"انهرت نفسياً. شعرت بأن شيئاً ما كُسر في داخلي. ليلة زفافي كانت أشبه باغتصاب"؛ هذا ما تقوله شام جبران (اسم مستعار)، البالغة من العمر 36 عاماً.
فقد عاشت هذه الشابة، وهي من محافظة الديوانية، ليلةً عصيبةً بعد حفل زفافها، إذ جاءتها تحذيرات كثيرة من خالتها التي نقلت إليها كلام والدتها لأن الأخيرة تخجل من الحديث معها بصورة مباشرة، فقالت لها إن والدتها أخبرتها بأنها "ستحمل سمعة الأهل والعشيرة هذه الليلة، وعليها أن ترفع رأسهم". كان كلام خالتها كفيلاً بجعل تلك الليلة، كما وصفتها، "اغتصاباً شرعياً".
"قنبلة عار موقوتة"
في العديد من المجتمعات المغلقة، ومنها العراق، تكتسب ليلة العرس رمزيةً مجتمعيةً خاصةً، إذ تسود طقوس ونصائح تنقلها الأمهات إلى بناتهنّ كإرث اجتماعي "مقدّس"، غير أن هذا الإرث، بدلاً من أن يكون أداةً للتوعية والدعم وطريقةً للتواصل بين الأمّ وابنتها، يتحول أحياناً إلى مصدر لتوريث الجهل والخوف، خصوصاً في ما يتعلق بالثقافة الجنسية.
"نحن نعيش في مجتمع يعدّ النساء قنبلة عار موقوتةً في أي لحظة من الممكن أن تنفجر وتلوّث شرف العشيرة"
لذا، لا تستطيع الأم أن تبني مع ابنتها علاقةً صحيةً، لأنها تعيد إنتاج علاقتها مع والدتها في أمومتها، وتمنع بناتها من الثقافة الجنسية لأنها تُعدّ عيباً وتقوم بتهذيبهنّ من خلال الجهل الجنسي بادّعاء الخجل لضمان حماية ابنتها من أحكام المجتمع.
وعن هذه النقطة، تقول شام لرصيف22: "نحن نعيش في مجتمع يعدّ النساء قنبلة عار موقوتةً في أي لحظة من الممكن أن تنفجر وتلوّث شرف العشيرة".
"القطة المغمضة"
بينما تقرر بعض الأمهات الحديث مع بناتهنّ عن المسائل الزوجية، تقرر بعضهنّ تجاهل الأمر وترك بناتهنّ يواجهن واقع العلاقة الجنسية مع الزوج في الليلة الأولى، إذ يشعرن بأن هذا الحديث ممنوع، وعلى النساء أن يتعاملن بفطرتهنّ، التي تعدّ أن العلاقة الجنسية هي واجب المرأة لإسعاد زوجها، وعليها أن تكون "القطة المغمضة" قبل الزواج، وتتفتح أنوثتها في ليلة العرس.
"لم تتحدث معي أمي بكلمة واحدة، عندما دخل زوجي الغرفة لأول مرة طردته عندما رغب في نزع ملابسي. عرف حينها أنني لا أعرف شيئاً برغم أن عمري كان 25 عاماً. لم أدّعِ الجهل. حقيقةً لم أكن أعرف"
وهذا بالتأكيد هو شكل العلاقة الزوجية التي يرغب العديد من الذكور في فرضها في المجتمعات الأبوية التي لا تزال تتحكم بالعلاقات الحميمية.
"لم تتحدث أمي بحرف واحد عن الأمور الزوجية، تزوجت ولم أعرف شيئاً، حملت ولا أعرف شيئاً"؛ هذا ما تقوله نور (32 عاماً)، من محافظة النجف.
وعلى الرغم من أن المعرفة الجنسية تضيف قوةً إلى النساء في بداية زواجهنّ، لأنها تجعلهنّ قادرات على إسعاد أزواجهنّ حسب المفهوم التقليدي، إلا أن العديد من النساء لا يجدن المعلومات الكافية، وفق ما تقول فداء، البالغة من العمر 41 عاماً: "لم تتحدث معي أمي بكلمة واحدة، عندما دخل زوجي الغرفة لأول مرة طردته عندما رغب في نزع ملابسي. عرف حينها أنني لا أعرف شيئاً برغم أن عمري كان 25 عاماً. لم أدّعِ الجهل. حقيقةً لم أكن أعرف".
وتضيف فداء لرصيف22: "عاملني بوحشية وقتها، وكانت هذه فكرتي عن الزواج لخمسة عشر عاماً؛ إنه أذى للمرأة ومتعة للرجل، وعندما فهمت معنى العلاقة الزوجية كان الوقت قد تأخّر".
بدورها، تقول المدرّبة السابقة في مجال الصحة الإنجابية والجنسية، ملاذ الأوسي، وهي من محافظة واسط: "إذا لم تكن لذى الفتاة معرفة بالصحة الجنسية سوف يكون واجب الأم نصيحتها حول أهمية استمتاعها أو تجنّب الأشياء المؤذية".
وتضيف لرصيف22: "بالتأكيد لا تريد الفتاة أن تكون مرعوبةً وخائفةً من تلك الليلة، وفي حال كانت الأم محرجةً عليها أن تجعل شخصاً آخر يتحدث في مثل هذه المسائل الحساسة مع ابنتها، سواء كانت صديقةً أو عمةً أو خالةً".
"لا تبكي أو تُظهري ألمك حتى لا يتوتر"
تطلب الكثير من الأمهات من بناتهنّ عدم إظهار الألم، زاعمات بأن هذا قد يمنع الزوج نفسياً من أداء مهامه، بمعنى آخر، يُفترض على النساء ادّعاء المتعة حتى لا يجرحن ذكورة الرجل، ولا تهمّ هنا مشاعر المرأة، إذ إنها تُعدّ في بعض المجتمعات الذكورية أداةً للمتعة وتحقيق توقعات الرجال التي تلقنها الأمهات لبناتهنّ.
تعليقاً على هذه النقطة، تقول ابتسام (25 عاماً)، وهي من كربلاء، لرصيف22: "كانت نصيحة والدتي لي: "لا تبكي أو تظهري ألمك حتى لا يتوتر أو يتعكر صفو الجو".
وتضيف: "كانت نصائح والدتي منتهية الصلاحية، لم تفدني في شيء. بدأت تتحدث معي وكأننا نعيش في زمن آخر، لذا لم آخذ بنصائحها واستعنت بصديقتي، وهي صيدلانية وامرأة متزوجة. لو كنت ادّعيت المتعة لما تجاوزت تلك الليلة، لقد كانت مؤلمةً بحق".
برغم أن الكثير من النساء يتماشين مع الواقع ويستمعن إلى كلام الأم لكونها أكثر خبرةً، إلا أن ابتسام لم تفعل ذلك، وها هي تعيش الآن حياةً مستقرةً، وهو ما لم تفعله رسل (28 عاماً)، إذ تقول لرصيف22: "طلبت مني والدتي تحضير قماش أبيض، وقد أحدث هذا الحديث شرخاً في علاقتي بها. عندما غضبت، قالت لي ربما يوماً ما سيتغير زوجك، وعندما يريد إنهاء الزواج سيقول إنك لم تكوني عذراء، وسوف يطلقك بسهولة. يجب أن يكون الدليل دائماً معك. وحديثها هذا سبب مشكلات ثقة بيني وبين زوجي امتدت لسنة وربما أكثر".
يقول سيف الكرعاوي، وهو متخصص في مجال الصحة الإنجابية، من النجف: "إن الجهل الجنسي وعدم معرفة الآخر بالتفاصيل الجسدية وأعضائه التناسلية ورغباته، يجعلان العلاقة الجنسية أشبه باغتصاب زوجي، وللأسف يعدّ الكثير من الرجال أن الجهل الجنسي للمرأة هو دليل على شرفها وعفّتها".
ويضيف لرصيف22: "أعتقد أنه يتعيّن على الطرفين قبل الزواج الانخراط في تدريبات تخصّ الصحة الإنجابية حتى يكونا مؤهلين لإقامة علاقة جنسية سليمة مريحة للطرفين، تكون أساساً لإقامة حياة زوجية سعيدة".
كيف نتحدث عن العلاقة الجنسية؟
في العراق، تزداد نسبة زواج القاصرات كل سنة، وبحسب ما كشفته اليونيسف فإن 28% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن الـ18، وبدورها أفادت "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، بأن 22% من الزيجات غير المسجلة في العراق هي لفتيات دون سنّ الـ14.
وعليه، كيف يمكن لمجتمع محافظ يقيّد نساءه بقيود كثيرة، أن تتحدث فيه الأمهات إلى بناتهنّ القاصرات عن العملية الجنسية؟
"تزوجت في عمر الثالثة عشرة. لم أفهم شيئاً سوى أنه يجب أن أفتح قدميَّ وأسكت. تعرّضت للضرب والإهانات ولم أستطع الاستمرار، لقد كان أكبر مني بكثير، تطلقت بعد سنتين من زواجي"؛ هذا ما تقوله شهد (26 عاماً)، من محافظة بغداد.
تعليقاً على هذه النقطة، تقول ليلى، وهي مستشارة في مجال حماية الطفولة، لرصيف22: "عندما يتم الحديث عن الجنس للقاصرين والقاصرات يجب أن نختار كلمات معيّنةً لنعرّف التحرش والاغتصاب لحمايتهنّ من المعتدين، ويجب أن يتعرف الذكور والإناث على أجسادهم/ نّ تدريجياً مع مراعاة أعمارهم/ نّ، دون الحديث بشكل صادم ولكن صحيح".
"تزوجت في عمر الثالثة عشرة. لم أفهم شيئاً سوى أنه يجب أن أفتح قدميَّ وأسكت. تعرّضت للضرب والإهانات ولم أستطع الاستمرار، لقد كان أكبر مني بكثير، تطلقت بعد سنتين من زواجي"
في الواقع، عندما تتدخل الأم في الحياة الجنسية لابنتها دون وعي ومعرفة كاملة في العلاقة الجنسية الصحية، قد تزرع لديها مفاهيم مغلوطةً ومتوارثةً ومنتهية الصلاحية حول الجنس، لأن غالبيتها تكون نصائح مستمدةً من تقاليد أو مفاهيم ثقافية بالية، إذ إن غالبية الأمهات في العراق نشأن في بيئة لا تتيح لهنّ الوصول إلى معلومات دقيقة أو علمية حول الحياة الزوجية، لذا تدخّل الأم قد تكون له آثار سلبية وقد تخلق لدى ابنتها شعوراً بالقلق أو الخجل تجاه الجسد والعلاقة الجنسية بشكل عام، كما قد تؤثر على قدرتها على الاستمتاع بالعلاقة الحميمة، لأنها قد تعدّها فقط وسيلةً لإرضاء الزوج بشكل دائم، ما يفرض عليها الكثير من الواجبات ويمنعها من الاستمتاع.
على الأمهات أن يكنَّ داعمات ومتفهمات، لا أن يُصبن بناتهنّ بالذعر أو التوتر. يجب أن يكون التركيز على تعزيز الثقة بالنفس والدعم العاطفي في هذه المرحلة المهمة من الحياة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 23 ساعةوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ يومالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته
مستخدم مجهول -
منذ يوماهلك ناس شجاعه رفضت نطاعه واستبداد الاغلبيه
رزان عبدالله -
منذ أسبوعمبدع
أحمد لمحضر -
منذ أسبوعلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ أسبوعالله!