شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
تغيير العالم رغم التهاب المفاصل ووجع الفقرات

تغيير العالم رغم التهاب المفاصل ووجع الفقرات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 21 ديسمبر 202411:58 ص

تصميم حروفي لكلمة مجاز


حين تعلمت القراءة، كان لدي تسع كلمات عن الحب، وكلمة عن الكراهية، عشرية شكلت حياتي، بلمسة تتلون، تزهر، تهوي، تذبل، ثم تومض من جديد في قلبي، سرب فراشات خرج للتو من شرنقته، وتنزه فوق أزهار وحدتي حيث لا أحد هناك مثل حبيبي، يدهس عشب جسدي، ويسحق براءة اللون الأخضر في مخيلتي.

عشر كلمات، ترتعش على جدار موحش، أضواء منسية، في ليل مختنق بلهاث المصابيح، لا أحد هناك يتنفس نكهة جسدي إلا النجوم، لا أحد يحتفظ بطفولته أمامي إلا المرايا، صريحة وهادئة، لأنه وفق العادة يجب على شيء أن يضيء.

ماذا يحتاج الشاعر 

أكثر من بضع كلمات

قاموس ضئيل

يحمله في جيب سترته

فوق القلب بالضبط

أثناء عودته

إلى مسقط رأسه.

من أين يبدأ الشعر

كنت أعتقد أن الكتابة حرفة الذاكرة، إنبات حياة، وسلخ أخرى ذبلت عن روح أو جسد، لا فرق، عليك فقط أن تتبع العتمة لتصل إلى الضوء، تقشير مضنٍ ضد الإهمال والقبح وأحياناً لا لشيء، ببساطة ضد الضجر، كلما أزلت قشرة فتحت بوابة، حيث السر، الضوء النفيس المنتظر في عين القارئ.

يدي تفرق الحصى

تنقع الأصداف في الرمل

حتى يضيع صوت القدر

يدي تخدش أوراق التاروت

تجمع خطوط كفيك في حزمة

وتلقيها من النافذة

أو تحت قطار

مع فناجين القهوة

وكامل ميراث عائلتك من أباريق الشاي

وغبار النجوم،

أنا بمثابة حياة

جديدة

غير مأهولة

صفحة فارغة

تعال

تعال اقرأ.

الشمس مثل الليل كلمة، الغابة كلمة مثل الصحراء، اليقظة مثل النعاس كلمة، البحر كلمة مثل الشاطئ... طوال الوقت تعمل هذه الكلمات مع الآخرين وضد الآخرين... مجاز

الكتابة السامة

الكتابة أحيانا صنعة، مهارة يد، ترمم سطح فقاعة هشة، بدقة وثبات حتى يتلألأ كنهد عذراء لها رائحة الفانيلا، مهارة مع مثابرة عيون، توشم رؤى على السطح، صور مشمسة لأحباء، براقة كالتفاتة صبية تؤمى بالموافقة على موعد ومعتمة كانتظار فتاها تحت شمس الظهيرة دون أن تأتي، كلماته المعاتبة تتناثر على طرقات الفقاعة التي يسكنها مثل مصابيح مطلية بالحنين لا تتخطها العين، كلمات لها ندوب الماضي وخدوشه، حتى أنها تكون مهترئة عند الأطراف، ويمكن جمعها على عكس المتوقع في باقة، ضد النسيان، تحتاج عادة هذه الصنعة شفاهاً، تتلو الكلمات بعذوبة وشبق، كأنها تقيم صلاة، كلما ألقت اسماً، صورة، دمعة، يلمع ألم في الذاكرة، وتطير فقاعة ثم تختفي وسط بكاء الحضور.

البحر أحياناً عميل مزدوج

الشمس مثل الليل كلمة، الغابة كلمة مثل الصحراء، اليقظة مثل النعاس كلمة، البحر كلمة مثل الشاطئ... طوال الوقت تعمل هذه الكلمات مع الآخرين وضد الآخرين؛ عملاء مزدوجون في مهام سرية لإنقاذ نصك من الوقوع في شراك الركاكة أو تحت مقص الرقيب، وفي أفضل الأحوال تنجيك من الفهم الملتبس والتأويل المفخخ بالأيديولوجيات التي قد تفترسك حين تظنك خرجت من بين مخالب سطوتها، لتجرب حظك مع الحرية.

صائد الكنوز... اللص، حارس الكلمات

وأنت أيها الضائع بين الكلمات، الباحث عن المعنى، الجمال، الخلاص والحقيقة، عليك أن تقيم جداراً لتصنع نافذة، عليك أن تمد السطور كسياج خلف بعضها لتتحدث عن الحرية، عليك أن تحبس صوت الطائر في قلبك حتى تتعرف عليه في السماء، عليك أن تجرح صوتك قبل أن تطلق رصاصة من النافذة لتصيب الطائر، ثم تجرجر خيبتك إلى أمك وتخبرها صراحة أنك وجدت حياة أخرى تناسبك، كحارس كلمات أو شاعر.

أجمل كلمة سارت معي، وضعتها في فمي وتمنيت أن تكبر، فصارت ابتسامة، كان واضحاً أننا كنا أصدقاء، لا سر بيننا؛ فقط دموع وضحكات، هذه الكلمة كانت الأمل، طالما كانت الأمل... مجاز

سيدة صكوك الاعتراف

أكثر ما يزعج الأمهات أنه لا توجد وظيفة اسمها شاعر، لا راتب محترم ولا مستقبل تقاعد، هل ابن أختها سينافسك في جمع الكلمات أيضاً كما فاز عليك في جمع أجزاء الدراجة من تحت أغطية المياه الغازية؟ كل ما ستفكر فيه أين هي"كلية الشاعر" في ملصقات التنسيق الجامعية؟

لكن عليك أن تخبرها إنك شاعر. إن لم تعترف بهذا لأمك حينها لن تستطيع أن تواجه جارك الذي ينتظرك في بير السلم كصيد سهل، لن يصدقك أحد، حتى عم بيومي بائع الجرائد التي تنشر قصائدك.

تغيير العالم رغم التهاب المفاصل ووجع الفقرات

هذه الصراحة في الاعتراف قد تتضمن عقاباً مثل النفي، ولا تخلو من مسؤولية وعبء أن تحمل العالم على كتفيك، وتحاول أن تقنعه أنه من الممكن أن يتغير ويصبح شاباً محترماً بدلاً من أن يكون هذا الشقي الذي يقف على ناصية الشارع، تعرف أنه قادر على إيذائك والتنكيل بك، ورغم ذلك تشاركه سجائرك ويقاسمك متاعبه مع فرش الحشيش المضروب وانعدام المهنية الذي أضحى يهدد أبناء حرفته.

العالم هذا الصغير الذي كبر مثل حدبة، يبتلع ملامحك كلما نهب قرية أو محا مدينة من الخريطة؛ لكنه يظل طفلك حتى لو صار له قدمان وأجنحة تخطف الصيصان من حضن ذويهم، دائماً  سيتغذى على أنفاسك ويقتات من قلبك.

الكلمة، نفسها، تكررت

 في الصفحة إلى نهايتها

حين بدأت تعلم الكتابة،

قالت المدرسة إن تكرار الخطأ

يشبه أن تعاني أصابعك من التلعثم

وليس ذنبك

العيب في السطور

تتهاوى

كلما تركتها إلى أخرى

ومن الممكن أن يتبعك سطر

في زقاق مظلم ويعرقل خطوتك،

تلك الكلمة

الخطأ

لم تتخل عني

حتى حواف الصحراء

وفي وثائق العمل

أدغال الغابة

وقصائد الشعراء،

تلك الكلمة

الخطأ

الذي يعطي ألمه للجميع.

عليك أن تمد السطور كسياج خلف بعضها لتتحدث عن الحرية، عليك أن تحبس صوت الطائر في قلبك حتى تتعرف عليه في السماء، ثم تجرجر خيبتك إلى أمك وتخبرها صراحة أنك وجدت حياة أخرى تناسبك، كحارس كلمات أو شاعر... مجاز

التفاصيل الصغيرة... القاتلة

الشعر يصل متأخراً، فلا سفر ولا طريق ولا خطوة تمتد نحو الأخرى بثقة، دائماً هناك شرخ، حفرة، جذع شجرة ملقى بإهمال، شوائب على العين، دائما هناك شيء يعرقلك، يعيق امتداد نظرتك، يعطيك بعض الوقت لتلتقط أنفاسك وتراقب حياتك وهي تتفتت من الداخل، قبل أن تلملم المشهد بالكامل في منديلك وتحشره في جيبك، وتسير بقصيدتك تعرضها للمارة علها تعجب أحدهم، ربما يجدها دموعاً لا تستحق، لكنها تظل قصيدتك.

الشك فتحات تهوية المقابر

الكتابة لن تمنحك السكينة فوق إبرة الليل، أو تجعلك تشعر بالرضا، حتى انك ستشك في قدرتك على ربط الحروف وتعجز عن إمساك القلم، ستنسى كل شيء عن الشعر الذي كان يلتف حول أصابعك كخواتم الفراديس وعروق الذهب.

وتنسى كيف تغزل القصائد كما تنسى أين تحط الندوب على جلدك قبل أن تتفتح حين تشتهي امرأة، لن تعرف كيف تقف كلمتان بمحاذاة بعضهما في طمأنينة، كيف يكون تجاور الكلمات ناعم ودافئ، رغم أنه تجمعهم فسيفساء مرصعة بالتفاصيل القاتلة.

صراطي نحو النور

وقصيدتي حديقة مفاتن، لا يمكن تجاوزها دون منجل يحش سذاجة وردة، أو مقص يفتح فمه مثل سمكة حالمة خلف جناحي فراشة.

قصيدتي مصفوفة أمواج أبدية، تغرقك، لكنها لا تعرفك بالبحر، ليس هذا بحراً بالضرورة.

شاطئ الأصداف الفارغة

الشعر يبدأ، حيث يخلع جسدك ملامحه على الشاطئ ويلقي بسره في الماء. النجاة هنا حدس الشاعر، خبرته، تعني أن تتخفف، أن تطفو، أن تواصل التحديق في أعماقك، فترى الأبدية نزهة بين مجذافين أو أرق مغمور بالأسئلة والعواصف، والغرق سيرة شاعر منهوبة بين القوارب.

أيها الشعر دعنا نواصل الصراخ

حياتي تمر بين الكلمات، تلعق أظافرها، تفسد زينتها، وتبدي الأسف حين تكون الأخطاء الإملائية عتبة النص، كل جملة كدمة، كل صورة جرح، والسطور طريق لا تنتهي فيه العثرات، لذا الشعر يصل متأخراً، في حين أن الخوف حل مكاني، سرق مني لحظتي، ثم طريقي، ثم تقاسمنا حياتي، لأنني مثل كل المتعبين، أجلس قليلاً لالتقط أنفاسي، أغسلها حتى تجفّ الدموع في يدي، أغسلها بدمي ثم أغفر للجميع، وأعاود السير.

كنز الرحلة

أجمل كلمة سارت معي، وضعتها في فمي وتمنيت أن تكبر، فصارت ابتسامة، كان واضحاً أننا كنا أصدقاء، لا سر بيننا؛ فقط دموع وضحكات، هذه الكلمة كانت الأمل، طالما كانت الأمل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image