شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا تحتاج إسرائيل إلى إيران؟… أو كيف تبرّر الدولة الإسلامية وجود الدولة اليهودية؟

لماذا تحتاج إسرائيل إلى إيران؟… أو كيف تبرّر الدولة الإسلامية وجود الدولة اليهودية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والخطاب الديني

الأحد 8 ديسمبر 202403:50 م
Read in English:

Why Israel needs Iran: The existence of Israel as a Jewish state is justified by the presence of the Islamic Regime in Iran

أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول/سبتمبر، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإنجيل. وذكر "الخيار الأزلي الذي وضعه موسى أمام شعب إسرائيل منذ آلاف السنين."، وفي الوقت نفسه، ذكّر الجمعية بأن أعداء إسرائيل "لا يسعون فقط لتدميرنا، بل يسعون لتدمير حضارتنا المشتركة".

طوال فترة الإبادة الجماعية في غزة والحرب على لبنان، استخدم المسؤولون الإسرائيليون بشكل مماثل تشبيهات كتابية ودينية لتبرير إستراتيجياتهم العسكرية وطموحاتهم السياسية. ولدى إعلانه الغزو البري الإسرائيلي على قطاع غزة استحضر نتنياهو قصة العماليق (Amalek) من سفر صموئيل إذ يأمر الله اليهود "اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا". 

ديمقراطية حديثة بوعد إلهي  

لا توجد بيانات توثق قتل الحيوانات، بما في ذلك الحيوانات الأليفة والمواشي، لكن حوالي 70٪ من القتلى في غزة حتى الآن هم من النساء والأطفال، وقد تم تدمير أكثر من 70,000 منزل.  لذا من الواضح أن نتنياهو التزم بهذه "النصوص" بحذافيرها. 

أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أشار  نتنياهو إلى الإنجيل. وذكر "الخيار الأزلي الذي وضعه موسى أمام شعب إسرائيل منذ آلاف السنين."، وفي الوقت نفسه، ذكّر الجمعية بأن أعداء إسرائيل "لا يسعون فقط لتدميرنا، بل يسعون لتدمير حضارتنا المشتركة"

إن اعتماد السياسة الخارجية والداخلية على سفر التكوين أمر لا يمكن تصوره في دولة حديثة. فآخر حرب دينية كبرى خاضها الغرب، -وهي حرب الثلاثين عامًا- انتهت عام 1648. أما في إسرائيل، فكل حرب الآن تُمنح تبريراً دينياً. وسيكون من الصعب على الباحثين _حتى الأكثر حرصاً_ العثور على صراع لم يستخدم فيه الجانب الإسرائيلي الرموز التوراتية بنفس الالتزام الذي يستخدم وينشر به دبابات "ميركافا" والطائرات المُسيّرة.

وفي حين يعتقد اليهود الأرثوذكس أن عودتهم إلى القدس تمثل تحقق النبوءة التوراتية، فإن احتمال أن تكون الحكومة البريطانية قد قدمت لليهود "وطناً" في الشرق الأوسط لتحقيق نبوءة مسيانية هو أمر مستبعد إلى حد كبير. فبريطانيا دولة ديمقراطية دستورية؛ وقد كان ذلك قرارًا سياسيًا.

التناقض في شرعية إسرائيل ودعمها الغربي يكمن في ادعائها بأنها ديمقراطية معاصرة، بينما يُبرر وجودها بوعد إلهي يعود تاريخه إلى 3000 عام وحقوق توراتية تسبق الإمبراطورية الرومانية. 

إن استخدام المراجع التوراتية والتلمودية من قبل المسؤولين الحكوميين والعسكريين لتبرير السياسات الحكومية هو ممارسة شائعة في إسرائيل منذ تأسيسها. وجاءت أول حكومة يمينية إلى السلطة في عام 1977. وعلى الرغم من كونها مسؤولة عن التفجير الذي استهدف فندق الملك داوود، إلا أن حكومة رئيس الوزراء الليكودي الأول، مناحيم بيغن، كانت تحظى بشعبية واسعة. وحصل بيغن على جائزة نوبل للسلام عام 1978، وغزا لبنان عام 1982. تلته بعد ذلك سلسلة من الإدارات اليمينية، التي بلغت ذروتها مع حكومة الليكود الحالية. 

حق تقرير المصير... لليهود فقط 

روجت العناصر الدينية والمحافظة في حزب الليكود بلا توقف وبشكل مستمر للسياسات ذات التوجه اليهودي. مثل السعي نحو تجانس دولة إثنية دينية يهودية. وفي عام 2018، أقر الكنيست مشروع قانون ينص على أن حق تقرير المصير محصور في السكان اليهود فقط، مما أدى إلى إحالة الإسرائيليين غير اليهود، بما في ذلك السكان الدروز والمسيحيون، إلى وضع قانوني من الدرجة الثانية. وفي الوقت نفسه، يحظر على الدول الغربية دستورياً التمييز على أساس الدين، في حين أن إسرائيل تأسست وبنيت على هذه الفكرة، وتحافظ على نفسها من خلال التمييز على أساس الدين. واليوم، تعد إسرائيل أكبر حليف إقليمي للغرب، والبلد الوحيد في الشرق الأوسط التي الذي تُصوَّر قيمه كامتدادٍ للقيم الغربية. 

إن اعتماد السياسة الخارجية والداخلية لإسرائيل على سفر التكوين أمر لا يمكن تصوره في دولة حديثة. فآخر حرب دينية كبرى خاضها الغرب انتهت عام 1648. 

إن الأساس اللاهوتي الذي بُنيت عليه إسرائيل، و"حق العودة" الذي هو حصري ويقتصر على الشعب اليهودي فقط، يجعل من المستحيل تصنيفها كدولة حديثة أو علمانية. ومع ذلك، فإن الموقع الإستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط أساسي في استمرار تصويرها كدولة غربية مجاورة لدول يعتبر الغرب أنها دول "متخلفة" يقودها متعصبون دينيون وغالباً ما تُتهم ديمقراطياتهم بأنها مُدارة بالإكراه.

بعد عامين من تولي حكومة بيغن السلطة، أطاحت الثورة الإسلامية الشاه، وتولى النظام الجديد الحكم في إيران. فجأة، ضاع التطرف والعقيدة الأرثوذكسية المتطرفة في حكومة بيغن تحت ظل روح الله الخميني وحكومته المؤلفة من المتشددين.

للوهلة الأولى، قد يجد المواطن الغربي العادي صعوبة في التفريق بين طالبان وحكومة طهران. وفي هذا الإطار المقارن، تعطي إسرائيل فجأة انطباعاً بأنها "الذئب الوحيد/المنفرد" في المنطقة. ومع مرور الوقت ستتم مقارنة الحكومتين بشكل متكرر جنباً إلى جنب في وسائل الإعلام الدولية: تل أبيب الليبرالية مقابل طهران الرجعية، إسرائيل العلمانية مقابل إيران المتعصبة. سمح استخدام الجمهورية الإسلامية الدين لتفسير قرارات الحكومة لميل إسرائيل إلى سحب الكتاب المقدس بتجاهل سياساتها. 

ظهور دولة دينية أخرى 

إن استخدام الجمهورية الإسلامية الدين لتفسير قراراتها الحكومية سمح بتجاهل ميل إسرائيل لاستخدام الكتاب المقدس لتبرير سياساتها. لقد برر وجود الثورة الإسلامية استمرار التحول السياسي الإسرائيلي نحو اليمين.

أصبحت النقاشات حول التطرف اليهودي والتعصب الصهيوني جزءاً من الماضي؛ ولم تعد ذات صلة عند الحديث عن الشرق الأوسط الجديد. وأدى انتشار "الخمينية" بين المجتمعات الشيعية في الشرق الأوسط إلى زيادة وانتشار هذا التصور في جميع أنحاء العالم: بأن مصدر التطرف الديني في المنطقة هو إيران وحدها. فقد تم نسيان اغتيالات المسؤولين البريطانيين على أيدي الجماعات المسلحة الإسرائيلية. حتى الهجوم على السفينة الأمريكية "يو إس إس ليبرتي"، الذي أدى إلى مقتل وإصابة جنود أمريكيين، أصبح في طي النسيان، وضاع في هوامش التاريخ.

بعد الخروج التوراتي/الهجرة اليهودية التوراتية، كان الفاتح الفارسي كورش الكبير هو الذي سمح لليهود بالعودة إلى كنعان. أما اليوم، فإرث الخميني الفارسي هو الذي يسمح لواقع الدولة الإسرائيلية بالبقاء دون أن يكتشف، مع الحفاظ على وهمها بأنها دولة ديمقراطية غربية علمانية. ويعتقد البعض أنه بهذه الطريقة، فدعم إيران لجماعات حزب الله والحوثيين الشيعية، وكذلك دعمها لحماس، يخدم إسرائيل. إن وجود الجماعات الأصولية الشيعية والسنية يوفر شرعية لإسرائيل لتبقى دولة إثنية يهودية. فإحاطة إسرائيل بدول ديمقراطية وحديثة، ذات حكومات غير مرتبطة بالدين، لن يكون في مصلحتها، وهي الدولة التي تعرف نفسها وتضفي الشرعية على وجودها من خلال التدخل الإلهي. وإلا فإن إسرائيل تخاطر بفقدان الدعم الغربي والهوية "الغربية" و"العلمانية" الزائفة التي تتمسك بها اليوم.

إن استخدام الجمهورية الإسلامية الدين لتفسير قراراتها الحكومية سمح بتجاهل ميل إسرائيل لاستخدام الكتاب المقدس لتبرير سياساتها. لقد برر وجود الثورة الإسلامية استمرار التحول السياسي الإسرائيلي نحو اليمين 

لكن الشرق أوسطيين الوحيدين الذي يبدو أن الغرب وإسرائيل يهتمان بإقامة تحالفات معهم، أو ضدهم، هم فقط الحكام المسلمون والحكومات الدينية. وبينما خضعت الجمهوريات الرئاسية القومية العربية للتدقيق، أصبحت الملكيات المطلقة المتبقية، الملوك العرب، هم الحلفاء الأساسيون للغرب. فقد حكم الزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر حكومة علمانية منتخبة شعبياً، وقيد الإخوان المسلمين، وشجع اليسار العلماني في مصر، لكنه أثبت أنه حليف غير محبوب للغرب. وقد اعتبر الغرب زعماء علمانيين آخرين من العرب دكتاتوريين وحكاماً استبداديين. 

معايير مزدوجة لصالح إسرائيل 

على مر التاريخ، اختفت القومية العربية العلمانية الديمقراطية ، نتيجة معارضة الغرب. لا يمكن القادة القوميين العرب أن يبقوا؛ فإما أنهم قد تم اغتيالهم، أو الإلقاء ببلدانهم في الفوضى من خلال تدخلات الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، مما ترك فراغاً سياسياً جرى ملؤه بالتطرف الديني والسلطوية.

إن إنشاء دولة يهودية في الشرق الأوسط أدخل عنصراً جديداً من التدين إلى السياسة الإقليمية. وبمجرد وصول حزب الليكود إلى السلطة في إسرائيل، وبعد أن أصبحت السياسة الإسرائيلية تحت حكم المتطرفين اليهود والفاشيين العرقيين، اختلت الديناميكيات الدينية الإقليمية. لكن المعايير المزدوجة المطبقة على إسرائيل أصبحت الآن واضحة للغاية.

لقد شنت الحكومة الدينية الفاشية اليمينية في إسرائيل حرباً توراتية من العهد القديم، مسلحة وممولة من الديمقراطيات الحديثة في ذلك الوقت. كيف أن الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، وألمانيا في سعيها للتخلص من ذنبها التاريخي، استمرتا في حماية إسرائيل وهي ترتكب إبادة جماعية في غزة وتقتل الآلاف من المدنيين في لبنان، قد أيقظ وعياً عربياً مشتركاً في جميع أنحاء المنطقة. يجب أن يعاد توجيه صحوة الشرق الأوسط نحو الداخل، ويجب على العرب أن يسألوا أنفسهم أخيراً عما إذا كان للتطرف الديني والتسييس الطائفي أي مكان في عالم اليوم، حيث يمكن إسرائيل وحدها أن تشن معاركها الدينية من دون عقوبات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image