شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
يناقش الفلسطينيون كلّ شيء… إلا مستقبل بقائهم

يناقش الفلسطينيون كلّ شيء… إلا مستقبل بقائهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نناقش، كفلسطينيين، كل شيء، إلا مستقبل بقائنا في هذه البلاد. ننغمس الآن في تحليل مستقبل نتنياهو السياسي، وتأثير الانتخابات الأمريكية ونتائجها على الحرب، وتداعيات المواجهة مع حزب الله، وقدراته، وطبيعة الرد الإيراني المتوقع، ونتساءل إن حققت إسرائيل أهدافها أم لا؟ ونغرق اليوم التالي للحرب بسيناريوهات وتوقعات وأسئلة، كمن سيحكم قطاع غزة. لكننا لا نناقش الأزمة الأم، وهي مستقبل وجودنا وبقائنا في بلادنا.

ربما اعتدنا على أن الخلاف على المستوى الداخلي، بحد ذاته، كاف كي لا نفكر بشكل جمعي، أو لكي ننحاز إلى توجهاتنا كتيارات وأحزاب ورؤى أكثر من مصلحتنا كشعب. من البديهي أنه لا يوجد شعب يتفق دائماً على قضاياه المصيرية. ومن البديهي وجود خلافات وتناقضات بين مكونات أي مجتمع، لكن ذلك بالضبط ما يدفع المجتمعات إلى حوار عميق حول قضاياهم الخلافية، وما يفترض أن يدفعنا، نحن أيضاً، كشعب يرزح تحت الاحتلال إلى الاستمرار في نقاش القضايا المصيرية الملحة.

غير أن الرؤى المتناقضة باتت تطرح نفسها وجهةَ النظر الأوحد، فيتحول التناقض إلى حالة من الإلغاء بدل مساحة للحوار، وتنسحب النخب من النقاشات الأعمق، وتلقي كل جهة على الأخرى مسؤولية البحث عن مخارج، رغم معرفتنا بأن مصيرنا مشترك. وبالتالي فإن أية إرهاصات مستقبلية على القضية الوطنية الفلسطينية، ستنعكس على كافة الفلسطينيين وليس على فئة منهم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن غياب الحياة الديمقراطية، سواءً في قطاع غزة أم الضفة الغربية، هو أحد أهم أسباب غياب الحوار والنقاشات المصيرية، لأن النقاشات المجتمعية تهدف إلى التأثير في الرأي العام، والذي بدوره يسعى إلى إحداث تغيير في توجهات ورؤى مختلف الأطراف من خلال صناديق الاقتراع.

غني عن القول أن بقاءنا بالشكل الذي عليه الآن لن يأتي لنا بدولة مستقلة، بل ولن يمنحنا الفرصة للبقاء في مدننا وقرانا التي نعيش فيها. إن الاستيطان يقترب أكثر وأكثر، مع كل يوم، حتى أنه بات يطل على أبواب منازلنا

إن حرباً كالتي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من 400 يوم، كفيلة بأن تدفع مختلف الأطراف للبناء على كل هذه التضحيات من أجل التوصل إلى ظروف سياسية مختلفة تماماً. هذا لو كان هناك من يسعى من أجل تغيير تلك الظروف. لأن كل هذه الدماء، وكل هذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة وأهلنا هناك، يفترض أن يكون كفيلاً بخلق أفق جديد للعلاقات الفلسطينية الداخلية. وبالتالي، إيجاد قواسم مشتركة، بحدها الأدنى، بين مختلف الأطراف، لخلق خطة عمل وطنية، تسعى لإحداث تغيير حقيقي في الواقع الحالي الذي نعيشه، وتحاول استشراف المستقبل لاتخاذ مواقف وقرارات غير متأخرة، كما جرت العادة.

إن الأزمة الكبرى تكمن في أننا نهرب من الأسئلة الأصعب، ما هي خطتنا الآن؟ ما الذي سنفعله حقاً بعد كل ما جرى؟ يستطيع كثيرون القول إن المقاومة خطة. هذا صحيح، لكنها غير كافية. ويستطيع آخرون القول إن المسار السياسي هو خطة أيضاً، لكنه مسار أثبت أنه غير كاف، وربّما أثبت ما هو أبعد من ذلك؛ أثبت عقماً وفشلاً واضحَين.

كما يستطيع البعض رفع شعارات منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد، لكنهم يدركون أنها لم تعد تمثل قطاعات واسعة ووازنة من شعبنا، وأن مسار دمج الفصائل في منظمة التحرير أصعب من التحرير نفسه، سيما أن التباينات بين الفصائل المختلفة ليست تنظيمية أو شكلية، بل جوهرية بكل معنى الكلمة. ولعل التجربة التي تحصل في لبنان خير دليل على أن المقاومة تحتاج لإطار سياسي في نهاية المطاف، يساهم في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الأولى أساساً، والعكس صحيح، فإن مساراً وإطاراً سياسياً لا يعتمد على عوامل قوة وضغط لم ولن يحقق شيئاً يذكر.

الآن ماذا بعد؟ فشل أوسلو فشلاً ذريعاً، وغابت المؤسسات المنتخبة والممثلة بشكل حقيقي عن الفلسطينيين، غابت الشراكة الوطنية، والخطة الفعلية والفاعلة التي ستساهم في صمود الناس، بل وتدعم بقائهم في هذه البلاد. كما أن استمرار التوسع الاستيطاني وتهويد القدس وتنامي اعتداءات المستوطنين، يشكل خطراً حقيقياً على بقاء الناس في أراضيهم.

ومشاريع التطهير العرقي القائمة في الأغوار وقطاع غزة والقدس، باتت علنية وآخذة بالاتساع. وبالفعل، فإن المساحات الزراعية التي لم يعد يستطيع المزارعون الوصول إليها في الضفة باتت شاسعة، وأكبر بكثير مما يصل من خلال التقارير وقرارات المصادرة الرسمية الإسرائيلية وخطط توسيع المستوطنات، لأنها تشمل الكثير من الأراضي التي يسيطر عليها المستوطنون بالتخويف وقوة السلاح والاعتداءات المتكررة على يد رعاتهم ورصاصهم وسيارات الدفع الرباعي الخاصة بهم.

كل ذلك يحتاج إلى عقد سياسي فلسطيني جديد، مختلف حتى عن منظمة التحرير وأشمل منها، مختلف عن توجهات حماس وفتح، يقدم آلية حقيقية لإعادة انتخاب ممثلين عن الشعب الفلسطيني، يتمتعون بالثقة والقدرة على اتخاذ قرارات مصيرية ربما تكون الأهم والأخطر على مستقبل بقائنا في هذه البلاد.

يستطيع البعض رفع شعارات منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد، لكنهم يدركون أنها لم تعد تمثل قطاعات واسعة ووازنة من شعبنا، وأن مسار دمج الفصائل في منظمة التحرير أصعب من التحرير نفسه

دون ذلك، سننساق خلف ما تقرره إسرائيل، بكل ما لديها الآن من دعم دولي لا يرى الحقوق ولا يتماشى مع القانون الدولي. ربما يرى البعض في فكرة العقد السياسي طرحاً مثالياً في ظرف حالك كهذا. لكن القصد الأول منه، هو أن تنتهي حالة الاستفراد باتخاذ القرار، على صعيد القضايا الاستراتيجية في الأقل.

وهذا أمر لا يحتاج إلى وحدة مثالية بين الفلسطينيين، بقدر ما يحتاج إلى اتفاقهم على مبدأ ضرورة بقائهم في هذه البلاد، وهو هدف يفترض ألا يختلف عليه اثنان منهم. وبالتالي، فإن ذلك يحتاج إلى جهد عام قد يبدو صعب المنال، لكنه تراكمي، يبدأ بدعم الفلاحين على أرضهم ضد اعتداءات المستوطنين، وينتهي في أروقة الأمم المتحدة، بحيث يصبح للفلسطينيين رواية تتكرر بكل شكل ولون وطريقة، حول مخاطر التهجير القسري.

إن حالة مراوحتنا مكاننا على المستوى السياسي، تعني بالضرورة مزيداً من تآكل الفرص، وانحسار الإمكانات السياسية أمامنا، بل يعني فيما يعنيه أننا نتجمد في مكاننا، في حين تمضي خطط التطهير العرقي قدماً، وفي حين تزداد المساحات المصادرة وتتوسع المستوطنات.

غني عن القول أن بقاءنا بالشكل الذي عليه الآن لن يأتي لنا بدولة مستقلة، بل ولن يمنحنا الفرصة للبقاء في مدننا وقرانا التي نعيش فيها. إن الاستيطان يقترب أكثر وأكثر، مع كل يوم، حتى أنه بات يطل على أبواب منازلنا. ومع استمرار هذا الجمود، باعتباره صموداً، فإننا سنستيقظ يوماً وقد تم تفريغ قرى كاملة من أهلها. الصمود يعني المواجهة وبذل الجهد لتحقيق الأهداف، ولا يعني بأي حال من الأحوال مجرد عدم التنازل عمّا تبقى لنا. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image