شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بيريز  ريال مدريد، رئيساً لمحكمة العدل الدولية... أليست فكرة جيدة؟

بيريز ريال مدريد، رئيساً لمحكمة العدل الدولية... أليست فكرة جيدة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتطرف

الثلاثاء 3 ديسمبر 202412:18 م

"إنه أحمق وعنصري وأناني ويريد تدمير كرة القدم وحاضنتها الشعبية". رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ألكسندر تشيفيرين، عن فلورنتينو بيريز.

في مقال بديع للكاتبة سارة شريف، ضمن ملف "لنتخيّل" على رصيف22، كتبت: "نعيش في عالم مجنون ومضطرب، ولعلّ أحداً لا يمتلك القدرة على التنبؤ بالقادم، وكلما كان القادة غير متوقعين، جاءت النتائج أكثر غرابة"، وحقيقةً، أنا أتفق تماماً مع هذا الطرح: العالم غريب فعلاً، معقد ودموي وأهبل، يُمسك رسنه ثلة من العصابات والبلطجية، وكلما ارتفع منسوب البلطجة، كلما مُلئت الخزائن بأوراق خضراء فاقع لونها تسر الناظرين، وقناطير من الذهب والفضّة، وخيل مسوّمة، وأنعام وحرث، وهذا هو حُسنُ المَآب، نعم؛ الكل يتعامل بهذا المبدأ، حتى المسؤولين عن الرياضة والترفيه.

في قصةٍ ليست خيالية على الإطلاق، قرّر رئيس نادي ريال مدريد، شيمون بيريز، أو فلورنتينو بيريز، مش فارقة كتير، أن يفتح النار على الجميع، لعدم فوز لاعبه البرازيلي فينيسيوس جونيور، بالكرة الذهبية لعام 2024، مؤكداً أنه الأحق بها لولا العنصرية المتأصّلة في هذا الكوكب، وصراحةً، هذا كلام جميل وحقيقي فعلاً، خاصة وأن فيني الصغير يتعرّض باستمرار لمضايقات الجمهور، ويعاني أيما معاناة من العنصرية المنتشرة في الملاعب الإسبانية تحديداً، لكن الغريب أنه، وفي نفس المؤتمر الصحفي ونفس الجملة، تساءل عن سبب وجود صحفيين من دول مثل أوغندا، ناميبيا، ألبانيا وفنلندا، ضمن الأشخاص المنوط بهم التصويت على الجائزة، وكأنهم ليسوا بني آدميين لهم آراء مثل كل البشر، ولا يجوز أن يؤخذ بأصواتهم وآرائهم. 

أي أنه يطالب بوقف العنصرية ضد لاعب، وفي نفس الجملة يمارس العنصرية ضد صحفيين من دول فقيرة، لمجرّد أنهم من دول فقيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عالم مجنون، وهذا الرجل الغريب يشبه معظم القادة، "وكلما كان القادة غير متوقعين، جاءت النتائج أكثر غرابةً، وبات العالم أكثر جنوناً"، من فلورنتينو بيريز إلى دونالد ترامب وإيلون ماسك وبنيامين نتنياهو والملك البريطاني وكامالا هاريس، وكل الأشكال الغريبة هذه، ناهيك عن حكّامنا العرب المفوّهين.  

يطالب بوقف العنصرية ضد لاعب، وفي نفس الجملة يمارس العنصرية ضد صحفيين من دول فقيرة، لمجرّد أنهم من دول فقيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عالم مجنون، وهذا الرجل الغريب يشبه معظم القادة

بلا ضوابط

مبدئياً، يجب أن نفهم أن الجائزة التي تمنحها مجلة "فرانس فوتبول"، ليس لها أي ضوابط إلا تصويت الصحفيين، إذ يقوم 10 أعضاء من فريق تحرير المجلة بصنع قائمة أولية مكونة من 30 لاعباً، ليتشكل على إثرها لجنة تحكيم أكبر، تتكون من 173 صحفياً من شتى بقاع الأرض، يختار كل منهم 5 لاعبين فقط، فيحصل الأول على 6 نقاط، والثاني على 4 نقاط، والثالث على 3 نقاط، والرابع على نقطتين، والخامس على نقطة واحدة، ويفوز في النهاية صاحب أعلى عدد من النقاط، إذن من وضع هذه الضوابط؟ المجلة المالكة للجائزة والمسؤول الوحيد عنها، ومن يعمل في المجلة؟ الصحفيون/ات، ومن يصوت في الجائزة؟ سبحان الله الصحفيين برضه.

هل هناك شبهة عنصرية واحدة في كل ما سبق؟ ربما، فالصحفيون بشر، والبشر قد يكونون عنصريين، إذن كيف نتأكد؟ لا، لن نتأكد من أي شيء إلا إذا خرج كل صحفي صوّت ضد فينيسيوس، ليعلن أمام الجماهير أنه عنصري، وأنه قام بالتصويت لأوربي لأن فينيسيوس أسمر البشرة أو مسلم أو عربي أو مثلي أو أي سبب قذر آخر، وبالطبع هذا لن يحدث، إذن ما الحل؟ الحل هو أن نتعامل مع الجائزة باعتبارها احتفالية ليس لها أي معنى، تحدث في نهاية كل موسم بهدف تسويق اللاعبين والمجلة، والحصول على بضعة ملايين من الإعلانات، وصنع حالة هلامية تجعل الجمهور مشدوداً ومشدوهاً ومتعصباً، حتى تستمرّ المعارك للأبد، وتزداد الأندية غنى للأبد، وتظل اللعبة في مكانها كعامل الجذب الأهم للأموال والاستثمارات والمبيعات في العالم.

ذلك ما يحدث فعلاً، أما لو تعاملنا بنفس المنطق السابق، وشككنا في نزاهة اللجنة أو جودة الصحفيين، فإننا سنشككُ تلقائياً في كل مرةٍ حصل فيها أي لاعب من ريال مدريد على أي جائزة كانت، لأن الصحفيين بشر، والبشر يمكن شراؤهم بالمال أو بالمناصب أيضاً، وسبحان الله برضه، الاحتجاج يأتي من ناد هو الأغنى والأشهر في العالم.

ولكن إذا كان الأمر خاضعاً لهوى الصحفيين أو الجمهور الذي يشارك في اللعبة الديمقراطية المزعومة بشكل تام، فلماذا يعترض بيريز أو كامالا هاريس أو ماكرون، خاصة وأن نفس الأصوات التي يحتقرها علناً كانت سبباً رئيسياً في حصوله سابقاً على سدّة الحكم أو الجوائز الثمينة؟ حسناً سنعود لكرة القدم هنا: لأن عدم حصول فينيسيوس على الجائزة يضر باستثماراته، وهذا حدث لو تعلمون عظيم، حدث دونه الدماء، ليس بالنسبة لبيريز فقط، بل بالنسبة للعالم المتمدّن أجمع.

فلا خبر جاء ولا وحي نزل

حسناً، سنقولها ورزقنا على الله: بيريز لا يهتم بأي لاعب كان، بل يهتم بما سيجنيه من ثروات فقط، ولا تعنيه العنصرية المقيتة الممارسة ضد فيني وغيره من اللاعبين طوال الأعوام السابقة، إلا في الحدود التي تخدم مصالحه فقط، (لا نتذكر هنا على الإطلاق مواضيع حقوق الإنسان والحريات التي تلوح بها الولايات المتحدة كلّما أرادت أن تضغط على نظام ما، وبالتأكيد الأمر لا يتعلّق أيضاً بالأسلحة المحرّمة التي اتهم بها نظام صدام حسين... نحن نتحدث عن الرياضة فقط). ببساطةٍ لأن سبب عدم فوز فيني بالجائزة ليس العنصرية، بل الصدفة والصحفيين، ووجود لاعب جيد آخر مثل رودري، ولو جاءت الصدفة بلاعب آخر من ريال مدريد على منصة التتويج، لما نبس الرجل ببنت شفة عن أي عنصرية، بل وربما تحولت الدنيا في عينيه إلى ربيع، سيقفل بقوة رأس المال على كل المواضيع، تلك هي النظرة التي ينظر لنا بها هؤلاء.

مواصفات مثالية لرئيس نادٍ ملياري في عالم تسوقه المادة، ملك يقبع على عرش النادي الملكي، ديكتاتور متعصّب لرأيه، أشعل حرباً دموية بين أندية أوروبا من أجل تمرير مشروع "السوبر ليغ"، وذلك لإخفاء أخطائه المتهورة التي قصمت ظهر النادي، وهذا ليس غريباً، لقد فعل ما يفعله أي ديكتاتور يحترم عمله: حارب وشحن وجيش الجماهير لأجل الهروب من المسؤولية، ثم توسّعت أحلامه في هذه الحرب، وقرّر الانقضاض على فُتات الأندية الفقيرة، والاستيلاء على القروش القليلة التي يحصلون عليها من الإعلانات والرعاية، ليصبح هو الملك الوحيد، حتى الفقراء البيض الأوروبيين لم يكن لهم مكان على طاولة السيد بيريز.

وأنا من موقعي هذا أحب رؤية بيريز رئيساً لمحكمة العدل الدولية، أو لمجلس الأمن، لديه خلطة جيدة من الديكتاتورية والجنون والكاريزما، ستجعله قادراً على اتخاذ قرار، مثل تحرير الكويت من قبضة صدام حسين في نصف ساعة فقط، وإبادة مليون عراقي في أقل من ذلك

كما تماهت شخصيته تماماً مع النادي وأصبحوا كياناً واحداً، كيان استطاع الرجل من خلاله أن يجمع ثروات طائلة، قُدّرت بـ 2.9 بليون دولار طبقاً لمجلة "فوربس"، ورغم إنكاره المستمر لوجود أي استفادة مادية من النادي، بل وزعمه في لقاء مع الإذاعة الإسبانية: "أنه لم يجمع فلساً واحداً من إدارة النادي، ويشتري قمصان الفريق من ماله الخاص"، إلا أنه في أبسط الأحوال، يستمد منه القوة والنفوذ، خاصةً بعد أن ركز السلطات كلها في يده، فلا يتمتع أي شخص آخر بالكاريزما التي لديه، ولا يشكك أي من أعضاء مجلس الإدارة في قراراته وسياساته، سواء في السر أو في العلن، في نموذج متفرد، دعا محمد أبوتريكة، للقول ذات مرة، بأنه "ليس رئيس نادي بل رئيس دولة".

"عندما يدخل إلى غرفة الاجتماعات، ينهض عشرون شخصاً ويبدأون في نفض الكرسي، وإحضار الماء له". أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في مدريد.

وأنا من موقعي هذا أحب رؤيته رئيساً لمحكمة العدل الدولية، أو لمجلس الأمن، لديه خلطة جيدة من الديكتاتورية والجنون والكاريزما، ستجعله قادراً على اتخاذ قرار، مثل تحرير الكويت من قبضة صدام حسين في نصف ساعة فقط، وإبادة مليون عراقي في أقل من ذلك، حتى تسود الديمقراطية، ويصبح الشرق الأوسط السعيد سعيداً حقاً، وفي نفس الوقت، لديه من الحكمة ما يجعله يتلكأ في إيقاف آلة القتل الصهيونية، فالمقتول في الحالتين من العرب، والعرب شعوب فقيرة، ولا يحق لصحفييهم المشاركة في تحديد مسار استثمارات وأموال الرجل الأبيض، الحلو، أبو دم خفيف، وهو المطلوب إثباته. 

أو ربما يصبح حاكماً لإسرائيل نفسها، سيلعب دور الضحية باقتدار شديد، سيبكي أمام مجلس الأمن بسبب طوفان العنصرية ومعاداة السامية المنتشر في العالم، في نفس اللحظة التي يتخذ فيها قراراً بإنزال 85 طناً من المتفجرات على 6 مبانٍ في ضاحية بيروت، تماماً كما وقف في مؤتمر صحفي ليتهم العالم بالعنصرية، وهو ونظامه الرأسمالي الذي يدافع عنه، أكبر ممارس للعنصرية في العالم.

هذا هو العالم الذي يريد لنا  الأخطبوط الرأسمالي العيش فيه، عالم منزوع العقل والقلب، يحددون لنا فيه ما هو الحق، وما هي الفضيلة، وما هي العنصرية، عالم لا أحد فيه يهتم بالعنصرية، إلا العنصرية التي لا تتعارض مع مصالح العالم الرأسمالي، فطالما ظل هذا الجاثوم الذي أنتج إسرائيل، وأنتج محكمة عدل دولية لا تقيم العدل، ومجلس أمن لا يحفظ الأمن، وأمم متحدة لا تتحد إلا على أعداء المصالح الأميركية، وتستخدم كل ما في جعبتها من كلام سخيف لتبرير وجود نظام قائم على أساس الفصل العنصري، وعلى نفس منصة الكلام تدعي  أنها تحارب العنصرية، طالما ظل هذا الجاثوم موجوداً، سيظل أمثال بيريز قابعين على أنفاس كرة القدم العالمية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image