أن نصحو من النوم ونحن نصرخ من آلام متفرقة في جسدنا، بداية محبطة ليوم جديد. هكذا كانت تستيقظ هبة الله صبحي، التي تعاني من مرض الفيبروميالجيا أو الألم الليفي العضلي.
صعوبة العيش بصورة طبيعية
اكتشفت هبة (40 سنةً)، إصابتها بالمرض قبل خمس سنوات تقريباً، وذلك بعدما بدأت تشعر بآلام شديدة في جميع أنحاء جسدها تمنعها من العيش بصورة طبيعية ومزاولة الأنشطة والمهام المختلفة المطلوبة منها على مدار اليوم.
تقول هبة لرصيف22: "الآلام كانت صعبةً جداً، تبدأ مع الصباح وعند استيقاظي من النوم، وهي في أماكن متعددة؛ الرقبة والظهر والذراعين بالإضافة إلى الصداع الشديد والتغيرات المزاجية. مرةً، صُدمت عندما وجدت نفسي غير قادرة على ارتداء ملابسي من شدة الآلام، وبعدما أجريت الكثير من الفحوصات تبين أنه ليست لدي أي مشكلات جسدية، فكل التحاليل كانت سليمةً تماماً وتم تشخيصي بشكل خطأ".
"الفيبروميالجيا يصيب النساء والشباب بشكل خاص بنسبة 90%. فلو هناك 10 حالات مصابة، ستكون من بينها 8 أو 9 حالات أصحابها من النساء. الموضوع تكون له أسباب نفسية في المقام الأول، فالشخص المصاب يكون قد تعرّض لنوبات اكتئاب متعددة على مدار حياته"
ونظراً إلى كون هبة تعمل مدرّسة علم نفس مساعدة، شعرت بضرورة أن تتجه إلى متخصص له خبرة في الفيبروميالجيا، وقد شخّص حالتها بعد ذلك وبدأت رحلةً علاجيةً مع الأدوية: "الاهتمام بالفيتامينات وتغيير نمط الحياة أهم من تناول الأدوية، وهذا ما ساعدني مع مرور الوقت، خاصةً عندما بدأت بتعلّم العلاج بالقول والالتزام، ويبدأ من خلال كيفية تقبّل الألم والتعامل معه. المشكلة مع هذا المرض أن القطاع الطبي والناس لا يفهمونه. عائلتي كانت متفهمةً للمرض ولما أتعرّض له".
في حديثها إلى رصيف22، تقول المعالجة النفسية الدكتورة غادة منصور: "الفيبروميالجيا يصيب النساء والشباب بشكل خاص بنسبة 90%. فلو هناك 10 حالات مصابة، ستكون من بينها 8 أو 9 حالات أصحابها من النساء. الموضوع تكون له أسباب نفسية في المقام الأول، فالشخص المصاب يكون قد تعرّض لنوبات اكتئاب متعددة على مدار حياته، وكبت نفسي جعل الجهاز العصبي يظهر تلك الصدمات في شكل آلام شديدة في كل أنحاء الجسم".
يشرح موقع "باب ميد"، أن الفيبروميالجيا عبارة عن متلازمة ألم مزمن غير مفهومة بشكل جيد حتى الآن، برغم القيام ببعض الأبحاث المتعلقة بها، وذلك للفروقات بين الأعراض والإصابات بين الحالات المختلفة. كما يكشف موقع "مايو كلينيك" الطبي، أن الفيبروميالجيا يصيب النساء بنسبة أكبر من الرجال، وقد أصبح مرض الشباب بشكل خاص، خاصةً من تعرّضوا لاضطرابات نفسية وضغوط مصحوبة باكتئاب شديد يؤثر بمرور الوقت على الجهاز العصبي دون أن يدرك المريض ذلك.
من أبرز أعراض الفيبروميالجيا: الآلام المتعددة في الجسم، الإرهاق والصعوبات الإدراكية التي تشمل صعوبات في النوم والتركيز والانتباه على أمور أخرى، كما أن الشخص المصاب بالفيبروميالجيا يكون أكثر عرضةً للإصابة بمتلازمة القولون المتهيج والشقيقة.
مرض الشباب
تم تشخيص مرض عمر عبد الحكيم (28 سنةً)، قبل خمس سنوات بالفيبروميالجيا، برغم أنه كان يعاني منها منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره، ولم يتم تشخيصه بشكل صحيح.
يقول عمر الذي يعيش في محافظة القاهرة، لرصيف22: "أتعرض منذ أن كنت في المرحلة الثانوية لآلام شديدة لم أكن أعرف سببها، وكان البعض يتهمني بأنني أدّعي المرض لسنوات، وعندما تم تشخيصي قبل خمس سنوات بكيت من الفرح لأنني عرفت أنني لم أكن موهوماً أو مجنوناً كما اتهمني البعض".
توضح الدكتورة غادة منصور، أن أكثر حالات الفيبروميالجيا تكون بين فئة الشباب: "هناك من هم دون العشرين من العمر، فثمة حالات رأيتها كانت في الثامنة عشرة والسادسة عشرة من العمر، وتتألم وتعاني من أعراض الفيبروميالجيا بشكل كامل، وهذا بالطبع يعكس مدى تغيّر هذا الجيل بشكل كبير، فهو جيل مضغوط يتعرض للكثير من الضغوط والصعوبات في حياته، كما أنه يتعرض باستمرار للتكنولوجيا ومواقع التواصل ولا يعرف البعض أن هذه المواقع سبب رئيس في التعرض للاكتئاب. فنحن دون أن ندري نسجل ونتأثر بكل ما نقرأه من أحداث ومآسٍ نراها ونقرأ عنها كل يوم وهذا ينعكس بشكل كبير على الشباب".
"أتعرض منذ أن كنت في المرحلة الثانوية لآلام شديدة لم أكن أعرف سببها، وكان البعض يتهمني بأنني أدّعي المرض لسنوات، وعندما تم تشخيصي قبل خمس سنوات بكيت من الفرح لأنني عرفت أنني لم أكن موهوماً أو مجنوناً كما اتهمني البعض"
في دراسة قام بها موقع الصحة الوطنية الأمريكية للمقارنة بين الإصابات بين النساء والرجال وبين الشباب وأعمار مختلفة، تبيّن أن نحو 77 ألفاً من بين 216 ألف من المصابين بمرض الفيبروميالجيا من الإناث، وهم من الأصغر سنّاً مقارنةً بالأكبر سنّاً اللواتي تبيّنت إصابتهنّ بأمراض نفسية أخرى، وكانت النساء الأصغر سنّاً أيضاً الأكثر عرضةً للإصابة بالآلام المختلفة ومنها الصداع وآلام مختلفة في الجسم وأمراض نفسية مصاحبة.
وفي دراسة استقصائية عبر الإنترنت شملت 2،146 طالباً جامعياً من كليات مختلفة في مصر، عن الإصابة بأعراض الفيبروميالجيا، تبيّن أن المصابين تراوحت أعمارهم بين 21 و26 عاماً، وأن 67% منهم من الإناث، وأظهر الاستبيان أنهم يعانون من صداع مزمن وآلام متفرقة وصعوبات شديدة في النوم وتركيز أقل.
جهل مجتمعي
الأزمة التي مرت بها يارا المهدي، جعلتها تبتعد عن كل المحيطين بها، بعدما شعرت بأن لا أحد يشعر بها بل هناك من اتهمها بالدلال وادعاء المرض، وفي رأيها هذا من أكثر الصعوبات التي يتعرض لها مريض الفيبروميالجيا حينما لا يتفهم آلامه المقربون منه.
يارا التي تعيش في محافظة الشرقية تعاني من آلام في جسدها كله منذ ما يزيد على 8 سنوات، وتم تشخيصها أكثر من مرة بشكل خطأ حتى تم تشخيص مرضها وصارت مريضة فيبروميالجيا قبل 3 سنوات فقط.
تقول يارا (39 سنةً)، لرصيف22: "تعبت من كثرة الأدوية ومن الفحوصات والتحاليل لسنوات، ولم يكن أحد يعرف ما الذي حدث لي. فأنا استيقظت فجأةً على آلام شديدة تضرب جسدي كله وصداع لا يفارقني، وأصبحت غير قادرة على الحركة للقيام بأعمال منزلية بسيطة ولا أستطيع رعاية أولادي".
تكشف يارا أن أسوأ ما في الفيبروميالجيا، أنه لا يوجد علاج محدد لها: "كلها اجتهادات من قبل أطباء الروماتيزم والمعالجين النفسيين لمحاولة السيطرة على الآلام".
عانت يارا كثيراً بسبب تغيّر تعامل المقربين منها معها: "لا أحد يتفهم آلامي ولا زوجي ولا حتى عائلتي. الكل مع الوقت يتهمني بأنني أحبّ أن أظلّ مريضةً، وأنني أتدلل وأريد أن أعيش في عزلة وبعيداً عن الآخرين وهذا غير صحيح إطلاقاً".
ترى الطبيبة النفسية نهال زين، أن المشكلة الرئيسية التي يتعرض لها مريض الفيبروميالجيا هي جهل المجتمع بحقيقة مرضه وبالآلام التي يعاني منها، إلى درجة أن البعض ينكرها عليه ويقابله بعدم التصديق، خاصةً إن كان المريض صغيراً في السنّ وشاباً: "الموضوع يحتاج إلى توعية مستمرة بالمرض وإلى توعية النساء بتفاصيله والخطوات التي يجب أن يقمن بها في حالة شعورهنّ بالأعراض المرتبطة به".
العلاج المناسب
لا يوجد علاج واحد لجميع أعراض الفيبروميالجيا، كما تذكر المواقع الطبية المتخصصة والأطباء المعنيون، فكل حالة لها علاج حسب الأعراض، وهذا ما تؤكده الدكتورة غادة منصور، إذ يتم التعامل مع الحالة وفقاً للأعراض التي يشعر بها المرء ومدى تفاقم الحالة: "يتم عمل بعض الجلسات مع المريض للتخلص من الضغوط النفسية التي يمر بها، ويكون هناك بعض العلاج الدوائي كمضادات الاكتئاب والمسكنات التي يمكن أيضاً أن يكتبها أخصائي الروماتيزم والمناعة، والعلاج يختلف ولا يوجد علاج قطعي واحد للمرض".
"لا أحد يتفهم آلامي ولا زوجي ولا حتى عائلتي. الكل مع الوقت يتهمني بأنني أحبّ أن أظلّ مريضةً، وأنني أتدلل وأريد أن أعيش في عزلة وبعيداً عن الآخرين وهذا غير صحيح إطلاقاً"
ويذكر موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن العلاج الذي قد ينجح مع أحد الأشخاص لا ينجح مع الآخرين بالضرورة، وقد يحتاج الشخص الواحد إلى تجربة مجموعة من العلاجات المختلفة حتى يجد ما يتناسب معه ويخفف من آلامه، ولكن أهم العلاجات الرئيسية هي التمارين، الجلسات النفسية والفيتامينات اللازمة وأهمها فيتامين د، كما يوصي الموقع بتوخّي الحذر في اختيار مضادات الاكتئاب.
وعليه، إن كنتم من الأشخاص الذين يعانون من الفيبروميالجيا، فأنتم في حاجة إلى قراءة الكثير من المعلومات حول هذا المرض المتقلب الذي تختلف أعراضه وطرائق علاجه، ويجب أن تمنحوا أنفسكم الوقت لتجدوا الدواء الذي يتناسب مع حالتكم مع المتابعة اللازمة مع الشخص المختص.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم