شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أضع يدي على بطني وأتحسس صغيري"... ما تأثير فيديوهات ضحايا غزة على الحامل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 10 نوفمبر 202303:05 م

"أظن أن قرار إنجاب طفل في هذا العالم، فيه مخاطرة كبيرة. أفكر في ذلك الآن، وأنا على وشك أن أُرزق بطفلي الأول بعد شهرين فقط. ولكن بعدما شاهدت وحشية العالم، وما يحدث لأطفال غزة، تمنيت لو أنني وزوجي لم نتعجل في هذه الخطوة"؛ هذا ما تقوله منى صابر (26 سنةً)، من محافظة الجيزة لرصيف22.

تضيف منى: "أحاول ألا أتابع ما يحدث هناك. أضع يدي على بطني وأتحسس صغيري وهو آمن. لا أعرف ما إذا سيكون في أمان بقية حياته، ولكني الآن فهمت لماذا يتبنى بعض الأشخاص فكرة اللا إنجاب، فنحن في النهاية مسؤولون عن هؤلاء الأطفال وسنحاسَب عليهم أمام الله، ولكن العالم حولنا أصبح بلا رحمة".

مشاعر مختلطة

ما يحدث في غزة أثّر على منى بشكل كبير، إلى درجة أنها باتت تنخرط في البكاء لوقت طويل، وتفقد قدرتها على النوم بانتظام، وتشعر بالقلق الدائم على طفلها ومستقبله، كما أنها تشعر بالحزن بسبب موت الأطفال دون أي ذنب.

في الحقيقة، هناك مشاعر مختلطة تشعر بها المرأة الحامل عندما تراقب ما يحدث في غزة من مشاهد قتل للأبرياء والأطفال، خاصةً الأم التي تنتظر استقبال طفلها في القريب العاجل. تنظر إلى ما يحدث لأطفال غزة، وتعكس المشهد متخيلةً أن ذلك قد يحدث لطفلها.

"أحاول ألا أتابع ما يحدث هناك. أضع يدي على بطني وأتحسس صغيري وهو آمن. لا أعرف ما إذا سيكون في أمان بقية حياته، ولكني الآن فهمت لماذا يتبنى بعض الأشخاص فكرة اللا إنجاب، فنحن في النهاية مسؤولون عن هؤلاء الأطفال وسنحاسَب عليهم أمام الله، ولكن العالم حولنا أصبح بلا رحمة"

تقول رباب سعيد (29 سنةً)، من محافظة القاهرة، والتي رُزقت بابنتها الأولى قبل أشهر فقط، لرصيف22: "لا أعرف كيف يتعامل البعض بسهولة. كلما شاهدت فيديوهات الأطفال وراقبت ما يحدث لهم في غزة، أتخيل لو أن ابنتي يحدث لها ذلك. في بعض الأحيان، أجدني أتمسك بها بشدة. لا أعرف إن كان هذا قد تجاوز حد الخوف الطبيعي ليصبح هلعاً أو اضطراباً نفسياً، ولكن أنا أشعر كما لو كانت هي داخل هذا الصراع. أشاهد الرُضّع الصغار ولا أحد يلتفت إليهم فأُصاب بالذعر، وأنتفض وأشاهد الكوابيس بسبب ما يحدث هناك".

تضيف رباب: "يسخر مني بعض أصدقائي عندما أُخبرهم بما أشعر به. يقولون: احمدي ربنا. أتساءل أحياناً إن كنت أتعرض لاكتئاب ما بعد الولادة، ولكن أنا أعيش حالةً من القلق المستمر والمتواصل".

تعليقاً على هذه النقطة، تقول باحثة الدكتوراه في الصحة النفسية، سهى صبحي السيد، لرصيف22: "تعيش المرأة الحامل في أثناء الحروب حالةً من القلق والتوتر المستمرين، فقد تشعر بالقلق بشأن سلامتها وسلامة جنينها ومستقبله، وقد يتسبب التوتر المستمر في زيادة مستويات الهرمونات الضارّة، التي تؤثر على الحمل وتالياً زيادة مستويات الإجهاد النفسي التي تزيد من مخاطر المشكلات الصحية، كما أن مشاهدة مشاهد الحروب المؤلمة تؤدي إلى تدهور المزاج وزيادة الاكتئاب، ويكون ذلك من خلال الشعور بالعجز والحزن الشديد والاضطرابات النفسية وهي من بين الأعراض الشائعة للاكتئاب في هذه الحالات، وهذا قد يؤثر على الراحة العامة والسلامة العاطفية للأم".

أعراض خطيرة

يذكر موقع باب ميد، المكتبة الوطنية للطب بالولايات المتحدة، في دراسات على مجموعة من النساء اللواتي شاهدن بعض الأحداث العسكرية والكوارث الطبيعية، أن النساء الحوامل هنّ الأكثر هشاشةً بين جميع الفئات التي تتعرض لهذه الأحداث، خاصةً أن صحتهنّ الذهنية تكون الأكثر تأثراً، ويكنّ الأكثر قلقاً وتوتراً من الأحداث، وأيضاً في التعامل مع المحيطين بهنّ، وهذا التأثير ظهر على النساء الحوامل أكثر من النساء اللواتي لا ينتظرن طفلاً.

ويوضح الموقع، معتمداً على تصريحات أطباء نفسيين، أن التعرض المباشر وتتبع أخبار الكوارث والحروب يؤديان إلى تعرّض المرأة الحامل لضائقة نفسية، ويؤثر ذلك بشكل كبير ليس على الأم فحسب، بل على الطفل الذي تحمله، ويتعدى الأمر ليصل إلى الصحة الجسدية، فتشعر بآلام في الجسد، وقد تلاحظ تساقطاً مستمراً لشعرها.

"كلما شاهدت فيديوهات الأطفال وراقبت ما يحدث لهم في غزة، أتخيل لو أن ابنتي يحدث لها ذلك. في بعض الأحيان، أجدني أتمسك بها بشدة. لا أعرف إن كان هذا قد تجاوز حد الخوف الطبيعي ليصبح هلعاً"

تعرض سهى صبحي السيد، مجموعةً من الأعراض الخطيرة التي قد تحدث للمرأة الحامل التي تستمر في مشاهدة ما يحدث في غزة بشكل متواصل: "قد تعاني المرأة الحامل من صعوبة في النوم، بسبب مشاهد الحروب المؤلمة والقلق والتوتر التي تصاحبها أيضاً، وقد تؤثر على جودة النوم والاسترخاء والراحة العامة للمرأة الحامل، كما أن الإجهاد النفسي للأم قد يؤثر على صحة الجنين".

وتتابع: "لذا، إذا كانت المرأة الحامل تتعرض لمشاهد عنيفة ومؤلمة بانتظام، فقد يكون لها تأثير على الحالة النفسية للجنين، وإذا كانت المرأة الحامل تتعرض لمشاهد عنيفة ومؤلمة بانتظام، فقد يؤثر ذلك على العلاقة بين الأم والجنين".

دعم مفقود

من بين ما تعاني منه المرأة الحامل في أثناء تعرضها بشكل مباشر أو غير مباشر للحروب والكوارث الطبيعية، عدم تفهّم المحيطين بها للحالة النفسية التي تمر بها.

تقول عفاف أحمد (32 سنةً)، من محافظة القاهرة، لرصيف22، إن أكثر ما يؤلمها في أثناء متابعة فيديوهات أحداث غزة، ما تتعرض له النساء الحوامل هناك، خاصةً بعدما عرفت أن هناك آلافاً من النساء اللواتي ينتظرن مواليدهنّ دون وجود أي إمكانات قد تساعدهن في الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة.

تضيف عفاف: "أتخيل نفسي مكان أي امرأة من هؤلاء النسوة، ولا أستطيع حتى تخيّل ما قد يحدث لي وما قد أفعله وقتها. الموضوع صعب جداً ومستحيل أن تتحمله امرأة عادية، فما بالك بامرأة حامل تحتاج إلى الدعم؟ أخاف مما يمكن أن يحدث لي أيضاً. أصبحت سوداويةً قليلاً. أخبر زوجي أنه ربما يحدث شيء ولن أجد طبيباً يساعدني على الولادة. يسخر مني بالطبع ولا يتفهم طبيعة قلقي وهوسي".

في هذا السياق، تشير باحثة الدكتوراه، سهى صبحي، إلى أن الدعم النفسي مفيد جداً في تلك الحالات للمحافظة على الصحة النفسية للمرأة الحامل، التي تتأثر بأقلّ كلمة، وتنتظر التفهم المستمر والدعم، وأي شيء خلاف ذلك قد يؤثر عليها سلباً وعلى جنينها.

بدوره، يوضح طبيب النساء والتوليد هشام محمد، لرصيف22، هذه النقطة، قائلاً: "قد يظن البعض أن هذه الأحداث بعيدة عن السير الطبيعي للحمل، ولا تؤثر بشكل خطير عليه، ولكن علينا أن ننبّه إلى أنه إن كانت المرأة تتعرض لهذه الأحداث بهشاشة كبيرة وتأثر واندماج شديدين فقد يؤثر ذلك مع الوقت على الطفل الذي في أحشائها، شأنها في ذلك شأن تعرضها لأي ضغط نفسي، إلى جانب أن ذلك قد يؤثر على ضغطها ويعرضها لمشكلات جسمانية كبيرة".

وقد أظهر معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات في دراسات بحثية له، أن المرأة الحامل تحتاج إلى الدعم المستمر خلال فترة الحمل، وكذلك بعد فترة الولادة، وأظهرت دراسة على أكثر من 400 امرأة حامل، أن النساء اللواتي يتوافر لهنّ الدعم من قبل المحيطين بهن، سواء الأقارب أو حتى الطبيب/ ة المعالج/ ة، وقت الضغوط النفسية، هنّ الأكثر قدرةً على المقاومة والتغلب على المشكلات، وكذلك الأكثر تمتعاً بصحة نفسية سليمة.

"قد تعاني المرأة الحامل من صعوبة في النوم، بسبب مشاهد الحروب المؤلمة والقلق والتوتر التي تصاحبها أيضاً، وقد تؤثر على جودة النوم والاسترخاء والراحة العامة للمرأة الحامل، كما أن الإجهاد النفسي للأم قد يؤثر على صحة الجنين"

من هنا، توجّه سهى صبحي عدداً من النصائح إلى المرأة الحامل التي يمكنها اتّباعها كمحاولة للتغلب على المشكلة، ومنها:

أولاً- تُنصح المرأة الحامل بالابتعاد عن المشاهد العنيفة والمؤلمة، والتركيز بدلاً من ذلك على الأنشطة والمواد التي تعزز الاسترخاء والراحة النفسية لديها، فقد تساعد الأنشطة المهدئة مثل الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، وممارسة التأمل واليوغا، والقراءة، في التركيز على أنشطة إيجابية ومريحة تساعد على تهدئة العقل والجسم.

ثانياً- توفير الدعم الاجتماعي، عن طريق التحدث مع الشريك أو الأصدقاء المقربين أو الأفراد الموثوق بهم وهو ما يمكن أن يكون مفيداً، ويمكن للدعم الاجتماعي أن يساعد على تخفيف التوتر والقلق وتوفير بيئة داعمة.

ثالثاً- التركيز على الاسترخاء والتنفس: يمكن لتمارين التنفس المركّز وتقنيات الاسترخاء مساعدة المرأة الحامل على التحكم في القلق والتوتر، ويمكنها تعلم تقنيات التنفس العميق والتأمل للحصول على شعور بالهدوء والاسترخاء.

أخيراً- البحث عن الدعم المهني: في حالة استمرار الآثار السلبية وتأثيرها على الحالة النفسية والصحة العامة، ينبغي للمرأة الحامل طلب المساعدة، إذ يمكن أن يساعد الاستشاري/ ة النفسي/ ة أو الأخصائي/ ة النفسي/ ة، في تقديم الدعم والإرشاد المناسبين للتعامل مع التحديات النفسية.

باختصار، إن الحروب والصراعات تشكل خطورةً كبيرةً على صحة الأم وطفلها في آن واحد، خاصةً أن هذه المشاهد والضغوط النفسية التي تتعرض لها تؤثر بشكل كبير على صحتها النفسية في المقام الأول، وكذلك صحتها الجسدية، ومن أهم هذه المخاطر التي تتعرض لها الإصابة بالضغط والاكتئاب والقلق، والتوتر المرضي الذي ينعكس بشكل كبير على الجنين الذي تحمله.

لذا، علينا جميعاً أن نتكاتف من أجل أن نحقق الأمان النفسي للأم وجنينها في آن واحد، وأن نزيد من قدر التوعية التي تجعل بقية أفراد المجتمع يدركون أهمية الصحة النفسية للأم، ومدى هشاشتها وتأثرها بكل ما يدور حولها. فالأم بحاجة دائمة إلى دعم، خاصةً في وقت الأزمات والحروب، وعلى الأمهات أيضاً أن يوصلن أصواتهن إلى العالم حتى يتفهم طبيعة معاناتهنّ.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image