منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لحظة أعلن حزب الله عن جبهة إسناد لدعم غزة، إلى إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عاش الفلسطينيون في الداخل أجواءً من القلق، نتيجة سقوط صواريخ في بلداتهم في الشمال، ما أسفر عن عدد من الضحايا وعشرات الإصابات، وبعضها في حال حرجة.
وقد كشف التصعيد في فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان، خاصةً مع بدء الغزو البري، عن فجوات واسعة، في مستوى الاستعدادات والحماية والمساحات الآمنة، بين القرى والمدن الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية.
ولعلّ النتيجة الأبرز لهذه الفجوات، تمثّلت في حقيقة أن أكثر من 58% من القتلى جراء سقوط الصواريخ هم من الفلسطينيين، مقارنةً بـ41% في حرب لبنان الثانية. ويُعزى السبب الرئيسي لهذا الارتفاع الملحوظ في عدد الضحايا إلى غياب الملاجئ لدى الفلسطينيين، حسب ما أورد مركز "إنجاز" لتطوير السلطات المحلية العربية.
ووجد المركز أن 46% من مواطني إسرائيل الذين يعيشون دون مساحات آمنة هم فلسطينيون، على الرغم من أنهم يشكلون 20٪ من السكان.
فلسطينيو الداخل غير محميين
في الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، قُتلت الشابة أرجوان منّاع والشاب حسن سواعد، وهما في العشرين من العمر، في قرية مجد الكروم، إثر سقوط رشقة صاروخية على منطقة حيوية. ما أعاد إلى ذاكرة أهالي القرية مشاهد فقدان اثنين من أبنائها في الحرب على لبنان عام 2006.
ورغم مرور كل هذه السنوات، لم تُبادر السلطات إلى بناء ملجأ عام في البلدة، مع أنّ مستوطنة كرمئيل، التي بُنيت فوق أراضي مجد الكروم المصادرة، تحتوي على 126 ملجأ.
لم تجد أرجوان مكانًا تلجأ إليه عند سماع صفارات الإنذار، فاضطرت للبقاء داخل الحانوت الذي تعمل فيه، كما أفادت عائلتها.
وفي حالات أُخرى، كشف سقوط الصّواريخ عن أنّ الملاجئ في بعض المناطق الفلسطينيّة، إن وُجدت، غير صالحة. فقد قتل صاروخ سيدة في مدينة شفاعمرو في الشمال في أثناء احتمائها في ملجأ بيتها.
تم تزويد شمال البلاد بـ 1100 ملجأ متنقل خلال الحرب، 270 منها خُصص للبلدات الفلسطينية. على الرغم من أنّ 50% من مواطني الشمال هم فلسطينيون
"يُلزم القانون الإسرائيلي المواطنين منذ حرب الخليج 1991، بناء ملاجئ داخل منازلهم. لكن بسبب أزمة المسكن التي تعانيها البلدات الفلسطينية، وما يترتب عليها من بناء غير مرخص، فإنّ الفلسطيني لا يكون ملزماً بتطبيق هذا القانون"، يقول لرصيف22 أمير بشارات، مدير اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية.
ويتابع: "تفتقر البلدات الفلسطينية إلى الفضاءات العامة، مثل المدارس والمراكز الجماهيرية، التي قد تُوفّر ملاجئ للناس. ويعود ذلك إلى عدم وجود خرائط هيكلية تُثبت ملكية الأراضي للمصلحة العامة. بالإضافة إلى أنّ الأراضي المخصصة لإنشاء مناطق جديدة ومتطورة لا تُمنح للبلدات الفلسطينية في الداخل".
"وفقاً لمعطيات الجبهة الداخلية، فقد تم تزويد شمال البلاد بـ 1100 ملجأ متنقل خلال الحرب، 270 منها خُصص للبلدات الفلسطينية. على الرغم من أنّ 50% من مواطني الشمال هم فلسطينيون"، يوضح بشارات.
ويضيف: "تم تزويد ملاجئ متنقلة للمزارعين اليهود في الشمال، الذين يعملون بالزراعة وإنتاج الألبان، وذلك لأنهم يُعتبرون من دعاة الصهيونية والمحافظين على الأرض". ويتساءل: "إذاً، لماذا لم يتم تخصيص ملاجئ متنقلة لأراضي الزيتون التي تعود للفلسطينيين؟ والزيتون يعد بالنسبة لنا قضية وطنية".
تعميق الفجوات… تعميق الأبرتهايد
تؤكد تقارير مراقب الدولة منذ الحرب على لبنان عام 2006، وجود نقص حاد في عدد الملاجئ، خاصةً في قرى الشاغور التي يقطنها أكثر من 50 ألف مواطن فلسطيني، إذ لا يوجد أي ملجأ عام، بينما تكثر الملاجئ العامة في المستوطنات المجاورة.
فمدينة طمرة التي يُقارب عدد سكانها عدد سكان مستوطنة صفد، خالية من الملاجئ العامة. في المقابل، تحتوي صفد على 138 ملجأً عاماً، وفق مركز "إنجاز".
وتُظهر خريطة نشرها المركز غياباً تاماً لملاجئ عامة في مدن وقرى أخرى مثل قرية الرامة ودير الأسد، ومدينة سخنين التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 30 ألفاً.
"تُجسّد هذه المعطيات تجليّاً واضحاً للسياسات الممنهجة والتهميش الذي يتعرض له المواطنون الفلسطينيون في الداخل خلال حالات الطوارئ. إضافة إلى ذلك، فإنّ معظم المنازل الفلسطينية لا تحتوي على ملاجئ، لأنّ غالبيتها بُنيت قبل النكبة، مما يفاقم من معاناة الفلسطينيين في أوقات الأزمات"، بحسب مركز إنجاز.
المؤسسة الصهيونية ولجان التخطيط التابعة لها هما اللتان ساهمتا بهذه الجريمة، التي أدّت إلى وجود ضحايا في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل
ويقول عضو الكنيست السابق سامي أبو شحادة لرصيف22: "عندما أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الحرب على غزة والضفة ولبنان، أعلنها أيضاً على الداخل الفلسطيني. فهو يعتبرنا أعداءً، ويظهر ذلك في تحريض الإعلام الإسرائيلي علينا وتسليح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير للمواطنين اليهود، اضدنا".
يرى أبو شحادة أن الحركة الصهيونية، تأسست منذ نشأتها على العنصرية، وبالتالي فإنّ السياسات المتعلقة بالتخطيط والبناء مبنية على أساسٍ عنصري. ففي القرن الماضي، صودرت آلاف الدونمات من الأراضي التابعة لفلسطينيين، للحد من إمكانية تطورهم. على سبيل المثال، تمت مصادرة أراضي الناصرة والرينة والمشهد لبناء مستوطنة "نوف هجليل" اليهودية، مما حال دون تطوّر البلدات الفلسطينية المجاورة.
"لا توجد أراضٍ كافية، فكيف ستتطور البلدات؟ لا يمكنك حتى بناء مدرسة أو روضة أطفال أو ملجأ"، يقول أبو شحادة، مضيفاً: "المناطق الفلسطينية المتاخمة للبلدات اليهودية لا تحتوي على أي ملجأ، على عكس البلدات اليهودية. المؤسسة الصهيونية ولجان التخطيط التابعة لها هما اللتان ساهمتا بهذه الجريمة، التي أدّت إلى وجود ضحايا في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل".
النقب… بيوت من صفائح
"لا يوفرون لنا حتى نفطة ماء، فهل تنتظرين أن يوفروا لنا الملاجئ"؟ هذا ما اكتفى بقوله والد الطفلة أمينة الحسوني، ابنة السبع سنوات، المصابة الوحيدة في الداخل، جراء سقوط صاروخ على منزلها خلال الهجوم الصاروخي الإيراني في نيسان/ أبريل على إسرائيل.
تعيش أمينة في قرية الفرعة، بالقرب من مطار "نيفاتيم" العسكري، الّذي استهدفته إيران. وهي واحدة من 37 قرية غير معترف بها في النقب في الجنوب. تفتقر هذه القرى إلى أبسط الحقوق والبُنى التحتية، مثل الكهرباء، والخدمات الصحية، والملاجئ بطبيعة الحال. فيحتمي جزء من سكانها في مواسير صرف صحي اسمنتية.
"من الواضح أنّ من يستخدم الأشخاص كدروع بشرية ومن يُنشئ مصانع الأسلحة ومعسكرات الجيش بينهم، هو إسرائيل. وما يحدث في القرى غير المعترف بها هو جريمة واضحة"، يؤكد أبو شحادة.
"تفتقر هذه القرى إلى الملاجئ. فضلاً عن أن إسرائيل تعتبرها مناطق مفتوحة وغير مأهولة، ما يعني أن منظومة القبة الحديدية لا تدافع عنها. على الرغم من التوجه إلى السلطات والجبهة الداخلية، فالجهود لم تحقق أي نتيجة تُذكر. المواطن الفلسطيني لا يعامل كاليهودي"، يقول لرصيف22 معيقل الهواشلة، المُركّز الميداني في المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف.
من يستخدم الأشخاص كدروع بشرية ومن يُنشئ مصانع الأسلحة ومعسكرات الجيش بينهم، هو إسرائيل. وما يحدث في القرى غير المعترف بها هو جريمة واضحة
ويردف: "ما يحدث في النقب هو نتاج سياسات ممنهجة تهدف إلى حصر السكان البدو في النقب في أقل مساحة ممكنة. هناك نحو 100 ألف بدوي يقيمون في قرى لا تعترف بها إسرائيل، ويعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر، دون مأوى، أو في بيوت مصنوعة من صفائح، تجنباً لعمليات الهدم الروتينية التي يواجهونها".
بعد وقف إطلاق النار، هل يشعر فلسطينيو الداخل بالأمان؟
تقول دانا (اسم مستعار، 20 عاماً) من الجليل الأعلى: "على مدار هذا العام، اعتدت صوت الصواريخ وبتّ قادرة على التمييز بين صوت الصاروخ المدفعي والاعتراضي. كنا نعيش في حالة رعب دائمة، لأن بيتنا يقع بالقرب من قواعد عسكرية. كان سقوط الصواريخ قريباً لدرجة أنّ الصحون والكؤوس كانت تنكسر من شدة الاهتزاز".
تُعبر دانا عن إحساسها بالأمان عند سماع صفارات الإنذار أثناء عملها في بلدة نهاريا الإسرائيلية، التي تضم 241 ملجأ عاماً، بينما تفتقر قريتها إلى الملاجئ.
"في الصباح الأول بعد وقف إطلاق النار، فكرت كم مر من الوقت دون أن أعيش يوماً طبيعياً أستيقظ فيه على صوت المنبه أو على صوت فيروز يصدح من بيت جارتنا أو على صوت بائع الخردة"، تقول.
ينتظر اليوم فلسطينيون كُثر في بلدات الشمال أن يحصلوا على تعويض من إسرائيل حتى يقوموا بإعمار بيوتهم التي تضررت بفعل الصواريخ والشظايا. لكنّ كثيرين منهم أكدوا أن السلطات الإسرائيلية تُماطل في دفع التعويضات الكافية عن الأضرار، حتى يعودوا للسكن في بيوتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...