"كنت أظنّ الريح جابت عطرَك يسلّم عليّ"؛ هكذا غنّى محمد عبده في "الأماكن"، معبّراً عن حبيب يفتقد حبيبته التي فارقته وداهمته ذاكرته برائحتها.
للرائحة بصمة لا تقلَّد؛ رائحة الأب، رائحة الحبيب، رائحة البيت، رائحة الطفل. دائماً تداهمنا الروائح من الذاكرة وتذكّرنا بمن نفتقد.
يرى محمود درويش أن للمدن رائحةً، فيقول في "حضرة الغياب": "عكا رائحة اليود البحري والبهارات، حيفا رائحة الصنوبر والشراشف المجعلكة، موسكو رائحة الفودكا على الثلج، القاهرة رائحة المانغو والزنجبيل، بيروت رائحة الشمس والبحر والدخان والليمون، باريس رائحة الخبز الطازج والأجبان ومشتقات الفتنة، دمشق رائحة الياسمين والفواكه المجففة، تونس رائحة مسك الليل والملح، الرباط رائحة الحنّاء والبخور والعسل... وكل مدينة لا تُعرفُ من رائحتها لا يُعوَّل على ذكراها".
وفي عام 2000، أنجزت الفنانة الألمانية هيلغارد هاوغ، مشروعاً لتصميم رائحة تشبه رائحة محطة قطار مترو برلين "ألكسندر بلاتس"، التي كانت تقع في برلين الشرقية الاشتراكية، في زمن الحرب الباردة، قبل أن تتوحد الألمانيتان، وتتغير المحطة.
أنجزت هاوغ بالتعاون مع خبير وصانع العطور Karl-Heinz Bork، عطراً يجمع بين روائح مواد التنظيف والخبز والكهرباء والزيوت، وأطلقت عليه اسم "U – deur".
بصمة الرائحة ليست مجرد خيال أو بلاغة لغوية، بل هي واقع خضع للتجربة؛ فالشمّ من الحواس الخمس التي يستخدمها الإنسان لإدراك وقائع الحياة، بجانب البصر والسمع والتذوق واللمس، ويحتفظ بذاكرة "شمّية" لهذه الوقائع
ثم جرى تركيب آلة "فوّاحة" يستطيع من يقترب منها شمّ الرائحة المصممة، وبالفعل كتب الناس أن الرائحة جعلتهم يتذكرون روائح مدينة برلين المقسمة بين شرقية وغربية في عصر الحرب الباردة.
بصمة الرائحة ليست مجرد خيال أو بلاغة لغوية، بل هي واقع خضع للتجربة؛ فالشمّ من الحواس الخمس التي يستخدمها الإنسان لإدراك وقائع الحياة، بجانب البصر والسمع والتذوق واللمس، ويحتفظ بذاكرة "شمّية" لهذه الوقائع، كما يوضح السيكولوجي الهولندي بيت فيرون Piet Vroon في كتابه "الرائحة: أبجدية الإغواء الغامضة".
وبالإضافة إلى ذاكرة الرائحة، هناك ظاهرة سيكولوجية معروفة بـ"ترافق الحواس"، مفادها أن الإنسان مرهف الحس يستطيع أن يتناول الشيء الواحد بأكثر من حاسة، بل بحواس يفترض أنها غير مرتبطة بما يتناوله، فتجده مثلاً يشمّ للموسيقى رائحةً افتراضيةً في ذهنه، أو يستشعر للّون طعماً افتراضياً في لسانه، حسب ما يوضح الدكتور أحمد مستجير في كتابه "بيولوجيا الخوف".
لما سبق وجدنا استلهاماً واستخداماً للرائحة في الأعمال الفنية، ربما منذ عصر النهضة الأوروبي (من القرن الرابع عشر وحتى السابع عشر الميلادي)، وحتى ظهور السينما رباعية الأبعاد (4XD) التي تستخدم الرائحة كمؤثر ومعبّر تصويري عن المشاهد السينمائية.
ولم يجرِ الموضوع صدفةً بل هناك مدارس فنية اعتبرت الرائحة مكوناً لا بد أن يحتوي عليه العمل الفني، تتزامن مع كل مشهد تمثيلي، ومع كل حركة موسيقية، بل مع كل لوحة تشكيلية.
فالرائحة فنّ ينقسم إلى قسمين عند الفيلسوف الأمريكي لاري شاينر، فهي في ذاتها وتركيبها وتصميمها فنّ، وكذلك يمكن أن تكون فنّاً تعزيزياً تصويرياً لفنون أخرى كالموسيقى والسينما والنحت والتشكيل والأدب، حسب ما يوضح شاينر في كتابه "روائح الفن".
للرائحة بصمة لا تقلَّد؛ رائحة الأب، رائحة الحبيب، رائحة البيت، رائحة الطفل. دائماً تداهمنا الروائح من الذاكرة وتذكّرنا بمن نفتقد.
وهذا المعنى استدركه الرسام الإيطالي كارلو كارا، في بيانه الفني الذي حمل عنوان "رسم الأصوات والضوضاء والروائح"، حيث قال: "ابتكرنا معشر الفنانين حباً للحياة العصرية بديناميكيتها الأساسية، وهي تعجّ بالأصوات والضوضاء والروائح".
ونلاحظ أنه أرفق فنوناً غير بصرية بفنّ بصري، بأن جعل الصوت والرائحة مرادفين للرسوم التي يرسمها هو وتياره الفني من رواد المدرسة المستقبلية، حسب ما نقل عنه لورانس رايني وكريستين بوغي ولورا ويتمان في كتاب "Futurism: An Anthology".
وبين هذه العناصر احتفى كارا بالرائحة، وقال: "نحن لا نغالي إذ نقول إن الرائحة وحدها كافية لنختار في أذهاننا زخارف الشكل واللون التي يمكن أن نقول إنها الدوافع والحجة إلى ضرورة الرسم".
وعموماً اعتبر كارا أن الرسم يجب أن تكون لوحاته متكاملةً، تتعاون فيها الحواس الخمس بنشاط، "يجب أن نرسم كما يغني السكارى ويتقيؤون، بالأصوات والضوضاء والروائح".
ويدعم رأي كارا نظريةً فنيةً برزت في القرن التاسع عشر هي "العمل الفني المتكامل"، كان من أبرز مناصريها ريتشارد فاغنر، المؤلف الموسيقي والكاتب المسرحي الألماني (1813-1883م)، الذي اعتبر أن الفنون في الحضارات القديمة كانت متّحدةً ولم تنفصل إلا في أزمنة لاحقة، حيث كان العمل الفني يجمع الموسيقى بالرقص بالتمثيل الدرامي بالشعر بالفن التشكيلي، وربما أقرب شكل إلى ذلك حديثاً هو فن الأوبرا الذي برع فيه فاغنر.
كيف استُخدمت الرائحة في تصوير الفنون ولا سيما المسرح، والسينما، والموسيقى؟ وما أبرز الأعمال الفنية التي استخدمتها؟ وكيف استخدموها؟ وهل نشم روائح الفنون قريباً من خلال هواتفنا الذكية؟ هذا ما نحاول توضيحه في ما يلي.
من زمن شكسبير إلى الألفية الجديدة... الرائحة تفوح في قاعات المسرح
في عصر النهضة الأوروبية، استُخدمت الروائح كمكون درامي أصيل في النص المسرحي نفسه لا كعنصر تعبيري أو إخراجي؛ ففي مسرحية الكاتب الإنكليزي جون ويبستر، "الشيطان الأبيض"، هناك مشهد يتضمن دخول شخصيتين تزيحان الستار عن صورة براتشيانو، ثم تحرقان العطور أمام اللوحة، وهو ما كان يؤديه الفنانان، ويشمّ جمهور الصالة الرائحة، حسب ما يوضح لاري شاينر.
ويبدو الموضوع أكثر عمقاً في مسرحية "لنغوا، أو صراع اللسان والحواس الخمس على السلطة"، وهي مسرحية غرائبية، يجسد الممثلون فيها حواس الإنسان، فيظهر ممثل على أنه الأنف، وآخر على أنه العين، وآخر على أنه الأذن، إلخ.
تقف الحواس الخمس للإنسان خلال المسرحية أمام هيئة المحلّفين التي يرأسها "المنطق"، وخلالها يظهر أولفاكتس (Olfactus) الذي يمثل حاسة الشم، برفقة سبعة غلمان يحملون العطور بأنواع مختلفة، وهناك خادم يقرأ على هيئة المحلفين وصفةً لصناعة مرهم من هذه المواد العطرية.
وبعدها ينشد أولفاكتس "حاسة الشم" ممجداً الروائح:
"تصفّي الأذهان، وتنعش الشهية
تهذّب الظرافة، وتشحذ الخيال
وتقوّي الذاكرة حيثما جاءت
يقضي البخور أن يحلّ الإخلاص
في قلب الرجل ليكون إلى السماء أقرب".
وبالطبع خلال المسرحية كان الجمهور يشمّ الرائحة، أي أن الرائحة كانت موضوعاً فنياً بجانب كونها مسألةً تصويريةً.
وربما كانت الرائحة الأكثر استخداماً في المسرح في ذاك الوقت هي رائحة المفرقعات والبارود، والتي كثيراً ما استُخدمت بشكل تصويري إيحائي لا كموضوع فني، ولعل أبرز مثال على ذلك مسرحية "مكبث" لوليم شكسبير، التي ظهرت فيها روائح البارود في بدايتها، ما استدعى في نفوس المتفرجين مؤامرة البارود التي وقعت في لندن قبل زمن المسرحية بوقت ليس ببعيد، والتي خلقت تقليداً سنوياً في إنكلترا بإطلاق المفرقعات والبارود احتفالاً بالقضاء عليها.
في عصر لاحق، وتحديداً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت الروائح توظَّف أيضاً في المسرح، بل اشتهر مخرجون بذلك، وعلى رأسهم ديفيد بيلاسكو، الذي استخدم روائح الطعام الذي يُطهى في مطبخ حقيقي على المسرح ليشم الجمهور رائحته، وكان ينثر أوراق صنوبر ليشم الجمهور رائحة غابة، أو يطلق البخور لأجل مشهد روحاني، وغيرها من الروائح ليعيش الجمهور بشكل كامل داخل العرض المسرحي.
واستخدم فنانو الحركة الرمزية عطوراً مصممةً خصيصاً بطرائق إيحائية، لرسم واقع معيّن في أذهان الجماهير الحاضرة، حيث كانت الروائح تُنثر من خلف ستائر شفافة مطلّة على قاعة المسرح، حسب ما تنقل سالي بينز وأندريه ليبيكي في كتابهما "The senses in Performance".
وظهر ذلك بقوة في مسرحية تدور أحداثها حول سفر الكتاب المقدس "نشيد الأنشاد" عام 1890، حيث وزعت إدارة المسرح على المتفرجين لدى دخولهم قاعة العرض منشورات عن العرض تضم ملخصاً للأحداث، وتشرح المعاني الرمزية أو الغامضة لكل مشهد، بجانب قائمة بالأصوات والألوان والموسيقى و"العطور المستعملة" في العرض.
في عصر النهضة الأوروبية، استُخدمت الروائح كمكون درامي أصيل في النص المسرحي نفسه، لا كعنصر تعبيري أو إخراجي.
أما في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فترى سالي بينز، أن استعمال الرواح خلاله جاء إما بهدف التصوير والواقعية في المشاهد، أو لترسيخ جو عام في مزاج الجمهور، وظهر ذلك في أعمال كثيرة في الغرب.
فخلال عرض مسرحية "جزيرة الكنز"، لروبرت لويس ستيفنسون عام 2014، استخدم مسرح "Theater in the round" في مينيابوليس الأمريكية نظام التهوية في المسرح لنشر روائح بين الجمهور تعبّر عن أحداث المسرحية، لا سيما في مشاهد "أدغال جزيرة الجمجمة، نسائم البحر، سفينة القراصنة، الحانة القديمة"، حيث نشر مع كل مشهد رائحة تبيّن الجوّ العام له.
وفي عام 2000، ومع عرض مسرحية "Balti Kings" في بريطانيا، والتي تدور أحداثها حول مطعم هندي، جرى إنشاء مطعم حقيقي على المسرح، وطبخ فيه الممثلون بالفعل وظهرت روائح الطعام في المسرح بتفاصيلها الدقيقة، خاصةً أنها كانت تُعرض في مسرح دائري يلتف فيه الجمهور حول خشبة العرض.
سينما 4XD: لا تكتفِ بلمس المَشَاهِد بل استنشق روائحها
الروائح في السينما هي استكمال للفكرة التي بدأت في المسرح، وربما أول محاولة واضحة لاستخدام الروائح في السينما كانت عام 1959 مع فيلم "Behind the Great Wall" الذي أُلصقت به عبارة "معزّز بالروائح" (in Aroma Rama)، حيث استُعملت خلال عرضه 100 رائحة للتعبير عن المشاهد المختلفة في الفيلم. وعاب بعض النقاد على صنّاع الفيلم أن الروائح أحياناً كانت بعيدةً عن روح المشاهد، ناهيك عن خلل تقني أدى إلى اختلاط الروائح في قاعة السينما المغلقة وتراكمها، حتى أن كل من حضر العرض خرج والروائح قد علقت بملابسه، حسب ما يوضح لاري شاينر.
في العام التالي 1960، عُرض فيلم آخر، كان استخدام الروائح فيه أكثر دقةً، هو فيلم "رائحة الغموض" (The scent of mystery)، أو "عطلة في إسبانيا" (Holiday in Spain)، حيث كانت الروائح التصويرية لمشاهد الفيلم تنبعث من أسفل الكراسي التي تجلس عليها الجماهير، وخلال العرض كانت تطلَق أكثر من 30 رائحةً.
في الأيام الأولى للعرض، حدثت بعض المشكلات التقنية، منها أن بعض الروائح لم يلاحظها الجمهور، وبشكل عام تفاوتت كثافة رائحة عن أخرى، وكانت الأنابيب التي تضخّ الروائح ذات صوت ملاحظ، ولكن صنّاع الفيلم حاولوا حل هذه المشكلات في الأيام التالية، ونجحوا في حل أغلبها.
لكن في العموم كانت التجربة مستهجنةً من النقاد لأسباب تقنية في نظام "Smell of vision" المسؤول عن إطلاق الروائح، ولكن هذا النظام اهتم به آخرون وطوّروه واستخدموه في أعمال لاحقة في القرن الواحد والعشرين، بحسب ما ذكر عالم النفس المتخصص في تأثير الروائح أيفري غيلبرت، في كتابه الصادر عام 2008 "What the nose knows".
وأخيراً ظهرت سينما 4XD التي يعش خلالها المشاهد تجربةً كاملةً، حيث يرتدي نظارة الواقع المعزز، ويعيش الفيلم في قاعة السينما وكأنه يعيش في داخله بشكل أدق من سينما 3XD، حيث يشمّ الجمهور الرائحة الطبيعية المناسبة لمشاهد الفيلم، بجانب إحساسه بكل شيء في المشهد من ضباب أو ماء أو ثلج، بجانب الحركة والاهتزازات وخلافه، ناهيك عن الصوت والصورة.
من أوائل الأفلام التي عززت من الرائحة وسينما الـ4XD كانت "العالم الجديد – The new world" عام 2006، لتيرنيس ماليك، حيث جرى التعاقد مع شركة NTT Communications لإنتاج تقنية لنشر الروائح بين جمهور السينما خلال مشاهدة الفيلم.
وكان الجهاز الذي ابتكرته على شكل كرات لنشر الرائحة، تُثَبّت بين كراسي الجمهور. وخلال العرض جرى بث نحو 12 رائحةً تناسب مشاهد الفيلم، منها الروائح الخشبية مع مشاهد الغابات في أمريكا، والروائح الزهرية مع المشاهد الرومانسية وغيرها.
تناسق غامض بين الموسيقى وعطور الزهر
الفكرة ربما تكون أعقد في الموسيقى، إذ إنّ استخدام الرائحة مع المشاهد التمثيلية على المسرح أو في السينما معزز بصورة، على عكس موسيقى هذا الفن السمعي؛ فمثلاً حين يشاهد الجمهور غابةً ويشمّ رائحة الصنوبر، فالمسألة هنا تبدو مقنعةً له لأنه سيربط بين الرائحة والصورة التي تظهر على الشاشة، أما في حالة الموسيقى، خاصةً الموسيقى البحتة غير المصحوبة بكلمات مغناة، فالأمر يحتاج إلى مهارة وحساسية عالية من المؤلف الموسيقي وصانع العطور معاً، لتصميم رائحة تناسب القطعة أو الحركة الموسيقية.
روائح مكوّن فنّي لا غنى عنه بالتأكيد، لكنه ما زال لا يحظى بالشعبية الكبيرة التي تضاهي العناصر الفنية البصرية أو السمعية، وربما أكبر عائق وقف أمام تمدد هذا الاتجاه الفني هو التكنولوجيا
قديماً، استلهم الفرنسي كلود ديبوسي (1862-1918)، الموسيقى من الروائح وجعل الروائح والعطور عنواناً لعملَيه الموسيقيين "إيبيريا" (Ibéria) و"مقدمات" (Pre’ludes).
فالقسم الثاني من "إيبيريا" حمل عنوان "عطور الليل" (Les parfums de la nuit). أما "مقدمات"، فجاءت الحركة الموسيقية الرابعة منها بعنوان "الأصوات والعطور تحوم في نسيم السماء" (Les sons et les parfums tournent dans l’air du soir):
كان ديبوسي، مغرماً بالروائح الطبيعية، ويرى أنها ملهمة موسيقياً، حيث تنقل عنه الفيلسوفة الفرنسية شانتال جاكي في كتابها (فلسفة الرائحة" (Philosophie de l’odorat)، قولَه: "من الممكن تأليف الموسيقى للعزف في الهواء الطلق خصيصاً... تناسق غامض بين حركات أوراق الشجر وعطور الزهر مع الموسيقى، تتوحد خلاله جميع هذه العناصر في تناغم طبيعي".
هذه النظرية طبّقتها المطربة كاتي بيري، حيث صرحت عام 2011، لمجلة "رولينغ ستون"، بأن جولتها الغنائية تتضمن عروضاً شاملةً تقدّم خلالها بجانب الغناء مؤثرات بصريةً، وروائح، لا سيما رائحة غزل البنات (cotton candy) باستخدام تقنية "Smell-O-Vision" التي استُخدمت في الستينيات لنشر الرائحة بين أنوف الجماهير بالتزامن مع غنائها.
جاءت جولة كاتي بعد إصدارها ألبوم "Teenage Dream" عام 2010، والذي كان يباع على أسطوانات معطرة برائحة غزل البنات cotton candy، فيشمّ من يسمع الأسطوانة الرائحة المثبتة عليها إيغالاً في تأثير الأغاني عليه، حيث اعتبرت كاتي أن تلك الرائحة هي الأقرب إلى روح الأغنيات التي قدّمتها خلاله.
من التجارب المهمة للروائح التصويرية حديثاً، والتي ما زالت مستمرةً، تجربة المؤلف الموسيقي الفرنسي لوران أسولن، الشهير لدى هواة الجاز، فهو منذ 2008 يجري أبحاثاً على دمج الموسيقى بالرائحة، بتوظيف عطور مصممة خصيصاً مع مقطوعاته الموسيقية، تحاكيها في المشاعر والأفكار.
وأنتج مجموعة من الأعمال في هذا الاتجاه، لعل من أبرزها ما قدمه عام 2015، حيث طرح ألبومه "Sentire" مرفقاً بمجموعة من العطور، يتماشى ذوق وإحساس كل عطر منها مع قطعة موسيقية في الألبوم.
وفي عام 2021، أطلق علامته التجارية "Parfums de Nietzsche"، التي تقدّم عطوراً، كل عطر منها له معزوفته الموسيقية التي يتماشى معها، ومع كل ألبوم موسيقي يصدر ألبوماً من العطور، وخلال الحفلات التي يقدّمها تُطلَق العطور مع كل مقطوعة موسيقية يعزفها؛ فنحن معه لا ندري هل ننصت إلى صوت العطر، أم نشمّ رائحة الموسيقى.
كل ذلك دفع الفرقة الرباعية الأسترالية إلى التعاقد مع كارلوس هيوبر Carlos Huber عام 2016، لابتكار مجموعة من العطور تتناسب مع مقطوعات موسيقية كلاسيكية شهيرة تقدّمها الفرقة، لكبار المؤلفين الموسيقيين مثل تشايكوفسكي أو غوردجييف، وذلك لتقديمها في حفل حمل عنوان "رائحة الذكرى" (Scent of memor).
وخلال الحفل، قدّمت الفرقة للجمهور عصيّاً ورقيةً معطرةً، كل عصا تحمل عطراً يشبه معزوفةً معينةً، وقبل كل معزوفة يتحدث هيوبر، عن العطر الذي صممه خصيصاً لأجل القطعة الموسيقية التي ستقدّم، ومدى تقارب هذا العطر معها، من حيث الإحساس الذي يوحي به أو الأفكار التي يدعمها.
ويرى جيمس بيك، المدير الفني لفرقة الرباعي الأسترالية، أن "العطور لديها القدرة على تجاوز التفكير العقلاني، فهي عاطفة خالصة... إنها الطريقة التي يمكن أن نثير بها الأجزاء المغلقة من أذهاننا".
الروائح مكوّن فنّي لا غنى عنه بالتأكيد، لكنه ما زال لا يحظى بالشعبية الكبيرة التي تضاهي العناصر الفنية البصرية أو السمعية، وربما أكبر عائق وقف أمام تمدد هذا الاتجاه الفني هو التكنولوجيا، كما أوضحنا، لكن مع تطور التكنولوجيا ومع الاتجاه إلى استنشاق الروائح عبر الهواتف الذكية التي صارت في يد كل منا، صار الأمر أقرب إلينا مما نتخيل، خاصةً أن هناك تجارب ناجحةً أجريت على الهواتف الذكية لاستقبال رسائل عطرية، ولكن الأمر ما زال يتطور، كما توضح صحيفة "نيويوركر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Sam Dany -
منذ 15 ساعةانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ 19 ساعةلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ يوموحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ يومينالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته
مستخدم مجهول -
منذ يوميناهلك ناس شجاعه رفضت نطاعه واستبداد الاغلبيه
رزان عبدالله -
منذ أسبوعمبدع