شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صناعة الاستيطان... ما الدور الخفي الذي يلعبه رأس المال الإسرائيلي في الضفة الغربية؟

صناعة الاستيطان... ما الدور الخفي الذي يلعبه رأس المال الإسرائيلي في الضفة الغربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

قد يبدو مشروع الاستيطان في الضفة الغربية قائماً على نيات وخطط حكومية إسرائيلية، لا سيما مع صعود اليمين المتدين الذي تتجوهر أيديولوجيته في السياسة التوسعية والاستيطان على الأرض "كضمان حتمي للأمان الوجودي والسياسي".

لكن يتبين لمن يدخل في تفاصيل مشروع الاستيطان، تاريخياً وحديثاً، حجم الهيئات والإدارات المتقاطعة في الصلاحيات، وامتداد الجمعيات والشركات الإسرائيلية والدولية التي تموّل أو تُنفّذ التوسع الاستيطاني.

ولعلّ الحديث عن هذه "الكواليس" صارت أكثر إلحاحاً اليوم من أي وقت مضى، في ظل الحديث عن حسم فعليّ "لأمر الضفة" فور الإعلان عن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، وضمها بشكل نهائي إلى الأراضي الإسرائيلية، عبر إلغاء السلطة الفلسطينية والوضع القانوني الفلسطيني لسكان الضفة، وبالتأكيد عبر توسيع المستوطنات التي تأكل يومياً من الأرض الفلسطينية وتُبقي بلداتها مثل الغيتوهات.

شركات إسرائيلية وأجنبية تصنع الاستيطان

"تلعب بعض الشركات الإسرائيلية والشركات الدولية دوراً كبيرة في تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وقد سبق للأمم المتحدة أن أصدرت قائمة شركات تكنولوجيا وبنوك. هذه الشركات لعبت دوراً في تعزيز الاستيطان وتوسيع المستوطنات داخل الضفة"، يقول المحامي الحقوقي الفلسطيني صلاح عبد العاطي، لرصيف22.

ففي عام 2020، نشرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قائمة تضم 112 شركة تعمل في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما كُلفت وكالة حقوق الإنسان الأممية الأساسية، بإنتاج قاعدة بيانات تُحدَّث سنوياً تضم الشركات الضالعة في السياسة غير القانونية التي تنتهجها إسرائيل في إنشاء المستوطنات، بما فيها القدس الشرقية. وتمت مراجعتها مرة واحدة في العام 2023، إذ أصدرت المفوضية تقريراً جديداً حول قاعدة البيانات دون إضافة أو إزالة أي شركات.

تدير المجالس الاستيطانية شبكة المستوطنات الإسرائيلية، لكن خلف هذه المجالس توجد الشركات الخاصة المملوكة للمستوطنين في كل منطقة، وهي الشركات التي تدير مشاريع ضخمة تشمل العقارات، البنية التحتية، والصناعات، مما يجعل المستوطنات نقاط قوة اقتصادية

أما حول أنشطة تلك الشركات، فإنها تتراوح بين شركات عاملة في بناء المستوطنات؛ وهي الشركات التي تشارك في بناء وحدات سكنية أو مشاريع البنية التحتية في المستوطنات، أو تنشط في سوق العقارات الاستيطانية. وكذلك الشركات العاملة في الأنشطة التجارية في المستوطنات، أى الشركات التي تمتلك مصانع أو مرافق تخزين أو متاجر بيع بالتجزئة في المستوطنات أو في المناطق الصناعية الاستيطانية في الضفة الغربية، أو الشركات العاملة في خدمات البنية التحتية مثل الاتصالات والنقل وإدارة النفايات وما إلى ذلك.

فعلى سبيل المثال، تعمل شركات الاتصالات الإسرائيلية على تعزيز الاستيطان عبر توسيع شبكاتها المنتشرة في الضفة لتغطي جميع المستوطنات، من خلال إقامة أبراج على الأراضي الفلسطيني. ويتبين أن كل شركات القطاع الخاص في إسرائيل لديها مساهمات تتراوح ما بين 10-15% من مجمل أرباحها، يتم تسريبها لصالح المشروع الاستيطاني، بمعنى أن هناك تخصيصات رسمية من قبل حكومة إسرائيل للمستوطنات.

من جانبه، يقول الخبير في شؤون الاستيطان د.خليل تفكجي لرصيف22: "الشركات العاملة في الضفة الغربية هي شركات إسرائيلية وأجنبية، منها شركات تركية على سبيل المثال لا الحصر. كذلك، هناك شركات متعددة الجنسية من الصعب معرفة هويتها. لكن الشركات الإسرائيلية تأخذ من حكومتها العطاءات وتقوم بتنفيذها، فتُعتبر أداة تنفيذية للحكومة. أما العمال، فهم فلسطينيون بالدرجة الأولى".

وكلاء الاستيطان في الضفة الغربية

تدير المجالس الاستيطانية شبكة المستوطنات الإسرائيلية، لكن خلف هذه المجالس توجد الشركات الخاصة المملوكة للمستوطنين في كل منطقة، وهي الشركات التي تدير مشاريع ضخمة تشمل العقارات، البنية التحتية، والصناعات، مما يجعل المستوطنات نقاط قوة اقتصادية.

أهم هذه الشركات المملوكة من قبل المجالس "الشركة المركزية لتطوير السامرة"، وهي شركة خاصة مملوكة لمستوطنات تقع شمال الضفة، وتعمل في مجالات تعزز البنية التحتية العقارات، النقل، الصناعة، والسياحة.

كذلك، شركة تطوير مجلس بنيامين الإقليمي، وهي شركة خاصة تأسست عام 1981 لتقديم خدمات النقل والبناء لسكان مجلس بنيامين الإقليمي في الضفة الغربية، وتساهم أيضاً في مشاريع البنية التحتية حيث تمتلك 140 مركبة، بما في ذلك 59 حافلة مدرعة لنقل الطلاب.

تبرز أيضاً من الشركات، شركة "تطوير غوش عتصيون"، وهي شركة أسسها مستوطنو غوش عتصيون (جنوب غربي القدس) عام 1981 لدعم التنمية الاقتصادية والتجارية في المنطقة. وشركة تطوير جبل الخليل وهي تابعة للمجلس الإقليمي لجبل الخليل، وتُعنى بتطوير البنية التحتية والخدمات في المنطقة.

ومن شركات رأس المال الإسرائيلي المتورطة في دعم الاستيطان، بحسب مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية، "أفريقيا إسرائيل للاستثمارات" التي عمل في مجالات العقارات والبنى التحتية والتصنيع والطاقة. فشاركت في بناء مستوطنات كبيرة مثل معاليه أدوميم. وفي عام 2014، أدرجتها النرويج في قائمة الاستبعاد بسبب "انتهاكات خطيرة لحقوق الأفراد".

يتبين أن كل شركات القطاع الخاص في إسرائيل لديها مساهمات تتراوح ما بين 10-15% من مجمل أرباحها، يتم تسريبها لصالح المشروع الاستيطاني

نذكر كذلك شركة "شابير" للهندسة والصناعة، التي تنشط في تطوير العقارات وإنشاء الطرق والمواد الخام. وقد ساهمت في بناء مقاطع من جدار الفصل العنصري. وشركة "ألون بلو سكوير"، التي تأسست عام 1932، وتنشط في تطوير مشاريع عقارية داخل المستوطنات. وقد تم إدراجها في قاعدة بيانات الأمم المتحدة بسبب أنشطتها وانتهاكها للقانون الدولي.

أما الشركات الأجنبية المتورطة في البناء الاستيطاني، إلى جانب الشركات الإسرائيلية، فمنها ما يوفر توريد مواد البناء، مثل شركة JCB البريطانية وEgis Rail الفرنسية. وما يوفر خدمات المراقبة والأمن، كشركة Motorola Solutions الأمريكية.

ويذكر أن التسهيلات القانونية التي جرت على إجراءات الموافقة على البناء في المستوطنات، قال مدير عام "صندوق استرداد الأراضي"، غابي برشيت، إنها "ستجذب المزيد من المستثمرين إلى المنطقة".

الحكومة تمنح المستوطنين نفوذاً وأموالاً

صحيح أن الحكومة الإسرائيلية لا تعترف ببؤر المستوطنات بشكل رسمي، ولا تقدم لها موازنات واضحة (وهي المستوطنات التي يُبادر إلى بنائها المستوطنون بشكل عشوائي). لكنها في الكواليس تمول هذه البؤر من خلال شركات القطاع الخاص الإسرائيلي وعلى رأسها شركات الاتصالات والتكنولوجيا فائقة الدقة، في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الإسرائيلية تراخيص لتلك الشركات بالعمل في الضفة الغربية.

"خصصت الحكومة الإسرائيلية ملايين الدولارات لحماية مزارع يهودية صغيرة غير مرخصة" في الضفة الغربية المحتلة، و"تأمين بؤر استيطانية صغيرة، بهدف إنمائها حتى تصبح مستوطنات كاملة"، بحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان.

ولا شك في أن الحكومة منحت الجمعيات الاستيطانية وحركات الشبيبة فيها، هامشاً من الحرية شبه المطلقة في التصرف في الأرض وبناء البؤر والاعتداء على فلسطينيين من دون محاسبة. والآن، "أصبحت أكثر من 72٪ من البؤر الزراعية الرعوية الاستعمارية، تشكل "منطلقاً" لعصابات المستعمرين الذين يُطلقون على أنفسهم "شبيبة التلال" لتنفيذ الاعتداءات بحق الفلسطينيين".

وأوضحت وثائق كشفت عنها المنظمة، كيف منحت الحكومة الإسرائيلية المؤيدة للمستوطنين، الأموال سراً في البؤر الاستيطانية غير المصرح بها، والمنفصلة عن أكثر من 100 مستوطنة معترف بها رسمياً. إذ خصصت موازنة قدرها 20.5 مليون دولار العام الماضي، لتوفير "معدات أمنية للمستوطنات الناشئة"، وهو المصطلح الذي تستخدمه للإشارة إلى المزارع والبؤر الاستيطانية غير المصرح بها في الضفة الغربية.

ولعل العام الذي تلا السابع من أكتوبر، كشف عن تسارع رهيب في التوسع الاستيطاني. فقد سُجلت في تموز/ يوليو الماضي، أكبر عملية استيلاء للأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات، منذ نحو ثلاثة عقود. إذ صادرت إسرائيل 12,750 دونماً في الضفة الغربية. لكن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تخطى هذا الرقم وأعلن قبل أقل من أسبوع عن مصادرة 24 ألف دونم إضافية لصالح التوسع الاستيطاني. يتزامن مع المصادرة موافقات رسمية متتالية على بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة. فمنذ بداية العام، تمت الموافقة على بناء حوالى 13,000 وحدة سكنية جديدة، وهو أكبر عدد وحدات تُبنى خلال عام، في السنوات الثلاثين الأخيرة.

سموتريتش عرّاب الضم

أما التحرك اللافت فقد كان في أوائل حزيران/ يونيو الماضي، عندما سلم الجيش الإسرائيلي بهدوء صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية المحتلة إلى موظفين مدنيين مؤيدين للاستيطان يعملون لدى سموتريتش. وهو ما كان يهدف إليه الوزير منذ فترة طويلة، إذ أراد السيطرة على الإدارة المدنية، أو أجزاء كبيرة منها، كوسيلة لتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، ما يعني إحكام السيطرة المباشرة على شؤون الضفة من قبل الحكومة المركزية ووزاراتها، بهدف تقليل من احتمالات فرض الضوابط القانونية على التوسع الاستيطاني والتنمية.

يوضح تفكجي: "ثمة قانونان داخل الضفة الغربية في الصدد، الأول هو قانون الإدارة المدنية والحكم العسكري، والثاني هو القانون الإسرائيلي الذي يسري على المستوطنات والمناطق "ج" الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية. لكن قضية السيادة مفروضة على الأرض بكل تفاصيلها، لكن تحتاج إلى شرعنة في الكنيست".

أوضحت وثائق كشفت عنها المنظمة، كيف منحت الحكومة الإسرائيلية المؤيدة للمستوطنين، الأموال سراً في البؤر الاستيطانية غير المصرح بها، والمنفصلة عن أكثر من 100 مستوطنة معترف بها رسمياً. إذ خصصت موازنة قدرها 20.5 مليون دولار العام الماضي، لتوفير "معدات أمنية للمستوطنات الناشئة"

ويشير تفكجي إلى أن "الإدارة المدنية هي الأداة التنفيذية لإسرائيل. لكن الشيء الجديد في هذا الموضوع هو سحب الصلاحيات من الإدارة المدنية ووضعوها تحت تصرف سموتريتش الذي سيُقلل من نسبة الوقت اللازم للعمل على قوننة البؤر الاستيطانية".

وفي السياق نفسه، يقول عبد العاطي: "منذ قدوم سموتريتش كوزير للمال، ومؤخراً حصوله على وزارة الاستيطان، عزز صلاحيات منفردة وعطاءات يلعب من خلالها دوراً مركزياً في تعزيز الاستيطان وإعداد البنية التحتية، في سياق ضم الضفة الغربية دون سكان. وهذ جريمة حرب، باعتبار أن الأراضي محتلة وفقاً للقانون الدولي ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. وآخرها عدم مشروعية الاحتلال وحمايته بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتفكيك المستوطنات وتعويض الفلسطينيين.

ويؤكد عبد العاطي أن خطة "الحسم" تطمح في النهاية إلى تهجير الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية ومواصلة حرب الإبادة. والمطلوب هو تدخل دولي فوري لوقف كل هذا.

وربما تدخل المجتمع الدولي من قبل، لكنه يظل حبراً على ورق، دون ممارسة أي ضغوط حقيقية لوقف المشروع الاستيطاني.

فمنذ عام 1979، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 446 الذي أقرّ أن المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين ومرتفعات الجولان "ليس لها شرعية قانونية"، وفي عام 2004، قضت محكمة العدل الدولية بأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية "أُنشئت في انتهاك للقانون الدولي". وفي عام 2016، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 2334 الذي نصّ على أن المستوطنات تشكل "انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي". ودعا القرار إسرائيل إلى "الوقف الفوري والكامل لجميع أنشطة الاستيطان"، ودعا كذلك جميع الدول الأخرى "إلى التمييز، في تعاملاتها ذات الصلة، بين أراضي دولة إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967".

ولعل خطوات فعلية أخذت في الظهور في السنوات الأخيرة، فحظر الاتحاد الأوروبي الكيانات والأنشطة القائمة على المستوطنات من تلقي تمويل الاتحاد الأوروبي، وطلب وضع علامات واضحة على منتجات المستوطنات. وبالمثل، تلزم لوائح الجمارك الأمريكية بعدم وضع علامة "صنع في إسرائيل" على السلع المنتجة في الضفة الغربية أو قطاع غزة والمستوردة إلى الولايات المتحدة.

إلا أن هذه الخطوات لم تكن كفيلة أو كافية لمنع التمدد الاستيطاني الذي يأكل الأرض والمشروع السياسي والإنساني المستقبلي للشعب الفلسطيني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image