شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عجائب العلاج في الطب الإيراني القديم… من الجرح بالسكاكين إلى طقوس

عجائب العلاج في الطب الإيراني القديم… من الجرح بالسكاكين إلى طقوس "الزار"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الجمعة 2 فبراير 202401:10 م

منذ بداية تاريخ البشر، كان هناك أشخاص يعالجون المرضى ومن يعاني من داء ما، بطرق مختلفة وغريبة بعض الأحيان، تختلف من ثقافة إلى ثقافة ومن أمة إلى أمة، كما مرّ هذا الأمر على تاريخ إيران الطبي منذ القدم.

لا توجد وثائق ومستمسكات كثيرة عن بداية الطب في إيران، ولكن يذكر بعض المؤرخين أن بداية دراسة الطب وعمل الأطباء والمستشفيات في إيران القديمة كانت خلال العصور الآرية والزرادشتية والأخمينية، إذ كانت للطب والأطباء مكانة مرموقة وعالية في ماضي هذه البلاد.

الطب القديم في إيران

ما تظهره السجلّات التاريخية، هي أن الأطباء وكل من كان يعمل في هذا المجال، تمتعوا بشعبية كبيرة واحترام في إيران خلال فترة ما قبل الإسلام، وعلى وجه الخصوص في خضم العهد الساساني، وأبرز مصدر يمكن العثور عليه عن الطب خلال الفترة الأخمينية وما قبلها، هو الكتاب المقدس للزرداشتيين "أفيستا". إذ يمكن دراسة تاريخ الطب في إيران بشكل أوسع، من خلال دراسة تاريخ الشرق والغرب (الإغريق)، ووفقاً لهذه المصادر الدينية والتاريخية، فإن الطب أو أي علم آخر، لم يكن بعيد المنال عن الشعوب والحضارات المجاورة والقريبة لبعضها بعضاً، كما أن إيران لم تكن بمنأى عن هذا الأمر، لذا ينبغي تفسير مدى تغلغل العلوم الطبية لمختلف الأمم، من خلال دراسة تاريخ الطب فيها.

وبدراسة التاريخ هذا، يتبين أن هجرة الشعب الآري إلى إيران واستيطانه فيها، هي بداية التاريخ الطبي لهذا البلد، وهذه النقطة مذكورة في "أفيستا" وفي سائر كتب المؤرخين الشرقيين والغربيين. من هذا المنطلق فإن أقدم فترة في تاريخ الطب في إيران هي الفترة الآرية.

أول طبيب إيراني

في هذه الفترة، وبحسب الزرادشتيين، كان أول طبيب إيراني يُدعى ثريتا، ويمكن عدّه مثل الطبيبَين المصري إمحوتب واليوناني أسقليبيوس. وتقوم أسس الطب الإيراني القديم على القوانين والعلوم التي وضعها ثريتا، فقد كان هذا الطب موجوداً قبل ميلاد المسيح بقرون عدة، حينما لم يكن أي أثر للطب اليوناني والأبقراطي موجوداً.

يبدو أن هجرة الشعب الآري إلى إيران واستيطانه فيها، هي بداية التاريخ الطبي لهذا البلد، وهذه النقطة مذكورة في "أفيستا" وفي سائر كتب المؤرخين الشرقيين والغربيين. من هذا المنطلق فإن أقدم فترة في تاريخ الطب في إيران هي الفترة الآرية

وينبغي القول إن هذا العلم القيّم، تمكّن منه الإيرانيون بسبب اختلاطهم الثقافي بسائر شعوب العالم، وذلك إثر الانتصارات التي حققها الملوك الأخمينيون، ولكن بعد دخول الطبيب اليوناني أبقراط إلى إيران، واندلاع الحروب بين إيران واليونان، دخل الطب اليوناني الأبقراطي إلى هذا البلد، وترك أثراً هائلاً في الطب الإيراني.

معالجة المرضى في الطب الإيراني القديم

لمعرفة من هو أول طبيب إيراني، هناك روايات كثيرة وكل منها تعرّف شخصاً كأول طبيب إيراني، فالأطباء الإيرانيون كانوا يعالجون المرضى من خلال الأعمال الغريبة والأدعية أو عبر الاستعانة بالأساطير، ووفقاً للنصوص البهلوية والدينية للمزديين والنص الذي قدّمه زرادشت للإيرانيين القدماء في كتاب "أفيستا"، وكان في الأصل يتألف من واحد وعشرين كتاباً، لكن "أفيستا" المتاح في عصرنا الحالي، لا يشكل محتواه سوى ربع نصوص الكتب التي كانت موجودةً في العصر الساساني.

ويمكن الحصول على أقدم المعلومات حول الطرق الطبية والعلاجية في إيران ما قبل الإسلام من نصوص "أفيستا"، حيث أن الأساس الرئيس لما هو مكتوب في الكتب الدينية الإيرانية القديمة عن الطب، هو الإيمان بوجود الصراع ووجود القانون في الطبيعة، إذ إن هناك مبدأين في الزرادشتية هما الخير والشر، وهما في صراع دائم مع بعضهما البعض، وهذا الأمر أيضاً يدخل في الطب والأمراض التي جلبتها الشياطين التابعة للشر إلى الأرض، وفي المقابل يقدّم إله الخير أهورا مازدا، علاجاً يزيح الشر والأمراض عن أتباعه.

في الواقع، كان يُعتقد في إيران القديمة أن الشر يأتي من الشياطين، وكان ملاك السعادة وإله الخير يبحثان عن علاج لكل مرض ينشره الشيطان الشرير على الأرض، ومن وجهة نظر الآريين، فإن أسباب الأمراض عموماً كانت بمثابة غضب الآلهة والمصيبة القادمة من السماء، كما أن الأمراض العقلية، سببها سكون الأرواح الشريرة للشياطين في أجسام البشر.

وفي معتقد الإيرانيين القدماء، لم تكن الآلهة تقدّم العلاج الحقيقي فحسب، بل كانت هي التي خلقت العلوم الطبية، كما كان الإيرانيون يؤمنون بالكائنات الخيالية والخارقة للطبيعة الشريرة التي تسبب الأمراض، وهذا الاعتقاد بقي حتى العصر الساساني، ونتيجةً لذلك كانت أفضل وسيلة لعلاج الأمراض هي قراءة النصوص الدينية وطلب المساعدة من قوة الخير الخارقة عبر الدعاء.

أما علاج المرضى، فكان يقع على عاتق "مُغ بزرك" (بالفارسية مغ بُزُرْگْ)، وهم الكهنة المازداسيون. وفي الوقت نفسه كان هناك أطباء آخرون يعالجون بالنصوص السحرية، وآخرون يعالجون بالسكاكين وجرح المرضى بها، ومنهم من كان يستخدم الأعشاب كعلاج للأمراض، لكن بقيت النصوص، هي العلاج المضمون والرئيسي، حتى كانت عبارة معروفة شائعةً بين الإيرانيين القدماء حول هذا الموضوع، وهي أن "المُعالج المُشافي، هو الذي يَشفي المرضى بالكلمات المقدسة".

الزار... علاج نفسي للإيرانيين القدماء

لم تقتصر هذه العلاجات في الطب الأسطوري على الديانة الزرداشتية وأتباعها، بل تنوعت واختلفت هذه الطرق في هضبة إيران الواسعة والتي ضمت أدياناً وثقافات متنوعةً منذ القدم. وفي الماضي، قبل اكتشاف العلوم الطبية وعلوم الطب النفسي، لم تكن لدى الناس معرفة صحيحة بالأمراض النفسانية، وكانوا يظنون أن مثل هذه الأحداث التي تحطم معنوية المريض، هي من صُنع القوى الخارقة الشريرة، كما الحال في جنوب إيران، وكان المريض العقلي والنفسي مرتبطاً بالأرواح الجامحة التي كان لا بد من إزالتها من جسد المريض بطقوس خاصة، كانت هذه الطقوس تُسمّى بـ"الزار"، لكن ما هو الزار وما هي طقوسه؟

كان سكان دول الخليج يعتقدون أن الزار، عبارة عن مجموعة من الجنّيات والشياطين التي تدخل جسم الإنسان من خلال الرياح القوية وتصيبه بالهذيان والجنون، وعلى هذا الأساس جاءت طقوس الزار بهدف طرد المخلوقات غير المرئية الشريرة. كلمة "زار" نفسها تعني "المضطرب" و"المسكين" وكان يُعدّ هذا المرض من أفظع الأمراض المدمرة التي تحبس المبتلى بها وتحاصره.

طقوس"الزار"

وتُعدّ طقوس الزار مستمدةً من المعتقدات الشامانية لقبائل من شرق إفريقيا، وقد أدخلها البحارة إلى المناطق الساحلية في دول الخليج، وهي نوع قديم جداً من العلاج والطب الذي كان سائداً في آسيا الوسطى منذ آلاف السنين، كما كان الشامان أطباء وسحرة، ادّعوا أنهم يعالجون المرضى بأعمال النشوة.

فبعد وصول الطقوس إلى ساحل الخليج، انتشرت أيضاً في المدن الإيرانية، مثل: "بندر عباس" و"الميناب" و"بندر لنجة" و"جزيرة قشم"، ولقد أطلق قاطنو هذه المناطق على من يصارع هذا المرض اسم "بادزده"، أي "ممسوس من قبل الجن"، أو الشخص الذي أصيب بالرياح الشريرة. وبمساعدة طقوس الزار حاول سكان تلك المناطق سحب الرياح السامة التي دخلت جسد المريض، لشفائه، وكان هذا العمل يتم من خلال أداء الصلوات والنذور وغيرها من الطقوس الخاصة.

 الأطباء وكل من كان يعمل في هذا المجال، تمتعوا بشعبية كبيرة واحترام في إيران خلال فترة ما قبل الإسلام، وعلى وجه الخصوص في خضم العهد الساساني، وأبرز مصدر يمكن العثور عليه عن الطب خلال الفترة الأخمينية وما قبلها، هو الكتاب المقدس للزرداشتيين "أبستاق"

في اعتقاد من قاموا بطقوس الزار، كانت هناك رياح مختلفة مسببة للأمراض، ولكل منها اسم، كـ"بابازار" و"مامازار" و"بابانوبان" و"مامانوبان"، وعلاج كل ريح كان له طبيبه الساحر الخاص به، حيث كان أولاً، يقوم بغسل جسم المريض بعناية ويحرص على ألا يرى المريض أحداً ولا يقترب منه أي حيوان لمدة أسبوع، ومن ثم يتم تلطيخ قدميه بدواء يسمى "كره كوه" (بالفارسية گره کوه)، وهذا الدواء هو خليط من الزعفران والريحان والهال وجوز الطيب وأشياء أخرى.

طقوس "الزّار"

وبعد سبعة أيام وليال، كان يتم تنويم المريض وكان يُشد حول ساقه شعر الماعز، وبعد ذلك يُحرق شعر الماعز تحت أنف المريض، وفي الوقت نفسه، كانوا يضربون المريض بلطف بالخيزران، آملين أن يترك الشيطان جسد المريض، ولكن الرياح التي كانت داخلةً إلى رأس المريض، تم طردها أو إخراجها بالطقوس التي سُميت بـ"بازي"، وغالباً ما كانت الفتيات الشابات يقمن بهذه الطقوس، عبر تلاوة النصوص الخاصة وتحريك أيديهن وأرجلهن، وكان الأمر يبدو كما لو أنهن يؤدين رقصات، وفي أثناء القيام بهذه الأعمال، كانت تفرش مائدة من الطعام والفواكه ليأكل منها المصاب بالمرض.

وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأعمال والطقوس التي تُمارس لها تأثير على صحة المريض، إلا أن الإيرانيين القدماء عالجوا أنفسهم بها، أو ظنوا أنهم تعافوا بواسطتها، لذا كانت طقوس الطب الإيرانية القديمة تجلب لهم راحةً نفسيةً وطاقةً إيجابيةً، وقد اعتمدوها وعبرها اجتازوا محناتهم التي كانت تُعذب أجسادهم وأرواحهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image