على الرغم من حالة التخبط التي تسيطر على المشهد السياسيّ في إسرائيل بسبب إخفاقها في حسم حربها في قطاع غزة وجنوب لبنان، واستبعاد حلّ سياسيّ منظور يعيد الرّهائن، ولو كان من خلال هدنة مؤقّتة، إلّا أنّ ثمّة رابحاً حقيقيّاً من هذه الحالة.
فقد حقّق نتنياهو مبتغاه في إطالة أمد الحرب حتّى عودة حليفه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليبدأ العصر الذهبي الثاني بين الرجلين من خلال منح إسرائيل ما تريد تحقيقه من سياسات التّوسّع وفرض السّيطرة، وعلى رأسها ضم الضفة الغربية.
"يجب إعادة إمكانيّة طرح مخطّط الضمّ لمناطق واسعة في الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل، حين يدخل الرئيس المنتخب إلى البيت الأبيض"، هذا ما صرّح به، علانية، رئيس الوزراء. فلم يعد أمر الضّفة مجرّد حلم استيطانيّ عابر في رأس وزير المال بتسلئيل سموتريتش، الذي وضع بنفسه "خطّة الحسم في الضفّة".
لكن يبدو أنّ التحالف المتجدّد سيأتي بتنفيذ خطط أخرى وُضعت في الأدراج المشتركة، ستكون قضيّة ضمّ الضفّة وفرض السيادة الإسرائيليّة جزءاً منها.
تعيينات إسرائيل الجديدة وإعادة هندسة النظام السياسي
لقد قرر نتنياهو الإطاحة بوزير الأمن بيوآف غالانت، في ذروة الانشغال الأمريكي بالانتخابات، ليكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال التفرّد بصناعة القرار السياسيّ والعسكري، والتخلص من حليف الإدارة الأمريكية التقليدي في الحكومة، الذي لم يكن بإمكان نتنياهو عزله في مرحلة سابقة للانتخابات الأمريكيّة. هكذا، يصبح نتنياهو العنوان الوحيد للإدارة الأمريكية الجديدة.
عمل بنيامين نتنياهو من خلال التعديلات الجديدة على إعادة هندسة الوضع السياسيّ الداخليّ في الحكومة الإسرائيلية نحو المزيد من السلطة والصلاحيات وحرية اتخاذ القرار وإحكام قبضته على مقاليد الحكم والسلطة في إسرائيل.
وبحسب حديث الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، لرصيف22، "فمن خلال هذه التعيينات تخلّص نتنياهو من أهم معارض له فيما يتعلق بكيفية إدارة الحرب وفي موضوع تجنيد الحريديم، وموضوع اليوم التالي، سواء لدى الحديث عن لجنة تحقيق رسمية أو مستقبل قطاع غزة وإدارته".
ويضيف منصور: "لذلك، كان الهدف حماية الائتلاف الحكومي عبر التخلّص من غالانت واستبداله بيسرائيل كاتس. وقد ملأ الشواغر التي أحدثها نتنياهو بنفسه، أشخاص يثق بهم ثقة عمياء ويدرك أنهم سيمرّرون سياساته".
يرى منصور أن لذلك دلالات كثيرة، منها أن "نتنياهو يوجّه رسالة رادعة للمعارضين ويحكم قبضته على المنظومة الأمنية والسياسية. كما أنّه يعيد صياغة الائتلاف عبر تجنّب تهديد بن غفير له بالانسحاب من الائتلاف. فحين ضمّ كاتس وساعر، وزيراً للخارجيّة، ضمن أغلبيّة من دون بن غفير وحزبه.
ويشير إلى أنّ معارضي على نتنياهو كُثر، منهم رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إدليشتاين، الذي يحاول في بعض الأحيان التمرّد على على قرارات رئيس الوزراء، إلا أنّ الأخير عرف كيف يُحكم قبضته السياسيّة والعسكريّة في زمن الحرب، من خلال هذه التعيينات وفي هذا التوقيت.
خطة الحسم وضم الضفة الغربية
يقول تسفي بارئيل، الكاتب في صحيفة "هآرتس"، إنّ "الوزير سموتريتش الذي طرح ما بات يعرف "بخطة الحسم"، قادرٌ على إقناع ترمب بالموافقة على هذه الخطة بمجرد اطلاق اسم ترامب أو أحد أفراد أسرته على مستوطنات سيتم إنشاؤها في الضفة. وسيجري تحديد نظام إقامة يشمل إدارة حياة مجتمعية ذاتية مستقلة للسكان الفلسطينيين الذين يبقون في الضفة الغربية، إلى جانب الحقوق والواجبات الفردية. وسيدير السكان الفلسطينيون في يهودا والسامرة (الضفّة)، بداية، حياتهم اليومية بأنفسهم بواسطة مديريات بلدية لوائية، خالية من السِّمات الوطنية".
ويضيف: "مع تقدم هذه العمليّة واستيعابها، وعلى أساس معايير الولاء والخدمة العسكريّة أو القوميّة، سيكون من الممكن دمج نماذج أخرى من الإقامة، أو حتى المواطَنة. لم تأتي فرصة أفضل للضم من هذ الفترة التي تمر بها إسرائيل".
سموتريتش الذي طرح ما بات يعرف "بخطة الحسم"، قادرٌ على إقناع ترمب بالموافقة على هذه الخطة بمجرد اطلاق اسم ترامب أو أحد أفراد أسرته على مستوطنات سيتم إنشاؤها في الضفة
ويرى بارئيل أنّ هذه الدولة، التي لا تبلغ شهوة الانتقام لديها درجة الشبع، والتي تتجاوز فيها معارضة حلّ الدولتين جميع الحدود الحزبيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ولا تبدي أيّ استعداد حتى لوقف حرب غير ضرورية من أجل إنقاذ مخطوفيها، مَن ذا الذي سيجرؤ على الخروج إلى شوارعها من أجل وقف الضمّ"؟
من جهتها، قالت نوعا لاندو، نائبة رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" إنه مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عادت أيضاً تهديدات الحكومة الإسرائيلية بالضمّ. وفي اجتماع لأعضاء حزب الصهيونية الدينية في الكنيست، قال سموتريتش إنه خلال فترة ولاية ترامب الأخيرة "كُنّا على بعد خطوة واحدة من تطبيق السيادة على المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفّة الغربيّة)"، مضيفاً: "والآن حان الوقت للقيام بذلك".
وكان قد أمر سموتريتش إدارة المستوطنات التابعة لوزارة الأمن والإدارة المدنية بالبدء في العمل على إدخال البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على المنطقة"، قائلاً: "إنّ عام 2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة".
تأثير فوز ترامب على تطبيق الخطّة
بحسب صحيفة "معاريف"، فإنّ جهات يمينيّة إسرائيليّة، ومنها أعضاء في الائتلاف، ناقشوا، حتى قبل الانتخابات الأمريكية، خطة الضم على جدول الأعمال في حال فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وذكرت الصحيفة أنّ الحديث الأوّل الذي حصل مع الرئيس الأمريكيّ ترامب حول هذا الموضوع كان مع جهات غير إسرائيليّة معنيّة بضمّ الضفّة، منها نشطاء مؤيّدون لإسرائيل وداعمون لحملة ترامب الانتخابيّة، الذين تلقوا رسالة من ترامب مفادها أنّ "الرئيس استمع للفكرة ولم نسمع منه كلمة لا"، ففسّرت الجهات ردّه بنعم. نعم للضمّ.
ترامب عيّن سفيراً جديداً في إسرائيل، مايك هكابي اليميني الصهيوني المتطرف أكثر من الصهاينة أنفسهم، مؤيّداً لضم الضفة الغربية. كما أنّ علاقته الوثيقة مع رئيس مجلس المستوطنات يوسي داغان تُعد إشارة مقلقة
يقول لرصيف22 توفيق طعمة، المحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكيّ من كاليفورنيا: "نعرف دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى 2016-2020 وتوجهاته ودعمه لإسرائيل، حين اعترف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوريّ واغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأوقف المساعدات عن الأونروا، وجاء بصفقة القرن التي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية".
ويردف طعمة "القادم سيكون أسوأ وأشد وأكثر عدوانية وظلماً للشعب الفلسطيني ودعماً للاحتلال. فقد قدم ترامب وعداً لإمرأه أمريكية يهودية اسمها "مريم أندرسون" زوجة شلدن أندرسون، التي قدمت مساعدات مالية تقدّر بنحو 100 مليون دولار لحملته الانتخابية مقابل ضم الضفة الغربية. وفعلاً هذا ما سوف يقوم بتحقيقه تنفيذاً لهذا الوعد".
"هكذا فعل سابقاً عندما قدم وعداً لزوجها في حملته الانتخابية عام 2016، عندما قدّم تبرعاً لحملته بمبلغ 40 مليون دولار مقابل تعهده نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وقد أوفى ترامب بعهده هذا بعد فوزه بالانتخابات"، يضيف طعمة.
إن أحد تجليات دعم ترامب المطلق لإسرائيل هو تعيينه حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابي سفيراً أمريكياً جديداً في إسرائيل، إذ أكد في تصريحات سابقة له "أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطين. كما لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، بل يهودا والسامرة. ولا يوجد شيء اسمه المستوطنات، بل هي مجتمعات وأحياء ومدن. كذلك لا يوجد شيء اسمه احتلال".
مستقبل المسار السياسيّ وحل الدولتين
يقول مالك فرنسيس، عضو الحزب الجمهوري من ولاية بنسلفانيا، لرصيف22: "إن لدى إدارة الرئيس ترامب الجديدة توجهاً استراتيجياً لتعزيز العلاقة مع إسرائيل والتأييد المطلق لها. أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فلن يحصل أيّ تقدم ملموس على صعيد ما يعرف بحل الدولتين. لأن اللوبي الصهيوني لن يسمح بذلك. إضافة إلى أنّ ترامب عيّن سفيراً جديداً في إسرائيل، مايك هكابي اليميني الصهيوني المتطرف أكثر من الصهاينة أنفسهم، مؤيّداً لضم الضفة الغربية. كما أنّ علاقته الوثيقة مع رئيس مجلس المستوطنات يوسي داغان تُعد إشارة مقلقة".
ويتابع طعمة: "يعزز ذلك من سياسة التوسع الاستيطاني الذي يعتبر العقبة الأساسية أمام تطبيق حل الدولتين، إضاقة إلى ذلك، فإن الرئيس ترامب إنسان مزاجي ومتقلب، ومن السهل أن يقوم بأي إجراء سريع لدعم إسرائيل في تنفيذ سياساتها التوسعية وضم الضفة الغربية".
يخالف هذا الرّأي محمد العالم، الباحث في الشأن الأمريكيّ من واشنطن، الذي يقول لرصيف22، أنّ "القضيّة الفلسطينيّة هي على قمة عالمية. وبالتالي، فإن ترامب لم يحدد رؤيته وطريقة تعامله بشكل واضح معها حتى الآن. فهو منفتح على حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط من الدول العربية ومع حليفه بنيامين نتنياهو أيضاً".
أقر الكنيست الإسرائيلي قبل نحو أسبوع مشروع قانون، بالقراءة الأولى، يجيز لمركز جباية الغرامات الإسرائيلي جباية غرامات من فلسطينيي الضفة والقطاع تفرضها المحاكم العسكريّة. وعدا أن هذا القانون أحد قوانين الضم الزاحف للضفة الغربية
ويرى العالم أنّ ترامب هو رجل اقتصاد يسعى إلى الهدوء العالميّ من أجل تنفيذ مخططاته الاقتصادية، وهو منفتح على الجميع. كما أنّه هو من طرح صفقة القرن في السابق. لكنه الآن لا يستطيع إعادة طرح صفقة القرن أو الموافقة على ضم الضفة الغربية لأنها ترمي إلى وأد القضية الفلسطينية وتصفيتها، في حين أنّ القضية الفلسطينية عادت من جديد لتتصدر سلم أولويات الرأي العام الدولي.
"وبالتالي، ستوصم الإدارة بالعار إذا تمّت تصفية القضية. كما أنّ مواقف الدول العربية الرافضة للترانسفير (لترحيل الفلسطينيين) من الضفة الغربية أو من قطاع غزة، ستُلقي بظلالها على الإدارة الأمريكية في خياراتها أمام الحل السياسي المستقبلي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، يختم طعمة.
إقرار تشريعات تعزز الضم والتهويد في القدس
لجأت إسرائيل إلى إقرار عدد من التشريعات التي تعزز السيطرة الإدارية والمدنية والأمنية على الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي حين كانت التشريعات في السابق تركز على الأراضي والمناطق العسكرية والاعتبارات الأمنية، تطال التشريعات الجديدة الوجود الدبلوماسي في القدس، أي القنصليّات التي تخدم الفلسطينيين، وأخرى تتعلق بفرض الغرامات على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
فأقرّ الكنيست الإسرائيلي بالقراءة النهائية، قبل أقلّ من شهر، قانون أساس "القدس عاصمة إسرائيل". وينصّ القانون على حظر فتح ممثليّات دبلوماسيّة في القدس الشرقية لتقديم خدمات للفلسطينيين من دون الحصول على موافقة من الحكومة الإسرائيلية. وهو بمثابة تعديل على قانون ضم القدس المحتلة، وينص أبضا، على أن الممثليات الرسمية لدول أجنبية، تُقام في القدس، إذا كانت مُعتمدة من دولة إسرائيل.
ومن جانب آخر، أقر الكنيست الإسرائيلي قبل نحو أسبوع مشروع قانون، بالقراءة الأولى، يجيز لمركز جباية الغرامات الإسرائيلي جباية غرامات من فلسطينيي الضفة والقطاع تفرضها المحاكم العسكريّة. وعدا أن هذا القانون أحد قوانين الضم الزاحف للضفة الغربية، فإنه يجيز فرض حجوزات على أموال تابعة للسلطة الفلسطينية لجباية غرامات فرضت على فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...