تناقش الحكومة الإسبانية مشروع قرار جديد يمنح المرأة العاملة، الحق بإجازة خلال الدورة الشهرية، إذ يحق للنساء اللواتي يعانين من آلام حادة في فترة الدورة الشهرية بالحصول على إجازة لمدة ثلاثة أيام، قابلة للتمديد لتصل لخمسة أيام.
وعلى الرغم من أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ بعد، فإن طرحه على طاولة النقاشات كان له أثر كبير، إذ فتح الباب أمام المخاوف والتساؤلات التي تتعلق بحقوق المرأة وصحتها في العمل.
ماذا قالت النساء ؟
ترى أنمار حجازي (صحافية سورية مقيمة في باريس) أن مفهوم الدوام بالعمل يجب أن يتغير بما يتناسب مع شكل المجتمع، الذي تكوّن المرأة العاملة جزءاً لا يتجزأ منه اليوم، تقول: "قوانين العمل لا تزال حتى اليوم تتماشى مع المعايير القديمة، التي وضعت بافتراض أن العامل شاب أبيض في الثلاثين من عمره، لديه أسرة هو المسؤول عن دخلها. وعلى الرغم من انخراط المرأة في كافة قطاعات العمل منذ عقود طويلة، فإن المعايير لم تتغير ولم تحاول أن تراعي جسد المرأة في ظروف العمل وشروطه، بل على العكس تماماً، تم إدراج قوانين تدفع فيها المرأة ضريبة اختلاف جسدها وعدم توافقه مع الصورة المعيارية، إذ يتم اقتطاع جزء من رواتب النساء العاملات في فرنسا، بغض النظر عن وضعهن الاجتماعي، لتعويض إجازات الأمومة والحمل، دون النظر حتى إذا ما كانت المرأة العاملة لديها الرغبة بالإنجاب أو لا، فهناك جزء من عملها لا تتقاضى أجره كضريبة لكونها خلقت بجسد يمكن أن ينجب أطفالاً".
"يتم اقتطاع جزء من رواتب النساء العاملات في فرنسا، لتعويض إجازات الأمومة والحمل، دون النظر حتى إذا ما كانت المرأة العاملة لديها الرغبة بالإنجاب أو لا". أنمار حجازي، صحافية سورية مقيمة في فرنسا.
وفيما يتعلق بإجازة الدورة الشهرية تقول: "أرى أنه حق من حقوق المرأة، ويجب أن تكون هذه الإجازة مدفوعة. وصلنا إلى مرحلة متطورة بالحراكات النسوية، ومن المعيب في هذه المرحلة أن نخجل مما تمر بها أجسادنا من ألم وتعب خلال الدورية الشهرية، فقط لنعكس للآخر صورة المرأة القوية التي لا تؤثر على حياتها الدورة الشهرية، فمن حقي أن أعبّر عن وجعي وتعبي. هذه الإجازة قد تجعلني أكثر انسجاماً مع جسدي وسط التغييرات الهرومونية والجسدية التي تحدث أثناء الدورة الشهرية، خاصةً أن عملي يتطلب في الكثير من الأوقات وجودي في أماكن خارج المكتب لساعات طويلة وفي أماكن قد لا تتوافر فيها الحمامات أو الفوط الصحية".
في حين ترى مارية (مدربة في منظمة حقوقية نسوية، مقيمة في باريس) أن الحق بالمساواة وعدم التمييز هو من الحقوق الإنجابية، وأن الدورة الشهرية جزء أساسي في دورة حياة المرأة الإنجابية والجنسية، وترى أن التعامل مع النساء باحترام وتقدير احتياجاتهن المتعلقة بالدورة الشهرية يبدأ من قدرة النساء على الوصول بشكل آمن لاحتياجاتهن من حمامات وفوط نسائية، وبأن لا يتم التعامل مع الاحتياجات الأخرى المتعلقة بالراحة والإجازة باستخفاف. وتضيف: "غالباً يتم التعامل مع الأثر الجسدي للدورة الشهرية بطريقة غير جدية، وهذا له أثر نفسي كبير على المرأة التي تضطر إلى إخفاء ألمها، وتكمل عملها وهي تشعر في كل مرة بأنها أقل من زملائها على الصعيد المهني، إضافةً للتعليقات السلبية والوصمة (الستيغما) المتعلقة بالدورة والمرأة التي تمر بها. لذلك أعتقد أنه في حال دخول هذا القرار حيز التنفيذ فإن عدداً هائلاً من النساء لن تحصلن على هذه الإجازة، فهن لن يطالبن بها خوفاً من وصمة العار الاجتماعية التي ترافق هذه الإجازة. لأننا نحن النساء نتربى على مداراة الألم وإخفائه، فأنا ربيت وتعلمت أنه يتوجب علي أن أقلل من قيمة الوجع الذي أشعر به في وقت الدورة الشهرية، حتى لا أظهر للآخرين بأنني ضعيفة. ولقد تطلب الأمر سنين طويلة حتى استطعت أن أفهم طبيعة جسمي وقت الدورة الشهرية، وأن أدرك أن الأوجاع التي أشعر بها ليست معيبة، ولا داعي لإخفائها".
"أعتقد أنه في حال دخول هذا القرار حيز التنفيذ فإن عدداً هائلاً من النساء لن تحصلن على هذه الإجازة، فهن لن يطالبن بها خوفاً من وصمة العار الاجتماعية التي ترافق هذه الإجازة". مارية، مدربة في منظمة حقوقية نسوية في فرنسا.
وترى غايا جيجي (مخرجة أفلام سورية مقيمة في باريس) بأن هناك معضلة كبيرة في أغلب أماكن العمل بالنسبة للنساء، فهذه الأماكن لا تراعي أبداً احتياجات النساء على كافة الأصعدة، وخاصةً على صعيد الاحتياجات الأساسية للنظافة الشخصية كالفوط الصحية النسائية، فإلى اليوم يتم التعامل مع الموضوع باستهزاء كبير من قبل طيف واسع من المجتمع الأوروبي، فتقول: "في فرنسا، هناك مطالبات واسعة بتوزيع الفوطة الصحية بشكل مجاني، لكن غالبية أطياف المجتمع الفرنسي تستهزئ بهذه المطالب، وتعتبرها شيئاً ثانوياً وغير مهم؛ فالدورة الشهرية واحتياجات النساء خلالها وكل ما يرتبط بها من متطلبات، هي أمور كان يتم تهميشها بشكل مقصود دائماً، لذلك أرى بأن هذا القرار، الذي تتم مناقشته اليوم، قد جاء متأخراً كثيراً، فكيف لم تفكر الحكومات إلى اليوم بحاجة النساء إلى تلك الإجازة، على الرغم من أن هذه المعاناة تعيشها المرأة بشكل شهري!"
تتحدث جيجي عن عملها في المجال السينمائي وعن عدم توفر بيئة مراعية لظروف النساء، تقول: "على صعيد شخصي، وبحكم عملي في مجال السينما، فأنا لم أعمل يوماً في مكان يراعي الدرجات الدنيا من احتياجات النساء الأساسية في كل البلاد التي زرتها، على الرغم من وجود عدد كبير من النساء في أماكن العمل. في أماكن التصوير مثلاً في سوريا أو تركيا، لا يفكر المعنيون بتجهيز حمامات مخصصة للنساء إطلاقاً، وهذا أمر له نتائج كارثية. في إحدى المرات كان التصوير بمكان أقرب إلى الصحراء، ولم يكن مجهزاً بحمامات، على اعتبار أن الرجال يستطعون قضاء حاجتهم بأي مكان، وطلب حينها من النساء قضاء حاجتهن بطريقة مماثلة؛ الأمر الذي دفع النساء في العمل إلى تكوين مجموعة والذهاب بالسيارة إلى أقرب منزل في المنطقة، لاستئذان الأهالي لاستخدام حماماتهم! لقد كان الموقف محرجاً ومربكاً للغاية. وفي أغلب الأحيان التي كنت أعاني فيها من ألم الدورة الشهرية، كنت أضغط على نفسي وأتحمل الألم وأذهب إلى التصوير، لأن أيام التصوير مكلفة جداً ومكثفة، ولا أعتقد أن هناك أي تقدير لهذا الألم. ربما تقع بعض المسؤولية علينا كنساء، لأننا على مر السنوات لم نتحدث عن هذه الآلام، التي بقيت أسيرة التابو والعيب".
"كان التصوير بمكان أقرب إلى الصحراء، ولم يكن مجهزاً بحمامات، على اعتبار أن الرجال يستطعون قضاء حاجتهم بأي مكان، وطُلب من النساء قضاء حاجتهن بطريقة مماثلة، دون أي تفكير بتجهيز حمامات مخصصة لهن". غايا جيجي مخرجة سورية.
وترى نوف رافع (مخرجة مسرحية مقيمة في هولندا تهتم بطرح قضايا النساء المهمشات) التي تناولت في عرضها الأخير آلام الدورة الشهرية كموضوع للعمل، أن طرح مشروع إجازة الدورة الشهرية، سواء طبق أو لم يتم تطبيقه، هو بحد ذاته ثورة، تفتح الباب أمامنا لتسليط الضوء على المعاناة الشهرية التي تعيشها المرأة، تقول: "الدورة الشهرية كانت بالنسبة لي خطاً أحمر (تابو)، لم أتمكن من كسره إلا عندما قدمت عرضاً مسرحياً للحديث عن معاناتي معها. وبرأيي أن مناقشة قرار منح إجازة للنساء أثناء الدورة الشهرية، هو خطوة كبيرة وإنجاز مهم للغاية، لأن هذا النقاش يعكس جدية في التعامل مع آلام النساء في الدورة الشهرية، التي دائماً ما يتم الاستخفاف بها. وشخصياً أرى بأنه من مهمتنا كنسويات التوعية حول تلك المعاناة، وتوعية الرجل بالدرجة الأولى، فهو أيضاً ضحية للمجتمع الذكوري، وليس لديه أي فكرة عما تعانيه المرأة خلال الدورة الشهرية، وهذا ما أعمل عليه في عروضي المسرحية، فأنا نسوية، لكنني لست ضد الرجل وإنما مع العمل على توعية الرجال، فاليوم من غير المقبول عدم الاعتراف بأن المرأة شهرياً تمر بأيام صعبة ومتعبة، ومن المهم أن يكون لها حرية القرار والخيار بهذه الأيام إذا كانت قادرة على مواصلة العمل أو لا، ويجب أن تكون هذه الإجازة مدفوعة ومن غير شروط".
لدى الكثير من النساء تخوف من تطبيق هذا القرار، وهذا الخوف قائم على شكل العلاقات في أماكن العمل والتمييز الذي تمارسه الشركات التجارية ضد النساء. فعدد كبير من الشركات يرى أن النساء غير جديات بالعمل وغير قادرات على تحمل المسؤولية، ويتخوف من إجازاتهن المتكررة بسبب الحمل والولادة.
"من غير المقبول عدم الاعتراف بأن المرأة شهرياً تمر بأيام صعبة، ومن المهم أن يكون لها حرية الخيار بهذه الأيام إذا كانت قادرة على مواصلة العمل أو لا، ويجب أن تكون هذه الإجازة مدفوعة من غير شروط". نوف رافع، مخرجة مسرحية مقيمة في هولندا. مهتمة بقضايا النساء المهمشات.
في هذا السياق يأتي حديث ميرا (التي تعمل في منظمة مجتمع مدني) التي تخاف من آلية تطبيق هذه الإجازة، تقول: "للوهلة الأولى أنا ضد القرار، لأنه قد يؤثر بشكل سلبي على حظوظ النساء في مجال العمل. لكن بعد تفكير مطول والنقاشات حوله، لا يمكني الجزم إذا كنت معه أو ضده؛ فأنا بالنهاية امرأة، وأعاني شهرياً من آلام الدورة الشهرية والنزيف، لكن لا أعرف فعلياً ما هي تبعات هذا القرار، هل سيتم اعتباره من ضمن الإجازات المرضية الإضافية؟ وهل سيتم تعويضه مالياً أم لا؟ وما هي آلية تطبيقه؟ هل سيتم بعد كشف طبي مختص؟ خاصةً أن آلام الدورة الشهرية تختلف من امرأة لأخرى، فليست كل النساء لديهن آلام حادة، فأنا على صعيد شخصي أحتاج ليوم واحد راحة خلال الدورة الشهرية وليس لثلاثة أيام؛ فهل سيتم تطبيق القرار على جميع النساء بشكل عادل ومنصف؟ أظن أن هذا القرار، حتى يكون منصفاً، يجب أن يوضع بصيغة إجازة مرضية، يحق للمرأة أن تأخدها إذا احتاجت. هكذا يكون الأمر منصفاً أيضاً للرجال، إذا كنا نبحث عن المساواة، خاصةً بالوقت الحالي الذي نعيش فيه تغيراً حاداً في المفاهيم، فاليوم إجازة الأمومة بدأت تتغير لتصير أكثر عدلاً، وباتت تمنح الرجل أيضاً إجازة أبوة. لكن الأمر يصعب تقديره قبل التجربة، ويصعب تقدير أثره على العمل بشكل عام. لا أظن أن هذا القرار سيؤثر على الشركات التي تحترم بالأصل توزيع (الكوتا)، لكنه سيكون حجة إضافية للشركات التي تتحامل على النساء، والتي لا تفضل توظيفهن بحجة حصولهن على إجازات الحمل والأمومة. فأنا أجد نفسي ضد القرار بسبب معرفتي لما يحدث على أرض الواقع، رغم أنني أدرك نظرياً أهمية هذا القرار، وأن المرأة قد تضطر إلى التغيب عن عملها بسبب ألم الدورة الشهرية في الكثير من الأحيان، وأنها عادةً ما تكون بصيغة إجازة مرضية أو تكون إجازة غير مدفوعة، ففرض هذه الإجازة ضروري حتى تحافظ النساء العاملات على إجازتهن السنوية وليحصلن على الرواتب كاملة، لكن الخوف من آلية تطبيق القرار".
"أنا ضد القرار ومعه بنفس الوقت، لدي تخوف من أن تكون ردة فعل الشركات كما هو الحال عندما تم منح المرأة إجازة أمومة، وأن تمتنع عن توظيف النساء". ديالا الآغا، طالبة سورية في فرنسا.
المخاوف تزداد لدى النساء اللواتي لا يزلن على أعتاب الدخول إلى سوق العمل، كما هو الحال مع ديالا الآغا ( طالبة سورية تقيم في فرنسا)، التي لديها تخوف من أن القرار قد يعيد النساء عشرات السنين إلى الوراء في سوق العمل، بسبب العقلية الذكورية المسيطرة فيه. تقول: "أنا ضد القرار ومعه بنفس الوقت، لدي تخوف من أن تكون ردة فعل الشركات كما هو الحال عندما تم منح المرأة إجازة أمومة، وأن تمتنع عن توظيف النساء، حتى يتم إرضاء الرجل، كما حدث حين جرى منحه أيضاً إجازة أبوة لخلق نوع من التوازن. لكن كيف يمكن إحداث التوازن بهذا الشأن؟ وكيف يمكن تعويض الرجل مقابل إجازة الدورة الشهرية؟ هذا الأمر سيتم استعماله كورقة لتقليل أعداد النساء في العمل، إضافةً إلى خوفي من استغلال بعض النساء لهذه الإجازة لأغراض أخرى، وهو الأمر الذي قد يعود بالضرر على باقي النساء إذا ما حدث. فالنساء لا يعانين جميعاً من أيام الدورة الشهرية بنفس الطريقة".
لعل وجود بعض المخاوف لدى بعض النساء من هذا النوع من القرارات، التي ما كانت لتتحقق لولا التاريخ الطويل من العمل النسوي، قد يوحي بميل بعض النساء إلى عدم التغيير والمحافظة على الحال كما هو اليوم. لكن معظم المبررات التي تكمن وراء هذه المخاوف لا يمكن فصلها عن المخاوف التي تعيشها النساء في ظل الوضع القائم، وأن يتم لويها لتحقق مكاسب للأفكار الذكورية المسيطرة على بيئة العمل بدلاً من أن تؤدي الدور المرجو منها، ليؤكد ذلك أن الطريق لايزال طويلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين