شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"آلام لا تطاق"... كيف تكشف أجسادنا سوء حالتنا النفسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 27 سبتمبر 202412:02 م

في الكثير من الأوقات، نفاجأ بأعراض مرضية متكررة بشكل يومي أبرزها الصداع، الغثيان، وآلام في مناطق متفرقة من الجسد تتسبب أحياناً في تشوش في الرؤية أو انعدامها، وهو ما يقود الشخص إلى الهلع من أن تكون تلك الأعراض بدايةً لمرض خطير، ومن ثم نتوجه إلى الأطباء ونبدأ رحلة الفحوصات.

بعد إجراء جميع الفحوصات اللازمة، نجد أن الجسد خالٍ من أي أمراض جسدية، ونكتشف أن السبب نفسي وليس عضوياً ناجماً عن الضغوط التي نعيشها في حياتنا اليومية وظروفنا الاجتماعية القاهرة، بخاصة في منطقتنا العربية.

"آلام في الجسد لا تطاق"

تقول سارة عبد الحميد (35 عاماً)، لرصيف22: "منذ طفولتي وأنا أعاني من آلام شديدة في المعدة، آلام كانت تعيقني حتى عن تناول الماء. أتذكر أنني قضيت نحو ثلاثة أعوام كان أبي خلالها يلفّ بي على الأطباء الذين يقومون بفحصي سريرياً ثم يطلبون التحاليل وتأتي إجاباتهم جميعهم واحدةً: ‘بنتك سليمة مفيهاش أي حاجة’. ولكن الألم بدأ يزداد وبدأت أفقد وزني بصورة ملحوظة حتى توجهت بصحبة والدي ووالدتي إلى طبيب راح يسألني عن الألم الذي يصاحبني ثم أخبر والدي بأنه يشكّ في أنني مصابة بسرطان في المعدة. لم أفهم وقتها معنى كلامه فقد كنت في السابعة من عمري، ولكن أتذكر والدي حين انهمرت دموعه بمجرد أن سمع تلك الكلمات وراح يعانقني بشدة وكأنه يودّعني".

وتضيف سارة: "بالفعل بدأت رحلةً أخرى من التحاليل، ولكن تبيّن أن معدتي سليمة ولست مصابةً بأي أمراض، فتوجهنا إلى الطبيب ذاته الذي أخبر والدي هذه المرة بأنني أعاني من اكتئاب، وهو السبب في آلام معدتي وفقداني طاقتي على اللعب مع أقراني".

"لم أكن أتوقع يوماً أنني أعاني كل تلك المعاناة بسبب الألم النفسي، فالأمر لا يقل خطورةً عن الأمراض العضوية بل يزداد خطورةً في كثير من الأحيان، فالألم العضوي شيء ملموس أما الألم النفسي فهو غير ملموس ولا يمكن تشخيصه من خلال التحاليل، ولكن تتم ترجمته من خلال آلام في الجسد بصورة لا تطاق"

غير أن سارة لاحظت مع التقدّم في العمر، أنها كلما تسوء حالتها النفسية تشعر بآلام في المعدة: "أصبحت أكثر وعياً بحالتي وأحاول السيطرة على ذلك الألم من خلال الأدوية ومن خلال أنواع معيّنة من الطعام".

من جهته، يقول أكرم علام (45 عاماً)، إنه قبل نحو عام، شعر بألم في ساقه وبدأ باستخدام المسكّنات. ولكن الألم امتدّ ليشمل كفّ يده اليمنى، وبدأ الألم يزداد بشكل لا يطاق وبعدها توجه إلى طبيب عظام، وبعد الفحوصات اللازمة، أخبره بأنه يعاني من التهاب حاد في الأوتار وأن السبب في ذلك يرجع إلى سوء حالته النفسية: "بدأت ألاحظ أنه كلما ازداد التوتر لديّ ازداد الألم في ساقي وكفّ يدي بصورة كبيرة".

ويتابع علام: "كلما تعرضت لأي موقف يضغط على أعصابي أو يضعني تحت توتر يزداد الألم، حتى أصبح هذا الألم جزءاً من حياتي، ومن وقتها وأنا أستخدم المسكّنات والفيتامينات، ولكن التحسن يكون مؤقتاً، وبمجرد أن تسوء حالتي النفسية تهاجمني الآلام مرةً أخرى، وهنا بدأت برحلة العلاج النفسي ولن أنكر أنني أصبحت أفضل من ذي قبل حتى وإن كان التحسن بطيئاً إلا أنني على الأقل أصبحت أمارس عملي بصورة أفضل".

ويختم أكرم: "أنصح أي شخص يعاني من أعراض نفسية-جسدية، بأن يستعين بطبيب نفسي في حال تبين أنه لا يعاني من أمراض عضوية، وأن يلجأ إلى متخصص يساعده على التخلص من تلك الأعراض التي قد تتسبب في توقفه عن العمل والانخراط المجتمعي وغيرهما".

منذ فترة طويلة، بدأت مايا مجدي (25 عاماً)، تشعر بألم حاد في الثدي وتحت الإبط، ودخلت في دوامة من الفحوصات: "كاد القلق يقتلني مع كل مرة أجري فيها فحصاً وأنا أنتظر النتيجة. فقد كان لدي يقين بأنني مصابة بسرطان الثدي، خاصةً أنني قبل أن أشعر بذلك الألم تعرضت لصدمة كبيرة حيث اكتشفت أن زوجي تزوّج من صديقتي المقربة".

بعد الفحوصات، تبيّن أن مايا لا تعاني من أي مرض عضوي، وأن ما تشعر به سببه الاكتئاب، وحينها بدأت برحلة العلاج النفسي وخفّ الألم بنسبة كبيرة: "لم أكن أتوقع يوماً أنني أعاني كل تلك المعاناة بسبب الألم النفسي، فالأمر لا يقل خطورةً عن الأمراض العضوية بل يزداد خطورةً في كثير من الأحيان، فالألم العضوي شيء ملموس أما الألم النفسي فهو غير ملموس ولا يمكن تشخيصه من خلال التحاليل، ولكن تتم ترجمته من خلال آلام في الجسد بصورة لا تطاق".

النساء هنّ الأكثر عرضةً للأمراض النفس-جسمية

هناك دراسات تؤكد أن الحالة النفسية لها تأثير سلبي على الجسد. دراسة في كتالونيا لتحليل الاضطرابات النفسية الجسدية، رصدت قرابة 200 تشخيص عضوي ذي طبيعة نفسية جسدية لـ33،680 مشاركاً مصابين باضطراب نفسي جسدي.

وجدت الدراسة أن النساء أظهرن قابليةً للإصابة أعلى من الرجال بالأمراض النفس-جسدية (64% من النساء و35% من الرجال).

وأوضحت الدراسة أنه كلما كان عمر المشاركين أكبر ازدادت احتمالية الإصابة بالاضطراب، كما لاحظت أن مرضى الاكتئاب والقلق هم الأكثر عرضةً لآلام الجهاز الهضمي والصداع المزمن.

مشاعر مكتومة

يقول الدكتور هشام الخياط، المتخصص في أمراض الكبد والجهاز الهضمي وزميل جامعة هارفارد والجامعة الأمريكية للكبد، لرصيف22، إن هناك أعراض تُسمّى "اضطراب نفسي-جسدي" ما يعني أنها حالة من الاضطراب النفسي وليس العضوي: "للأسف في ظل الظروف التي نمر بها جميعاً، والتي تتسبب للبعض منّا في الضغط النفسي، نجد الكثير من الناس يشعرون بآلام في الصدر ويتملكهم الخوف لاعتقادهم بأنهم مصابون بمرض القلب، وتالياً يذهبون إلى الأطباء ليتضح بعدها أن المريض سليم والقلب حالته ممتازة، وأن الشخص يعاني من أعراض نفسية لا من أمراض عضوية".

ويضيف الخياط، أن هناك أعراضاً تصيب الشخص بسبب حالته النفسية، أبرزها الألم في كتفه اليسرى أو "نغزة" في الصدر: "وقتها يعتقد المريض أنه مصاب بجلطة أو ذبحة صدرية، ومن الأعراض الشائعة أيضاً للأمراض النفس-جسدية، آلام القولون وهو ما نسميه القولون العصبي الذي يجعل المريض يعتقد أنه مصاب بسرطان القولون بسبب الألم الشديد في تلك المنطقة، إلى جانب الصداع الشديد الذي يصاب به البعض ويكون في الغالب نصفياً في جانب من الرأس، وينتقل إلى الجانب الآخر منه وهو ما نسمّيه بالصداع التوتري بسبب الضغط العصبي".

ويضيف الخياط: "أنصح جميع الأطباء بالجلوس مع المريض ربع ساعة للتحدث إليه، ومعرفة حالته النفسية والاجتماعية، قبل إجراء الكشف عليه. فأحياناً يكون المريض بحاجة إلى ملطّفات للأعصاب وهي جرعات أقلّ من علاج الاكتئاب، ولا يكون المريض بحاجة إلى أي فحوصات لأنه جسدياً سليم 100%، ولكن السبب وراء الألم الجسدي هو الحالة النفسية".

"للأسف في ظل الظروف التي نمر بها جميعاً، والتي تتسبب للبعض منّا في الضغط النفسي، نجد الكثير من الناس يشعرون بآلام في الصدر ويتملكهم الخوف لاعتقادهم بأنهم مصابون بمرض القلب، وتالياً يذهبون إلى الأطباء ليتضح بعدها أن المريض سليم والقلب حالته ممتازة، وأن الشخص يعاني من أعراض نفسية"

بدورها، توضح ياسمين عزت، وهي أخصائية نفسية كلينكية، لرصيف22، أن الأمراض النفس-جسمية "هي عبارة عن المشاعر المكتومة في داخلنا، والتي تتراكم ونشبّهها نحن كأطباء نفسيين بالبالون، وعندما تزداد تلك المشاعر يظل ذلك البالون يكبر حتى ينفجر في لحظة وهذا الانفجار تنتج عنه الأمراض النفس-جسمية، ومن أبرز تلك الأعراض للأمراض النفس-جسمية آلام المعدة، والقولون، وعدم انتظام ضربات القلب وضيق في التنفس والشعور بالصداع النصفي وقد تصل إلى آلام أسفل الظهر".

وتضيف ياسمين أن الحالة النفسية تؤثر بالسلب على المناعة: "حين نقع في حالة نفسية سيئة، فإن مناعتنا تضعف بصورة أكبر وتظهر أمراض عدة خاصةً الأمراض الجلدية كالبهاق والذئبة الحمراء، كما أنها تتطور وتصل إلى ضعف الأربطة في القدم والركبتين".

وتشير عزت إلى أن كل شعور تصاحبه أعراض جسدية معيّنة: "على سبيل المثال، التوتر يسبب ألماً في القولون ورعشةً في الأطراف. الغضب يسبب شعوراً بالحرارة في الجسد. كما أن هناك أمراضاً مزمنةً مرتبطةً بالحالة النفسية أبرزها الضغط ومرض السكر".

وتختم ياسمين بالقول: "أنصح الجميع بمحاولة السيطرة على المشاعر وتفريغها بصورة صحّية حتى لا نقع ضحيةً للأمراض النفس-جسمية، ويجب ألا نغفل أي عارض جسدي لأنه قد يكون إنذاراً لحالة نفسية سيئة".

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image