قبل ثلاثة أعوام، وفي مؤتمر المناخ كوب26 في غلاسكو، بدأ الحديث بشكل واضح عن علاقة الدين والإيمان بحماية البيئة. ووجّهت العديد من الجهات الدينيّة رسالة للوفود المفاوضة بضرورة النظر إلى العمل الروحيّ على أنه مُحفِّز للعمل المناخيّ مع التركيز في الوقت ذاته على أهمية العلم. وفي مؤتمرات المناخ اللاحقة بات للمجتمعات الدينيّة والروحيّة حضور أكبر حيث أخذت زخماً العام الفائت في كوب28 بدبي مع تخصيص جناح لـ"الإيمان"، تحت شعار "جعل الإيمان في الخطوط الأمامية للعمل المناخيّ".
وفي مؤتمر المناخ كوب29 الذي أقيم هذا العام في باكو، كان لجناح الإيمان مساحة كبيرة بين أجنحة الدول والتجمعات الأخرى، تحت رعاية مجلس حكماء المسلمين وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ووزارة التسامح والتعايش في الإمارات وغيرها من المؤسسّات الدينيّة، وعقدت فيه على مدار أسبوعين عشرات الجلسات التي تناولت مواضيع متنوعة مثل تشجيع سبل الحياة المستدامة، ومعرفة الآثار غير المادية للتغيّر المناخيّ، وأهمية التمويل الإسلاميّ لمشاريع الطاقة المتجددة، ودور القيادات النسائية في تحقيق العدالة المناخيّة، وكيفية استخدام المعارف التقليدية في حماية البيئة.
في هذه المادة، يحاول رصيف22 استكشاف ملامح علاقة الدين والمؤسسّات الروحيّة مع مفاهيم العمل المناخيّ، وذلك من خلال ما لاحظناه في فعّاليات جناح الأديان في كوب29، وأيضاً من خلال طرح مجموعة من الأسئلة على منسقة الحملات والتواصل العالمي في مشروع "أمّة لأجل الأرض" في منظّمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نهاد عواد، وهو المشروع الذي كان له حضور واضح أثناء المؤتمر.
في كوب26، بدأ الحديث المباشر عن علاقة الدين والإيمان بحماية البيئة. وجّهت جهات دينيّة عديدة للوفود المفاوضة رسالة بضرورة النظر إلى العمل الروحيّ على أنه مُحفِّز للعمل المناخيّ. في كوب28 بدبي كان للمجتمعات الدينيّة والروحيّة حضور أكبر تحت شعار "جعل الإيمان في الخطوط الأمامية للعمل المناخيّ"
ما هي فكرة العمل البيئي الدينيّ ضمن مؤتمرات المناخ؟ وما هو دور المنظّمات والتحالفات الدينيّة في دفع عملية التفاوض المناخيّ نحو الأمام؟
يشير القائمون على جناح الإيمان إلى أنه "منصة رائدة مخصصة لاستكشاف وتعزيز التقاطعات الحيوية في الإيمان والعدالة والمسؤولية البيئة، تعمل كمركز تنسيق ومساحة للتجمع، وتوحد قادة الإيمان والعلماء والناشطين وصناع السياسات لإلهام العمل المناخيّ الشامل والعادل، وسد الفجوة بين الضرورات الأخلاقية والبيئية في عصرنا".
وفي تصريحات صحافية، تحدث الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين عن أن "جناح الأديان تجربة استثنائية لدور الأديان في معالجة التحديات المناخيّة، وهي ليست مجرد تحديات علمية أو اقتصادية وإنما اختبار حقيقي للوعي العالمي ومسؤوليته الأخلاقية، كما أن الجناح يبعث رسائل بأن القيم الدينيّة يمكن أن تتحوّل إلى قوة ملهمة تدفع نحو تغيير جذري ومستدام".
بدورها، تقول نهاد عواد إن مشروع "أمة لأجل الأرض" نظّم فعّاليتين في كوب29 حول "تطويع التمويل الإسلاميّ لإحراز التقدّم في مجال الطاقة المتجدّدة" و"ربط الإيمان بأصوات الشباب من أجل العمل المناخيّ". خلال الفعّاليتين، وُجِّهت مجموعة من المطالب للقادة الدينيّين الموجودين في المؤتمر، لدفعهم إلى المشاركة بفاعلية أكبر في العمل المناخيّ وقيادته.
وتُضيف: "كتحالف مناخيّ منبثق من منطلق إيماني، نؤمن بوجود تقاطع ونقاط مشتركة بين القيم الإسلاميّة والعمل المناخيّ. لذلك بدأنا بالتركيز في عملنا على دفع قطاع التمويل الإسلاميّ لسد الثغرة الموجودة في التمويل المناخيّ، كما يشارك أعضاء تحالفنا في حوارات ومؤتمرات المتعلقة بعملية التمويل المناخيّ وأزمة المناخ، للدعوة إلى ضرورة دفع عملية التمويل المناخيّ إلى الأمام". الجدير ذكره أن مؤتمر المناخ الأخير ركّز بشكل كبير على موضوع تمويل العمل المناخيّ الذي كان محور النقاشات الأساسي لهذا العام.
ما هي النظرة تجاه موضوع التمويل الإسلاميّ في مجال العمل المناخيّ؟
نهاد عواد: لقطاع التمويل الإسلاميّ إمكانيات فائقة الأهميّة لدفع الأجندة المناخيّة العالمية قدماً وزيادة الاستثمارات في المشاريع البيئية والمستدامة ومشاريع الطاقة المتجددة. وقد أطلقنا حملتنا "التمويل الإسلاميّ لأجل الأرض" وتقرير "التمويل الإسلاميّ والطاقة المتجدّدة"، وهو جهد معرفي تعاوني بين غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من تحالف أمّة لأجل الأرض ومبادرة التمويل الأخلاقي العالمية (GEFI).
يبحث هذا التقرير في العلاقة العميقة بين التمويل الإسلاميّ والطاقة المتجددة، مما يوفّر تحليلاً شاملاً لكيفية دفع الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلاميّة إلى التحوّل العالمي إلى الطاقة المستدامة، ويشكّل دعوة إلى العمل على هذا الأساس. وقد وجدنا مثلاً أن تخصيص 5% فقط من أصول قطاع التمويل الإسلاميّ البالغة قيمتها 4.5 تريليون دولار لمشاريع الطاقة المتجددة، يمكنه المساهمة بـ400 مليار دولار للتمويل المناخيّ بحلول عام 2030.
التمويل الإسلاميّ مناسب تماماً لدعم العديد من القطاعات في مجال الطاقة المتجددة نظراً لتركيزه على الأصول الملموسة والاستثمارات الأخلاقيّة، إذ تتماشى مشاريع الطاقة الشمسية مع مبادئ التمويل الإسلاميّ لأنها تنطوي على أصول مادية واضحة وتوفر عوائد طويلة الأمد ومستقرة، ويمكن أن تستفيد طاقة الرياح من التمويل الإسلاميّ بشكل فعّال لا سيّما في إطار هياكل تأجير توربينات الرياح، ويمكن دعم مشاريع كفاءة الطاقة في المباني والصناعة من خلال تمويل المرابحة. كما أن التركيز على تقاسم المخاطر في التمويل الإسلاميّ يجعله مناسباً لدعم مشاريع الطاقة المتجددة المجتمعية، وتعزيز التنمية الاجتماعية إلى جانب المنافع البيئية.
نأمل أن نشهد خلال السنوات المقبلة تزايد استثمارات قطاع التمويل الإسلاميّ في مجال الطاقة المتجدّدة، خاصّة وأننا قدّمنا في تقريرنا المذكور منهاج عمل محدد يتضمّن مخطّطاً عملياً لإشراك أصحاب المصلحة، وتعزيز التعاون، وحشد رأس المال لمشاريع الطاقة المستدامة. ونأمل الالتزام بدعوة العمل هذه من قبل أصحاب المصلحة والجهات المعنية والفاعلة ومنها مؤسسّات التمويل الاجتماعي الإسلاميّة، وعلماء الشريعة، والجهات التنظيمية وواضعي السياسات، والمصارف متعددة الأطراف، والمؤسسّات المالية وغيرهم. هذه المقاربة يمكن أن تحدث تحوّلاً نوعياً في القطاع من خلال جعله أكثر التزاماً بالاستدامة.
هل يمكن أن تُفهَم بعض الرسائل التي توجهها الجهات الدينيّة على أنها تركيز على دور الأفراد فقط في حماية البيئة دوناً عن أدوار الشركات والحكومات التي تعد الملوِّث الأكبر؟
في عدد من الفعّاليات التي حضرها رصيف22 ضمن كوب29 ومجموعة من النقاشات ذات الصلة، كان هناك تركيز كبير على دور الأفراد في حماية البيئة، وعلى الرسائل التي لا بد من توجيهها للأفراد والمجتمعات كي يضطلعوا بدورهم في هذا السياق. هذا الدور مهم بالتأكيد لكن قد يُفهم في نهاية المطاف بأنه كافٍ لتحقيق الأهداف المناخيّة العالمية. وهذا ما دفعنا لطرح السؤال على نهاد عواد، لتجيب: "رسائلنا ودعواتنا للعمل البيئي موجهة للجميع، والكل اليوم لديهم دور لحماية البيئة في إطار إمكانياتهم، من الأفراد وصولاً إلى الحكومات.
في كوب29، كان لـ"جناح الإيمان" مساحة كبيرة بين أجنحة الدول والتجمّعات الأخرى، تحت رعاية مجلس حكماء المسلمين وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ووزارة التسامح والتعايش في الإمارات، وعقدت فيه عشرات الجلسات حول مواضيع مثل أهمية التمويل الإسلاميّ لمشاريع الطاقة المتجددة
يهمّنا بالفعل كتحالف أن ندعم إمكانية المجتمعات المسلمة والشباب المسلم في العمل البيئي وأن نرفع أصواتهم في إطار المحادثات المناخيّة العالمية، ولكن أيضاً ندعو من خلال رسائلنا الحكومات والشركات والملوّثين التاريخيين إلى تحمّل المسؤوليات والالتزام بدورهم بتعويض الخسائر والأضرار المناخيّة والتصدي لأزمة المناخ بشكل فعّال لحماية الفئات الأكثر هشاشة حول العالم".
سألناها أيضاً عن رأي المشروع في دور النساء والشباب في حماية البيئة، فأجابت: "تمكين الفئات الأقل تمثيلاً وإدماجاً وهشاشة هو أحد دوافع العمل الرئيسية. يجب أن يكون للنساء والشباب دور فاعل في العمل المناخيّ العالمي وأن يتم الاستماع لأصواتهم وإدماجها في إطار المحادثات المناخيّة العالمية بما يكفل حصول تغيير في صنع وتنفيذ سياسات مناخيّة أكثر عدلاً وشمولاً. ودورنا كتحالفات ومنظّمات تُعنى بالبيئة أن نعمل لتحقيق ذلك بشتّى الوسائل".
ما هو الأثر الذي تم تحقيقه حتّى اليوم في سياق توظيف الدين لغرض حماية البيئة؟ وما هي التطلعات للمستقبل؟
مع تصاعد النقاش عالمياً حول ضرورة تضافر وتكثيف الجهود من جميع الأطراف لوقف الكوارث المناخيّة التي باتت واضحة في كل أنحاء العالم، قد يكون من الصعب الحديث عن أثر ملموس للتحالفات والمنظّمات ذات الأساس الدينيّ بهذا المجال، فالمطلوب ربما هو أفعّال على نطاق أوسع وأكثر التصاقاً بالجهات المسبّبة للتغيّرات المناخيّة بشكل مباشر.
لكن ضمن هذا السياق تقول نهاد عواد: "نحن في ‘أمة لأجل الأرض’ حققنا إنجازات ملموسة تسلط الضوء على قوة التحرك الجماعي المبني على القيم الإيمانية لتحقيق العدالة المناخيّة، خاصة وأننا نشارك منذ كوب26 لتعزيز الشراكات مع منظّمات إسلاميّة وغير إسلاميّة لنشر رسالة الإيمان والعمل المناخيّ في المحافل الدولية.
"تحويل المساجد إلى مساجد خضراء تعمل بالطاقة الشمسية، بما يجسّد العلاقة بين الإيمان والعمل البيئي، وإصدار فتوى تتعلق بتغيّر المناخ في إندونيسيا لدعم التحوّل للطاقة المتجددة، وإطلاق حملات توعية خلال شهر رمضان والحج لتشجيع الممارسات المستدامة بين ملايين المسلمين في أنحاء العالم"... ماذا نعرف عن توظيف الدين في حماية البيئة؟
وممّا عملنا عليه حتّى الآن: تحويل المساجد إلى مساجد خضراء تعمل بالطاقة الشمسية، مما يجسّد العلاقة بين الإيمان والعمل البيئي، وإصدار فتوى تتعلق بتغيّر المناخ في إندونيسيا لدعم التحوّل للطاقة المتجددة، وإطلاق حملات توعية خلال شهر رمضان والحج لتشجيع الممارسات المستدامة بين ملايين المسلمين في أنحاء العالم. وحالياً نركز على أهمية إدراج حماية البيئة في منهاج تعليم القادة الدينيّين وعلى الترويج للتمويل الإسلاميّ المستدام".
وتختم: "نهدف إلى تغيير السرديّة القائمة في سبيل دفع الناس للعمل والقول إن الحلول بأيدينا، ونجاح هذا واضح من تفاعل المتابعين ويدلّ على قدرة ونجاح التحالف في التأثير على الخطاب العام. ونأمل أن نرى في المستقبل مشاركة حقيقية وفعّالة في إطار العمل المناخيّ العالمي للجهات الدينيّة الفاعلة، وتحوّلاً جذرياً في استثمارات قطاع التمويل الإسلاميّ. كما نأمل أن نرى جميع الجهات المعنية تتحمل مسؤولياتها والتزاماتها وتعمل بجد للتصدي لأزمة المناخ وضمان استمرار هذا الكوكب بشكل يضع جودة حياة الناس وصحتهم أولاً".
*أُنتِجت هذه القصة في إطار برنامج "الشراكة الإعلامية لتغيّر المناخ 2024"، وهي زمالة صحافية نظّمتها "شبكة صحافة الأرض" التابعة لمؤسسّة "إنترنيوز"، و"ستانلي سنتر" للسلام والأمن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم