شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رائحة تبغك ترقص في رئتي

رائحة تبغك ترقص في رئتي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 12 نوفمبر 202212:35 م

أشيائه

 

لم لا؟

قد يكون في تلك الرائحة التي تباغتني بها بدءُ  غواية وضلالٌ مبين، أو شهوةٌ من الشعلة الأولى وحتى العقب الأخير في ذاك الرواق، أو في ذاك الممرّ المفضي إليك بعد شمس حارقة.

بعد رائحة عطرك التي تسحبني من أصابعي إلى سريرك الفوضوي. إنها رائحة سيجارتك، التي لم تكن في الحسبان، إن في طريق الغواية، أو طريق الرغبة، أو طريق الشهوة إلى هناك... "هناكٍ" ما، قد يكون سريراً عامراً بالأحاسيس والرغبة في تذوق تفاصيلك الجسدية من تلك الرائحة الشهية حد "دوخة الأجراس" على جلدك المرتعش.

هل يمكننا أن نخزّن الرائحة في الدماغ كزوادة للأيام القاحلة، وكأنها مصير لا مهرب منه البتة، وهل يمكن متى شئنا أن نتذوق الرائحة، رائحة رجل، رائحة رغبة رجل وضعفه ويأسه، من تلك المتعة القاتلة لذاك الدخان الصاعد من رئتيه، ناثراً عطره الداخلي في الأرجاء؟

تلك الرائحة التي في جانب من جوانبها قد تعطب القلب أو الرئة أو الشرايين، إلا أنها تعلّم فنّ الاشتهاء وتقود إليه دون حذر يذكر، أو أنها ليست مطلوبة على كل حال، في الجري خلف اللذة المبتغاة. هنا نغفل عن دور الشرايين، قد نهدرها دون أن ندري، أو بنسيان متعمّد عن أهميتها في الطريق إلى النشوة المبتغاة.

*****

المغامرون الأوائل هم أصاب السبق أو الفضل بتلك النعمة، أو النقمة اللذيذة على الكائنات البشرية من مشرق الأرض إلى مغربها. كانوا الأكفأ في اكتشاف ذاك السر، أو السحر في المذاق. بعد أن خوّضوا طويلاً في البحار والمحيطات وما خلفها، كحمقى ومجانين تحت الكواكب والنجوم، في عتم الماء والليل والزمن.

لم يكن لهم أن يسمعوا في عزلتهم سوى صوت الماء أو ضجيج الموج، صخب الرقص والجنس، سوى صوت المغامرة في دواخلهم الصلبة، أو قلوبهم الميتة التي تصالحت مع الموت، كأنه حدث قد وقع منذ زمن لا بأس به.

هل يمكننا أن نخزّن الرائحة في الدماغ كزوادة للأيام القاحلة، وكأنها مصير لا مهرب منه البتة، وهل يمكن متى شئنا أن نتذوق الرائحة، رائحة رجل، رائحة رغبة رجل وضعفه ويأسه؟... مجاز

لم تكن لهم دراية بما قد يصادفهم بعد المحيط، أو الهلاك المفترض من قبل كائنات آدمية وخلاف ذلك، من كائنات قد تكون متوحشة أو دموية، بعد مغامرتهم المجنونة اللامأمونة العواقب أبداً.

*****

ربما كانت هي أو ما اكتشفوه، أو أول ما أثار شهيتهم، أو شهوتهم، أي تلك الرائحة.

الرائحة التي لتلك الأوراق الخضراء اللزجة، والتي تتحوّل إلى لون الذهب بعد التجفيف. النبتة التي لا تترك مجالاً أمام متذوّقها للمرة الأولى دون أن توقعه في دوخة تشبه النشوة الغامضة. في تلك المسافة لا يمكن أن تكون في حالة حياد بارد تجاه التعاطي مرّة ثم مرّة. بل هي تلك التي تأخذ الجميع من عطرها، من دخانها، من طعمها الغريب عن مكنونها، إلى نشوتهم، وربما إلى حتفهم. مع المتعة، متعة التعاطي، لا يمكن التفكير بالحتف، لا يمكن التفكير بغير المتعة والانتشاء حتى العقب.

السكان الأصليون ما خلف المحيط هم من وهب ذاك السحر النباتي، المستخدم في السحر والشعوذة وتسكين الأوجاع كافة. يقال بأن النساء هناك كن يعالجن به برود ذكورهن وأمراضهم من الملل أو فقدان الرغبة.

أرأيت؟ إذن من تلك الرائحة يمكن علاجك حين تصاب بالملل أو الضجر، أو الانطواء، بعد تقاسم الرائحة معك حتى العقب، بعد تذوقها من فمك، أو لعقها عن أصابعك وصدرك.

*****

تلك النبتة برائحتها، لا بد أنها كانت هدية كريستوفر كولومبس للعالم المليء بالضجر والغثيان. هل أهداها لأنثاه قبلاً، قبل أن يعمّمها على الكائنات؟

لنفترض ذلك. أو لنتخيل طقس كولمبس مع امرأته، وكيف أخذها بخدعة خبيثة من غثيانها إلى سرير القرصان الإسباني الفظ. ربما اغتصبها اغتصاباً كما يليق بالحمقى، أو كما يليق بالنسوة اللواتي لا يستمتعن بغير ذلك، بعد غثيان طارئ، أو نشوة طارئة، لا ترحم فيها المرأة رجلاً يعتليها أو تعتليه، إلى أن يعلو صوتها نخيرها في اللذة إلى حدها الأقصى، بعد رهز سريع لا يتوقف حتى يصل الله مبتلاً.

*****

السكان الأصليون بـهديتهم تلك، لم يأمنوا جانب القرصان الشرير، المغامر، الوغد المحترف. على غير ما توقعوا، جعل منهم عرضة للفناء، ليس في المتعة كما اعتادوا على ذلك آلاف السنين، المتعة في العزلة مع موسيقاهم، حكاياتهم، أساطيرهم، وريش النسور كتيجان على رؤوسهم، بل الفناء في الحياة... وفي الزمن.

بعد أن نفدت حكاياتهم من التاريخ من الزمن، ها هي رائحة سحرهم، رائحة نباتاتهم، شعوذاتهم، تبغهم على أصابعك، على قميصك، على جلدك، ثم على روحك كإكسير يربطني بك، يربطني دون فكاك منك، برائحتك القوية... مجاز

هناك، تولّدت في ذهنه المريض، المريض بالمغامرة، الكثير من الأمراض والنرجسيات بطرائق مبتكرة، ربما لم تكن تخطر على بال.

ما الهدية التي بادلهم إياها بعد تلك الرائحة التي أخذته إلى النشوة، إلى التأمل، إلى اجتراح الأفكار أو الهلوسات، التي تدفع بالمرء باتجاه المغامرة أكثر، بعد أن استمتع بنبتتهم، وربما بنسائهم في غفلة منهم، أو بترهيبهم أيضاً؟

*****

إذن، بعد أن نفدت حكاياتهم من التاريخ من الزمن، ها هي رائحة سحرهم، رائحة نباتاتهم، شعوذاتهم، تبغهم على أصابعك، على قميصك، على جلدك، ثم على روحك كإكسير يربطني بك، يربطني دون فكاك منك، برائحتك القوية.

بعد اختناق أو غرق في التفاصيل، تفاصيلك، أو اللهاث خلف سراب لا نهائي،  هكذا قد أتبعك، كي أحظى منفردة بشهوتك مخلوطة برائحة تبغك،  كما لو كنتُ امرأة من ذاك التاريخ، من تلك العزلة المنسية، تختزن شبق آلاف الجدّات، الدؤوبات بالاستحواذ على ذكورهن، بامتصاصهم حتى آخر قطرة من خصاهم المتجعّدة.

طيلة يوم وليلة، في اليوم والليلة الصاخبة، هكذا قد أكون، لست سوى واحدة منهن. لا هدف لي في اليوم والليلة بعد أن تتوغل رائحة تبغك من فمك إلى رئتي، سوى أن أكون لك في اليوم والليلة، كلّ اليوم وكلّ الليلة، حسبما تقتضي حالتك/حالتي المزمنة أو مزاجي اللامنضبط في الاستحواذ عليك، استحواذ بحكم الغيرة، أو الخبرة، أو المتعة.

*****

ربما، المرأة الشهوية، الشهوانية، هي الكائن المغامر الذي يقتحم رجلاً كي يتذوّقه من رائحة أصابعه، أو من نهاياته العصبية ذات الإثارة الجنسية دون توريات. من هنا إلى هناك، بهذه الرغبة، يكون الطمع بشمّ رائحة أعقابك، أعقاب سجائرك في سرّك، أو سريرك، بعد أن تشتعل نار الغريزة بين أضلعي، أو أصابعي، أو فخذيّ إن شئت الدقة والصواب، أو الرغبة إلى الحد الأقصى.

طعمك اللذيذ في رائحة سيجارتك. ليس في الجملة أي مبالغة تُذكر. هي ذي لغة سحرية مصحوبة بعطر مبتكر لأجل الطعم، لأجل الذائقة ببعدها البصري واللساني، أتذوق بشغف أن أكون سرّك أو ظلّك أو سحرك الذي تعتزّ بأن يكون معك في تلك العلبة المدهشة بزخرفاتها، منذ فجرك إلى آخر لياليك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image