شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
حُرّمت الرسوم إلا هنا… عالم آخر نكتشفه في الحمامات الإيرانية القديمة

حُرّمت الرسوم إلا هنا… عالم آخر نكتشفه في الحمامات الإيرانية القديمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تعد الحمّامات الإيرانية من المباني القديمة والقيمة في هذا البلد، حيث حُفظ الكثير منها منذ القدم، ويحتل بناء هذه الحمّامات أهمية كبيرة بين المباني الأثرية الأخرى مثل الأسواق والمساجد والمدارس، وتعتبر من أهم المباني العمرانية بعد المساجد والمدارس، كما تظهر مراجعة تاريخ هذه الحمّامات، أن هذه المباني تعتبر بطريقة أو بأخرى من بين الأماكن الثقافية في إيران، إذ يتميز التصميم والهندسة المعمارية التقليدية للحمامات في إيران، بميزات فريدة من نوعها.

حمام شاه في مشهد

ويرجع تاريخ بناء أقدم حمام إيراني إلى 3000 عام، أي إلى ما قبل العصر الأخميني، وتوسع استخدام هذه الحمامات في المجتمع الإيراني، بعد دخول الإسلام إلى هذا البلد، وحينها أصبح الاستحمام والتنظيف من بين أحد الواجبات الدينية لدى الإيرانيين. بني معظم هذه الحمامات حول المساجد وفي وسط المدن والقرى، وتعد هندستها المعمارية الفريدة التي تضم أقساماً منفصلة تحت تأثير مراحل غسل الجسم المختلفة عند الإيرانيين، وأحد الأمثلة المثيرة للاهتمام للفن المعماري في إيران القديمة.

هندسة الحمامات الإيرانية

من بين العديد من أقسام الحمامات، هناك أماكن مثل: البينة (مدخل الحمام) والوسط، وسخانة المياه، أجزاء لا تتجزأ من جميع الحمامات القديمة الإيرانية، بالإضافة إلى تلك الأجزاء الرئيسية الثلاثة، كانت تضاف أقسام أخرى إلى الحمامات، في ظروف مختلفة، كالموقع الجغرافي للحمام، وثقافة وعادات أهالي كل مدينة، وكانت هذه الأقسام تتنوع بين المسبح ومكان لتجفيف الملابس ومكان العمال وغيرها من الأماكن.

تظهر مراجعة تاريخ هذه الحمّامات، أن هذه المباني تعتبر بطريقة أو بأخرى من بين الأماكن الثقافية في إيران، إذ يتميز التصميم والهندسة المعمارية التقليدية للحمامات في إيران، بميزات فريدة من نوعها

لعبت عدة عوامل دوراً مهماً في تكوين وبناء الأجزاء المختلفة من الحمّامات، ويمكن اعتبار أهمها، قسم تنظيم درجة الحرارة والرطوبة وطريق الوصول وقسم تبديل الملابس، ومخارج مياه الصرف الصحي، وكان ترتب المساحات المختلفة للحمامات بحيث أنه بعد دخول العميل للحمام والمرور عبر الممر والردهة، يدخل إلى البينة، التي كانت في الواقع بمثابة مدخل للحمام.

نقوش حمام وكيل في شيراز

وغالبًا ما تكون البينة أكثر فخامة وزخرفةً من الأجزاء الأخرى في الحمام، إذ كانت أرضية المدخل عادة أعلى من المساحة الداخلية، وتملؤها زخارف مختلفة بالأسلوب الإسلامي العربي، حيث تشتمل الهندسة المعمارية لهذا الجزء من الحمامات عادةً على قباب وأقواس، ومجموعة من الزخارف والتفاصيل المعمارية التي ميزت هذه المساحة تماماً عن المساحة الخارجية والداخلية للحمام، وكان الهدف الأهم في تكوين وتصميم مساحة المدخل في الحمامات، هو منع الشعور الناتج عن اختلاف درجات الحرارة بين الخارج والداخل للحمامات.

حمام كنجعلي خان في کرمان

بعد المرور من هذا القسم، يدخل العملاء إلى غرفة تبديل الملابس، الذي كان أعلى من سائر الأقسام، حيث يوجد فيه منصات تحتها حجرات لوضع الأحذية ويمكن للعملاء الجلوس على هذه المنصات. بعد ذلك كان هناك حوض يغسلون العملاء فيه أقدامهم عند الخروج من غرفة تبديل الملابس، وكان سقف هذا الجزء من الحمام على شكل قبة مرتفعة، وغالباً ما كانت مزينة بزخارف عديدة وملونة، ويمكن القول إن معظم الزخارف كانت تستخدم في هذا الجزء من الحمام.

نقوش في حمام خان في يزد

كانت المسافة بين غرفة التبديل والجزء الرئيسي من الحمام تسمى بالبيت الساخن، حيث كان هذا القسم متصلاً عادةً بالمرافق وغرف التنظيف (مساحة لتنظيف الجسم وتطبيق الحناء والحجامة) من خلال ممر أو ممرين منفصلين، وكان البيت الساخن عادة على شكل دهليز أو ممر ضيق، وله اتصال غير مباشر بالبينة وغرفة التبديل والمرحاض وغرفة التنظيف، بالإضافة إلى أنه كان مساراً لاتصال هذه الأقسام، إلا أن عمله الإساسي هو تنظيم تبادل الحرارة والرطوبة. وغالباً ما كان على شكل مثمن أو مربع، وكان سقفه يفتقر عادةً إلى الزخرفة، ومع ذلك، فقد استخدموا في بعض الأحيان زخارف هندسية أو مقرنصات لتزيين هذا الجزء.

يمكن اعتبار البيت الساخن أهم جزء من الحمامات القديمة، حيث كان الناس يغتسلون، وكان يوجد فيه عادة حوض سباحة به ماء بارد، واعتاد الشباب السباحةَ فيه بالصيف.

حمام شاه في مشهد

بعد المرور من هذا القسم، يدخل العملاء إلى الدفيئة عن طريق صعود عدة درجات والمرور عبر مدخل صغير. والدفيئة هو الجزء الأكثر دفئاً ورطوبة في الحمام، وهو في الواقع عبارة عن بركة يوضع تحتها وعاء معدني مملوء بالماء الساخن. كانت هناك أيضاً حفرة نار أسفل الوعاء، والتي كانت تستخدم لإبقاء مياه الوعاء دافئة عن طريق إشعال النار، باستخدام الأدغال والحطب.

وكان سبب اختلاف التقسيمات في الحمامات هو تنظيم درجة الحرارة والرطوبة لكل مساحة مقارنة بالمساحة المجاورة، كي يحمي الزوار من الأمراض التي تحدث بسبب اختلاف درجات الحرارة المفاجئة، ولهذا السبب كان الهواء في البينة جافاً وأقرب إلى الدافئ، وكان الهواء في غرفة الملابس رطباً وشبه دافئ، بينما كان جو البيت الساخن رطباً ودافئاً، وجو الدفيئة رطب جداً وشديد الحرارة.

نقوش الحمامات

في القدم كانت هناك نقوش كثيرة موجودة في مختلف أجزاء الحمامات، والتي كانت تصاحبها أحياناً أبيات شعر، وأحياناً كان يكتب بجوار هذه النقوش تاريخ إنشاء المبنى. بالإضافة إلى النقوش، كانت تزين مساحة البينة وغرفة تبديل الملابس بالزخارف أو التبليط، وكانت تُنقش على الجدران صور للأساطير الفارسية أو قصائد من الشعراء القدامى الإيرانيين، مثل سعدي الشيرازي وجلال الدين الرومي وغيرهما من كبار الشعراء.

حمام كنجعلي خان في كرمان

بعد ظهور الإسلام، وحسب المعتقدات الدينية، كان رسم صور الإنسان والحيوان أمراً مكروهاً، ولهذا السبب لم تُرسم صور الكائنات الحية في أماكن مثل المساجد والمدارس، وكانت الحمامات هي الأماكن الوحيدة التي يمكن فيها رسم صور البشر أو الحيوانات، وقد ذكر العديد من المستشرقين والسياح هذه النقطة أثناء زيارتهم لإيران؛ على سبيل المثال، كتبت الرحالة البلجيكية كارلا سيرينا (1820-1884) في رحلتها: "في إيران، باستثناء أبواب الحمامات وجدرانها، لا توجد نقوش وصور".

وغني عن القول أنه كان هناك أمثال الفقيه الإيراني أبي حامد الغزالي (450-505 هـ) الذين اعتبروا وجود هذه الصور غير مناسب حتى في الحمامات، وعن ذلك يقول الغزالي في كتابه "كيمياء السعادة"، كالتالي: "وجه الحيوان على الحائط علامة على الشر، ومن الواجب إزالتها أو الخروج من ذلك المحل".

نقوش حمام وكيل في شيراز

وبشكل عام كانت زخارف الحمامات عبارة عن تصميمات إسلامية وأزهار وشجيرات وصور طيور وزخارف الشياطين والجن والملائكة وصور حيوانات وصور بشرية.  كتبت كارلا سيرنا في كتابها: "هذه الصور هي نوع بدائي جداً من اللوحات الجدارية، وتبدو مثل الوجوه الضاحكة التي يرسمها أطفال المدارس الابتدائية. الصور الرئيسية في كل مكان هي صورة رستم، المحارب الفارسي الأسطوري، الذي كان يقاتل الشياطين".

في ما يتعلق بسبب رسم هذه الزخارف في الحمامات، فيبدو أن الغرض من رسم هذه الصور كان فقط تزيينَ الجزء الداخلي من الحمامات وترفيه العملاء الذين كانوا يمضون بعض الوقت في الحمام بعد الاستحمام، أو حسب تخمين كارلا سيرينا "هو تجسيد للقوة التي يمنحها الاستحمام للإنسان". ولكن باعتبار أن رسم هذه الصور في إيران بعد الإسلام كان أمراً مقيتاً، فلا بد أن تكون هناك أسباب ودوافع أهم وراء هذه التصاميم.

حمام وكيل في شيراز

في كتاب "تقويم الصحة" للحكيم العيسوي البغدادي، فإن سبب الحاجة إلى رسم صور الجميلات والحروب والمحاربين هو تقوية قوتي الشهوة والغضب، لأنه حسب اعتقاد الأطباء القدامى فإن هاتين القوتين تضعف من خلال الاستحمام وبالحمام، كما جاء في كتاب "حفظ الصحة الناصري" الذي ألفه طبيب البلاط في العصر القاجاري محمد كاظم الجيلاني، أن كل مجموعة من هذه الزخارف مرسومة لتقوية أحد أبعاد النفس البشرية الثلاثة، وهذه الأبعاد الثلاثة هي النفس الحيوانية والحسية والطبيعية.

بشكل عام كانت زخارف الحمامات عبارة عن تصميمات إسلامية وأزهار وشجيرات وصور طيور وزخارف الشياطين والجن والملائكة وصور حيوانات وصور بشرية

الزخارف التي تمثل مشهد المعركة والمحارب تم رسمها لتقوية القوة الحيوانية، والزخارف المتعلقة بالنساء والرجال الجميلين في حالة الشرب والرقص، نقشت لتقوية القوى الحسية، وصور الحدائق والبساتين والأشجار والفاكهة، هي لتقوية القوة الطبيعية لدى الإنسان.

حمام وكيل في شيراز

بالإضافة إلى ذلك، كانت صورة الشيطان إحدى الصور الشائعة في الحمامات، والتي تعود جذورها أيضاً إلى المعتقدات القديمة، فكان الناس يعتقدون أن الحمّامات هي موطن الأجنة والشياطين، ولعل سبب هذا الاعتقاد هو أن الحمامات كانت بمثابة منصة مناسبة للفساد الأخلاقي. ولكن يعتقد البعض أن أصل هذا الاعتقاد ربما يرجع إلى الحديث المنسوب إلى النبي محمد، الذي رواه أبو أمامة عنه بأنه عندما طرد الشيطان من السماء واستقر في الأرض، قال للّه: اللهم الآن وقد أنزلتني إلى الأرض وأخرجتني من رحمتك فأسكنّي، فسمع الجواب: لقد وضعت الحمام منزلاً لك".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image