام السياسي في دولة إسرائيل غير قادر على احتواء كل الجماعات العرقية والاختلاف الأيديولوجي المتحكم في ثنايا المجتمع السياسي، مؤشر واضح على حالة التشظّي في بنية كل الأطر السياسية وعلى اختلاف مشاربها، هذا التشظي هو الذي يفسر حالة الاحتراب السياسي القائمة بين مختلف التشكيلات السياسية، والذي لم يُحسم بعد لصالح أي طرف، مع أن المقاربات السياسية ترى بنيامين نتنياهو وجماعته الأوفر حظاً في هذا الحسم، أو على الأقل قدرته على إدارة اللعبة السياسية في المدى المنظور، مستغلاً غياب القيادة الكاريزماتية من الطرف الآخر، وتعويله على الجماعات المهمشة والتي جاء بها لمشاركته سدة الحكم، والتي تشاركه الرؤى والتطلعات السياسية، ومستغلاً أيضاً الانتصارات التاريخية التي حققها على جبهة الأعداء في المحيط الجغرافي.

وعلى الرغم من تعقيد المشهد الداخلي العام، إلا أن المسار السياسي لليمين الصهيوني لا يزال يواجه عقبات كبرى في عملية التحول، نظراً إلى وجود قوى مجتمعية متحصنة داخل الأجهزة التنفيذية للدولة، وكذلك امتلاكها الحيّز الأكبر من الدورة الاقتصادية، وقدرتها على النفاذ إلى الخارج ورسم علاقات أكثر مرونةً مع الغرب ومحيطها العربي، فمن المعروف أنّ أبرز ما في أجندة اليمين إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، دون تقديم أي تنازلات سياسية ذات مغزى ومعنى.

إن التبرير الأيديولوجي الذي يقف خلف الخطاب والممارسة السياسية لنتنياهو، يندرج كله في سياق تصحيح الأخطاء، للحفاظ على دولة إسرائيل وبقائها واستمرارها ونقائها.

الصهيونية بين التوحش والأنسنة

قد يكون هذا العنوان هو الذي يختصر الحالة الإسرائيلية اليوم، ويلقي بظلاله على مناحي الحياة كافة، ليس فقط داخلياً، بل في عموم المنطقة.

فكل الشواهد الحيّة من ممارسات وحشية بحقّ قطاع غزّة والضفة الغربية، بشراً وحجراً، تشي بتوحش الحركة الصهيونية وأدواتها التنفيذية. هذا التوحش الذي يقوم على حرب الإبادة، يراد منه، في الدرجة الأولى، نقل دائرة العنف إلى الخارج، وبناء لحمة مجتمعية متوهمة، للتخلص من الاستحقاقات المصيرية التي تواجهها إسرائيل، ولا تزال تدور في حلقة مفرغة دون إجابة عملية على تلك الاستحقاقات.

هناك سيناريوهات متعددة ربما لا تزال بغالبيتها افتراضيةً، ترى جميعها أنّ أنسنة الصهيونية حاجة داخلية وضرورية، لتتخلص هذه الدولة من عبء المساءلة الدولية عن كل أفعالها طوال عقود خلت، والتخلص أيضاً من الانكفاء على الذات في عالم أصبحت فضاءاته مفتوحةً على مصاريعها، لكن من الضروري القول إن هذا الأمر لا بدّ أن يمرّ في مخاض عسير قد يفضي إلى صراع داخلي خارج حدود المؤسسات، وريما يتطور إلى حرب أهلية داخلية، بعد أن أصبحت مؤسسات الدولة جزءاً من مسرح الصراع.

يمضي نتنياهو في السير ضمن مشروعه الذي يراه الأصوب والأقدر على انتشال الدولة والمجتمع من كل الأزمات الكبرى الراهنة، معتقداً أنّ السلطة وحدها قادرة على إيجاد الحلول لكل الأزمات، ومتماهياً معها إلى درجة غياب الخيوط الفاصلة بين الشخصي والعام.

ومع مرور الوقت دون إيجاد تسويات داخلية بين مختلف الأطراف الداخلية، يصير نتنياهو "النبي الخائب" الذي أغوته الأساطير، وباعدت بينه وبين الواقع، فالهروب إلى الأمام والحروب وإطالة أمد الصراع، لن تلغي حقيقة وجود شعب فلسطين الذي يعيش على مساحة الوطن، ولن تمنع أيضاً تدخّلاً دولياً قادراً على إنجاز تسوية تاريخية خارج حدود الأساطير والمرويات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image