شهد لبنان في السنوات الأخيرة، أزمات اقتصاديةً ومعيشيةً وسياسيةً متتاليةً أثّرت بشكل كبير على الحياة اليومية لسكانه، وشهد مؤخراً عدواناً إسرائيلياً، ترك على أثره العديد من الأفراد بيوتهم، وتوجهوا إلى المدارس الرسمية ومراكز الإيواء. من بين الفئات الأكثر تضرراً، النساء الحوامل اللواتي يواجهن تحديات غذائيةً حادةً تؤثر على صحتهنّ وصحة أجنّتهنّ.
فما هي التحديات الغذائية التي تواجهها المرأة الحامل في زمن الحرب وما بعدها، خاصةً أن مرحلة ما بعد الحرب قد تكون أخطر من الحرب نفسها بسبب الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والويلات الإنسانية التي تخلّفها؟
الواقع المرير
لا شك أنّ نقص التغذية الذي تعاني منه العديد من النساء الحوامل في أثناء الحرب وبعدها، يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، فالتغذية غير السليمة في أثناء الحمل يمكن أن تتسبب في انخفاض وزن المولود وزيادة معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال، كما أن نقص العناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد والكالسيوم يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية للأمّ والجنين على حدّ سواء.
ما هي التحديات الغذائية التي تواجهها المرأة الحامل في زمن الحرب وما بعدها، خاصةً أن مرحلة ما بعد الحرب قد تكون أخطر من الحرب نفسها بسبب الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والويلات الإنسانية التي تخلّفها؟
تكشف دراسة نشرتها مجلة "The Lancet"أن نقص التغذية في أثناء الحمل مرتبط بزيادة مخاطر الولادة المبكرة وضعف نمو الجنين. وبدورها تشير دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب، أنّ اتّباع نظام غذائي غني بالحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والأسماك أمر مهم جداً في أثناء الحمل، في حين أن الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والدهون تؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.
كما تكشف الدراسة أنّ حمض الفوليك واليود والكالسيوم والفيتامين C، لدى جميع النساء الحوامل، هي المكملات الغذائية الوحيدة التي ثبت حتى الآن أنها ذات قيمة في الاستخدام الروتيني.
يبدو هذا منطقياً في حالة السلم، أما على أرض الواقع وفي أثناء النزاعات والحروب، فالأمر مختلف تماماً، إذ إنّ معظم مراكز الإيواء في لبنان التي توجه إليها عدد كبير من اللبنانيين/ ات بحثاً عن الأمان، تفتقر إلى المقومات اللازمة لتوفير الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الغذاء الصحي والمتوازن، إذ تعتمد الكثير من هذه المراكز على المساعدات الإنسانية التي تقدّمها المنظمات الدولية والمحلية، وهذه المساعدات غالباً ما تكون غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية، خاصةً للنساء الحوامل.
في هذا السياق، تقول سارة، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الكامل، لرصيف22: "في معظم الأحيان، كنّا نحصل على حصص غذائية و’كراتين’ تحتوي على الطحين والأرز والمعكرونة على أنواعها، لكن لا يوجد ما يكفي من البروتين أو الخضار، وهي أمور ضرورية لنا كحوامل".
وتضيف: "نحن في وضع نفسي صعب، ومن جهتي أشعر بالقلق على صحة طفلي الذي لم يولد بعد، وذلك لأنني لا أستطيع أن أعتني بنفسي وبنظامي الغذائي في ظل هذه الأوضاع".
في حديثها إلى رصيف22، ترى المعالجة النفسية زينب دكاك، أنّ المرأة الحامل في أثناء النزاعات والحروب تعيش في وضع نفسي صعب بسبب الخسائر المتراكمة، وتختبر الإجهاد الشديد نتيجة الخلل الهرموني والقلق المتزايد على مصير طفلها والغموض تجاه صحتها وصحة طفلها وذلك بسبب الشعور بالوحدة وخوفاً من نقص التغذية المتوازنة وغياب العناية الصحية: "تخاف الأمّ على نمو طفلها، وقد تختبر اضطرابات نفسيةً عديدةً".
وتشير دكاك إلى أنه خلال الأشهر الأولى من الحمل، يجب أن يكون الغذاء الصحي متوافراً للمرأة الحامل، وذلك لضمان نمو الجنين بصورة طبيعية، ونقص التغذية سوف يجعل هذه الأم في حلقة مفرغة من الخوف والقلق، ما يؤثر سلباً عليها وعلى صحتها الجسدية: "المرأة الحامل بحاجة إلى الفيتامينات والكالسيوم والحديد، وغياب هذه العناصر يؤدي إلى أمراض جسدية ونفسية ويصبح القلق سيّد الموقف"، مشددةً على أهمية تقديم العلاج النفسي والغذاء الصحي والمتوازن للنساء الحوامل من خلال تضافر جهود الجمعيات.
تحديات كثيرة
في الحقيقة، من بين التحديات الرئيسية التي تواجه موضوع التغذية في أثناء الأزمات والحروب، هو نقص التمويل اللازم لتوفير الغذاء الصحي والمتنوع، خاصةً للنساء الحوامل أو حتى "للأمهات الجديدات".
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات اللوجستية مثل صعوبة الوصول إلى المناطق النائية أو تأخر وصول المساعدات بسبب الأوضاع الأمنية، تعيق الجهود الرامية إلى تحسين الوضع.
المجتمع الدولي مطالب اليوم وحتى مع وقف إطلاق النار، بتقديم دعم أكبر للبنان لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية التي تتخطى في تبعاتها موضوع عودة النازحين/ ات إلى ضيعهم/ نّ ومناطقهم/ نّ، إذ يجب أن تتضافر الجهود الدولية لتوفير الموارد اللازمة وتقديم الدعم المالي والنفسي، خاصةً للنساء الحوامل اللواتي يعشن فترةً صعبةً جداً في حياتهنّ
انكبت العديد من المنظمات الدولية، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف، على تقديم المساعدات الغذائية في مراكز الإيواء في لبنان، وتحاول هذه المنظمات توفير حصص غذائية مدعمة بالفيتامينات والمعادن الأساسية، بالإضافة إلى محاولة تحسين الوعي الغذائي بين النساء الحوامل من خلال جلسات التوعية، غير أن التحديات على الأرض كبيرة، وفق ما يقول أحد المتطوعين في جمعية محلية: "نحاول تقديم الدعم الغذائي للأمهات الحوامل، لكن التحديات كبيرة. التمويل محدود، كما أن الوصول إلى بعض المناطق اللبنانية صعب بسبب الوضع الأمني"، مشدداً على أن التعاون مع المجتمعات المحلية والجمعيات يمكن أن يكون له دور إيجابي في تحسين الوضع بشكل عام.
بناء إستراتيجيات متكاملة
للتغلب على هذه التحديات، من الضروري العمل على إستراتيجيات متكاملة تركز على تحسين التمويل والتعاون بين المنظمات الدولية والمحلية. يمكن تعزيز برامج الرعاية الصحية والتغذية من خلال توفير دعم مالي أكبر وتسهيل الوصول إلى المناطق المتضررة، كما ينبغي التركيز على تعزيز الوعي الغذائي بين النساء الحوامل لضمان استفادتهنّ من الموارد المتاحة.
كما أن المجتمع الدولي مطالب اليوم وحتى مع وقف إطلاق النار، بتقديم دعم أكبر للبنان لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية التي تتخطى في تبعاتها موضوع عودة النازحين/ ات إلى ضيعهم/ نّ ومناطقهم/ نّ، إذ يجب أن تتضافر الجهود الدولية لتوفير الموارد اللازمة وتقديم الدعم المالي والنفسي، خاصةً للنساء الحوامل اللواتي يعشن فترةً صعبةً جداً في حياتهنّ.
إن تحسين التغذية للنساء الحوامل في أثناء الحرب وبعدها، ليس مجرد ضرورة إنسانية، بل هو استثمار في صحة الأجيال القادمة. من خلال توفير الغذاء الصحي والدعم اللازم، يمكننا تحسين حياة الآلاف من النساء وأطفالهنّ والمساهمة في بناء مستقبل أفضل وأكثر استقراراً للبنان.
في النهاية، في ظل التحديات الحالية التي يعيشها الشعب اللبناني، يبقى الأمل في الجهود المشتركة بين الحكومات والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لتوفير الدعم اللازم وتحسين الظروف المعيشية، خاصةً للحوامل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم