شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أن تسلم روحك إلى تاجر بشر كي ينقذك... حوار مع مهرّبي الحدود

أن تسلم روحك إلى تاجر بشر كي ينقذك... حوار مع مهرّبي الحدود

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمشرّدون

السبت 15 أكتوبر 202205:11 م

تحتاج وقتاً قصيراً كي يتحول هاتفك إلى عش دبابير، يعج بـأرقام المهربين وتجّار البشر، ويصبح مخزناً لأرقامهم وأسمائهم الوهمية.

منذ أسبوعين حين علقت أختي في غابات كرواتيا اضطررت آسفة أن أنشر على صفحة تخص مجموعة للجاليات العربية في كرواتيا، كي أطلب فيها رقم شخص يعمل مهرباً، من أجل إنقاذ أختي التي سدت أمامها الطرق واضطرت للمجازفة من أجل الخروج من تركيا إلى أوروبا فعلقت في الغابات الأوروبية الباردة.

ساعة واحدة كانت كفيلة بأن يحمل هاتفي أكثر من خمسين رقماً لخمسين شخصاً يعملون مهربين. جميعها أرقام غير أوروبية وصور شخصية لمناظر طبيعية أو سيارة، ألقاب يحملونها ونتناقلها نحن بالمثل.

 النمر، قاهر الكنترول، قطار، وحش الحدود...

هل تدرك معنى أن تضع حياتك بين يدي شخص حصلت على رقمه من منشور فيسبوك، مع رقم وهمي؟!

يستخدم مهربو سوريا أرقاماً تركية، ويستخدم مهربو تركيا أرقاماً سورية، ويستخدمون برامج مشفرة، بكلمات سر لا يفهمها غيرهم.

يستخدم مهربو سوريا أرقاماً تركية، ويستخدم مهربو تركيا أرقاماً سورية، ويستخدمون برامج مشفرة، بكلمات سر لا يفهمها غيرهم لدرجة أنك لا تعرف من هو وأين هو من تتكلم معه!

طرق التهريب كثيرة وكلها تحمل نفس الصفات والأسباب التي تجعلك في نهاية المطاف إما ناجياً يحمل إقامة مؤقتة ببلد ما، أو جثة متفسخة على شاطئ ما، أو مرمياً في غابة باردة تأكلك الضباع والخنازير البريّة.

ولكن السؤال الأهم هنا، هل تستحق أوروبا كل هذا؟!

هل تستحق أن نغرق ونموت ويتم بيعنا وشراؤنا في طريق الوصول إليها؟

الإجابة بالنسبة لي هي لا، لا تستحق، لكن من يستحق هو نحن.

هل تستحق أوروبا أن نغرق ونموت ويتم بيعنا وشراؤنا في طريق الوصول إليها؟ الإجابة بالنسبة لي هي لا، لا تستحق، لكن من يستحق هو نحن

نحن من نستحق أن نغامر لنعيش حياة طبيعية، ألا نموت تحت قصف، ألا يتم التنكيل بنا أحياء أو أمواتاً، أن نبقى على قيد الحياة في بيت صغير، وهذا أضعف الإيمان.

كثيرة هي الأسباب التي دفعتني وعائلتي في عام 2014 لأن نركب قارباً مطاطياً من اليونان ، باحثين عن فرصة نجاة في أوروبا. أما الآن فإن الأسباب التي دفعتنا زاد فوقها ألف سبب.

لطالما اعتقدت أنني تجاوزت تجربتي، كنت أعتقد أن سبع سنوات كافية لجعلي أنسى الطريقة التي وصلت فيها، ووجه المهرب وتفاصيل الرحلة، لكن مع كل خبر عن الحدود، مع كل خبر غرق مركب أو إنقاذ مركب أجد نفسي أتذكر حتى صوت أنفاس من كان معي على القارب، أنا التي تنسى ما أكلت في الصباح، لماذا لا أنسى تلك الرحلة؟ لماذا ما زال الملح عالقاً في ذاكرتي، يحرقني وكأني أرشه على جرح لا يشفى؟ أتذكر كيف وجدت المهرب وأتذكر الشاحنة، أصوات الأطفال الخائفة، أصابعي وأنا أسبّح عليها أسماء الله، أمنياتي، والعبثية التي كانت تحتلني.

اعتقدت أن سبع سنوات كافية لأنسى الطريق إلى أوروبا، ووجه المهرب، لكن مع كل خبر عن الحدود، وعن غرق مركب أجدني أتذكر حتى صوت أنفاس من كانوا معي على القارب

يحارب الاتحاد الأوروبي الاتجار بالبشر حسب زعمهم، لكني لا أقتنع!

يعلم الاتحاد الأوروبي ودول اتفاقية دبلن أن اللجوء لن يتوقف، وأن مهربي البشر أكثر عدداً من شعر رؤوسهم، ومع ذلك لم تتحرك دولة واحدة لخلق ممر آمن على الأقل، بل إن معاملات لم الشمل أصبحت أكثر تعقيداً، مما يدفع البعض لأن يرسل زوجته وأبناءه عن طريق مهرب ليختصر سنوات من الانتظار.

لم تتحرك دولة أوروبية واحدة لخلق ممر آمن، بل إن معاملات لم الشمل تزداد تعقيداً، فيرسل البعض زوجته وأبناءه عن طريق مهرب لاختصار سنوات من الانتظار.

السؤال الذي يأكل رأسي الآن، كيف يتحول طالب لجوء أو باحث عن طريقة للنجاة إلى مهرب وتاجر بالبشر، من شخص لا يجد طريقة يهرب بها إلى مُهرب؟

كلفني إقناع إيليا - اسم وهمي- بأن يحكي لي تجربته في إزمير أربع ساعات من التوسل وتكرار القسم، بأنني لن أستخدم صوته ولن أسجل المكالمة ولن أظهر شخصيته ولا اسمه، حلفت بالله وببناتي وبأمي حتى وافق أن يكتب لي.

إيليا هو صديق قديم، من دمشق، جمعتني الدنيا به في فندق رخيص في مدينة إزمير التركية، حيث تركني المهرب أتخلل كخيارة مملحة ستة أشهر وهو يقول لي اليوم وغداً، حتى سرق نقودي وتبخّر.

يتبخر المهربون بطرق غريبة، كما تقول أمي: "فص ملح وداب ".

حين اجتمعت بإيليا في إزمير كنت أنتظر إشارة من المهرب الذي وجدني في الشارع، ولم يكلفه الأمر أكثر من نصف ساعة لإقناعي بأن أسلمه حياتي، في تلك الأثناء التي وجدت فيها إيليا، كان يأخذنا المهرب كل يوم في شاحنة، ليقنعنا أنها محاولات، لكنها في الحقيقة كانت مشاوير يضحك بها علينا.

اجتمعت بإيليا مصادفة في أشد لحظات حياتي تشتتاً وظلمة وتعباً، لم يكن لدى أحدنا الطاقة لكي يبوح بما ألم به، كنا نلتقي فنرفع حاجبينا وكأننا نقول: "هاهاها ما زلنا هنا".

اليوم بعد سنوات استطاع أن يحكي لي الحقيقة وهو ما زال خائفاً ومتوجساً أن توجه إليه تهمة الاتجار بالبشر، قلتُ له:

كيف تحولت من شخص يريد النجاة إلى سمسار؟

لم أرتق إلى منصب سمسار، كنت شقيعاً، الشقيع هو الشخص الذي يجمع عدداً معيناً من الأشخاص ويوصلهم بالمهرب أو بالسمسار فالمهرب شخص لا يعرفه أحد. بدأت قصتي عندما سافر أربعة من أصدقائي على متن قارب مطاطي وللأسف فقد وضعوا معي نقودهم كطرف ثالث، أجلس مع شخص مسؤول عن الرحلة في قهوة تركية وأضع نقودهم في جيبي، ولا أسلمه المبلغ حتى تصلني مكالمة من أحدهم يقول فيها إنهم وصلوا الأراضي اليونانية. وضعوا معي أربعة آلاف دولار، ألف لكل واحد منهم، شربت خمسين كأساً من الشاي في انتظار المكالمة. وصلَت للشخص بجانبي مكالمة تكلم بصوت منخفض لم أسمعه، ثم تقدم نحوي ومد يده قائلاً: "يلا هات الأمانة وصلوا الشباب"، ضحكت وقلت بالله؟ لم يتصلوا بي! فأخبرني بأنه لا يمكن أن يكذب، فالشباب قد وصلوا اليونان لكن هواتفهم وقعت في البحر. أخرجت عندها المبلغ ورجعت إلى الفندق العفن الذي علقت به، ما إن أغمضت عيني حتى سمعتُ طرقاً على باب غرفتي، فتحته لأجد الأربعة أمامي، فركت عيني.

يقول أحدهم: "غرق البلم ورجعنا، منيح خلينا المصاري معاك مو معاهم!".

كم مرة ضحك علينا المهربون ؟

أخبرتُ إيليا بأنه لم يكن غبياً فأنا أيضاً ضحكوا علي، أتذكر تماماً كيف صرت أعد الآلاف بين يديّ وأتذكر كيف جمعتهم مئة بعد مئة.

نزلت أبحث عمن يأخذ مني "الأمانة"، بحثت حتى ذابت قدماي، كنت أدور في الشوارع وأبكي بحرقة، أمسح دموعي بكم قميصي لكني لم أجد أحداً.

يحكي إيليا وأضحك على خيبتنا، نحن الغرقى الذين لم نجد قشة نتعلق بها.

ويكمل: "عدتُ أجر خيبتي وأنا أحمل فوق همي هم أربعة شباب أمنّوا بي وعليّ أن أعيد نقودهم مهما كلفني الأمر. في أحد الأيام التقيت رجلاً سورياً في المقهى، وسألني عن قصتي وإذا كنت أنوي السفر لأنه سيحرك قارباً بعد يوم، فأخبرته قصتي فضرب على صدره وقال إنه سيحلها. من جرّب السفر عن طريق إزمير يعرف تماماً أن هناك مصيبة بعد كل ضربة لأحدهم على صدره، اقترح علي عملاً غريباً، بأن يقوم بتسفير واحد من أصدقائي الأربعة مقابل كل أربعة أشخاص أجمعهم من الشوارع لينضموا إلى الرحلة، وبالفعل صرت شقيعاً فجأة، أبحث في الحدائق والشوارع عمن يبحثون عن مهرب أوصلهم به، أجمع أربعة وأخرج معهم واحداً من أصدقائي".

هل كان يعنيك إن غرق القارب؟

لم أفكر بالأمر، كان جل همي أن أخرج الأربعة من الورطة التي تسببت بها.

هل حصلت على مقابل مادي خلال عملك؟

كلا، كنت أعيش على حساب السمسار أبو يحيى ، آكل وأدخن وأنام وأسفّر واحداً من أصدقائي مقابل كل مجموعة من أربعة أشخاص أجمعهم.

هل غرق أحد القوارب؟

الحمد الله لا، الأربعة وصلوا بخير.

"لا أحد يفكر بالثقة، الجميع يهمه أن يخرج، كنت أقف على باب الجامع ما إن أرى سورياً حتى أركض إليه وأخبره بأنني أعرف طريقة مضمونة للعبور إلى أوروبا". إيليا، مهرب سابق في تركيا.

كيف تمكنت من استقطاب الناس لكسب ثقتهم وإقناعهم بالسفر عن طريقك؟

لا أحد يفكر بالثقة، الجميع يهمه أن يخرج، كنت أقف على باب الجامع ما إن أرى سورياً حتى أركض إليه وأسأله، وأخبره بأنني أعرف طريقة مضمونة للعبور إلى أوروبا.

وحين انتهيت من تسفير أصدقائك هل استمررت بالعمل؟

نعم استمريت فترة شهرين أو ثلاثة، سفّرت أختي وصديقتي المقربة وأخي وفي النهاية جمعت أربعة وسافرت أنا معهم. كان أبو يحيى يريد مني البقاء والاستمرار بالعمل لكني لست مهرباً ولا تاجر بشر، كنت أريد النجاة وهذه كانت الطريقة الوحيدة المتاحة أمامي.

تختلف طرق تهريب البشر بين مهربي تركيا ومهربي أوروبا

يقول أ. س. وهو مهرب سابق يعيش في بلد أوروبي أنّه لم يكن يفكر بغرق القارب من عدمه وأنه كان يقضي ساعات وهو يحلف بأنه يضمن الطريق وبأن البحر ثابت "كبلاطة". وحين يتحرك الناس لنقطة التهريب كان يأخذ حبة منوم ويغلق هاتفه وينام ويحاول ألا يسأل فيما بعد.

يقول أ. س. وهو مهرب سابق، أنّه لم يكن يفكر بغرق القوارب وأنه كان يحلف بأنه يضمن الطريق. وحين يتحرك الناس لنقطة التهريب كان يأخذ منوماً ويغلق هاتفه، ويحاول ألا يسأل فيما بعد.

أخبرني أن بعض المهربين يتواصلون مع مهربين على الطرف الآخر ويحسبون مدة وصول البلم، فإن تأخر، اتصلوا بالخفر ليبلغوا عن قارب يغرق دون معرفة نقطته لكنها محاولة بعضهم لإراحة ضميرهم .

ثم أردف: "الخفر التركي يعلم متى ستتحرك القوارب، والرحلات الغالية هي بالأساس قد دفعت سكّتها، والسكّة بلغة التهريب تعني طريقاً يفتحه خفر السواحل برشوة، وهناك قوارب تتحرك أمام الخفر، ما داموا قبضوا سعرها فلا يعنيهم إرجاعها أو إغراقها".

وأسأله كيف يُغرق خفر السواحل القوارب؟ فيحكي لي كيف تتحرك بواخر الخفر ببطء نحو القوارب المطاطية ثم تشعلها على سرعة عالية لينقلب البلم، أو ترمي عليها السهام فتثقبها.

لم تكن هذه المعلومة غريبة عني، فقد أخبرني زوجي من قبل أن الخفر رمى سهاماً على القارب الذي كان يركبه صيف 2014، من السواحل التركية باتجاه اليونان، فثقبوه من جهتين مما دفع خمسين شخصاً للجلوس على جهة واحدة حتى غرق بهم القارب على حدود المياه الإقليمية.

يعمل أ. س. حالياً كمهرب ضمن أوروبا على سيارته الشخصية، يحمل الناس من كرواتيا وسلوفينيا وبلغاريا وبولندا إلى النمسا وألمانيا وهولندا. يستخدم رقم هاتف كرواتي ليس مسجلاً باسمه، يغيره كل أسبوع تقريباً ويمسح سجلاته باستمرار.

وعند سؤاله لماذا تعمل بهذا المجال بينما أنت وصلت! أجاب أنه بنظره عمل إنساني وأن الأشخاص بحاجة إلى من يوصلهم بجميع الأحوال، فلم لا يكون هو؟

لكنك تطلب مقابلاً مادياً مبالغاً به، لقد طلبت من أحدهم 16 ألف دولار لتنقله من كرواتيا إلى ألمانيا

ليس مبلغاً مبالغاً به بالنسبة لي، أنا أحرك ثلاث سيارات أو ما يسمى كشّافة، سيارة تسبقني وسيارة تتبعني، في كل سيارة هناك سائقان.

كيف تعرفون الطرقات وأنتم جميعاً تعتبرون قادمين جدداً. ولستم أبناء المناطق؟

نحن لا نعتمد على خرائط غوغل، وقد نغير طريقنا خمس مرات خلال الرحلة، هناك دائماً طريق رئيسي وألف فرعي.

كيف يتم حساب المبلغ المطلوب؟

يضحك ويجيب: "حسب الخاروف".

تذكرت أنني كنت خاروفاً يوماً ما، فقد صعدت سيارة خاصة من بودابيست إلى فيينا مع سائق لا أعرفه، لم أسمع صوته ولم يرد على أي سؤال، كان يغطي وجهه ويلبس نظارة شمسية، كنت أحكي وأسأل ويرد الفراغ.

كيف تحمي نفسك من الملاحقة القانونية؟ هل تدرك أن هذا يندرج تحت تهمة الاتجار بالبشر؟

لا يعرف أحد طبيعة عملنا حتى المقربون، لا نتحدث أبداً بأرقام هواتفنا ولا نجري أي مكالمة تخص هذا الموضوع إلا على برامج واتس آب أو تلغرام .

هل تم الإمساك بك من قبل؟

نعم، وقد خرجت ببساطة فمن كانوا معي بالسيارة قالوا إني أساعدهم، ولا أعرف أنهم لا يحملون أوراقاً، فنحن نتفق مع الزبائن قبل صعودهم للسيارة على سيناريو واحد.

يسحب أ. س. سحبة من سيجارته ويكمل: "بالنهاية لم نؤذِ أحداً، كل الناس وصلت، لم نتاجر بأعضاء أحد"

هل هناك تجارة أعضاء أيضاً؟

طبعاً، نصف من اختفوا في البحر بيعت كلياتهم، ولكن الحمد الله لم تتسخ يداي بعمل كهذا.

كيف يسلّم المهرب في بعض الحالات زبائنه للشرطة؟

يمشي بهم مثلاً لما بعد الحدود بمئة متر، يجعلهم يجرون مكالمة مع مكتب التأمين ويخبرون المكتب بأنهم قطعوا الحدود، يطلب منهم الانتظار هناك حتى الصباح ثم سيكمل رحلتهم، ومن ثم يختفي ويتم إلقاء القبض عليهم. فبعض دوريات الحدود تتعاون مع المهربين، فيعرضون غض البصر عن الحدود ساعة، مقابل أن يخبروهم بمكان الأشخاص فور دخولهم، وبهذه الحالة تنجز الدورية عملها المفترض.

هل يراودك الشعور بالندم من طبيعة عملك؟

أبداً، أنا أساعد الناس وأنقذهم من الموت برداً في الغابات، والمبلغ الذي آخذه أستحقه. لو أن هناك شيئاً يدعى إنسانية بالفعل لما أغلقت الحدود بوجه الهاربين من الحرب.

كم من مهرب بشر بيننا؟

إذا كان الأمر بسيطاً لأي شخص عادي يستطيع أن ينشئ حساب فيسبوك وهمياً، وأن يجد خمسة آلاف مهرب. فلماذا لا تستطيع الشرطة إمساكهم؟

يسمع من يركب البحر وتغرق عائلته ألف شتيمة مضمرة بالتعازي والشفقة واللوم كيف يمكنك أن تركب أبناءك البحر؟ يتهمونهم بالأنانية والطمع.

ماذا خلف البحر؟ سفاح… هل هذه إجابة كافية لغرق أبنائنا؟

من كان لا يريد للناس أن تغرق فليقبض على تجار البشر، ويفتح سفاراته وحدوده، ويرسل بواخر تنقذ البشر

هل يكفي سبب أننا لا نريد لأبنائنا أن يعيشوا في دولة سفّاح؟

من كان لا يريد للناس أن تغرق فليقبض على تجار البشر، ويفتح سفاراته وحدوده، ويرسل بواخر تنقذ البشر، لكننا نموت دون أي ثمن، على البث المباشر أمام مرآى العالم.

مجموعات للتصدي لتجار البشر والمهربين

لا نخشى الموت، بل نخشى العودة!

هذا الشعار يحمله اللاجئون حين يبدؤون الرحلة.

في محاربة الاتجار بالبشر، أسس شباب سوريون مجموعات عدة على تطبيق تلغرام يشكلون من خلالها مجموعات، وينطلقون في وقت معين في رحلتهم دون مهرب ولا بحر. يتشاركون فيها خرائط للطريق، وقد نجح عدد كبير منهم بالعبور، الشرط الوحيد لتكون واحداً منهم أنك لست امرأة وليس معك عائلة ولا أطفال، لطالما أنك شاب فيمكنك النجاة بدون تاجر بالبشر.

ما زلت أسمع صوت الموج في أذني، يغرقني حين أنام.

تقع كل هذه التجارة تحت أنظار الدول والقيادات وحراس الحدود والمنظمات الإنسانية وسياسات مارك زوكربيرغ أيضاً، ونحن ما زلنا نموت، وفي أحسن أحوالنا نصل وجهتنا جثثاً متحركة.

ما زلت أسمع صوت الموج في أذني، يغرقني حين أنام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard