تُسمى ليلة الزفاف في كثير من البلدان العربية بـ"ليلة الدخلة". ويُقال إن الدُخلة هي دخول العالم الجديد الذي ينتظر العروسين، تاركين وراءهما لحظات الوحدة والملل والشجار مع الأهل، مُقبلين على حياة جديدة من المشاركة والسعادة. ولكن هل يمكن الحديث عن السعادة عند النظر إلى ما يحدث في هذه الليلة في بيئات عديدة؟
الشرف في قطرتين من الدماء
يُعرّف الشرف عملياً في السياق العربي بغشاء البكارة. فكل امرأة احتفظت بغشاء البكارة شريفة. وكل عائلة نجحت في "حماية" غشاء بكارة نسائها، هي عائلة شريفة. الشرف إذاً هو البكارة التي يجب على النساء الحفاظ عليها، والامتناع عن ممارسة الجنس من أجل صونها. وهو مفهوم حساس، لا سيما لدى الطبقات دون المتوسطة التي تعتبره مصدراً للتباهي. كمقياس لهذا الشرف، يعتبر فض غشاء البكارة حدثاً مهماً، تنتظره العروس بتوجُّس وينتظره العريس بتخوّف. لا يعود الشرف هنا أمراً شخصياً، بل شأناً عائلياً. وقطرتان من الدماء قادرتان على تحويل مسار حياة عائلتين إلى الأبد. هذه القطرات دفعت الكثيرات حياتهن ثمناً لغيابها، إما لأن أغشيتهن لا تُفض بالاتصال الجنسي، أو لأنهن مارسن الجنس قبل الزواج، أو لأن أزواجهن فشلوا في فض الغشاء. تحمل "ليلة الدُخلة" تذكارات كثيرة ليست بالضرورة وردية. نذهب هنا بحثاً عنها، وعن ممارسات فض غشاء البكارة في مجتمعاتنا، طقوسها ونتائجها. صور من فيلم "كلمني شكراً"
منديل الشرف… قماش مخصوص لفض غشاء البكارة
تتجوّل النساء في الأسواق الشعبية في المدن والقرى مثل سوق الجمعة أو سوق الثلاثاء، باحثات عن منديل أبيض مُتساوي الأطراف. هذه المناديل تُباع في الأسواق باسم "منديل الشرف"، وتكون مقصوصة جاهزة وأحياناً مُغلّفة، حتى لا تتسخ من يد بائع القماش أثناء القص. وهي مصنوعة من الكريب الخفيف الذي يحتفظ بالبقع لمدة طويلة، بنفس اللون ودرجة التركيز. يقول العم شوقي، وهو تاجر قماش بإحدى مدن الدلتا، إن أكثر المُقبلات على شراء منديل الشرف هن أمهات لشابات مُقبلات على الزواج. ويُضيف: "لما تدخل السيدة تسألني عندك قماش العروسة الأبيض بفهم إنها عايزة المنديل وبيكون سعره 20 جنيه، بيتغير حسب المقاسات المطلوبة والخامة".تصر بعض العائلات على حضور ليلة الدُخلة، وحينها، لا يقوم العريس بفض البكارة بعضوه الجنسي وإنما بأصابعه
تحمل "ليلة الدُخلة" تذكارات ليست بالضرورة وردية.. ممارسات فض غشاء البكارة في مجتمعاتنا، طقوسها ونتائجها
منديل الشرف: دليل براءة
هناك اتفاق مجتمعي ضمني بأن ليلة الدُخلة هي الفيصل في إقرار أن شابة ما "شريفة". يدعم هذا الاتفاق حالة الانتظار والترقب التي تغلب على العائلتين لإعطاء العروس وعائلتها "ختم الشرف". من أطرف المشاهد التي تناولت قصة منديل الشرف في السينما المصرية هو مشهد فيلم «كلمني شكراً»، والذي يظهر فيه البطل مُمسكاً بمنديل الشرف وهو يُهلل بانتصار: "أنا كنت متأكد، أنا كنت متأكد، مع إني كنت شاكك". تقول «ق.ق» سيدة ستينية من مدينة المنصورة إنها اشترت المنديل لابنتيها لأنه تقليد متوارث في العائلة. تروي لرصيف22: "في الماضي، كانت عائلتا العريس والعروس تريان المنديل، حتى يطمئن الجميع أن كل شيء تمام. وتحتفظ العروس بالمنديل، فإما تُعطيه هدية لابنتها في زواجها، أو يبقى وسط الملابس القديمة لا يراه أحد كذكرى خاصة بها". وتضيف: "حديثاً، أصبح المنديل أمراً خاصاً بين العروسين، لا يراه أحد. وتوقفت بعض العائلات عن شرائه من الأصل". أما عن سبب الاحتفاظ بالمنديل فتشرح «ق.ق» أن بعض العرسان قد يتحججون بعد الزواج بفترة أن العروس لم تكن بكراً وقت الزواج، كطريقة سهلة للطلاق دون الاضطرار إلى دفع مؤخر أو نفقة. يعتمد الرجال في هذه الحالات على أن عائلة العروس سترضخ لمطالبهم، لتجنب اللغط حول العروس وسُمعتها وحتى تتزوج مرة أخرى، فيتم الطلاق.دُخلة بلدي أم اعتداء جنسي؟
الأدلة والقرائن لإثبات الشرف لا تنتهي، سواء ارتبطت بحياة النساء الجنسية أو سلوكياتهن. بعض العائلات لا تكتفي برؤية المنديل، بل تصر على حضور الدُخلة وعملية فض البكارة، عبر ممثلين عن العائلتين يكنّ في الغالب من النسوة الموثوق بهن. في هذه الأجواء، لا يقوم العريس بفض البكارة بعضوه الجنسي، وإنما بأصابعه، أو تفُضه إحدى الحاضرات بنفسها.الخوف يكون سيد الموقف في هذه الأجواء. تقول «هـ.و» من مدينة الزقازيق إن عريسها لم يستطع فض بكارتها، لأنه كان خائفاً، بينما كانت هي تصرخ من الخوف. تروي كيف كتّفتها نساء العائلة، وصرخت إحداهن في العريس "ماتخلصنا بقى"، فلفّ منديل الشرف على إصبعيه وأدخلهما في مهبل العروس، مُسبباً لها جرحاً ونزيفاً. بحسب عزة سليمان، محامية وعضوة مجلس أمناء مركز قضايا المرأة المصرية، فإن تقليد الدخلة البلدي لا يقتصر على الأقاليم والنجوع، فبعض المناطق بالقاهرة الكبرى أيضاً تعتبرها عادة، ولكنها تشير إلى أن نسبة الشكاوى من هذه الممارسة باتت أقل بكثير في السنوات العشرين الأخيرة. تقول: "صحة النساء العقلية قد تتأثر بذكرى الدُخلة إن كانت عنيفة، وقد تُسبب لهن أعراض صدمة وخوف كلما مارسن الجنس".تروي «هـ.و» كيف كتّفتها نساء العائلة، وصرخت إحداهن في العريس "ماتخلصنا بقى"، فلفّ منديل الشرف على إصبعيه وفض بكارتها، مُسبباً لها جرحاً ونزيفاً
منديل الشرف والتكنولوجيا الحديثة
لم تفلت التكنولوجيا من هوس الشرف والبكارة. في صيف 2016، نشر رجل خمسيني صورة على موقع فيسبوك، وهو يرفع منديلاً أبيض عليه بضع نقاط وردية، كاحتفال بأن ابنة أخيه "شريفة". أما في الاسكندرية، فتروي هدى رياض، صيدلانية ومهتمة بقضايا النساء، قصة عريس أرسل صورة المنديل لجروب عائلته على واتساب، للسبب ذاته. وعلى الجهة المقابلة، تتعالى الأصوات مناديةً بأحقية النساء في أجسامهن، مؤكدةً أنهن سواء احتفظن ببكارتهن أو لا، فللنساء كامل الحق في تقرير ما يخص أجسادهن. بينما يتناول البعض أزمة البكارة من منظور جرائم الشرف التي لا يُجرّمها القانون المصري.جرائم الشرف بسبب مناديل لم تتلون بعد
يتسع مفهوم الشرف في القانون المصري ليشمل جرائم الأمانة والزنا والآداب العامة. ولكن يشيع استخدام مفهوم "جريمة شرف" على جرائم القتل المتعمد الذي يقوم به رجال العائلة ضد نسائها اللواتي يُعتقد أنهن مارسن الجنس قبل الزواج أو فُضّت بكارتهن.يصعب الوصول لإحصائيات حديثة عن جرائم الشرف في مصر. في بحث أجراه "مركز قضايا المرأة المصرية" ونشرت نتائجه "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" عام 2005، تمت الإشارة إلى أن 75% من جرائم العنف ضد النساء يرتكبها رجال الأسرة، من ضمنها جرائم الشرف.
وأشار بحث من إعداد "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" عام 2010 إلى أن جرائم الشرف تمثل 92% من إجمالي جرائم القتل ضد النساء.
يقول المحامي الحقوقي مصطفى محمود لرصيف22 إنه لا يوجد نص صريح في قانون العقوبات المصري يرفع العقوبة عن الأب القاتل، ويُترك الحكم النهائي لتقديرات القاضي الذي قد يُخفف العقوبة على القاتل باعتباره مدافعاً عن "الشرف".هل تقليد «منديل الشرف» مستمر؟
بينما تقل نسبة النساء المُتعرضات للدخلة البلدي اليوم، فإن تقليد منديل الشرف لم يندثر بالكامل، وما زال شراء منديل العروسة قائماً في بعض المناطق المصرية. ولكن تقول داليا عبد الحميد، باحثة الأنثربولوجيا ومسؤولة برنامج النوع الاجتماعي بـ«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، بأننا لا نعلم نسبة شيوع هذا التقليد في الوقت الحالي، أو إن كانت جرائم الشرف لا تزال تمثل نسبة كبيرة من الجرائم الجنائية، بسبب قلة المواد البحثية المُتاحة عن الموضوعات الخاصة بجنسانية النساء. وتوضح: "تلعب الدولة دوراً مهماً في تبني عمليات بحثية لموضوعات في الأصل على أجندة أولوياتها كالختان. وبالتالي تُبحث الموضوعات التي تُصنفها الدولة بأنها غير ذات أولوية\أهمية، كمنديل الشرف، بدرجة أقل من غيرها".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...