خلال العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام على غزّة ولبنان، برزت مواقف لبعض الناشطين/ ات الكويريين العرب، كان لها صدى محلي وعالمي.
وقفت رواية المؤثرين/ ات الكويريين الفلسطينيين في وجه رواية إسرائيل التي حاولت أن تصوّر احتلالها على أنه "رحمة" تنقذ أفراد مجتمع الميم-عين من "جحيم" مجتمعاتهم المتطرفة والمتوحشة، لكن سردية بعض المؤثرين/ ات الكوير نقضت رواية إسرائيل، وكشفت خدعة "الغسيل الوردي" التي تحاول من خلالها تجميل صورتها وتبرير أفعالها، الأمر الذي خلّف صدى واسعاً في العالمين العربي والغربي، وأظهر وجهاً آخر من النضال الكويري العربي.
طفولة ملوّنة
الفنان والناشط الحقوقي بشار مراد، واحد من المؤثرين العرب الذين يتفاعلون بشكل مستمر مع القضايا الحقوقية في العالم العربي.
وُلد بشار عام 1993، في القدس، وعُرف إلى جانب فنّه وعمله الإنساني بدفاعه عن حقوق الأقليات الجنسية والدعوة المستمرة إلى وقف ممارسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
يقول بشار، لرصيف22: "أصبح من المهم أن أذكر مكان ولادتي، لأن العالم يحاول محو جزء من هويتي وقمع تعبيري عن نفسي".
نشأ بشار وتطور وعيه بين المسرح والإستوديو في بيت فنّي، فهو ابن سعيد مراد مؤسس فرقة "صابرين"، ما جعل الموسيقى بالنسبة له وسيلةً للتعبير عن الذات والتواصل مع العالم.
"أصبح من المهم أن أذكر مكان ولادتي، لأن العالم يحاول محو جزء من هويتي وقمع تعبيري عن نفسي"
عن طفولته، يقول مراد: "كانت طفولة ملوّنة وجميلة برغم الصعوبات التي واجهتنا من الاحتلال. تأثرت بمحمود درويش وحسين البرغوثي وفدوى طوقان والعديد من الكتّاب والأدباء الفلسطينيين والعرب، وكل هذا خلق في نفسي وعياً بذاتي وهويتي وجعلني أكثر تمسكاً بها وبالدفاع عنها".
انتقل بشار إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الجامعية، وهناك طوّر تجارب جديدةً خلال دراسته، ليعود إلى منزله في القدس، محمّلاً بالكثير من الأحلام التي حاول تطبيقها خلال عمله في رام الله.
الرغبة في المقاومة
يصف بشار مراد رحلته اليومية بين مقر إقامته في القدس ورام الله، بأنها مدرسة بحدّ ذاتها ومثال حقيقي على الاحتلال وتأثيراته السلبية: "الطريق الذي لم يكن من المفترض أن يستغرق 15 دقيقةً في السيارة بين رام الله والقدس، أصبح يستغرق 120 دقيقةً، وربما أكثر بسبب الحواجز وممارسات الاحتلال الذي يسرق أفراحنا، وهويّتنا، وأعمارنا كما يسرق أرضنا".
ويشدد على أن الاحتلال يحاول خنق الإنسان الفلسطيني ومحاصرته بالجدران والحواجز: "من الصعب تخيّل مستقبل فيه نور وتعددية مع وجود الاحتلال الذي يرفض التنوع ويخلق سجناً بنظام فصل عنصري، يمارس فيه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي أمام العالم"، مؤكداً أن الفلسطينيين يتعلمون في سنّ مبكرة معنى الكلمات القاسية مثل الاجتياح، الحصار، السجون: "من الطبيعي أن يخلق ذلك رغبةً في المقاومة ويؤسس لكل ما يتم إنتاجه من إبداع"، على حدّ قوله.
دعوات إلى الحرية والسلام في العالم
بالإضافة إلى الدعوة إلى العدالة والمساواة، تحمل أغاني بشار العديد من مصطلحات الرفض في محاولة تبدو واضحةً لمقاومة الواقع المفروض والمطالبة بالتغيير، كما تحمل هذه الأغاني دعوات للحرية والسلام في العالم دون أن تفقد الفخر بالخصائص الشخصية والثقافية، والفخر بالهوية الجماعية والفردية، مع حضور قوي للرموز والأسماء الفلسطينية.
ومن أبرز أغانيه باللغة الإنكليزية: (Wild West ,ITSAHELL! , INTIFADA ON THE DANCE FLOOR).
"الطريق الذي لم يكن من المفترض أن يستغرق 15 دقيقةً في السيارة بين رام الله والقدس، أصبح يستغرق 120 دقيقةً، وربما أكثر بسبب الحواجز وممارسات الاحتلال الذي يسرق أفراحنا، وهويّتنا، وأعمارنا كما يسرق أرضنا"
يربط بشار النضال الفلسطيني بالنضال العالمي من أجل التحرير، في إشارة إلى إنجازات حركة الحقوق المدنية الأمريكية التي تحدّت الفصل العنصري والتمييز ضد الأفارقة، وفككت قوانين الفصل العنصري، وروّجت لحقوق متساوية للأمريكيين من أصل إفريقي، وهكذا نراه يغني: "ليتني أعرف كيف يكون شعور الحرية"، وهي النسخة العربية والإنكليزية من أغنية نينا سيمون (1967)، لبشار مراد.
أما أغانيه العربية فتميل إلى الجانب الاجتماعي، ومن أشهرها: "مسخرّة ، أنا زلمة ، شلّة همال ، ما بتغيّرني".
في هذا السياق، يقول بشار: "أرفض أي نوع من الظلم، وأغنياتي متنوعة سياسياً واجتماعياً وعاطفياً". ويرى أن أغنيته "الكل عم يتجوز"، أسعدت كثيرين بكلماتها، وعبّرت عنهم وعن تجربتهم، واصفاً هذا النوع من الفن الاجتماعي بأنه يقاوم الأنماط السائدة في المجتمع، وبأنه محاولة للتغيير وحماية الحرية الفردية واحترام خصوصية الأفراد وميولهم واختياراتهم دون الضغط عليهم: "تعلمت قيم الحرية من عائلتي، فأنا ابن هذا المجتمع المتنوع، وأمثّل إحدى قصص هذا المجتمع وألوانه".
في موسيقاه وكلماته، يتناول بشار مفاهيم الهوية والجنس والنوع الاجتماعي: "في سنّ مبكرة، بدأت باستكشاف كل هذه المعاني، أحببت الأشياء التي كانت مختلفةً عن أقراني وكان محيطي يتكون في الغالب من الفتيات، وهذا جعلني أدرك اختلافي، لذلك أصنع هذه الموسيقى لبشار الطفل الذي نشأ مختلفاً ومن دون قدوة أو بطل مثله".
التعبير عن النفس
يتحدث بشار مراد بكل فخر عن هويته الجنسية وانتمائه إلى مجتمع الميم-عين: "كوني فلسطينياً ومثلياً في الوقت نفسه فهذا عامل إثراء يجعلني أؤكد على هويتي الوطنية، وكذلك هويتي الجنسية، فالقيود التي يفرضها الاحتلال تخلق جوعاً إلى الحرية والإبداع، كما أن التنوع الفلسطيني وتعدد البيئات والظروف والهويات داخل المجتمع الواحد كلها تخلق ثراءً في الإنتاج الفني المستوحى من تجارب الحياة المختلفة".
دخل بشار في منافسة شرسة محاولاً تمثيل إيسلندا في مسابقة "اليوروفيجن"، حيث قدم أغنيةً عن الغرب "المتوحش"، كما قدّم أغنية HATARI – KLEFI / SAMED (صامد) بالتعاون مع الفرقة الإيسلندية HATARI التي اكتسبت شهرةً في العالم العربي بعد رفعها العلم الفلسطيني في مسابقة "اليوروفيجن" في تل أبيب عام 2019.
لا يعتقد بشار أن الجميع يجب أن يحبّوا عمله، لكنه يؤكد أن لديه جمهوراً متنوعاً من حيث العمر والهوية الجنسية/ الجندرية: "المسرح هو المكان الذي أعبّر فيه عن نفسي وأشعر فيه بخصوصيتي ووجودي وهويتي وأستطيع فيه التواصل مع الآخرين".
يبدو مسرح بشار فريداً بكل تفاصيله: "كل جزء من هويتي أعطاني القوة والتنوع، وأعلم أن الطريق صعب، ولكن في النهاية أحاول أن أقول ما أريد وأن أنال حريتي".
يبدو مراد متفائلاً بالتجارب الفنية الكويرية في العالم العربي، إذ يرى أنها تطورت وأصبحت أكثر احترافاً، ولكنها لا تزال بحاجة إلى الوقت والجهد لتكون أكثر وضوحاً واستمراريةً، متمنياً أن يكون هناك المزيد من التمكين والدعم للأفراد الكويريين لتطوير مواهبهم للوصول إلى الاحتراف، وفي الوقت نفسه يشجع الأفراد الكويريين على إظهار مواهبهم: "دور كل واحد منّا هو وضع حجر في هذا البناء حتى يكتمل في النهاية، فالثقافة والوعي الجماعي عملية تراكمية".
"كانت طفولة ملوّنة وجميلة برغم الصعوبات التي واجهتنا من الاحتلال. تأثرت بمحمود درويش وحسين البرغوثي وفدوى طوقان والعديد من الكتّاب والأدباء الفلسطينيين والعرب، وكل هذا خلق في نفسي وعياً بذاتي وهويتي وجعلني أكثر تمسكاً بها وبالدفاع عنها"
يصف بشار نفسه بأنه محبّ للتحديات، وهو يحاول تمهيد طريق فنّي طويل ولديه العديد من الإنجازات لتحقيقها، من بينها إقامة حفلات في العالم العربي، فهو يحاول الدخول في تجارب إبداعية مختلفة وأفكار جديدة، وتنويع عمله الفني، إذ إنه وإلى جانب الغناء وتأليف الكلمات والموسيقى، يعمل أيضاً في الإخراج ويشارك كعارض أزياء، ويصف هذا التنوع بأنه ضروري للفنّان، وبأنه يثري أفكاره ومسيرته ويوسع ثقافته ووعيه بما يحيط به: "ما نفعله بكل هذا الإنتاج الثقافي الفني هو التأكيد على هويتنا المتعددة في العالم العربي، فنحن مجتمعات شابة ومتفاعلة، وهناك الكثير من الموارد والإمكانات، لكننا بحاجة إلى الوقت والتجارب حتى نصل إلى مساحة فنية حرة تقبل المختلف، وحتى نصل إلى ذلك نقدم ما نستطيع ونخطو خطوةً على الطريق".
وفي النهاية، يؤكد بشار مراد على أن وقف الإبادة في غزّة هو ما يتمناه للمرحلة القادمة، بالإضافة إلى تطوير نفسه من الناحية النفسية: "أتمنى أن أكمل مسيرتي الفنية، وأن تكون لديّ مساحة لتطوير فني وقدرة أكبر على سرد قصتي للعالم أجمع، وأيضاً زيادة عدد المعجبين بي الذين أعدّهم عائلتي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...