يحتفل محمد صلاح، قائد منتخب مصر، ونجم ليفربول الإنجليزي، بعيد ميلاده الثلاثين، اليوم، 15 حزيران/يونيو، وبينما يحتفل بهذه المناسبة خلال إجازته على أحد الشواطئ، ينشغل محبوه بمتابعة تطورات عقده غير المحسوم مع ليفربول. وفي الوقت نفسه تتوالى الكتابات المحبة كثيراً والناقدة أحياناً لـ "الملك المصري" كما يدعوه محبوه الغربيون و"كتفو" كما يسخر منه مشجعو المنتخب المصريون. فكيف تنعكس اختلافات العقل العربي والغربي في الكتابة عن محمد صلاح؟
تتوالى الكتابات المحبة كثيراً والناقدة أحياناً لـ "الملك المصري" كما يدعوه محبوه الغربيون و"كتفو" كما يسخر منه مشجعو المنتخب المصريون. فكيف تنعكس اختلافات العقل العربي والغربي في الكتابة عن محمد صلاح؟
عن النجاح والإلهام
يشترك كثير من الكتّاب غير العرب في الكتابة عن صلاح باعتباره قصة نجاح يمكن استلهامها، متخلصين من النعرات القومية التي تجتاح كتابات المصريين الذين ينطلقون في كتاباتهم عن اللاعب المميز من نفس النقطة.
التركي أوغر أونور Uğur Önver، أحد هؤلاء الكتاب الذين يركزون على صلاح كنموذج ملهم. ففي كتابة الصادر في تموز/يوليو 2018، وهي فترة شهدت صدور كتب كثيرة عن صلاح، سعى الكاتب إلى الإجابة عن سؤال: "كيف جاء شاب مصري مجعد الشعر من قارة مختلفة تماماً (أفريقيا) وكتب اسمه على القمة بأحرف من ذهب؟"، متناولاً خطوات نجاح "الفرعون المصري" رغم كل الصعوبات التي مر بها، وكيف يمكن استلهام رحلته.
جدارية جرافيتي لمحمد صلاح في إحدى حارات منطقة باب الخلق- تصوير محمود الخواص - رصيف22
ومن خلال الكتاب، أكد المؤلف أن صلاح خير دليل على أن "الإنسان يمكنه تحقيق أي شيء إذا أراد ذلك"، واتخذ من حياة اللاعب المصري وسيلة للحديث عن أولئك الذين يريدون تحقيق أحلامهم، معتبراً أنه مصدر إلهام، ومثال حي لكل من أراد النجاح.
لا يعني هذا أن الكتاب خالٍ من أبعاد "وطنية" وإن لم تكن مصرية، فهو ينطلق من فكرة نجاح أبناء دول "العالم الثالث" أو العالم النامي في تحقيق أحلامهم، ما يخاطب القارئ التركي الذي يتوجه إليه الكتاب.
وفي نيسان/أبريل عام 2019، أصدر الأمريكي المتخصص في الكتابة للأطفال كيمي كين كتاباً موجهاً للأطفال حمل عنوان "قصة محمد صلاح: شاب صغير بأحلام كبيرة"، سلط من خلاله الضوء على المصاعب التي واجهت ابن محافظة الغربية بدلتا مصر، خلال مسيرته حتى وصوله إلى ليفربول، وكيف استطاع التغلب عليها.
لم يبذل الكاتب جهداً في البحث عن الخلفية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي جاء منها صلاح، وما تشهده مصر من محدودية الفرص، ما يجعل من صلاح حالة استثنائية، لكنه أراد أن يصنع مقاربة بين حالة "مو" وأطفال المجتمعات المهمشة والأقليات في الولايات المتحدة
لم يبذل الكاتب جهداً في البحث في الوضع الاقتصادي والاجتماعي المختلف الذي جاء منه صلاح وما تشهده مصر من محدودية الفرص، ما يجعل من صلاح حالة استثنائية، لكنه أراد أن يصنع مقاربة بين حالة "مو صلاح" وأطفال المجتمعات المهمشة والأقليات في الولايات المتحدة، مركزاً على أفكار الطموح وتحدي الظروف واستغلال الفرص المتاحة بطريقة ذكية وأمينة.
وبعيداً عن رسائل الطموح والنجاح، اهتم كتاب غربيون بشكل واسع في الكتابة عن تقنيات لعب محمد صلاح وتميزها، والمقارنة بينه وبين زملائه الغربيين من جانب والأفارقة أو أبناء الدول الفقيرة المشابهة في ظروفها لمصر من جانب آخر، ولكن على مستوى تقنيات اللعب، بينما بقيت الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الخلفية، ومن هذه الكتب، كتاب صدر عن صلاح ضمن سلسلة أبطال كرة القدم football heroes للكاتب مات أولدفيد، ويعد من أنجح الكتب الصادرة عن صلاح من حيث المبيعات وإعجاب القراء، كما يشهد بذلك تقييم القراء على أمازون.
كما صدر كتاب للمتخصص في الكتابة عن الثقافة الشعبية أدريان بيزلي، يتناول حياة صلاح وأهم التحليلات الرياضية لطريقته في اللعب.
سفير للإسلام
أما الكاتب الإندونيسي إقبال دومي، فانطلق في نظرته إلى رحلة صلاح من الدين، فبينما يأخذ مصريون وعرب على صلاح ما يرونه "تفريطاً" ينظر غيرهم من المسلمين إلى اللاعب الذي نجح في أن يصبح واحداً من الثلاثة الكبار على مستوى اللعبة الشعبية الأولى في العالم، باعتباره "سفيراً للإسلام" وفرصة لتصحيح "الصورة الخاطئة عنه".
صدر كتاب دومي في يوليو/ تموز 2018، وحقق مبيعات جيدة بفضل مشاركة صلاح ضمن صفوف المنتخب المصري في دورة كأس العالم التي عقدت ذاك الصيف، وعلى الرغم من خروج مصر من الدور الأول بأقدام منتخب السعودية، وعاصفة الغضب والسخرية التي هبت في وجه محمد صلاح في مصر، لم تتراجع "أسطورته" لدى متابعيه في دول إسلامية وغربية أخرى.
أما الإندونيسي إقبال دومي، فانطلق في نظرته إلى رحلة صلاح من الدين، فبينما يأخذ مصريون وعرب على صلاح ما يرونه "تفريطاً" ينظر غيرهم من المسلمين إلى اللاعب باعتباره "سفيراً للإسلام" وفرصة لتصحيح "الصورة الخاطئة عنه"
حمل كتاب دومي عنوان: "محمد صلاح: لاعب كرة قدم مسلم يُزيل الإسلاموفوبيا". وتحدث فيه عن "إنجازات ومسيرة صلاح" في مختلف الأندية منذ كان ناشئاً في نادي المقاولين العرب في مصر، مشيراً إلى نقطة أخرى، وهي سجود نجم ليفربول الإنجليزي عقب كل هدف يسجله، ما جعل الصغار في بريطانيا يقلدون حركته.
واعتبر المؤلف أن محمد صلاح "رمز إسلامي جديد"، و"فاتح" لبلاد "تأصَّلت فيها الإسلاموفوبيا". مشيراً إلى أن "محمد صلاح فعّال جداً" في تقديم صورة متحضرة للمسلمين.
ونوه "دومي" بأنه رغم الإنجازات والأهداف القياسية التي حققها محمد صلاح، ومنها قيادة بلاده للتأهل لكأس العالم 2018، بعد غياب 28 عاماً، إلا أنه اتّسم بالتواضع والأدب، الأمر الذي جعله "سفيراً للإسلام"، ومساهماً في تغيير رأي المجتمع الغربي تجاه الصور السيئة التي جرى تصديرها عن المسلمين.
نزيل في أحد السجون المصرية صنع تمثالاً صغيراً لمحمد صلاح - تصوير أيمن عارف- رصيف22
نور ليفربول
وعلى الرغم من الشهرة العالمية التي حظى بها ليفربول على مدار تاريخه، وامتلاكه العديد من المشجعين حول العالم، أكد الكاتبان مايكل بارت وكيفن آشبي في كتابهما "محمد صلاح الملك المصري"، الصادر في آيار/مايو 2019، أن الفريق الإنجليزي بات يحظى بكل الاهتمام في أقصى القرى والنجوع على الخارطة المصرية، بفضل النجم المصري الذي انضم إليه عام 2017، قادماً من فريق روما الإيطالي.
حلل الكاتبان بشكل معمق شخصية محمد صلاح، اللاعب المصري الذي أصبح ملكاً من ملوك الساحرة المستديرة، ورداً على الانتقادات التي واجهها اللاعب في أحد المواسم مع ليفربول، خاصة أنه تغيب عن قائمة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم للاعبين المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الموسم، مؤكدين أنه يكاد يكون الحاضر دوماً في كل "لعبة جميلة، وهدف يحرزه الريدز (لقب ليفربول)".
وأشار المؤلفان إلى ما يمتلكه الفرعون المصري من رؤية ثاقبة وتحركات واعية، وغريزة أصيلة، ما يمكنه من كشف نقاط الضعف بالفرق المنافسة، وبناءً عليه يصنع أفضل الفرص للاعبي ليفربول، مشددين على أن محمد صلاح وضع الريدز في طريق المنافسة الجدية على لقب الدوري الإنجليزي، واستطاع بالفعل التتويج به مع الفريق في موسم 2019 – 2020، بعد غيابه لمدة 30 عاماً.
ولم يغفل المؤلفان الدفاع عن محمد صلاح، الذي تعرض للانتقاد كثيراً عقب عدة مباريات؛ نظراً لأنه لم يسجل أهدافاً، مؤكدين أن هذا ليس من العدالة الكروية، خاصة أن نجم الريدز إن لم يحرز في شباك الخصم يصنع لزملائه الأهداف، كما أنه ليس من الضروري أن يصل إلى عدد الأهداف الذي سجله في موسمه الأول مع ليفربول (32 هدفاً)، في جميع المواسم.
لم تهتم دور النشر المصرية بترجمة الكتابات الكثيرة الصادرة عن محمد صلاح، لكن كتاباً محدداً لفت نظر دار نهضة مصر لترجمته، وهو كتاب للإسباني سيريل كولو والإيطالي لوكا كيولي. وربما يأتي اهتمام دار النشر المصرية بهذا الكتاب بالذات، كونه يركز على أثر "مصر" في مسيرة صلاح
في السياق ذاته، طرح فرانك وورال، الصحافي الإنجليزي الشهير، كتاباً في أواخر عام 2019، عن السيرة الذاتية لمحمد صلاح، حمل عنوان "Salah- King of The Koop"، ويعني بـ"Koop" الإشارة إلى مدرج "سبيون كوب" في ملعب "أنفيلد"، معقل ليفربول، أي المدرج المخصص لمشجعي الفريق المتعصبين، ما يعني أن الفرعون المصري أصبح الملك الجديد بين مشجعي المدرج.
ويؤكد المؤلف أن محمد صلاح إلى جانب نجوميته الكروية، استطاع أن يستحوذ على قلوب الجماهير على اختلاف أشكالها، بتواضعه ورشاقته خارج الملعب، إلى جانب ذوقه العالي، ما جعل الجميع يهتف باسمه في "أنفيلد"، وبعد فترة قصيرة أصبح الفرعون أسطورة في ليفربول. (صورة 7)
صورة إيجابية لمصر
لم تهتم دور النشر المصرية بترجمة الكتابات الكثيرة التي صدرت وتصدر عن محمد صلاح، لكن كتاباً محدداً لفت نظر دار نهضة مصر لترجمته، وهو كتاب "صلاح" الصادر في عام 2019 وهو نتاج تعاون بين كاتبين هما الإسباني سيريل كولو والإيطالي لوكا كيولي.
وربما يأتي اهتمام دار النشر المصرية بهذا الكتاب بالذات، كونه يركز على أثر "مصر" في حياة ومسيرة صلاح. ويتناول عشق الملايين له بسبب النموذج الإنساني الذي يقدمه، بجانب إجادته الكروية، ما جعله قدوة للكثيرين، على اختلاف جنسياتهم وعقائدهم وانتماءتهم، في الالتزام والخلق وقبول الآخر.
استعرض المؤلفان رحلة محمد صلاح، من بلدته نجريج في محافظة الغربية، وصولاً إلى أرض الضباب الإنجليزية، مؤكدين أنها لم تكن سهلة على الإطلاق، لكنها ترسم للجميع أملاً في ما يمكن أن يحصلوا عليه من الحياة إذا تحلوا بالصبر على الأحلام، مشيرين إلى أن صاحب الـ30 عاماً أصبح بطلاً إيجابياً يقدم الأمل للمصريين، وأسهم في نشر صورة إيجابية لبلاده، بشكل أكثر فاعلية من حملات الترويج التي لا تنتهي.
التناول المصري... محمد صلاح حكاية بطل
مصريون يتابعون مباراة للمنتخب بقيادة محمد صلاح ووراءهم جرافيتي له في مقهى بوسط القاهرة - تصوير محمود الخواص
وعلى النقيض من التنوع الواضح في التناول "غير المصري" لحكاية ومسيرة محمود صلاح وصولاً إلى إصدار كتب تلوين وكتابات تحليلة كروية وكتابات تركز حتى على الظروف المناخية التي يلعب خلالها صلاح وأثرها على أدائه الكروي، تأتي غالبية المؤلفات المصرية تقليدية، وتكاد تتشابه جميعها في التركيز على رحلته من نجريج إلى أنفيلد، ورصد عدد الأهداف الذي سجلها طوال مشواره.
ولكن في عام 2018، أصدر الكاتب الصحافي أحمد خالد مؤلفه "مو"، وقد رفض خلاله تصدير محمد صلاح على أنه سفير للإسلام، والثقافة العربية، على الرغم من كونه يقدم صورة مغايرة تماماً عن التي يريد البعض تثبيتها عن العرب المسلمين، مؤكداً أنه لاعب كرة قدم ليس أكثر من ذلك. وخلال العام ذاته، أصدر الكاتب الصحافي عماد أنور كتاباً بعنوان: "محمد صلاح... حكاية بطل"، عن دار العربي للنشر، سلط فيه الضوء على رحلة الفرعون المصري من قريته البسيطة وصولاً إلى ليفربول، بالإضافة إلى التطرق لتعلق الطبقة الفقيرة بكرة القدم، ما جعل أفرادها مع الوقت يحتلون النصيب الأكبر بين النجوم، منهم الأرجنتيني مارادونا والبرازيلي بيليه، وغيرهم. (صورة 11)
لم يختلف الأمر كثيراً مع الدكتور محمد عبد المنعم خضر، الذي أصدر كتاباً عن النجم العالمي حمل عنوان "محمد صلاح في زمن غياب القدوة"، تناول فيه كواليس من حياة الشاب المصري، لكنه حاول جاهداً من خلاله أن يبرز دور القدوة الغائبة، التي بدأت تتشكل بفضل "صلاح".
وفي أوائل عام 2019، صدر عن مؤسسة بتانة الثقافية للنشر كتاب بعنوان "صلاح اللامُبالي" للكاتب مؤمن المحمدى، اختلف في تناوله نوعاً ما عن سابقيه، إذ أشار المؤلف إلى أن موهبة محمد صلاح لم تكن السبب الوحيد الذي أهله إلى مكانته العالمية، بل ساعد في ذلك ثقافته أيضاً، خاصة أن الفرعون المصري عرف بقراءته لبعض الكتب، التي كان منها "فن اللامبالاة"، للأمريكي مارك مانسون.
ويرى المحمدي أن أوروبا ساهمت في تشكيل وعي محمد صلاح، وتحمله المسؤولية، وميزته عن غيره من اللاعبين المصريين، ما جعله يحمل على كتفيه أحلام 100 مليون مصري في الوصول إلى كأس العالم روسيا 2018.
هكذا نرى أن المؤلفات الأجنبية عن محمد صلاح ركزت بشكل أكبر على تأثيره في الملاعب الأوروبية، وتعلق الكثير من الفتيان بسجوده بعد تسجيل كل هدف، دون الالتفات إلى معنى الفعل ذاته، بالإضافة إلى رقيه في التعامل، كما أن الشهرة لم تنل من شخصيته كثيراً، بل ظل على طبيعته محافظاً على الأسس التي تربى عليها في قريته البسيطة، وساهم في انتشال فريقه ليفربول من حالة الضعف التي طالته، وكان منها عدم تتويجه بالدوري الإنجليزي لمدة 30 عاماً، وأصبح للريدز لاعب ترسم صوره على جدران المدينة البريطانية، ويزلزل الهتاف باسمه أرجاء ملعب "الأنفيلد".
أما المؤلفون المصريون فلم تختلف رؤيتهم كثيراً إذ رصد أغلبهم رحلة الصعود التي بدأها الفرعون المصري من ناديه المقاولون العرب مروراً ببازل السويسري وتشيلسي الإنجليزي، وفيورنتينا وروما الإيطاليين، وصولاً إلى ليفربول الإنجليزي، وتصدير محمد صلاح على أنه البطل المفقود منذ سنوات عديدة، وربما لن يتكرر على مدار سنوات مقبلة، والنموذج الملهم للشباب في الوقت الحالي، والاكتفاء برصد مسيرته والأهداف التي سجلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...