شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ليس سموتريتش وحده من أفشل قيام دولة فلسطين

ليس سموتريتش وحده من أفشل قيام دولة فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد أكثر من 31 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، ما زال الفلسطينيون ينتظرون إقامة دولتهم، وتنفيذ الاتفاقية التي كانت من المفترض أن تؤسس للدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

لكن من البديهي القول الآن، إن كل ما جرى منذ ذلك التاريخ سار تماماً بعكس ما وعدت به اتفاقية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة فيما يتعلق بتوسيع الاستيطان وانكماش المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية إدارياً.

أما السيطرة الأمنية، فإن الحديث عن المساحة التي تسيطر عليها السلطة يبدو الآن مزحة سمجة لا يمكن فهم مغزاها.

من المنصف القول إن الرئيس الراحل ياسر عرفات سعى بجد من أجل تلك الدولة، بل تعامل مع نفسه كأنه يقود دولة.

ولم تكن تعليماته لقوى الأمن بالتصدي لاقتحامات جيش الإحتلال للمدن الفلسطينية، إلا تعبيراً عن سعيه لتثبيت مبدأ أن تلك الاقتحامات يجب ألا تصبح أمراً روتينياً يمكن أن تنفذه قوات الإحتلال متى شاءت.

ولعل هذا السعي للتمسك بخيار الدولة، وبما أمكن من سيادة على المدن الفلسطينية، وتعليماته لقوى الأمن الفلسطينية بالتصدي لاقتحامات قوات الإحتلال، هو ما أدى لاغتياله في نهاية المطاف.

وبذلك، تكون قد انتهت مرحلة مهمة، بل ومتمايزة، من محاولات السعي لدولة فلسطينية مستقلة، على الرغم من أن "أوسلو" الذي وقعه ياسر عرفات، كان تنازلاً هائلاً عن الاستحقاقات التي كان يجب أن تترجم على الأرض، والتي انتزعتها الانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت عام 1987.

***

لقد تساوقت السلطة الفلسطينية مع المماطلة الإسرائيلية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو والتي انتهت في أيار من العام 1998، وبذلك تكون السلطة قد خسرت فرصة تاريخية لن تعوض لإعلان الدولة، في ظل زخم عالمي دعمها في ذلك الوقت.

ومنذ تلك اللحظة، باتت السلطة تفرغ كل تحرك أو موقف سياسي، يصب في مشروع الدولة، من مضمونه. فتتالت عمليات تضييع الفرص الفلسطينية المحتملة.

كما أن السعي الفلسطيني نحو الدولة، تحول من هدف استراتيجي يجب أن تُسخر كل الإمكانيات له، وأن تُبنى كل المواقف عليه، إلى أمر يمكن اعتباره حدثاً موسمياً يمكن المساومة عليه، أو حتى استبداله بتسهيلات معينة للمسؤولين.

ولاحقاً، باتت التحركات والمواقف السياسية الفلسطينية تأتي متأخرة جداً وخارج سياق المنطق، مفرغة من معناها، وبعيدة عن قدرتها على إحداث التغيير المأمول في مواقف دول العالم تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

إن سلسلة الإخفاقات الفلسطينية في اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، حوّل السعي للدولة إلى مجرد سلسلة اعترافات متناثرة ومتباعدة من بعض دول العالم بالدولة الفلسطينية، بعيداً عن أية آلية لتحويل تلك الاعترافات إلى موقف عالمي يجبر إسرائيل على إنهاء احتلالها.

حتى وصلت هذه إلى النقطة التي تبنى فيها الكنيست الإسرائيلي قبل أربعة أيام قراراً يرفض قيام دولة فلسطينية.

تلت سلسلة الاعترافات هذه، سلسلة أخرى من انضمام السلطة إلى اتفاقيات دولية مختلفة في إطار تعميق انخراطها في النظام الدولي، باعتبار هذه الاتفاقيات شكلاً من أشكال السيادة.

إن السعي الفلسطيني نحو الدولة، تحول من هدف استراتيجي يجب أن تُسخر كل الإمكانيات له، وأن تُبنى كل المواقف عليه، إلى أمر يمكن اعتباره حدثاً موسمياً 

استخدمت السلطة انضمامها إلى العديد من هذه الاتفاقيات، التي تندرج تحت معاهدات حقوق الإنسان، كورقة ضغط على الاحتلال من أجل مطالب واستحقاقات غير استراتيجية في الغالب.

فمثلاً، إذا ما شهدت القضايا الأمنية والمالية انفراجة بين السلطة وحكومة الاحتلال، تقوم السلطة بتأخير انضمامها إلى بعض الاتفاقيات.

وإذا ما تعقدت الأمور أمنياً ومالياً بين الطرفين، تسرع السلطة من انضمامها لاتفاقيات أخرى. حتى بات توقيعها لبعض الاتفاقيات قضية يلوح بها رئيس السلطة في المنابر الدولية والأمم المتحدة، باعتبارها رداً سياسياً على بعض القرارات الإسرائيلية.

***

لم يكن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئل سيموتريش، شخصاً استثنائياً في رؤاه للعلاقة مع الفلسطينيين. وما يسمى اليوم بـ"خطة سيموتريش"، التي نظر كثيرون إليها على اعتبارها نقطة فاصلة في التاريخ الفلسطيني، ما هي إلا استمرار للمراحل السابقة.

تقوم خطة الوزير المالية، بتسلئل سموتريتش، التي كُشف عنها في حزيران/ يونيو الماضي، على ضم ومصادرة أكبر مساحات ممكنة من أراضي الضفة الغربية من أجل تعميق الفصل بين المدن الفلسطينية.

تهدف الخطة كذلك إلى توسيع وإنشاء عشرات المستوطنات، وتسريع وتيرة هدم منازل الفلسطينيين بحجة عدم الترخيص، والاستثمار في البنية التحتية وبنية الاتصالات الإسرائيلية، كشبكة شوارع وأبراج اتصال خلوية.

بالإضافة إلى نزع الولاية القانونية للسلطة الفلسطينية عن المناطق المصنفة "ب" وفقاً لاتفاقية أوسلو (وهي المناطق التي من المفترض أن تتمتع فيها السلطة بسيطرة مدنية، مقابل السيطرة الأمنية الإسرائيلية).

لكن لا يمكن اعتبار هذه الخطة إلا بروباغاندا إعلامية يحاول سيموتريش من خلالها كسب مزيد من التأييد بين المتطرفين الإسرائيليين ودعاة الإستيطان. وليس له من سبيل أمام عدم صعود نجمه خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة، إلا أن يدفع بصورته إلى الأمام، باعتباره المنادي الأكبر للاستيطان في الضفة.

حتى لو سُميت بخطة سيموتريش، فطالما أن الاستيطان مستمر، تستطيع السلطة أن تسمي نفسها ما تشاء، "إمبراطورية فلسطين" مثلاً، لكن جميعها ستكون أسماءً لصيقة بجغرافيا مضمحلة

ولا يتعدى ذلك كونه مرحلة أخرى من مراحل الاستيطان، في إطار العملية القديمة المستمرة لتوسيع الاستيطان في الضفة.

من الواضح أن لإسرائيل خطة واضحة المعالم، لا تتغير ولا تتبدل فيما يتعلق برؤيتها للضفة وقطاع غزة والقدس المحتلة. وهي خطة قائمة على مزيد من التوسع الاستيطاني ومزيد من تقزيم السلطة وسلبها صلاحياتها المختلفة. حتى وإن جابه ذلك إعلان محكمة العدل الدولية قبل يومين بأن استمرار وجود إسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية هو غير شرعي.

وبالتالي، فإن وصف التوسع الاستيطاني الأخير والخطير في الضفة بـ"خطة سيموتريش" ليس إلا تكراراً عربياً وفلسطينياً للعناوين البراقة في الإعلام الإسرائيلي، الذي يريد أن يظهر مزيداً من التمايز بين سيموتريش ونتنياهو.

وهذا أيضاً ليس أمراً عابراً يحدث صدفة، بل هو جزء من محاولة التخفيف من الضغوط التي قد تنصب على حكومة نتنياهو فيما لو اعتبرت تلك خطة الحكومة على الصعيد الإعلامي.

لو لم تكن الخطة خطة الحكومة برمتها، لما وافقَت على ما جاء فيها، ولما دعمَتها أمنياً ومالياً بكل هذا السخاء، ولما تم تخصيص آلاف عناصر الجيش والشرطة وحرس الحدود لتطبيقها في عشرات عمليات الهدم والمصادرة وحماية التوسع الإستيطاني، حتى في ظل النقص الحاصل في جنود جيش الاحتلال بسبب الحرب على قطاع غزة والتصعيد الحاصل على الحدود الشمالية مع حزب الله.

لقد سعت حكومات الاحتلال المتعاقبة، منذ عام 1967 وحتى الآن، وبكل ما أوتيت من جهد، لتوسيع الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة.

ربما نفذت بعض الحكومات خططاً أقل طموحاً من غيرها. لكن الاستيطان كان على الدوام العمود الفقري لبرنامج أي حكومة إسرائيلية، بغض النظر عن التسميات.

حتى لو سُميت بخطة سيموتريش، فطالما أن الاستيطان مستمر، تستطيع السلطة أن تسمي نفسها ما تشاء، "إمبراطورية فلسطين" مثلاً، لكن جميعها ستكون أسماءً لصيقة بجغرافيا مضمحلة.

كل ذلك يأتي في إطار تعبير دائم في السياسة الإسرائيلية عن توزيع الأدوار في البرنامج الاستراتيجي الإسرائيلي الأكبر والأهم، وهو مزيد من الأرض. وهو الأمر الذي لم يتقنه الفلسطينيون بعد.

فبدلاً من توزيع الأدوار، ومن اعتبار المقاومة جزءاً من السياق الطبيعي للتخلص من الإحتلال، ومسانداً حقيقياً للمسار الدبلوماسي، يبرز التناحر والتناقض في مواجهة الاحتلال، حتى لو كان ذلك على حساب التوجه الاستراتيجي الفلسطيني الأكبر والأهم، وهو التحرر والاستقلال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image