وسط انتقادات حقوقية، مرّر البرلمان المصري قانوناً ينظّم لجوء الأجانب إلى البلاد، ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ فور التصديق عليه من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كخطوة أخيرة. ورغم أن البرلمان سعى إلى إبراز مكتسبات التشريع الأول من نوعه لتنظيم شؤون اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر، يخشى البعض أن يفتح القانون الباب لترحيل لاجئين كُثر لا تنطبق عليهم "المعايير المصرية".
يثير القانون تساؤلات عديدة متصلة بالتوقيت والهدف منه وأسباب إصرار الحكومة عليه في حين يرفضه الحقوقيون وقانونيون معنيون بقضايا اللاجئين، علاوة على عدد كبير من المواطنين كما يظهر في منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أبرز بنود القانون
من الآن فصاعداً، ستكون الحكومة المصرية هي المعنية بطلبات اللجوء والفصل فيها، وهو الدور الذي كانت تضطلع به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر طوال العقود الماضية، حيث استحدث القانون لجنة دائمة لشؤون اللاجئين، مقرها العاصمة القاهرة، وتتبّع مباشرةً رئيس مجلس الوزراء للفصل في طلبات اللجوء، وتكون هي "المهيمنة" على كافة البيانات والمعلومات الخاصة باللاجئين.
يُلزم القانون الجديد من يدخل البلاد بطريقة "مشروعة" بطلب توفيق أوضاعه خلال فترة ستة أشهر، وخلال سنة حداً أقصى لمن دخل البلاد بطريقة "غير نظامية".
ويمنح القانون من يحصل على صفة لاجئ الحق في التقدم للحصول على الجنسية المصرية، وهو ما البند الذي أثار غضب عدد كبير من المواطنين المصريين من القانون، كما تابع رصيف22 عبر السوشال ميديا.
يثير قانون لجوء الأجانب في مصر تساؤلات عديدة متصلة بتوقيت تمريره والهدف منه وأسباب إصرار الحكومة المصرية عليه في ظل الرفض الواسع له من قبل المنظمات المعنية باللاجئين، علاوة على عدد كبير من المواطنين كما يظهر في منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي
ووفق بنود القانون الـ39، فإنه محظور على من يكتسب وصف لاجئ، ارتكاب أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أية دولة أخرى، وكذلك مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس، أو الانضمام، أو المشاركة بأية صورة في أي من الأحزاب.
ومن العوامل التي يحدّدها القانون لرفض طلبات اللجوء الأسباب الجدية لارتكاب جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب لدى طالب اللجوء، أو ارتكابه جريمة جسيمة قبل دخوله مصر، أو ارتكابه أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو إدراج مقدم الطلب على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل مصر وفقاً للقانون، أو ارتكابه أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام.
لماذا الآن؟
يكتسب القانون الجديد أهمية في ضوء شكوى المسؤولين المصريين من استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين في السنوات الماضية، جرّاء الحروب والأزمات السياسية التي تشهدها دول الجوار حيث يقول برلمانيون إن مصر تحتّل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بين أكثر الدول استقبالاً لطلبات لجوء جديدة في عام 2023، وسط تقديرات حكومية بأن التكلفة المباشرة لاستضافة اللاجئين والمهاجرين والمقيمين الأجانب داخل مصر، تقدّر منظّمة الهجرة الدولية أعدادهم بتسعة ملايين، تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً. وهي الادعاءات التي كشفت منصات تدقيق المعلومات مثل "متصدقش" و"صحيح مصر" مراراً وتكراراً عدم دقّتها.
تشريع قانون ينظّم أوضاع اللاجئين ضمن خطوات أوسع شرعت فيها الحكومة المصرية خلال الأشهر الماضية، تشمل أيضاً حصر أعداد الأجانب وتقدير ما تتحمّله الدولة مقابل ما يتم تقديمه لهم من خدمات في مختلف القطاعات، ومضاعفة تكاليف تجديد الإقامة للأجانب في مصر بأكثر من ثلاثة أضعاف، ومطالبة الأجانب والمقيمين بصورة غير نظامية بسداد ألف دولار أمريكي لتسوية أوضاعهم وإثبات إقامتهم.
لماذا يرفضه الحقوقيون؟
أمام الإشادة البرلمانية بإنجاز مشروع يهدف لوضع تنظيم قانوني لأوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم، تعرض القانون لانتقادات من قبل مجموعة من المنظّمات الحقوقية، التي قالت إن المشرّع المصري تجاهل أصحاب المصلحة من اللاجئين وممثليهم والمنظّمات الحقوقية والأممية، وقدّم مشروع القانون دون إشراك الشركاء الدوليين أو منظّمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية حقوق اللاجئين، والتي تتولّى عبء إدارة آلية تحديد موقف اللجوء، وتقديم المساعدات لمجتمعات اللاجئين منذ عقود، بالتعاون مع أو نيابة عن الدولة في بعض الأحيان.
تتركّز الانتقادات على انعدام استقلالية اللجنة الدائمة التي ستبت في طلبات اللجوء حيث تتشكّل من رئيس مجلس الوزراء وممثلين عن وزارات حكومية، وهم موظفون عموميون غير مستقلين بعكس الوضع القائم الذي تتولّى فيه المنظومة الأممية المستقلة -المفوضيّة- تنفيذ القوانين واللوائح المعنية بتحديد وضع اللاجئ، بغض النظر عن التوجّه السياسي للحكومات المتعاقبة.
وقد مُنحت اللجنة الحق في طلب اتخاذ ما تراه من تدابير إزاء اللاجئين الذين تمنحهم اللجنة ذاتها الحماية بعد تحديد صفة اللجوء الخاصة بهم في حالات طارئة لم يُعرّفها النص بدقة، وهو ما يثير مخاوف مجتمع اللاجئين الذي يعاني بفعل ممارسات منتهكة لحقوقهم وغير متوافقة مع القانون الدولي أو القوانين المحلية من بينها الترحيل القسري.
وتنتقد المنظّمات الحقوقية قصر الحقوق الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والسكن، على من يحملون صفة اللاجئ، دون ملتمسي اللجوء إلى حين البتّ في مواقفهم، ما يهدّد برفع مظلّة الحماية الاجتماعية عنهم، ويجعلهم عرضة للاستغلال أو الابتزاز من مقدمي هذه الخدمات، فضلاً عن انعدام الأمان.
"القانون به ثغرات والبرلمان كان مطالباً بإفساح المجال للمناقشة قبل التصويت النهائي عليه لسد هذه الثغرات وتبديد المخاوف أنه مقيد ويوسع من العقوبات وتحديداً المواد المتعلّقة باكتساب صفة اللاجئ وما يترتب عليها من حرمانه من صفة اللجوء مثل أحقية اللجنة الحكومية باتخاذ التدابير اللازمة تجاه اللاجئ في حالات منها مكافحة الإرهاب أو الحروب أو الظروف الخطيرة أو الاستثنائية أو على أساس اعتبارات الأمن القومي والنظام العام، وهو ما يقوّض الضمانات الممنوحة للاجئين"، يقول الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كريم عنارة لرصيف22.
"المبادرة المصرية" لفتت في ورقة لها إلى أن هذا القانون يعصف بالحقوق الأساسية للاجئين إذ تمت صياغته بمعزلٍ عن المؤسسات الدولية المعنية بحقوق اللاجئين، وفي لحظة تاريخية شديدة الحساسية لزيادة أعداد النازحين والمحتاجين إلى الحماية من مصر، وتصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين واللاجئين، فضلاً عن المبالغة في الحديث عن حصولهم على حقوق لا يتمتعون بأغلبها في الأراضي المصرية.
من جهته، يعتقد المحامي المتخصص في قضايا اللاجئين، أشرف ميلاد، أن القانون الجديد يفتح الباب أمام ترحيل الكثير من اللاجئين الذين يسعون لتوفيق أوضاعهم، فمن يفشل في إثبات وضعه كلاجئ أو لم تمنحه اللجنة الحكومية الدائمة صفة لاجئ لا يجوز ترحيله والانتظار لحسم الاستئناف المقدم منه، كما أن مرتكب الجريمة من اللاجئين لا يجوز ترحيله فور ارتكابه أي جريمة والاكتفاء بالعقوبة الجنائية الموقّعة عليه وفق الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق اللاجئين بينما يجيز القانون الجديد ترحيل اللاجئين.
ويقول ميلاد لرصيف22: "طالب اللجوء مثل اللاجئ لكنه وفق هذا القانون سقطت عنه الحقوق. هذا يُعرّض فئات كثيرة منهم لمخاطر الترحيل في فترة طلب توفيق الأوضاع، كما أن المشرّع قارن طالبي اللجوء بالمجرمين في الفقرة المتعلّقة بإيواء طالبي اللجوء قبل تقنين الأوضاع وهي مزايدة من المشرّعين وهذه المادة تحتاج إلى إعادة صياغة".
يتحفّظ ميلاد كذلك على تشكيل اللجنة الحكومية التي تتبع رئيس الوزراء كونها مشكّلة من القضاة ووزارات الداخلية والخارجية والمالية، مع استدعاء مستشارين للحضور فقط من دون الاعتماد بشكل أساسي على المعنيين بملف اللجوء من منظّمات وشخصيات، ما يعني أن القانون -وفق تعبيره- "خرج على عجل ولم يخضع للنقاش الكافي وكان يجب أن يحدث حوار مجتمعي قبل التصويت النهائي عليه في مجلس النواب".
ويلفت المحامي المتخصّص في قضايا اللاجئين كذلك إلى أن القانون منح اللاجئين عدة امتيازات عبر إتاحة العمل للاجئ وممارسة المهن الحرة والحصول على وثيقة سفر من وزارة الداخلية المصرية إلى جانب حقوق أساسية أخرى كالتعليم والرعاية الصحية والسكن. لكن ذلك لا يحد من المخاوف عند دخول القانون حيز التنفيذ، لأن التعامل سيكون مع السلطات المصرية وليس مفوضية اللاجئين التي ستعود إلى "دور المتابعة" مع السلطات ولن تتدخّل في توصيف اللاجئ.
تتركّز الانتقادات على انعدام استقلالية اللجنة الدائمة التي ستبتّ طلبات اللجوء وهي تتشكّل من رئيس مجلس الوزراء وممثلين عن وزارات حكومية، وهم موظفون عموميون غير مستقلين بعكس الوضع القائم الذي تتولّى فيه المنظومة الأممية المستقلة -المفوضيّة- تنفيذ القوانين واللوائح المعنية بتحديد وضع اللاجئ، بغض النظر عن التوجّه السياسي للحكومات المتعاقبة
قلق اللاجئين السودانيين
تسبّب تمرير القانون الجديد في قلق لدى كثير من اللاجئين ولا سيما السودانيين منهم، فهم الأكثر تدفّقاً على مصر خلال الأشهر الماضية على وقع الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023 والتي تسبّبت في تشريد نحو 11 مليون شخص، نزحوا داخلياً أو لجأوا إلى الدول المجاورة والقريبة.
وأفادت مفوضية اللاجئين -استناداً إلى بيانات الحكومة المصرية- بأن مصر استقبلت أكثر من 1.2 مليون سوداني منذ اندلاع الحرب، تعذّر على الكثير منهم التسجيل في المفوضية كلاجئين، وينتظر آخرون الفرصة تحت مسمّى "ملتمس لجوء"، بينما تقطّعت السبل بآخرين سلكوا المعابر غير الرسمية بعد أن عزّزت مصر قيودها على استقبال السودانيين في العام الأخير، واشتراطها استصدار تأشيرة دخول للبلاد بدلاً من التعامل بوثائق السفر المؤقتة للسودانيين على المعابر المصرية.
وبينما يعيش طالبو اللجوء أوضاعاً أمنية غير مستقرة لاحتمال ترحيلهم في أي وقت قبل تسوية أوضاعهم، يساور القلق أيضاً من يحملون صفة لاجئ لقرب انتهاء تصاريح إقامتهم المعتمدة من قبل مفوضية اللاجئين. فاللاجئة السودانية ندى فضل التي ينتهي تصريح إقامتها في آذار/ مارس 2025، ولن تستطيع توثيق إقامتها الجديدة إلا في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2026، الموعد المقترح من قبل المفوضية المعنية بتجديد هذه التصاريح حتّى الآن، وهي فترة ستقضيها فضل تحت وطأة شبح الترحيل.
حصلت فضل قبل أسابيع قليلة على جائزة نانسن للاجئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2024، بفضل جهودها في مجال الإغاثة إذ استطاعت جمع مساعدات كبيرة لمئات العائلات التي قصدت مصر هرباً من الحرب، وأسّست مبادرة "روح" لدعم اللاجئين بمختلف جنسياتهم في محافظة الإسكندرية الساحلية.
تترقّب اللاجئة السودانية بقلق مصيرها ومصير الكثير من مواطنيها الذين وفدوا إلى مصر عقب تمرير القانون الجديد واقتراب دخوله حيز التنفيذ، لا سيّما أن الأوضاع كانت سيئة حتّى قبل إصداره ويتوقع حقوقيون أن تزداد سوءاً في الأشهر المقبلة. وتقول فضل لرصيف22: "هناك قلق وتخوّف في أوساط الجاليتين السودانية والسورية على وجه الخصوص لأنهما الأكبر عدداً، بسبب البنود الصعبة والتعجيزية التي وردت بالقانون. كثيرون لا يعلمون مصيرهم حيث يصدر القانون في وقت خاطئ بما يعقّد الأمور".
وترى فضل أن القانون خرج مدفوعاً بحملات تشويه وطرد اللاجئين من مصر بسبب الأعباء الاقتصادية التي حمّل البعض المسؤولية عنها للاجئين، كما تُبدي قلقها من قصر القرار بشأن اللاجئين على لجنة حكومية وزارية وتحدّد من تنطبق عليها مواصفات اللجوء وتقيّم أسبابه، كما لم يتضمن أية حقوق لملتمسي اللجوء خلال فترة نظر طلباتهم، ما يهدد بترحيل الكثيرين.
"لا نحصل على حماية من المفوضية أو الحكومة او السفارة، وهناك أشخاص لا يخرجون من أماكن سكنهم خوفاً من ترحيلهم، وهناك العشرات بينهم أطفال ونساء محتجزون في أقسام شرطة الإسكندرية منذ أكثر من شهر بسبب انتهاء تصاريحهم قد يتم ترحيلهم في أي وقت"، تُضيف مؤسسة مبادرة "روح".
تواجه الناشطة كذلك خطر حلّ جمعيتها التي أسّستها في محافظة الإسكندرية، لا سيّما أن القانون الجديد يحظر إنشاء والانخراط في الروابط والجمعيات الأهلية، لذا شرعت في تأسيس جمعية جديدة وفقاً للقانون المصري. تعقّب: "جمعيتي 'روح' بدأت بمساعدة المصريين قبل السودانيين. أخدم الجنسية اللاجئة والمواطن المصري، أحتاج إلى موافقات أمنية وتصاريح وأسير في إجراءات الحصول على تراخيص حكومية للجمعية".
هل انتهى دور مفوضية اللاجئين؟
ويظلّ السؤال الملح حول مصير وطبيعة مهام مفوضية اللاجئين بعد بدء تنفيذ القانون الجديد. في هذا الصدد، يوضح الباحث كريم عنارة أن التحوّل المرتقب في إدارة ملف اللاجئين من المفوضية السامية إلى اللجنة الحكومية المختصة بتنظيم شؤونهم، يلزم اللاجئين وطالبي اللجوء بتوفيق أوضاعهم خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية للقانون، وهو ما يتطلّب من الحكومة أن تمنح طالبي اللجوء مرحلة انتقالية للتدقيق وفحص ملفات المسجلين لدى المفوضية الأممية، حتّى لا يحدث ما أسماه فراغاً قانونياً.
تعتقد منظّمات حقوقية ومن بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن هذا الفراغ التشريعي والتنفيذي قد يشكّل تهديداً يمس حيوات آلاف الأشخاص المسجلين الذين ينتظرون اكتمال فحص طلباتهم، بتركهم في وضع قانوني مجهول، لا يخضع لإجراءات تنظيمية وإجرائية محددة قانوناً.
لا يبدو أن خروج المفوضية السامية للاجئين من المعادلة يثير المخاوف نفسها عند الجالية السورية، في ظل عدم استيعابها أعداداً كبيرة من طلبات اللجوء لقلة عدد مكاتبها إلى جانب عدم تحقيق العدالة في توزيع المنح المخصصة، وفق ما يقول رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين بمصر، تيسير النجار، مشيراً إلى أن المفوضية كانت جزءاً رئيسياً في أزمات اللاجئين لتفشّي الفساد بها، على حد قوله.
يضيف النجار لرصيف22: "اللاجئون يواجهون معاناة كبيرة في التواصل مع موظّفي ومسؤولي مفوضية اللاجئين التي تعاقدت مع شركات حراسة لتأمين أبوابها ومنع الاحتكاك مع اللاجئين عكس ما كان عليه الوضع حين نزح السوريون إلى مصر عقب الثورة السورية عاميّ 2011 و2012… باتت تعاملنا (يقصد المفوضية) كإرهابيين والأفضل الآن العمل بالتجربة التركية التي تمنح اللاجئين حق اللجوء مباشرةً بدون وساطة الأمم المتحدة". هذا علماً أن اللائحة التنفيذية للقانون الجديد سوف تحدّد شكل التعامل بين الحكومة واللاجئ.
ويشكّل السوريون نحو 17% من المهاجرين في مصر الذين يقدر عددهم نحو تسعة ملايين أجنبي، وهم من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، بحسب منظّمة الهجرة الدولية، علماً أن عدد السوريين المسجلين مع مفوضية اللاجئين في مصر ارتفع بشكل كبير من 12,800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153,000 شخص نهاية عام 2023.
استثمار ملف اللاجئين
ولا ينفصل قانون تقنين أوضاع اللاجئين عن الرغبة الحكومية في استثمار ملف اللاجئين لرفع سقف المعونات المقدمة من شركائها الأوروبيين. ولطالما تحدّث الحكومة المصرية عن الأعباء الاقتصادية التي تتحمّلها وحدها نتيجة استضافة 9 ملايين "ضيف" بين مهاجرين ولاجئين، إذ يعتبر الباحث عنارة أن أحد أهداف القانون الجديد هو إثبات العدد الفعلي للاجئين خصوصاً أن مفوضية اللاجئين لا تسجّل سوى 800 ألف فقط.
يقول نور خليل لرصيف22 إن السلطات المصرية لا تدّخر جهداً في التعامل مع مسألة اللاجئين والمهاجرين- حتّى المصريين منهم- كورقة تفاوض وطريقة للربح السياسي والمالي مع الشركاء الدوليين لمصر، معتبراً أن قانون لجوء الأجانب الجديد خرج من بُعد أمني فقط دون النظر إلى إشكاليات الحماية الرئيسة التي تواجه الأشخاص في حالة اللجوء أو التماسه
وشهدت السنوات الأخيرة تغييراً منهجيّاً لافتاً في علاقة الاتحاد الأوروبي بأنظّمة الشرق الأوسط، وتحديداً الدول التي تعدّ محطة للاجئين أو مقصداً لهم، مثل مصر وتونس وليبيا، بهدف منع وصول اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر رحلات غير نظامية تنطلق بحراً أو برّاً عبر هذه الدول.
وشهد العام الأخير تعزيز هذه الشراكة في شكل اتفاقيات وقروض من أجل اتخاذ إجراءات أكثر تشدّداً ضد المهربين والمتاجرين بالبشر وتوفير حماية أفضل للحدود التي يعبر منها المهاجرون قاصدين السواحل الأوروبية، وفي هذا الإطار أُعلن عن منحة قدرها 12.2 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لتلبية الاحتياجات الأساسية في الصحة والتعليم وتعزيز القدرة على صمود والحماية للاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء في أوضاع هشة في مصر، وكذلك للمجتمعات المضيفة لهم.
ويقول المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، نور خليل، لرصيف22 إن السلطات المصرية لا تدّخر جهداً في التعامل مع مسألة اللاجئين والمهاجرين- حتّى المصريين منهم- كورقة تفاوض وطريقة للربح السياسي والمالي مع الشركاء الدوليين لمصر، مشيراً إلى أن ذلك يتّضح من خلال "تكرار معلومات مغلوطة عن أعداد اللاجئين من مسؤولين حكوميين مختلفين إلى تحميلهم أعباء حدوث أزمات اقتصادية في البلاد، إلى تغيير السرديّة حول حقيقة الوصول للخدمات والعبء على خدمات المواطنين".
ويضيف خليل أن كل هذه التصريحات إما تأتي في سياق مخاطبة المواطنين المصريين، بما يزيد احتقان جريمة وظاهرة خطاب الكراهية تجاه اللاجئين بما يُترجم في صورة حوادث اعتداء عنصرية، أو في إطار مخاطبة الشركاء والمانحين الأوروبيين لطلب مزيد من الدعم الذي فشلت السلطات على مدار سنوات في توظيفه لخدمة المواطنين فضلاً عن اللاجئين، على حد قوله.
قانون اللجوء الجديد خرج من بُعد أمني فقط دون النظر إلى إشكاليات الحماية الرئيسة التي تواجه الأشخاص في حالة اللجوء أو التماسه، وفق خليل، الذي يضيف أنه بدلاً من معالجة إشكاليات نظام اللجوء المعمول به في مصر، استُحدِث نظام يوسّع صلاحيات الحكومة -عبر اللجنة المزمع إنشاؤها- دون فرض أية إجراءات حماية قانونية ودون التزام بالمعايير الدولية المفروضة على مصر بموجب التزاماتها الدولية، معرِّضاً الأشخاص لمزيد من الانتهاكات دون مساءلة أو محاسبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم